أميركا تؤكد دعمها «الحكم المدني» في السودان

أكَّدت الولايات المتحدة أنَّها ستواصل دعم مطلب الشعب السوداني بوجود حكومة مدنية واستئناف التحوّل الديمقراطي، مضيفة أنَّ الاقتتال بين الجيش و«قوات الدعم السريع» يهدد بنشوب صراع طويل الأمد ومعاناة واسعة النطاق.

وشدَّد بيان للسفارة الأميركية في الخرطوم، أمس، على أنَّ واشنطن ستواصل «تحميل الأطراف المتحاربة في السودان المسؤولية عن العنف وتجاهل إرادة الشعب السوداني». وأضاف البيان أن استمرار الصراع يعرقل إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من المدنيين ويدمر البنية التحتية.

في غضون ذلك، اندلعت اشتباكات عنيفة في العاصمة السودانية، أمس، في الذكرى الرابعة لفض اعتصام القيادة العامة للجيش في 3 يونيو (حزيران) 2019، الذي راح ضحيته مئات القتلى وآلاف الجرحى والمختفين.

كما أنه اليوم الثاني على التوالي للاشتباكات بالأسلحة الثقيلة بعد انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعه الطرفان المتحاربان في مدينة جدة الأسبوع الماضي، بوساطة سعودية - أميركية، وذلك وسط تدهور للوضع الإنساني وتزايد أعداد النازحين.

وتجدَّدت الاشتباكات في منطقة أم درمان القديمة وجنوب الخرطوم؛ حيث سُمعت انفجارات عنيفة في ظل استخدام المدفعية وتحليق الطائرات الحربية وتبادل كثيف لإطلاق النار بين الطرفين مع بداية الأسبوع الثامن للحرب. وشملت منطقة الاشتباك مجموعة من المواقع الاستراتيجية بما فيها الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، ومباني رئاسة شرطة محافظة الخرطوم، وهي منطقة متاخمة لعدد من المستشفيات والأحياء الحيوية المكتظة بالسكان.

وأفاد سكان في الخرطوم بتسجيل قصف بالطيران الحربي العائد للجيش على مناطق في جنوب الخرطوم، ردّت عليه نيران المضادات الأرضية من مناطق تسيطر عليها قوات «الدعم السريع». من جانبه، أعلن الهلال الأحمر السوداني دفن 180 مجهول الهوية، بعد أن تكدست الجثامين في الشوارع في ظل عدم تمكن الأهالي من الخروج لدفنها.

الحرب تغيّب إحياء السودانيين ذكرى فض الاعتصام

غيّبت الحرب الدائرة في السودان الاحتفاء بالذكرى الرابعة لفض الاعتصام الشهير أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني، في الثالث من يونيو (حزيران) 2019، التي راح ضحيتها المئات من القتلى وآلاف المصابين والمفقودين. وفي ذلك العام كان طرفا القتال الحالي (الجيش وقوات الدعم السريع)، قد انحازا إلى مطالب الشارع الذي خرج بالملايين للإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير، الذي حكم البلاد بالتحالف مع «الإسلاميين» 30 عاماً.

ودرجت القوى السياسية والشبابية سنوياً على الخروج بالآلاف في شوارع العاصمة (الخرطوم)، والولايات الأخرى لإحياء ذكرى فض الاعتصام والجرائم التي ارتُكبت في حق الشباب المعتصمين الذين خرجوا يطالبون بالحكم المدني وعودة العسكريين للثكنات. وعلى الرغم من مرور 4 أعوام على قضية فض الاعتصام التي هزت الشارع السوداني والرأي العام العالمي، لم يقدّم أي من مرتكبيها للمحاسبة القانونية.

لجنة التحقيق

وكان رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك، كوّن لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في جريمة فض الاعتصام، برئاسة القانوني الشهير، نبيل أديب، مُنحت صلاحيات واسعة بإجراء تحقيقات مع كل المسؤولين إبان وقوع الحادثة، واستنطاق الشهود وجمع الأدلة. واستمعت اللجنة إلى شهادة أكثر من 3 آلاف، من بينهم كبار القادة «العسكريين» في الجيش، وقوات «الدعم السريع»؛ لتحديد المسؤولين عن فض الاعتصام بالتحريض، أو المشاركة، أو الاتفاق الجنائي، أو ارتكاب أي انتهاكات أخرى، وحصر الضحايا من الشهداء والمصابين والجرحى والمفقودين.

وقطع استيلاء الجيش على السلطة المدنية عبر انقلاب عسكري في 25 من أكتوبر(تشرين الأول) 2021 بعد أن أطاح بالحكومة المدنية الانتقالية، التي تأسست وفقاً لوثيقة دستورية بين المدنيين والعسكريين، صدور التقرير النهائي للجنة التحقيق الخاصة بأحداث القيادة.

عناصر من الجيش السوداني في أحد أحياء العاصمة السودانية (أ.ف.ب)

الإقرار بالفض

وكان عضو المجلس العسكري (المنحل)، الفريق شمس الدين كباشي، قد أقرّ بأن قادة الهيئات والأجهزة العسكرية في الجيش وقوات «الدعم السريع» اجتمعوا وقرروا فض الاعتصام وفقاً للإجراءات القانونية والأمنية المعروفة، وذهب القادة العسكريون ووضعوا الخطة ونفذوها.

لكن عضو المجلس المركزي لتحالف «الحرية والتغيير» المعارض لحكم العسكر، أحمد خليل، قال إن جريمة فض الاعتصام يتحمل مسؤوليتها المجلس العسكري الحاكم آنذاك، «قادة الجيش الحاليون»، مضيفاً: «لن تسقط تلك الجريمة وغيرها من الانتهاكات الفظيعة التي تعرّض لها السودانيون خلال الحرب الجارية حالياً، بالتقادم».

وأشار خليل إلى أن موقف «الحرية التغيير» كان واضحاً بضرورة إكمال التحقيق في الأحداث التي شهدتها القيادة العامة قبل 4 سنوات، «وتقديم كل مرتكبيها إلى المحاكم العادلة لصيانة حق الضحايا الذين سقطوا جراء جريمة لا تزال عالقة في ذاكرة الشعب السوداني، ولن تنمحي إلا بتحقيق العدالة الكاملة».

ملامح متشابهة

بدوره، قال الناشط الحقوقي فيصل الباقر: «ستظل جريمة فض الاعتصام وصمة عار في جبين الجنرالات المتحاربين الآن، ومعهم مَن يسمونهم (الطرف الثالث)، وهم يواصلون الهمجية ذاتها في حربهم الكارثية». وأضاف أن ما يحدث من انتهاكات لحقوق الإنسان في الحرب الحالية، يحمل ملامح واضحة لتورط الأطراف نفسها في جريمة فض الاعتصام، قائلاً: «نشهد هذه الأيام انتهاكات شبيهة بما حدث في جريمة فض الاعتصام، بل أفظع، وجميعها ترتقى لأن تكون جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولن تمر دون مساءلة مهما طال الزمن أو قصر».

وقال الباقر إن ذاكرة الشعب السوداني ستظل متقدة لتحقيق العدالة ولو بعد حين، مضيفاً أن المطلوب الآن وقف الحرب، والضغط على الطرفين؛ لأن استمرارها يمثل أكبر انتهاك لحقوق الإنسان. ودعا الناشطين في الحركة الحقوقية للتمسك بملف المحاسبة في هذه الجرائم الخطيرة كلها، ومواصلة الإمساك بشعارات الثورة في العدالة وقضايا المساءلة والمحاسبة؛ لأنها جرائم لا تسقط بالتقادم.

لا يزال دخان المعارك يتصاعد في سماء العاصمة السودانية (أ.ف.ب)

استخدام الرصاص الحي

وأحدثت واقعة فض الاعتصام قطيعة بين الشارع السوداني والقادة العسكريين في البلاد، إذ جرت مهاجمة المعتصمين أمام مقر قيادة الجيش بوسط العاصمة (الخرطوم)، دون أي تحرك من الجيش لمنع وقوع الجريمة. وفي 3 يونيو 2019، هاجمت قوات كبيرة بأزياء نظامية على متن مئات السيارات، ساحة الاعتصام في محيط القيادة العامة للجيش بالخرطوم، واستخدمت القوات الرصاص الحي والهراوات لتفريق المعتصمين.

وتطالب أسر الشهداء بالقصاص، ورفع الحصانة عن المشتبه بهم، وحماية الشهود، والتعجيل بتقديم الجناة لمحاكمات عاجلة.

وكانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية العالمية اتهمت صراحة أجهزة الأمن السودانية بارتكاب مجزرة فض الاعتصام ضد المتظاهرين في الخرطوم.