طريق الموت... سودانيون يحكون أهوال رحلة الفرار من دارفور

استهداف الناس بناء على عِرقهم... وسكان الجنينة اتخذوا قراراً جماعياً بالرحيل

جثث في شوارع الجنينة في 16 يونيو (أ.ف.ب)
جثث في شوارع الجنينة في 16 يونيو (أ.ف.ب)
TT

طريق الموت... سودانيون يحكون أهوال رحلة الفرار من دارفور

جثث في شوارع الجنينة في 16 يونيو (أ.ف.ب)
جثث في شوارع الجنينة في 16 يونيو (أ.ف.ب)

قال شهود عيان، الأربعاء، إن عدداً متزايداً من المدنيين السودانيين الفارّين من مدينة الجنينة في دارفور يلقون حتفهم، أو يُصابون برصاص الميليشيات، خلال محاولات الهرب سيراً على الأقدام إلى تشاد، منذ منتصف الأسبوع الماضي.

وأكد شهود ونشطاء «أن ميليشيات من قبائل البدو، إلى جانب أفراد من (قوات الدعم السريع)، التي تخوض صراعاً على السلطة مع الجيش السوداني في العاصمة الخرطوم، كانت وراء أعمال العنف في الجنينة، على مدى الشهرين الماضيين».

وحاول عدد كبير من الأشخاص التماس الحماية، بالقرب من مقر للجيش في الجنينة، في 14 يونيو (حزيران)، لكن حِيل بينهم وبينها، وفق ما قاله رجل يُدعى إبراهيم، وهو أحد السكان الذين وصلوا إلى بلدة أدري التشادية، على بُعد نحو 27 كيلومتراً من الجنينة.

نازحون ينتظرون تسجيلهم في أحد المخيمات القريبة من الحدود التشادية (رويترز)

وقال، عبر الهاتف مستخدماً اسمه الأول فقط: «إن ميليشياتٍ داهمتهم فجأة، وأطلقت الرصاص عليهم»، مضيفاً أنهم أُخذوا على حين غِرة، وأن هناك من لقوا حتفهم دهساً بالأقدام أثناء محاولات الفرار».

وتحدثت «رويترز» مع 3 شهود آخرين أصيبوا بطلقات نارية، أثناء محاولتهم الهرب من الجنينة، وأيضاً مع أكثر من 10 شهود قالوا إنهم شاهدوا أعمال عنف على الطريق من المدينة. ولم يتضح عدد الأشخاص الذين قُتلوا في الأيام القليلة الماضية، أثناء المغادرة.

وقالت منظمة «أطباء بلا حدود»، الاثنين، إن نحو 15 ألف شخص فرّوا من غرب دارفور، على مدى الأيام الأربعة السابقة، ونقلت عن كثيرين من الوافدين قولهم إنهم رأوا أشخاصاً أُصيبوا بالرصاص، ولقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من الجنينة، كما رصدت المنظمة حالات اغتصاب.

وقال أحد السكان، من تشاد، إن «سكان الجنينة اتخذوا قراراً جماعياً بالرحيل»، وإن معظمهم فرُّوا سيراً على الأقدام صوب الشمال الشرقي من الجنينة، لكن كثيرين منهم قُتلوا على الطريق.

جثث مغطاة في شوارع الجنينة (أ.ف.ب)

وقال الرجل، الذي يُدعى إبراهيم، إن قرار الفرار جاء بعد مقتل والي غرب دارفور، في 14 يونيو، بعد ساعات من اتهامه «قوات الدعم السريع»، والميليشيات المتحالفة معها، بارتكاب «إبادة جماعية»، في مقابلة تلفزيونية.

وأضاف إبراهيم: «الناس بعد أن علموا بخطف الوالي وقتله، قرروا مغادرة المدينة». واكتشف إبراهيم فيما بعد أن 8 من أفراد عائلته لقوا حتفهم؛ من بينهم جَدّته، وأن والدته تعرضت للضرب.

وجاء في بيانات لـ«الأمم المتحدة»، أن الحرب، التي اندلعت في أبريل (نيسان)، تسببت في نزوح نحو 2.2 مليون شخص، معظمهم من العاصمة، ومن دارفور التي عانت بالفعل من الصراع والنزوح الجماعي على مدى عقدين.

وتشير البيانات إلى أن أكثر من 600 ألف عبروا الحدود إلى البلدان المجاورة، من بينهم أكثر من 115 ألفاً فرُّوا من دارفور إلى تشاد.

وقال شهود إن الاضطرابات في دارفور تصاعدت، مع احتدام الحرب في العاصمة، واتخذت طابعاً عِرقياً على نحو أكثر وضوحاً، حيث يستهدف المهاجمون السكان غير العرب، مستدلّين عليهم بلون بشرتهم.

وأثار العنف تحذيرات من تكرار الفظائع، التي شهدتها دارفور بعد عام 2003، حين ساعدت ميليشيات «الجنجويد»، التي انبثقت منها لاحقاً «قوات الدعم السريع»، الحكومة، في سحق تمرد جماعات معظمها من غير العرب في دارفور.

وقالت «الأمم المتحدة» إن فظائع دارفور آنذاك أودت بحياة أكثر من 300 ألف شخص، وأدت إلى نزوح 2.5 مليون.

جثة في الجنينة (أ.ف.ب)

وقال زعيم «قوات الدعم السريع»، الفريق أول محمد حمدان دقلو «حميدتي»، الثلاثاء، إن قوته ستحقق في أحداث الجنينة، واتهم الجيش بإذكاء الاضطرابات من خلال تسليحه القبائل، بينما وجَّه الجيش الاتهام لـ«الدعم السريع» بقتل والي غرب دارفور، وأعمال عنف أخرى في المنطقة.

وقال سلطان سعد بحر الدين، زعيم قبيلة المساليت، التي تشكل العدد الأكبر من سكان الجنينة، إن عمليات قتل «منهجية» وقعت في الأيام الماضية. وأضاف، لتلفزيون «الحدث»، أن الجثث ملقاة على الطريق بين الجنينة ومدينة أدري التشادية بأعداد كبيرة، لا قِبل لأحد بإحصائها، مشيراً إلى الصعوبة البالغة لرحلة الفرار إلى تشاد.

وقال ناشط غادر الجنينة يوم الأحد، لـ«رويترز»، إن «فصائل مسلَّحة عربية و(قوات الدعم السريع) عززت وجودها في المدينة، منذ مقتل الوالي»، مضيفاً «أن الجماعات العربية تسيطر على الطريق المؤدي إلى تشاد».

وأضاف، متحدثاً شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب مخاوف على سلامته، «أن شهوداً أبلغوا عن حالات اغتصاب وقتل واختفاء قسري على هذا الطريق».

أرملة تشادية تستقبل في بيتها المتواضع أسرة سودانية مؤلفة من 11 شخصاً (رويترز)

ويعدّ التنافس على الأرض من دوافع الصراع في دارفور منذ زمن بعيد. وقال إبراهيم «إن القرى الواقعة على الطريق من الجنينة إلى أدري كانت للمساليت، لكن القبائل العربية استوطنت بها منذ 2003».

وقال عدد من الشهود من الجنينة، التي تشهد انقطاعاً للاتصالات على نطاق كبير منذ أسابيع: «إن غير العرب من ذوي البشرة الداكنة يتعرضون للاستهداف، ولا سيما المساليت».

وقال عبد الناصر عبد الله، الذي وصل إلى تشاد في 15 يونيو، إن منزله كان واحداً من منازل كثيرة تعرضت للاقتحام، وإن ابن عمه قُتل بينما كان يختبئ فوق السطح.

وأضاف «أنهم لا يبحثون فحسب عن المساليت، ولكن عن أي شخص أسود»، مشيراً إلى «أن الجثث تملأ شوارع المدينة، ومنها جثث نساء وأطفال».

وقال إنه واجه عدداً من المشكلات، خلال رحلته سيراً على الأقدام إلى تشاد، ومنها تعرضه للضرب، وإطلاق النار والإهانة، مشيراً إلى أن من يفعلون ذلك «ينتمون لقوات الجنجويد، بعضهم يرتدون زي قوات الدعم السريع، وآخرون في ملابس مدنية، وجميعهم يضعون اللثام على وجوههم».

الجثث تملأ شوارع المدينة، ومنها جثث نساء وأطفال

نازح من دارفور

حقائق

600 ألف

عبروا الحدود إلى البلدان المجاورة، من بينهم أكثر من 115 ألفاً فروا من دارفور إلى تشاد


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة: أكثر من عشرة آلاف نازح خلال ثلاثة أيام في السودان

شمال افريقيا نازحون من شمال كردفان (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: أكثر من عشرة آلاف نازح خلال ثلاثة أيام في السودان

نزوح أكثر من عشرة آلاف شخص في غضون ثلاثة أيام خلال الأسبوع الحالي بولايات شمال دارفور وجنوب كردفان بالسودان وسط استمرار المعارك بين الجيش وقوات «الدعم السريع»

«الشرق الأوسط» (بورتسودان (السودان))
شمال افريقيا علي محمد علي عبد الرحمن منتظراً صدور حكم «المحكمة الجنائية الدولية» في لاهاي بهولندا اليوم (أ.ب)

«الجنائية الدولية» تحكم بسجن زعيم في ميليشيا «الجنجويد» بدارفور 20 عاماً

أصدر قضاة «المحكمة الجنائية الدولية»، الثلاثاء، حكماً بالسجن 20 عاماً على قائد بميليشيا «الجنجويد» مدان بارتكاب فظائع في إقليم دارفور بالسودان.

«الشرق الأوسط» (لاهاي (هولندا))
العالم العربي نازحون من شمال كردفان يجلسون في الظل بمدينة أم درمان التابعة لولاية الخرطوم يوم الاثنين (أ.ف.ب)

ما نعرفه عن المعارك الضارية في منطقة كردفان السودانية

تشهد منطقة كردفان الاستراتيجية في السودان قتالاً عنيفاً بين الجيش و«قوات الدعم السريع» التي شجعها تقدّمها في إقليم دارفور، وسيطرتها الكاملة عليه.

«الشرق الأوسط» (بورت سودان)
شمال افريقيا نازحون سودانيون فروا من الفاشر بعد سقوط المدينة في قبضة «قوات الدعم السريع» في 26 أكتوبر (أ.ف.ب) play-circle

تقارير: «الدعم السريع» تحتجز ناجين من الفاشر للحصول على فِدى

قال شهود لـ«رويترز» إن «قوات الدعم السريع»، التي حاصرت مدينة الفاشر في دارفور قبل اجتياحها، تحتجز ناجين من الحصار، وتطلب فدى لإطلاق سراحهم.

«الشرق الأوسط» (الطينة (تشاد))
شمال افريقيا لاجئون سودانيون من الفاشر في مخيم للاجئين شرق تشاد - 23 نوفمبر 2025 (رويترز)

مئات الأطفال السودانيين وصلوا إلى مخيم للاجئين من دون أسرهم فراراً من الفاشر

ذكر مسؤولون أن مئات الأطفال وصلوا إلى مخيم للاجئين من دون أسرهم، مع فرار آلاف الأشخاص من العنف في مدينة الفاشر السودانية في الشهر الماضي.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

مصر تطالب بجلسة طارئة لمجلس السلم والأمن الأفريقي لبحث تطورات الصومال

سكان يلوّحون بأعلام «أرض الصومال» وهم يتجمعون للاحتفال بإعلان إسرائيل الاعتراف بدولة أرض الصومال في وسط مدينة هرجيسا (أ.ف.ب)
سكان يلوّحون بأعلام «أرض الصومال» وهم يتجمعون للاحتفال بإعلان إسرائيل الاعتراف بدولة أرض الصومال في وسط مدينة هرجيسا (أ.ف.ب)
TT

مصر تطالب بجلسة طارئة لمجلس السلم والأمن الأفريقي لبحث تطورات الصومال

سكان يلوّحون بأعلام «أرض الصومال» وهم يتجمعون للاحتفال بإعلان إسرائيل الاعتراف بدولة أرض الصومال في وسط مدينة هرجيسا (أ.ف.ب)
سكان يلوّحون بأعلام «أرض الصومال» وهم يتجمعون للاحتفال بإعلان إسرائيل الاعتراف بدولة أرض الصومال في وسط مدينة هرجيسا (أ.ف.ب)

طالب وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي اليوم (الاثنين) بعقد جلسة طارئة لمجلس السلم والأمن الأفريقي لتناول «الاعتراف الإسرائيلي بما يسمى أرض الصومال».

وأكد الوزير عبد العاطي، في كلمة اليوم خلال مشاركته في الجلسة الوزارية لمجلس السلم والأمن الأفريقي، التي عُقدت افتراضياً لمتابعة تطورات الأوضاع في شرق الكونغو الديمقراطية، «رفض مصر التام للاعتراف الإسرائيلي بما يسمى بأرض الصومال باعتباره انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، ويقوض أسس السلم والأمن الإقليمي والدولي، وبصفة خاصة في منطقة القرن الأفريقي».

وطالب عبد العاطي بعقد جلسة طارئة لمجلس السلم والأمن الأفريقي لتناول هذا التطور الخطير، وللتأكيد على وحدة وسلامة الأراضي الصومالية، ورفض الإجراءات الأحادية الإسرائيلية التي تهدد السلم والأمن الإقليميين والدوليين.

وأشار إلى أن المرحلة المفصلية التي تشهدها المنطقة تفرض مسؤولية جماعية لدعم المسارات السياسية والأمنية والتنموية الهادفة إلى إنهاء معاناة الشعب الكونغولي وترسيخ السلام المستدام، مرحباً بتوقيع رئيسَي الكونغو الديمقراطية ورواندا على اتفاق السلام النهائي والاتفاق الإطاري للتكامل الاقتصادي الإقليمي في واشنطن في الرابع من الشهر الحالي، باعتباره خطوة مهمة للتهدئة وتخفيف التوتر وبناء الثقة بين البلدين، مشدداً على أهمية المضي قدماً في تنفيذ تلك الاتفاقيات.

وأكد عبد العاطي استعداد مصر الكامل للدعم والمشاركة في أي ترتيبات لبناء الثقة استناداً إلى الخبرات المصرية المتراكمة في مجال حفظ السلام، ولا سيما في ظل المشاركة المصرية النوعية والممتدة لسنوات طويلة في بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية. كما أكد أهمية التهدئة ووقف أي تصعيد ميداني، بما يخلق بيئة مواتية لمواجهة التحديات الأمنية والإنسانية في شرق الكونغو، وتهيئة المجال لحوار البناء واستعادة الاستقرار المنشود، وتشجيع جهود وقف الأعمال العدائية، وضمان وصول المساعدات الإنسانية، بما يمنع تفاقم الأزمة الإنسانية وما تفرضه من أعباء جسيمة على المدنيين.


«الجامعة» ترفض اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»


جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
TT

«الجامعة» ترفض اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»


جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)
جانب من اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين (الجامعة العربية)

رفضت الجامعة العربية اعتراف إسرائيل بانفصال إقليم الشمال الغربي بالصومال، ما يسمى «إقليم أرض الصومال»، مشددة على الوقوف ضد «أي إجراءات تترتب على هذا الاعتراف الباطل بغية تسهيل مخططات التهجير القسري للشعب الفلسطيني أو استباحة موانئ شمال الصومال لإنشاء قواعد عسكرية فيها».

وعقد مجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين، أمس (الأحد)، دورةً غير عادية، أكد فيها «الموقف العربي الثابت والواضح بشأن عدّ إقليم الشمال الغربي بالصومال جزءاً لا يتجزأ من جمهورية الصومال الفيدرالية، ورفض أي محاولة للاعتراف بانفصاله بشكل مباشر أو غير مباشر».

وطالب البيان الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بـ«وضع خطة عمل عربية - أفريقية مشتركة تحُول دون إحداث أي تغيير في الوضع الأمني والجيوسياسي القائم، ومنع أي تهديد لمصالح الدول العربية والأفريقية في هذه المنطقة الحيوية».


«التوتر المصري - الإسرائيلي»... تسريبات تدعم موقف القاهرة

الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري يتفقد معبر رفح من الجانب المصري نهاية العام الماضي (الجيش المصري)
الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري يتفقد معبر رفح من الجانب المصري نهاية العام الماضي (الجيش المصري)
TT

«التوتر المصري - الإسرائيلي»... تسريبات تدعم موقف القاهرة

الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري يتفقد معبر رفح من الجانب المصري نهاية العام الماضي (الجيش المصري)
الفريق أحمد خليفة رئيس أركان الجيش المصري يتفقد معبر رفح من الجانب المصري نهاية العام الماضي (الجيش المصري)

نقلت تسريبات إسرائيلية عن مسؤولين أمنيين كبار أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تجاهل مخاوف وتحذيرات الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك)، معتمداً على «سلسلة من التقارير الكاذبة أضرت بالعلاقات مع القاهرة»، خاصة فيما يتعلق بتسليح الجيش المصري في سيناء، وهو ما اعتبره دبلوماسيون وعسكريون سابقون بمصر «دعماً للموقف المصري»، مؤكدين أن «تجاهل نتنياهو كان متعمداً في إطار خطة تكتيكية لخدمة مصالحه الشخصية، ولو على حساب علاقات إسرائيل بمصر».

وبحسب ما نشرته صحيفة «إسرائيل هيوم»، فقد شملت هذه التقارير مزاعم بأنّ مصر تُشيِّد قواعد هجومية في سيناء، وهو ما ردّده السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، يحيئيل لايتر، وأيضاً مزاعم بأنّ شخصيات بارزة في المخابرات المصرية كانت تتقاضى عمولات من تهريب الأسلحة إلى سيناء، وبأنّ مصر كانت متواطئة في خداع إسرائيل قبل هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول).

واحتجّت مصر على حملة التشويه، وأثارت القضية في اجتماعات بين مسؤولين أمنيين من البلدين، ولكن دون جدوى. وقد تسبب ذلك في تصاعد الخلاف بين مصر وإسرائيل.

في سبتمبر الماضي أعلن نتنياهو مخاوفه من حشد مصر قواتها العسكرية في سيناء (رويترز)

يقول السفير حسين هريدي، المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصري، إن «التجاهل من جانب نتنياهو لم يكن صدفة، لكنه تجاهل تكتيكي في إطار خطته وسعيه لخدمة نفسه ومصالحه، وتصوير أن هناك خطراً داهماً ودائماً يهدد إسرائيل».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن تصوير الخطر على الحدود من جانب مصر مسألة تجعل الرأي العام في إسرائيل يحتشد خلفه تحت تأثير الخوف».

ونوّه هريدي بأن «نتنياهو نفسه وهو يردد الاتهامات ضد مصر يعلم تماماً أنها زائفة، لكنه ينظر لما يجنيه من جراء تلك الأكاذيب من مصالح تصرف النظر عن أي اتهامات توجّه له في ملفات الحرب على غزة، أو غيرها من اتهامات بالفساد، كما أنه يستغل ذلك في إطار الضغوط على مصر التي تقف حجر عثرة أمام مخططاته لتصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهل غزة».

هريدي أشار كذلك إلى أن «ظهور مثل هذه التسريبات التي تكشف تجاهل نتنياهو للتحذيرات الأمنية من الاتهامات الزائفة لمصر، قد يكون مقصوداً بغرض محاولة تهدئة الأجواء مع القاهرة قبيل لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وغير مستبعد أن يعود نتنياهو مرة أخرى لترديد اتهاماته عن الحشد العسكري المصري في سيناء، وغيرها من الاتهامات، ما دام ذلك يخدمه سياسياً في الداخل الإسرائيلي وفي تحركاته الإقليمية الأخرى».

وتثار حالياً خلافات بين مصر وإسرائيل تتعلق بالأوضاع في قطاع غزة، وتحميل مصر لإسرائيل مسؤولية عدم البدء في تنفيذ المرحلة الثانية من «اتفاق وقف إطلاق النار»، وكذلك فتح معبر رفح مع وجود رغبة إسرائيلية في أن يكون في اتجاه واحد، وملف تهجير الفلسطينيين، والوجود الإسرائيلي في «محور فيلادلفيا»، والتأكيد المصري على ضرورة إيجاد مسار سياسي لدولة فلسطينية.

وبين الحين والآخر يخرج الجيش الإسرائيلي ببيانات رسمية يشير فيها إلى أنه «أسقط طائرة مُسيَّرة كانت تُهرّب أسلحة من الأراضي المصرية إلى إسرائيل»، وحدث ذلك أكثر مرة في أكتوبر الماضي قبل قرار تحويل الحدود إلى «منطقة عسكرية مغلقة».

وسبق أن عدَّ رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» في مصر، ضياء رشوان، أن «اتهامات إسرائيل بتهريب السلاح من مصر خطاب مستهلك»، وأشار في تصريحات إعلامية إلى أن القاهرة «سئمت من هذه الادعاءات التي تُستخدم لإلقاء المسؤولية على أطراف خارجية كلّما واجهت الحكومة الإسرائيلية مأزقاً سياسياً أو عسكرياً».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلن نتنياهو «مخاوفه من حشد مصر قواتها العسكرية في سيناء»، وردت «الهيئة العامة للاستعلامات» بتأكيدها على أن «انتشار القوات المسلحة جاء بموجب تنسيق كامل مع أطراف معاهدة السلام».

وأشارت «الهيئة» حينها إلى أن «القوات الموجودة في سيناء في الأصل تستهدف تأمين الحدود المصرية ضد كل المخاطر، بما فيها العمليات الإرهابية والتهريب».

مدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق في الجيش المصري، اللواء سمير فرج، قال لـ«الشرق الأوسط»: «كل يوم يتأكد للجميع زيف ما يردده نتنياهو وإعلامه، وصدق الرواية المصرية، وأن ما يقوله ما هو إلا خطة من أجل خدمة نفسه انتخابياً في الفترة المقبلة، وتصوير أن مصر العدو الرئيسي ولا بد من الاستعداد لها ونسيان أي أمور أخرى تتعلق بالاتهامات الموجهة له».

وأشار إلى أن «تحذيرات الأجهزة الأمنية في إسرائيل لنتنياهو من مغبة هذه الادعاءات ضد مصر؛ لأن تلك الأجهزة تعلم، وكذلك نتنياهو نفسه يعلم، أن مصر قضت تماماً على الأنفاق التي كانت تهدد الأمن القومي المصري، كما أن التحركات المصرية في سيناء تتم من أجل حفظ الأمن وليست لتهديد أحد».

بدوره، قال وكيل المخابرات المصرية الأسبق اللواء محمد رشاد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «طريقة الإسرائيليين هي إطلاق تصريحات مستفزة للتغطية على خروقاتهم، ومصر تعي ذلك جيداً، ولن تنجر إليه؛ فهم يريدون صرف الأنظار عن مخالفتهم لاتفاق غزة في شرم الشيخ، ورغبتهم في عدم الالتزام به».

رشاد الذي كان يشغل رئيس ملف الشؤون العسكرية الإسرائيلية بالمخابرات المصرية، أوضح: «كل ما تطلقه إسرائيل من اتهامات يعتبر استمراراً لتشويه سمعة مصر؛ لأنها الحاجز القوي لأطماعها في الضفة الغربية وغزة وسوريا ولبنان، وهذا ليس جديداً. وستستمر هذه الاتهامات الزائفة، والتقارير الإسرائيلية المنشورة حديثاً تؤكد ذلك».

وشدد رشاد على أن «الأجهزة المصرية تعلم جيداً أغراض نتنياهو وما يردده ضد القاهرة؛ لذلك لا تنجر إلى الأرض التي يريد جرها إليها، وتتعامل بحكمة وقوة وحزم، والأيام تثبت صحة وعقلانية الموقف المصري».