«كوب 29» يواجه تحدي الاتفاق على هدف عالمي جديد لتمويل المناخ

الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر باكو يجب أن يكون تمكينياً

امرأة تمرّ بالقرب من لافتة مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 29» في باكو (رويترز)
امرأة تمرّ بالقرب من لافتة مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 29» في باكو (رويترز)
TT

«كوب 29» يواجه تحدي الاتفاق على هدف عالمي جديد لتمويل المناخ

امرأة تمرّ بالقرب من لافتة مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 29» في باكو (رويترز)
امرأة تمرّ بالقرب من لافتة مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 29» في باكو (رويترز)

ابتداءً من يوم الاثنين، يجتمع العالم في العاصمة الأذربيجانية باكو للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 29) والذي ينعقد في ظل تنامي تحديات المناخ من موجات شديدة الارتفاع إلى فيضانات مدمرة وعواصف عاتية. وهو ما يفرض على الحكومات المشارِكة في النسخة التاسعة والعشرين من المؤتمر «الاتفاق على هدف عالمي جديد لتمويل المناخ لدعم البلدان النامية وإنقاذ الاقتصاد العالمي ومليارات الأرواح من التأثيرات المناخية الجامحة»، وفق ما قال الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ سيمون ستيل، في مقابلة مع «الشرق الأوسط».

وقد أُطلق على مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ اسم «مؤتمر كوب المالي»؛ نظراً لأن هدفه الرئيسي هو الاتفاق على الأموال التي يجب توجيهها سنوياً لمساعدة البلدان النامية على التعامل مع التكاليف المرتبطة بالمناخ، في وقت لا يزال التمويل نقطة خلافية عالقة منذ سنوات حول حجم المبالغ المطلوبة والجهة التي يجب أن تدفع وما الذي ينبغي تمويله.

التمويل «هو أمر نحتاج إليه بشدة»، وفق ما قال ستيل لـ«الشرق الأوسط» عشية المؤتمر الذي يستغرق انعقاده أكثر من عشرة أيام، مشيراً إلى أن السعودية تحظى بسجل حافل في المفاوضات الدولية في مجال الدعوة إلى زيادة العمل والتمويل من أجل التكيف مع التغير المناخي، وأنها «قدمت من خلال مبادراتها للتكيف أمثلة بارزة في مجالات مثل زيادة حماية الأرض والبحر، وتشجيع التشجير واستصلاح الأراضي».

الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ سيمون ستيل (الأمم المتحدة)

يهيمن على المؤتمر هذا العام «إن.سي.كيو.جي»، وهو يعني الهدف الكمي الجماعي الجديد، ويشير إلى هدف التمويل السنوي الجديد المرتبط بالمناخ، والذي من المفترض أن يبدأ العمل به عندما ينتهي سريان التعهد الحالي الذي تبلغ قيمته 100 مليار دولار في نهاية هذا العام، والذي لم يتم الالتزام به بشكل كلي.

بحسب ستيل، يجب أن تتوصل جميع الحكومات إلى اتفاق بشأن هدف عالمي جديد للتمويل المناخي؛ وذلك لدعم الدول النامية وضمان أن الفوائد الكبرى للعمل المناخي تُوزع بشكل عادل بين جميع الأمم والشعوب. وقال: «الهدف الجديد الطموح يصبّ في مصلحة كل دولة وكل اقتصاد. لأنه لا يمكننا منع أزمة المناخ من تدمير جميع الاقتصادات - بما في ذلك الاقتصادات الأكبر والأكثر ثراءً - إلا إذا كان لدى كل دولة الوسائل اللازمة لاتخاذ إجراءات مناخية أقوى بكثير، وبناء مجتمعات وسلاسل توريد قادرة على الصمود».

متطوعة تعمل على زراعة شتلات في أرض متصحرة بالعراق (رويترز)

الخسائر والأضرار

في عام 2023، أقرّ «كوب 28» خلال انعقاده في الإمارات، تفعيل صندوق «الخسائر والأضرار» للتعويض على الدول الأكثر تضرراً من تغيّر المناخ، بعدما كان «كوب 27» في مصر قد أقرّ إنشاءه. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، قال مجلس إدارة الصندوق إنه اتخذ قرارات مهمة نحو التشغيل الكامل للصندوق في اجتماع باكو، وهو ما يرسي الأساس للصندوق لصرف التمويل للمرة الأولى في عام 2025.

ورأى ستيل في هذا الإطار، أنه «من مصلحة كل بلد في العالم ضمان أن يكون مؤتمر باكو مؤتمراً تمكينياً؛ مما يساعد على ترجمة التقدم المحرَز في اتفاق الإمارات إلى نتائج حقيقية تنعكس على الاقتصاد على أرض الواقع، وهذا يشمل بالتأكيد النتائج المتعلقة بالتكيف مع التغير المناخي من أجل حماية الأرواح وسبل كسب العيش». وأوضح أن «التكيف مع التأثيرات المتفاقمة لتغير المناخ هو أمر أساسي لضمان سلامة وازدهار كل دولة واقتصاد وشعب. فنحن ببساطة لا يمكننا مكافحة تغير المناخ دون الاستعداد لتأثيراته».

أسواق الكربون

ودعا ستيل مؤتمر «كوب 29» إلى تقديم مجموعة طموحة من النتائج بشأن المادة 6 المتعلقة بأسواق الكربون والتي هي أنظمة تجارية يتم فيها شراء أرصدة الكربون وبيعها؛ بهدف تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

وينص «اتفاق باريس» على استخدام آليات السوق هذه من خلال المادة 6، و«يمكن أن توفر تلك الآليات سبلاً إضافية مهمة لتنفيذ الخطط المناخية الوطنية، لتكمل الإجراءات الوطنية الرامية إلى خفض الانبعاثات من مصدرها... ويمكن لأسواق الكربون أن تساعد في دفع وتمويل التحول اللازم للتصدي لأزمة المناخ بالسرعة والحجم المطلوبين»، وفق ستيل.

وقال: «في العام المقبل في بيليم، سينصبّ اهتمام خاص على ما إذا كانت الخطط المناخية الوطنية الجديدة - المعروفة باسم المساهمات المحددة وطنياً - التي يجب على الدول أن تقدمها في عام 2025 – على المستوى المطلوب للحد من الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية. إنه العام العصيب الذي يمكننا أن نثبت فيه للعالم أننا جميعاً مستعدون أخيراً لاغتنام الفرص المتاحة أمامنا».

التعاون الدولي أساس

وحذَّر ستيل من أن أزمة المناخ العالمية تضرب الآن كل الاقتصادات، بما في ذلك جميع اقتصادات مجموعة العشرين؛ مما يؤثر على الحياة وسبل العيش في كل البلاد. وشدد على أنه «من دون اتخاذ إجراءات مستدامة وتعاون دولي، ستستمر هذه التأثيرات في التفاقم بسرعة في جميع الدول».

وقال: «التعاون الدولي أمر ضروري لجعل جميع الاقتصادات والناس أكثر قدرة على الصمود في مواجهة هذه الآثار المناخية المتفاقمة ومعالجة أسبابها بطريقة سريعة وعادلة ومنظمة».

أضاف: «لا يمكن لأي بلد أن يجد حلولاً لهذه التحديات بمفرده. نحن أقوى وأكثر فاعلية عندما نعمل معاً. ولهذا السبب؛ لدينا مفاوضات مناخية دولية، تقوم المملكة العربية السعودية بصفتها مشاركاً فيها بدور حيوي».

وإذ نوّه بالتقدم المحرز في مكافحة تغير المناخ، مشدداً على أنه «من دون التعاون العالمي الذي تضطلع به الأمم المتحدة من خلال عملية مؤتمرات الأطراف التي تقودها الحكومات، سنتجه نحو مستويات كارثية من ارتفاع حرارة الأرض، والتي من المحتمل ألا تتمكن معظم البشرية من البقاء بسببها».

وقال: «نحن الآن في طريقنا إلى الوصول إلى نحو 3 درجات مئوية حسب الأهداف والسياسات الحالية، الأمر الذي سيظل مدمّراً لكل الاقتصادات؛ ولهذا السبب يجب على كل مؤتمر من مؤتمرات الأطراف - بما في ذلك مؤتمر الأطراف (كوب 29) المقبل في باكو – أن يحرز تقدماً سريعاً وملحوظاً. فكل عام يتبقى في هذا العقد هو عام بالغ الأهمية، هذا إذا أردنا تحقيق أهداف اتفاقية باريس».

مبادرات السعودية

وقال ستيل إن السعودية تلعب دوراً محورياً في المفاوضات، حيث تساهم بفاعلية في تعزيز الحوار والمشاركة الفعالة بين الدول، وتدفع نحو تبني حلول مناخية منسقة تخدم مصالح الجميع، لا سيما في مجال التحول إلى الطاقة المتجددة بزيادة نسبتها إلى 50 في المائة بحلول 2030، وبلوغ صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2060. وأوضح أنها تدرك أهمية زيادة الطموحات المناخية على المستوى العالمي، ضمن خططها لزيادة سعة مشاريع الطاقة المتجددة إلى 130 غيغاواط بحلول 2030؛ تماشياً مع التزامها المستمر بتعزيز مستقبل أكثر استدامة.

ومن خلال مبادراتها للتكيف في مجالات عدة، منها زيادة حماية الأرض والبحر، وتشجيع التشجير واستصلاح الأراضي، أفاد ستيل بأن المملكة تحظى بسجل حافل في المفاوضات الدولية في مجال الدعوة إلى زيادة العمل والتمويل من أجل التكيف مع التغير المناخي.

فتاة تزرع الأشجار ضمن «مبادرة السعودية الخضراء» (واس)

وتعكس المبادرات البيئية بالمملكة، مثل: «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر» اللتين تهدفان إلى تقليل الانبعاثات الكربونية وتمكين التنمية المستدامة، مع تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في هذا المجال، التزام البلاد بتوجيه الاستثمارات نحو البنية التحتية للطاقة المتجددة وحماية التنوع البيولوجي؛ مما يخلق فرص عمل جديدة ويساهم في التنويع الاقتصادي.

الاستجابة المستدامة

في خضم هذه التحديات، أشار الأمين التنفيذي إلى الدور الكبير للابتكار التكنولوجي في إيجاد حلول للتكيف مع تغير المناخ. فباستخدام تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، يمكن تحسين استراتيجيات التكيف ومراقبة تأثيرات المناخ، بما يعزز من قدرة المجتمعات على التأقلم مع التغيرات السريعة.

مع ذلك، يتعين إدارة هذه التقنيات بحذر لضمان توافقها مع الأهداف البيئية والمناخية العالمية، خصوصاً فيما يتعلق باستهلاك الطاقة والموارد، وفقاً للأمين التنفيذي.

كذلك، بـيَّن ستيل أن التحول نحو الاقتصاد الأخضر يمثل خطوة حاسمة في التعامل مع أزمة المناخ. وجزء منه يتضمن حماية الغابات والمناطق البحرية، والتي تعدّ أساسية للحد من الانبعاثات الكربونية وبناء قدرة الطبيعة على التكيف مع التغيرات المناخية.

تعزيز الاستثمارات

ولفت ستيل إلى أن استثمارات التكيف مع تغير المناخ يمكن أن تكون محورية في حماية الناس والاقتصادات، ودفع الفرص والازدهار، وتقليل الخسائر البشرية والاقتصادية. ولتحقيق عالم قادر على الصمود أمام التغيرات المناخية، يجب تعزيز الاستثمارات، والتخطيط، والتعاون في هذا المجال.

وقال إن خطط التكيف الوطنية هي الأساس لبناء القدرة على الصمود، لكن حالياً، 58 دولة فقط من الدول النامية تمتلك هذه الخطط. وحض المزيد من البلدان على تقديم خططها وتحديد احتياجاتها المحلية.

وشرح أنه في المستقبل القريب، ستكون كل دولة ملزمة بتقديم خطة مناخية وطنية جديدة، تعرف باسم المساهمات المحددة وطنياً، لتحديد مسار الحكومات الذي سيتبعونه لمكافحة تغير المناخ، وفقاً للمعايير العالمية المتفق عليها.

وأوضح أن «الدول التي ستنجح في تسريع جهودها المناخية هي تلك التي تعتمد خططاً تشمل جميع القطاعات الاقتصادية، تجذب الاستثمارات المحلية والدولية، وتفتح آفاقاً جديدة للابتكار والتطور في الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، وأكد الأمين التنفيذي أهمية أن يتعاون صانعو السياسات من مختلف المجالات مثل الطاقة، البنية التحتية، الزراعة، التكنولوجيا والتعليم لتحقيق هذا الهدف».

وشدّد على أن التطورات التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي و التكنولوجيا الرقمية يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً في تحسين كفاءة استهلاك الطاقة وتقليل التأثيرات السلبية لتغير المناخ؛ الأمر الذي يعزز التحول نحو مصادر طاقة أكثر استدامة ويُسهم في تحقيق التنمية المستدامة على المدى الطويل.

وختم مجدداً رسالته بأنه «من خلال العمل الجماعي فقط، سنتمكن من مواجهة هذه الأزمة وحماية كوكب الأرض للأجيال القادمة».


مقالات ذات صلة

«هندسة الطاقة الشمسية» للمساعدة في تبريد الكوكب

علوم «هندسة الطاقة الشمسية» للمساعدة في تبريد الكوكب

«هندسة الطاقة الشمسية» للمساعدة في تبريد الكوكب

مخاوف من نتائج تلاعب الهندسة الجيولوجية المناخية بأنظمة الطقس على الأرض.

جيسيكا هولينغر (واشنطن)
تحليل إخباري بعض الأضرار التي لحقت بمنشآت ساحلية بالإسكندرية (أ.ف.ب)

تحليل إخباري خبراء يتوقعون تكرار «عاصفة الإسكندرية» بفعل التغيرات المناخية

توقع خبراء مصريون تكرار «عاصفة الإسكندرية» وغيرها من الظواهر الجوية والمناخية المتطرفة.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
شمال افريقيا وقوع لافتات نتيجة الأمطار الرعدية في أحد شوارع الإسكندرية (إكس)

عاصفة غير مسبوقة تضرب محافظة الإسكندرية بمصر (صور وفيديو)

شهدت محافظة الإسكندرية هطول أمطار رعدية مصحوبة بعواصف شديدة ما أثار حالة من القلق بين المواطنين.

يسرا سلامة (القاهرة)
يوميات الشرق تذوب ببطء… وتُنذر بكارثة (أ.ف.ب)

نداء أخير قبل ذوبان 76 % من الأنهر الجليدية

أظهرت دراسة حديثة أنّ الأنهر الجليدية أكثر عرضة للتغيُّر المناخي مما كان يُعتقد سابقاً، مُحذِّرةً من احتمال اختفاء ثلاثة أرباع كتلتها خلال القرون المقبلة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة أشخاص يبرّدون أجسادهم في البحر أثناء موجة من الحر في كراتشي - باكستان 24 مايو 2025 (إ.ب.أ)

شهر إضافي من الحر الشديد لـ«نصف» سكان العالم بسبب التغيّر المناخي

يقول العلماء إن 4 ملايين شخص، أي نصف سكان الأرض تقريباً، شهدوا شهراً إضافيا على الأقل من درجات الحرارة المرتفعة بسبب التغير المناخي من مايو (أيار) 2024 إلى مايو

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

البنك الدولي: أي صراع في المنطقة له عواقب سلبية بعيدة المدى

رجل يمشي حاملاً أكياس التسوق في سوق محلية وسط مدينة الرياض (أ.ف.ب)
رجل يمشي حاملاً أكياس التسوق في سوق محلية وسط مدينة الرياض (أ.ف.ب)
TT

البنك الدولي: أي صراع في المنطقة له عواقب سلبية بعيدة المدى

رجل يمشي حاملاً أكياس التسوق في سوق محلية وسط مدينة الرياض (أ.ف.ب)
رجل يمشي حاملاً أكياس التسوق في سوق محلية وسط مدينة الرياض (أ.ف.ب)

في ظل بيئة عالمية تتسم بازدياد حالة عدم اليقين الاقتصادي، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، ولا سيما الصراع المستمر بين إسرائيل وإيران الذي يلقي بظلاله على المنطقة، قالت المديرة الإقليمية للبنك الدولي لدول مجلس التعاون الخليجي، صفاء الطيب الكوقلي، إن «أي صراع؛ خصوصاً في هذه المنطقة، يمكن أن تكون له عواقب سلبية بعيدة المدى»، موضحة أن «التداعيات تتجاوز أسواق الطاقة، كما أن ارتفاع تكاليف الشحن وزيادة الضغوط التضخمية، وارتفاع عدم اليقين لدى المستثمرين، هي جميعها نتائج محتملة».

تصريحات الكوقلي لصحيفة «الشرق الأوسط» جاءت في مقابلة على هامش الإطلاق الرسمي لتقرير البنك الدولي حول المستجدات الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي، بالتعاون مع «SRMG Think» التابعة لـ«مجموعة البحوث والإعلام» (SRMG).

مديرة البنك الدولي في دول مجلس التعاون الخليجي صفاء الطيب الكوقلي (الشرق الأوسط)

بخصوص تأثير الصراع المستمر بين إسرائيل وإيران، شرحت الكوقلي بأن تقرير البنك الدولي صدر في الأول من يونيو (حزيران)، وبالتالي لا يعكس تأثير التصعيد الحالي في المنطقة. وتُؤكد أنه «لا يزال من المبكر تقديم تقييم شامل لتأثيرات الصراع المستمر».

وتُحذر الكوقلي من التداعيات الأوسع لأي صراع، وخصوصاً في المنطقة: «بينما شهدنا بالفعل ارتفاع أسعار النفط، فإن التداعيات تتجاوز أسواق الطاقة. ارتفاع تكاليف الشحن وزيادة الضغوط التضخمية وارتفاع عدم اليقين لدى المستثمرين، هي جميعها نتائج محتملة. في مثل هذه السياقات، غالباً ما يتبنى المستثمرون نهج الانتظار والترقب، مما يؤخر القرارات ويؤجل إتمام صفقات الاستثمار حتى يعود الوضوح والاستقرار بشكل أكبر. سنواصل مراقبة الوضع من كثب، وتقديم التحديثات مع توفر مزيد من البيانات».

تصاعد الدخان عقب ما قالت إيران إنه هجوم إسرائيلي على مستودع شاران للنفط في طهران (رويترز)

صمود اقتصادي بالقطاع غير النفطي

تُشير الكوقلي إلى أن الجهود الطموحة التي تبذلها دول مجلس التعاون الخليجي والرامية إلى تحقيق التنويع الاقتصادي، ساهمت في التغلب على التقلبات في أسواق النفط، والتخفيف من آثارها على اقتصاداتها. ففي عام 2024، ورغم انكماش القطاع النفطي بنسبة 3 في المائة نتيجة لقرارات «أوبك بلس» خفض الإنتاج، فإن القطاع غير النفطي نما بنسبة 3.7 في المائة، مما أدى إلى تحقيق معدل نمو اقتصادي إجمالي قدره 1.8 في المائة. «هذا تحسن كبير عن معدل 0.3 في المائة في عام 2023. إن الأداء القوي للقطاعات غير النفطية خفف بشكل كبير من أثر انكماش القطاع النفطي، مما سمح لاقتصادات المنطقة بتحقيق معدلات نمو إيجابية».

آفاق نمو واعدة

ويتوقع تقرير البنك أن تشهد اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي نمواً بنسبة 3.2 في المائة في عام 2025، و4.5 في المائة في عام 2026. هذا النمو مرده بشكل أساسي إلى التخفيف التدريجي لتخفيضات إنتاج النفط التي فرضتها «أوبك بلس» واستمرار الأداء القوي للقطاع غير النفطي.

ومع ذلك، تُشدد الكوقلي على أن «هذه التوقعات قد تتأثر بتقلبات التجارة العالمية وحالة عدم اليقين الاقتصادي، وبالتقلبات في أسعار وإنتاج النفط، بالإضافة إلى مخاطر الصراعات الإقليمية». وتُضيف: «للتخفيف من هذه المخاطر، تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى تسريع وتيرة الإصلاحات الرامية إلى تحقيق التنويع الاقتصادي لتقليل الاعتماد على النفط، كما تحتاج إلى تعزيز التجارة البينية الإقليمية».

وتوضح أن النمو المتوقع سيتعافى أيضاً بفضل «المساهمات الإيجابية من صافي الصادرات والاستثمار والاستهلاك، مما يعكس صموداً محلياً وتعافياً خارجياً تدريجياً».

المخاطر الاقتصادية

تُشدد الكوقلي على أن التوقعات الإيجابية لا تخلو من المخاطر. «تشمل المخاطر قصيرة الأجل حالة عدم اليقين المرتبطة بالتجارة العالمية، مما قد يؤدي إلى انخفاض الطلب على الصادرات، وتقلب أسعار النفط، مما يؤثر على التوازنات المالية والخارجية، ومخاطر التداعيات من الصراعات الإقليمية، والتي يمكن أن تعطل التجارة، وتؤثر على ثقة المستثمرين والسياحة الوافدة إلى دول المنطقة».

أما على المدى الطويل، فتُضيف: «تتمثل المخاطر طويلة الأجل في النمو المحدود في الإنتاجية وبطء التحول الاقتصادي؛ خصوصاً إذا توقفت جهود التنويع، بالإضافة إلى الاعتماد المفرط على النفط، مما يجعل الاقتصادات عرضة للتحولات العالمية في الطاقة».

وللتخفيف من هذه المخاطر، تُوصي الكوقلي بأن «تقوم دول مجلس التعاون الخليجي بتسريع التنويع والإصلاحات الهيكلية لتقليل التعرض لدورات النفط، والسعي لتنويع الإيرادات، بما في ذلك إدخال ضرائب جديدة وتوسيع الدخل غير النفطي، وتعزيز الروابط التجارية الإقليمية، لخلق روابط اقتصادية أكثر مرونة داخل الخليج ومع المناطق المجاورة».

سياسات مالية ذكية

تؤكد الكوقلي الدور الحيوي للسياسات المالية، قائلة: «أثبتت السياسات المالية في دول مجلس التعاون الخليجي فعاليتها في تحقيق الاستقرار الاقتصادي خلال فترات الركود، أي إن السياسات المالية المعاكسة للتقلبات الدورية كان لها تأثير إيجابي».

وتُوصي بأن تستمر دول مجلس التعاون الخليجي في استخدام سياسات الإنفاق المعاكسة للتقلبات الدورية، مع بذل مزيد من الجهود لتنويع قاعدة إيرادات المالية العامة، وتعزيز القدرة على المرونة وتنويع مصادر الدخل. وتُشيد الكوقلي بتجربة سلطنة عمان: «تُقدم سلطنة عمان مثالاً جيداً على قدرة السياسات المالية الجادة على تحقيق نتائج إيجابية في فترة زمنية قصيرة».

وتُلخص قائلة: «تُعد سياسة المالية العامة الذكية ذات الاستثمارات المستهدفة والإدارة المالية الجيدة أمراً بالغ الأهمية لدول مجلس التعاون الخليجي، لتعزيز الإنتاج في القطاع غير النفطي، والحفاظ على قدرتها على الصمود في وجه التقلبات الاقتصادية العالمية. لا تقتصر سياسة المالية العامة الذكية والمستدامة على إدارة مخاطر اليوم فحسب؛ بل تتعلق بخلق فرص الغد من أجل مستقبل أكثر إشراقاً للأجيال القادمة».

الإنفاق الرشيد وتنويع الإيرادات

بناءً على التقرير، تُقدم الكوقلي توصيات واضحة لدول مجلس التعاون الخليجي؛ خصوصاً خلال هذه الفترة من عدم اليقين: «تُبرز قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على التعامل مع التقلبات العالمية مع تعزيز التنويع الاقتصادي التزامها القوي بتحقيق الازدهار طويل الأجل. يوصي هذا التقرير بأن تعطي دول مجلس التعاون الخليجي الأولوية لسياسات مالية متوازنة، مع النظر إلى جانبي الإنفاق والإيرادات».

وتُضيف: «يدعو التقرير إلى تبني سياسات إنفاقٍ رشيدة، أي أن يُولي صانعو السياسات اهتماماً؛ لا لمستويات الإنفاق فحسب؛ بل أيضاً لنوع الإنفاق العام وتعظيم الإنفاق المُعزِّز للنمو. كما ينبغي أن تكون السياسة المالية مُعاكسة للدورة الاقتصادية، بحيث تتوسع خلال فترات الركود الاقتصادي، وتُعزَّز خلال فترات الرواج. ومع ذلك، ينبغي النظر إلى السياسة المالية كمجموعة من السياسات المُكمّلة بعضها لبعض، من حيث الإنفاق والإيرادات، وذلك لتحسين كفاءة الإنفاق، وتوسيع قاعدة الإيرادات، والحفاظ على الانضباط في إدارة المكاسب غير المتوقعة».

وعن خفض الإنفاق، توضح الكوقلي: «لا ينبغي أن يكون خفض الإنفاق هو الحل الوحيد. الأهم هو الإنفاق الذكي الذي يعزز النمو المستدام ويساهم في التنويع».

السعودية: نمو مستمر

تتطرق الكوقلي إلى الآفاق الاقتصادية للمملكة العربية السعودية؛ حيث «من المتوقع أن يستمر النمو الاقتصادي في التحسن بعد تسجيله 1.3 في المائة عام 2023، ليرتفع إلى 2.8 في المائة عام 2025، في حين يتوقع أن يبلغ متوسطاً قدره 4.6 في المائة في 2026- 2027. كما يتوقع أن يؤدي الإلغاء التدريجي لتخفيضات الإنتاج الطوعية التي أقرتها (أوبك بلس) إلى زيادة نمو إجمالي الناتج المحلي النفطي إلى 6.7 في المائة عام 2026 و6.1 في المائة عام 2027».

العاصمة الرياض (أ.ف.ب)

وتُتابع: «في الوقت نفسه، يتوقع أن يستمر الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في الارتفاع على نحو مطرد بنسبة 3.6 في المائة في المتوسط، بين عامي 2025 و2027؛ حيث تسعى المملكة إلى استكمال تنفيذ برنامج التنويع الاقتصادي في إطار (رؤية 2030)».

ولفتت إلى أنه «بغض النظر عن الأرقام، فقد تابعنا تحول الاقتصاد السعودي بعيداً عن النفط، وهو ما شكّل حجر الزاوية في (رؤية 2030). وكما ذكرنا، ساهمت القطاعات غير النفطية بشكل كبير في مرونة الاقتصاد، ولا سيما في أوقات تقلب أسعار النفط أو انخفاض إنتاجه. ويزداد التركيز الآن على وجود إطار اقتصادي كلي مناسب، وعلى جذب رأس المال الخاص، ولا سيما الاستثمار الأجنبي المباشر، وعلى تعزيز ريادة الأعمال والابتكارات. وهذه كلها تطورات إيجابية. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات؛ إذ لا تزال عائدات النفط المصدر الأكبر للإيرادات العامة، كما أن الصادرات غير متنوعة بما يكفي».

وتُؤكد على فعالية «رؤية 2030» في تعزيز النمو في القطاع غير النفطي: «أثبتت (رؤية المملكة 2030) أنها حافز قوي لنمو القطاع غير النفطي. ومنذ إطلاق (رؤية 2030)، ارتفعت حصة القطاعات غير النفطية في إجمالي الناتج المحلي للسعودية ارتفاعاً كبيراً، من 45.4 في المائة إلى 54.8 في المائة، مما يدل على إحراز تقدم ملموس نحو تنويع النشاط الاقتصادي».

وتُضيف: «كما دفعت (رؤية المملكة 2030) بإصلاحات هيكلية تهدف إلى إعادة تشكيل المؤسسات، وتعزيز البنية التحتية الرقمية، وزيادة الفرص المتاحة للشباب والنساء. وتعمل المملكة أيضاً على تهيئة بيئة تعزز الابتكار وريادة الأعمال والاستدامة. وتعكس هذه المبادرات الطموحات الوطنية والعالمية من حيث نطاقها. ونحن في البنك الدولي نفخر بدعم تلك الجهود لتحقيق التحول الاقتصادي من خلال شراكتنا الاستراتيجية مع المملكة».

نجاح عُمان في ضبط المالية العامة

وحول تجربة سلطنة عمان الواردة في تقرير البنك الدولي، تُشير الكوقلي إلى أنها «تمكنت من تحقيق تحوّل في ماليتها العامة بفضل التزامها الجاد بخطة مالية متوسطة الأجل. هدفت الخطة إلى خفض العجز المالي في فترة زمنية قصيرة، وهو هدف تجاوزته عُمان من خلال مزيج من تنويع الإيرادات وإصلاحات كفاءة الإنفاق».

مسقط عاصمة سلطنة عمان (البنك الدولي)

وتُشدد على أن «الإنجاز الرئيسي يتمثل في نجاحها في خفض الدين العام من نحو 68 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 إلى 35 في المائة في عام 2024، باستخدام عائدات النفط. وهذا يُظهر قدرة الدولة على الالتزام بالانضباط المالي والاستخدام الاستراتيجي لعائدات النفط لتحسين الاستدامة على المدى الطويل».