قمة بوتين - تبون... دفع التعاون الثنائي وتعزيز التنسيق الدولي

وقّعا إعلان «الشراكة الاستراتيجية المعمقة» واتفاقيات في مجالات جديدة

الرئيس الروسي ونظيره الجزائري في حفل توقيع عدد من الاتفاقيات بين البلدين (د.ب.أ)
الرئيس الروسي ونظيره الجزائري في حفل توقيع عدد من الاتفاقيات بين البلدين (د.ب.أ)
TT

قمة بوتين - تبون... دفع التعاون الثنائي وتعزيز التنسيق الدولي

الرئيس الروسي ونظيره الجزائري في حفل توقيع عدد من الاتفاقيات بين البلدين (د.ب.أ)
الرئيس الروسي ونظيره الجزائري في حفل توقيع عدد من الاتفاقيات بين البلدين (د.ب.أ)

وقّع الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والجزائري عبد المجيد تبون إعلان الشراكة الاستراتيجية المعمقة في ختام جولة محادثات في الكرملين، الخميس، عُدّت أنها ستضع أساساً لنقلة نوعية في علاقات البلدين. وعكست المباحثات تطابقاً في مواقف البلدين حيال الملفات الإقليمية والدولية، في مرحلة صعبة بسبب الحرب الأوكرانية، وتقلبات السياسة الدولية، وهو ما أشار إليه تبون خلال حديثه عن رفض بلاده الضغوط الخارجية الممارسة عليها لتقليص التعاون مع موسكو، مشدداً على رغبة بلاده في تسريع عملية انضمامها إلى مجموعة «بريكس»، والانتقال إلى التبادل بالعملات الوطنية لـ«التخلص من هيمنة الدولار».

ووفقاً للكرملين، فقد عكست جولة المحادثات الموسعة، التي تطرقت إلى طيف واسع من القضايا الثنائية والدولية، درجة الاهتمام التي يوليها الجانبان لمنح العلاقات بين البلدين دفعة قوية في الظروف الدولية الراهنة، وهو أمر أشار إليه بوتين في مستهل اللقاء، عندما أكد على عمق العلاقات التاريخية، وشدد على أن العلاقات مع الجزائر «تحمل أهمية خاصة بالنسبة لروسيا، وذات طبيعة استراتيجية». ووفقاً له، فإن توقيع الإعلان المشترك سيكون بداية لمرحلة جديدة أكثر تطوراً في العلاقات الثنائية بين البلدين.

وقال بوتين في ختام اللقاء: إن المحادثات مع تبون كانت «مثمرة للغاية، وهذا ما يتضح من المجموعة الواسعة من الوثائق، التي تم توقيعها بين البلدين على مستوى الحكومات والسلطات البلدية والوزارات، والتي تهدف إلى تعزيز العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات». مضيفاً أن «التنسيق السياسي لم يتأثر على مدار 60 سنة بين بلدينا»، لافتاً إلى أهمية زيادة التعاون الثنائي خلال المرحلة الأخيرة، التي شهدت تصاعداً في حجم التبادل التجاري. كما أوضح بوتين أن تعميق التنسيق يكتسي أهمية خاصة في المرحلة الراهنة، خصوصاً لجهة التعاون على الساحة الدولية والمنظمات الإقليمية والدولية، وفي إطار مجموعات تلعب أدواراً رئيسية مثل «مجموعة أوبك بلس».

بوتين مصافحاً الرئيس تبون بعد توقيع «الشراكة الاستراتيجية المعمقة» (إ.ب.أ)

في سياق ذلك، قال بوتين إن اختيار الجزائر لتكون عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي للعامين المقبلين يوفر مساحات إضافية واسعة لتعزيز التعاون في الملفات المهمة للبلدين.

وفيما يتعلق بالوثيقة الموقعة بين البلدين، لفت بوتين إلى أن أهميتها حالياً تكمن في أنها تنقل التعاون الثنائي من الملفات التقليدية، مثل الطاقة والمجالات العسكرية، لتشمل أوسع طيف من المجالات الجديدة، مثل قطاعات المال والصناعة والزراعة، والمسائل التجارية، فضلاً عن امتداده إلى مناحٍ مثل الموارد البيئية والمائية. مؤكداً أن روسيا «ليست لديها أي قيود لتوسيع نطاقات التعاون في كل المجالات» مع الشريك الجزائري، الذي وصفه بأنه «بين الشركاء الرئيسيين لروسيا في العالم العربي وأفريقيا».

إضافة إلى ذلك، كان الرئيسان قد وقّعا أيضاً اتفاقية للتعاون في مجال استخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية.

بدوره، أشاد تبون بمستوى تطور العلاقات الحالي، وأعرب عن رضاه عن مسار تعزيز التنسيق في المجالات المختلفة. وقال إن بلاده تتطلع للانضمام إلى مجموعة «بريكس» «في أسرع وقت»، والعمل على تقليل الاعتماد على الدولار واليورو، مشيراً إلى أهمية توسيع التسويات المتبادلة باستخدام العملات الوطنية بين روسيا والجزائر.

وأدلى الرئيسان في ختام أعمال القمة ببيانين أمام الصحافيين ووفدي البلدين، ودعا بوتين الرئيس تبون إلى القمة الروسية - الأفريقية، التي ستعقد في سان بطرسبورغ نهاية الشهر المقبل، قائلاً إن المحادثات مع رئيس الجمهورية الجزائرية «كانت مثمرة للغاية. ويتضح ذلك من خلال حزمة صلبة من الوثائق المشتركة بين الدولتين، والوثائق الحكومية الدولية والمشتركة بين الإدارات، التي تهدف إلى زيادة تعزيز العلاقات بين بلدينا في مجموعة متنوعة من المجالات».

جانب من مباحثات الرئيسين بوتين وتبون في الكرملين (إ.ب.أ)

وتابع بوتين مؤكداً أنه «من الضروري تطبيق ممارسة التسويات بالعملات الوطنية بشكل مكثف، ما سيؤمّن اقتصادات البلدين... ونحن ممتنون للجزائر ولرئيس الجزائر استعدادهما لتقديم بعض خدمات الوساطة بشأن الوضع في أوكرانيا». مبرزاً أن الجهود الروسية والجزائرية في صيغها متعددة الأطراف، تسهم، من بين أمور أخرى، في استقرار أسواق الطاقة العالمية.

من جانبه، أكد الرئيس الجزائري أن الضغط الغربي لن يؤثر على دعم الجزائر لروسيا، وأعرب عن امتنانه لحسن الضيافة، قائلاً: «إنها تشهد على عمق العلاقات، وأواصر الصداقة القائمة بين الجزائر وروسيا»، والتي «لم تتغير أبداً منذ 60 عاماً، حيث كانت الجزائر دائماً تدعم روسيا. اليوم، ربما هناك بعض الضغوط من الخارج، إلا أن هذا لن يؤثر أبداً على علاقاتنا».

كما أوضح تبون أن الجزائر «حافظت على استقلالها بفضل دعم روسيا، التي أمدتها بالسلاح حتى تتمكن من الحفاظ عليه في ظل الظروف الصعبة». مشيراً إلى أن زيارته إلى موسكو تندرج في إطار الجهود التي يبذلها البلدان لتوطيد العلاقات الثنائية، وتعزيز وتيرة التعاون.

وأضاف تبون موضحاً أن المحادثات مع الرئيس بوتين «كانت مثمرة وصريحة وصادقة، وعكست مستوى العلاقات السياسية المتميزة بين البلدين، كما أكدت الإرادة المشتركة لمواصلة التشاور السياسي التقليدي... ونحن متفقون مع كل ما جاء به الرئيس بوتين من خلال تدخله. كما تطرقنا بطبيعة الحال كأصدقاء للعلاقات الثنائية في مختلف الميادين وسبل تعزيزها، وتبادلنا وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية التي تهم بلدينا».

وسجل تبون ارتياحه «لتوافق الرؤى تجاه الملفات التي تناولناها بالحديث، ومنها قضية النزاع في الصحراء الغربية، والوضع في منطقة الساحل والقضية الفلسطينية والتطورات، التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط».كما وجه تبون الشكر لبوتين على دعم روسيا لترشح الجزائر لانضمامها إلى مجموعة «بريكس».



مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
TT

مطالب بالتحقيق في «وقائع فساد» كشفها «المحاسبة» الليبي

الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)
الدبيبة وشكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)

فتح تقرير ديوان المحاسبة الليبي لعام 2023، الذي تم تسريبه قبل صدوره رسمياً، باباً جديداً من الانتقادات الموجهة للسلطة التنفيذية في طرابلس والمؤسسات التابعة لها، بعدما كشف عن «وقائع فساد»، وسط مطالب سياسية ومجتمعية بفتح تحقيق فيما تضمنه من تجاوزات.

وتنوعت أشكال الإنفاق و«التجاوزات المالية»، التي أوردها تقرير الديوان، الذي يعدّ أكبر جهاز رقابي في ليبيا، بين رواتب قطاع السفارات والقنصليات والبعثات الليبية لـ3478 موظفاً، منهم 1923 دبلوماسياً، و1555 عمالة محلية، والإنفاق ببذخ على شراء سيارات فارهة للمسؤولين، واستئجار طائرات خاصة.

المنفي والدبيبة في لقاء سابق (المجلس الرئاسي الليبي)

وأفاد التقرير بأن رواتب قطاع السفارات والقنصليات والبعثات وصل إلى 1.5 مليار دينار. (الدولار يساوي 4.8 دينار في السوق الرسمية)، كما أظهر تخصيص قرابة 50 مليون دينار لبند «سيارات»، وقرابة نصف مليار دينار للتدريب ضمن نفقات المؤسسة الوطنية للنفط.

ورغم ما كشف عنه التقرير من «تجاوزات مالية» أثارت حفيظة جل الليبيين الذين يعانون في صرف رواتبهم الشهرية، فقد قال عضو مجلس النواب، جبريل أوحيدة: «ما نتوقعه من فساد وهدر للمال العام أكبر مما ورد في تقرير ديوان المحاسبة».

شكشك رئيس ديوان المحاسبة في ليبيا (ديوان المحاسبة)

كما رصد التقرير إنفاق نفقات بدل سكن موظفي ديوان مجلس الوزراء ما مجموعه 847 ألف دينار، وسداد الحكومة 316.44 ألف دينار مقابل حجوزات فندقية لفترات طويلة لأشخاص، دون توضيح صفاتهم أو تبعيتهم، إلى جانب صرف 717 ألف دينار لشركة (ر. ال) التموينية، مقابل خدمات إعاشة استمرت بالوتيرة نفسها حتى في شهر رمضان.

وأرجع أوحيدة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ازدياد حجم التجاوزات المالية إلى «غياب المتابعة والمحاسبة، وشرعنة الأجسام التنفيذية من الخارج، والصرف بترتيبات مالية خارج قوانين الميزانية، وما إلى ذلك من انقسام وفوضى».

النائب العام المستشار الصديق الصور (المكتب الإعلامي للنائب العام)

ولم يستثن التقرير أي جهاز من الأجهزة الليبية، حيث رصد إنفاق 10 آلاف دولار مقابل إقامة وفود رئاسية لليلة الوحدة في جناح فندقي خلال زيارتها إلى نيويورك، رغم وجود مقر ليبي لضيافة الشخصيات المرموقة. كما تضمن التقرير صرف 720 ألف دينار، مقابل توفير طائرة لنقل نائب رئيس المجلس الرئاسي إلى دولة غينيا مؤخراً.

وأظهر التقرير أيضاً توسع حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، في الإنفاق بشكل كبير، بداية من الصرف على «رحلات الطيران» قيمتها أكثر من مليوني ونصف مليون، وصولاً إلى إنفاقها 665 ألف دينار على «إحياء ليلة القدر» خلال شهر رمضان الماضي، بالإضافة إلى تخصيص نحو نصف مليون دينار لإقامة ندوة تتعلق بالانتخابات.

وقال الباحث والمحلل السياسي الليبي، محمد إمطيريد، إن هذه المخالفات ستتطلب إجراء تحقيقات موسعة ضد حكومة الدبيبة، متوقعاً أن يبدأ خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، في التحرك، وكذلك النائب العام المستشار الصديق الصور.

إمطيريد توقع أن يبدأ خالد المشري في التحرك للتحقيق في التجاوزات التي أبرزها التقرير (المكتب الإعلامي للمجلس)

ورأى إمطيريد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن ظهور هذه التقارير عادة ما يستهدف إزاحة الحكومة، وهو ما يقصد به راهناً الدبيبة، وذكّر بالتقارير التي أصدرها الديوان في الأعوام السابقة ضد حكومة فائز السراج السابقة، والصديق الكبير، محافظ المصرف المركزي المقال.

ويعتقد إمطيريد أن الولايات المتحدة «تقف وراء صدور مثل هذه التقارير. وديوان المحاسبة يبدأ في الضغط عندما يأخذ الضوء الأخضر منها ومن لندن، ويعمل على تحقيق رغبات المجتمع الدولي بالضغط، الذي يكون ربما لإنهاء حالة الخمول السياسي في ليبيا، وتحقيق الاستقرار».

لكن «الديوان» استبق تلك الاتهامات، وحذر من «الانحراف بالتقرير عن مساره المهني والموضوعي، واستغلاله في الصراعات السياسية أو لتحقيق أغراض خاصة». ودافع عن نفسه قائلاً إنه يمارس مهامه، وفقاً للقانون والمعايير الدولية، وأوضح أنه يهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة والنزاهة في بيئة القطاع العام، ومعالجة أوجه عدم الالتزام، أو القصور والضعف في الأنظمة والسياسات المعمول بها، بما يضمن حسن إدارة المال العام وتوجيهه بالشكل الصحيح.

يشار إلى أن تقرير 2022 تضمن أيضاً «وقائع فساد» كثيرة، بداية من «اختلاس المال العام عن طريق عقود وهمية»، «والتوسع في إبرام عقود للتوريد»، بالإضافة إلى إنفاق الملايين على شراء سيارات، فضلاً عن إقامة أشخاص لا تربطهم علاقة وظيفية بديوان الحكومة في فنادق خارج البلاد.

وإلى جانب ما رصده التقرير من «تضخم الرواتب في وزارة الداخلية، والإسراف في التكليف المباشر والتعاقدات غير الضرورية»، تحدث أيضاً عن «سوء إدارة الموارد والمخصصات المالية في وزارة الدفاع»، بالإضافة إلى «الانحراف في توجيهها عن التوجيه السليم بما يخدم بناء وتنظيم المؤسسة العسكرية».

وأمام استفحال التجاوزات ووقائع الفساد، تساءل أوحيدة: «مَن سيحاسب من في ظل هذا النهب للمال العام؟».

وللعلم، فإن مكتب النائب العام فتح تحقيقات عديدة فيما تضمنه تقرير الديوان لعام 2022.