حرب السودان: من يخسر أكثر؟

دبابة تابعة للجيش السوداني بأحد شوارع جنوب الخرطوم الأحد (أ.ف.ب)
دبابة تابعة للجيش السوداني بأحد شوارع جنوب الخرطوم الأحد (أ.ف.ب)
TT

حرب السودان: من يخسر أكثر؟

دبابة تابعة للجيش السوداني بأحد شوارع جنوب الخرطوم الأحد (أ.ف.ب)
دبابة تابعة للجيش السوداني بأحد شوارع جنوب الخرطوم الأحد (أ.ف.ب)

دخلت حرب السودان شهرها الثاني، من دون أن تظهر ملامح انتصار نهائي لأي طرف، أو إمكانية لحل سياسي، بعد أن تعقدت الأوضاع على الأرض وتعاظمت الخسائر.

ودخل اتفاق وقف النار الذي تم توقيعه في جدة، قبل يومين، حيز التنفيذ، برقابة دولية، وسط آمال من السودانيين أن يؤدي الى وقف الحرب بشكل نهائي، والبدء في بحث ملفات الحل السياسي.

وبشكل عملي، فإن الأوضاع لم تتغير كثيراً في أي اتجاه حتى الآن. ورغم الهدوء النسبي فإن الحركة لا تزال صعبة بالنسبة للمدنيين ولكوادر العمل الإنساني والطبي بين المناطق المختلفة.

عسكرياً، توجد قوات «الدعم السريع» في جزء من القيادة العامة للقوات المسلحة، وفي القصر الجمهوري، وفي مطار الخرطوم وعدد من الوزارات والمؤسسات، كما تنتشر في منطقة الخرطوم بحري وجنوب الخرطوم، وفي المناطق السكنية شرق الخرطوم (الرياض والمنشية والطائف وأركويت)، ومناطق جنوب الخرطوم (جبرة والصحافة).

في الوقت نفسه، يوجد الجيش السوداني في الجزء الأكبر من القيادة العامة، وفي المناطق العسكرية المعروفة الموزعة في المدن الثلاث، بالإضافة إلى منطقة وادي سيدنا العسكرية التي يوجد فيها المطار العسكري الذي تم استخدامه لإجلاء الجاليات الأجنبية، وتتحرك منه طائرات سلاح الجو السوداني. كما تسيطر الوحدات العسكرية للقوات المسلحة على كل مدن البلاد، ما عدا بعض المناطق المحدودة في دارفور.

جنود من الجيش السوداني في إحدى مناطق الخرطوم (أ.ف.ب)

وتعتمد قوات «الدعم السريع» على انتشار قواتها في المناطق الثلاث، مستخدمة سيارات صغيرة سهلة الحركة، يسميها السودانيون «التاتشر»، مسلحة بأنواع متعددة من الأسلحة الصغيرة ومضادات الطائرات ومدافع «الدوشكا»، ولا تبقى في القواعد التي كانت تستقر فيها من قبل، مثل سلاح المظلات في بحري، ومقر هيئة العمليات السابق في كافوري، والمعسكر الكبير في «طيبة الحسناب»، بسبب تعرض هذه المعسكرات للقصف الجوي، لذا تعتمد على انتشار وتوزيع سياراتها في المناطق السكنية وقرب المواقع الحيوية. ولدى هذه القوات خبرة كبيرة في التحرك السريع، بفضل سياراتها واستخدامها في المعارك في دارفور لسنوات طويلة.

في المقابل، تتفوق القوات المسلحة بعاملين هما: امتلاكها سلاح الطيران، وكذلك سلاح المدرعات. ويتم استخدام سلاح الطيران بشكل مكثف ضد تجمعات قوات «الدعم السريع» ومعسكراتها المعروفة، كما تحاول الطائرات مطاردة سيارات «الدعم السريع» المنتشرة في أحياء الخرطوم، ما تسبب في خسائر طالت ممتلكات المواطنين وخسائر في الأرواح. أما سلاح المدرعات فلم يُستخدم بعد، لصعوبة استخدامه داخل المدن مع صعوبة حركته.

وخلال هذا الشهر، تكسرت أوهام كثيرة، أهمها على الإطلاق وهم الانتصار السريع، وإمكانية تحطيم الخصم في يومين أو ثلاثة. فقد بدا واضحاً أن هذا الصراع سيستمر لفترة طويلة، وليست ثمة نهاية قريبة له بانتصار طرف على الطرف الآخر. كما أن المشهد العسكري الذي تكون في الأيام الثلاثة الأولى للحرب ظل صامداً كما هو، دون تغيير يذكر.

إلا أن ثبات المشهد العسكري لا يعني استقرار الأوضاع في العاصمة السودانية بمدنها الثلاث. فالحياة تتدهور، وخدمات الكهرباء والمياه تتدهور في مناطق مختلفة، وكذلك الخدمات المالية والمصرفية، وحتى التطبيقات الإلكترونية الحديثة. كما تنعدم السلع الأساسية،

ويقع المدنيون ضحايا لهذا الصراع، خصوصاً في مناطق سيطرة قوات «الدعم السريع»، حيث يتم نهب المنازل والمتاجر والمصانع والأسواق العامة، وحيث تم تسجيل عدد من حالات الاغتصاب.

وباعتراف قادة الطرفين، فإن هذه حرب خاسرة للجميع. وقد وصفها الفريق البرهان بأنها «حرب عبثية»، وقال الفريق حميدتي إن الجميع خاسرون فيها، ومع ذلك فإنها تستمر.

وأسوأ نتائج للوضع الحالي هي الحرب الكلامية التي يشنها أنصار الحرب من الطرفين، خصوصاً مؤيدي القوات المسلحة، إذ يجرِّمون كل من يطالب بوقف الحرب، ويعتبرونه من أنصار «الدعم السريع»، ويستخدمون اللغة نفسها التي استخدموها خلال الحرب الأهلية في الجنوب وفي دارفور، معتبرين أن هذه حرب وطنية مقدسة، كما يستخدمون أيضاً الشعارات الدينية والجهادية.

المدهش أن الأنصار الجدد للحرب، ومعظمهم من أنصار النظام القديم، لم يُعرف لهم موقف واحد ضد قوات «الدعم السريع» طوال السنوات الأربع الماضية؛ بل كان معظمهم من المدافعين عنها، وأن المجموعات التي تقف ضد الحرب من حيث المبدأ، هي في معظمها من أنصار الحركة السياسية المدنية التي ظلت ترفع شعار ضرورة حل قوات «الدعم السريع» وتكوين جيش وطني موحد. والفرق أنهم يرون أن موضوع حل الميليشيات ودمجها يجب أن يتم عبر عملية سياسية واتفاق ملزم، بدلاً من الحرب التي لن يكسبها أي طرف، والجميع فيها خاسرون.


مقالات ذات صلة

تواصُل الاشتباكات بين الجيش السوداني و«الدعم السريع» على تخوم الجزيرة

شمال افريقيا حافلة تُقلُّ عناصر من الجيش السوداني في أحد شوارع مدينة قضارف (أ.ف.ب)

تواصُل الاشتباكات بين الجيش السوداني و«الدعم السريع» على تخوم الجزيرة

تتواصل الاشتباكات العنيفة بين الجيش السوداني والفصائل الموالية له ضد «قوات الدعم السريع» في ثلاثة محاور على تخوم ولاية الجزيرة وسط البلاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
العالم العربي تجدُّد القصف على مخيم «زمزم» للنازحين شمال دارفور في السودان (رويترز)

تجدُّد القصف على مخيم للاجئين في السودان يواجه خطر المجاعة

قال مسعفون وناشطون إن القصف تجدد، اليوم (الأربعاء)، على مخيم «زمزم» للنازحين الذي يواجه خطر المجاعة، إثر هدوء مؤقت بعد هجمات شنتها «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم فلسطينيون يتجمعون للحصول على طعام في مركز توزيع بقطاع غزة (أ.ب)

نداء أممي لجمع 47 مليار دولار لمساعدة 190 مليون شخص في 2025

أطلق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، الأربعاء، نداء لجمع أكثر من 47 مليار دولار، لتوفير المساعدات الضرورية لنحو 190 مليون شخص خلال عام 2025.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
العالم العربي شارع سوداني لحق به الدمار نتيجة الصراع في البلاد (د.ب.أ)

مصر تؤكد حرصها على المشاركة بفاعلية في الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق الاستقرار بالسودان

أكدت مصر اليوم الثلاثاء حرصها على المشاركة بفاعلية في الجهود الإقليمية والدولية لتحقيق الاستقرار في السودان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا من مخيمات النزوح في الفاشر (أ.ف.ب)

اتهامات تلاحق الجيش و«الدعم السريع» باستهداف مخيمات النازحين بالفاشر

علي يوسف «تقدم بالشكر للشقيقة مصر على وقفتها الصلبة الداعمة للسودان وهو يخوض حرب الكرامة الوطنية ضد ميليشيا (الدعم السريع) المتمردة».

محمد أمين ياسين (نيروبي)

«الرئاسي» الليبي يتحدى «النواب» بشأن «مفوضية الاستفتاء»

رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في لقاء سابق مع رئيس «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة (الوحدة)
رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في لقاء سابق مع رئيس «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة (الوحدة)
TT

«الرئاسي» الليبي يتحدى «النواب» بشأن «مفوضية الاستفتاء»

رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في لقاء سابق مع رئيس «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة (الوحدة)
رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في لقاء سابق مع رئيس «الوحدة» عبد الحميد الدبيبة (الوحدة)

أعلن المجلس الرئاسي الليبي، اليوم الأربعاء، اعتزامه «تفعيل عمل (المفوضية الوطنية للاستفتاء والاستعلام الوطني)، رغم اعتراضات مجلس النواب»، وهو ما عده مراقبون أنه يأتي «في إطار المناكفة السياسية بين المجلسين».

ووفق المتحدثة باسم المجلس الرئاسي، نجوى وهيبة، فإنه من «حق الليبيين أن يعبروا عن رأيهم في عدد من القضايا الحساسة والجوهرية، عبر وسائل موثوقة كالهيئة الوطنية للاستفتاء والاستعلام»، مشيرة إلى أنه «من صلاحيات المجلس الرئاسي، بما أنه سلطة سيادية، تنظيم عمل (مفوضية الاستفتاء)»، وموضحة أن ذلك «قد يشمل ملفات اقتصادية وسياسية تمس حياة المواطنين والمواطنات بشكل مباشر».

صالح وعماد السائح رئيس المفوضية الليبية للانتخابات في لقاء سابق (المكتب الإعلامي لصالح)

وأضافت المتحدثة باسم المجلس الرئاسي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، الأربعاء، أن «المجلس الرئاسي يرى أن الاستفتاء الشعبي والاستعلام من الوسائل الفاعلة لإنهاء حالة الجمود السياسي الراهنة، ومعالجة بعض القرارات الأحادية».

ولم توضح نجوى وهيبة الملفات الاقتصادية والسياسية التي يعتزم المجلس الرئاسي طرحها للاستفتاء الشعبي، لكن مستشار المجلس الرئاسي لشؤون الانتخابات والمجالس التشريعية، زياد دغيم، نفى في تصريحات متلفزة «فكرة الاستفتاء على حل مجلس النواب».

من جانبه، يواصل رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، تحديه لـ«النواب»، عبر تنفيذ قراره بخصوص إنشاء مفوضية مختصة للاستفتاء والاستعلام الوطني، بعدما كلف أخيراً بعض الخبراء بإعداد حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، تمهيداً لعرضها للاستفتاء الشعبي.

وكانت محكمة استئناف بنغازي قد قضت، الشهر الماضي، بوقف نفاذ قرار المنفي بشأن إنشاء «مفوضية الاستفتاء»، وتعيين مجلس إدارة لها، وأعلنت المحكمة قبولها شكلاً للطعن المقدم من حكومة «الاستقرار» الموالية للبرلمان، برئاسة أسامة حماد، التي اتهمت «الرئاسي» بتجاوز صلاحياته.

ورداً على ذلك، اعتبر مجلس النواب أن قرار المنفي إنشاء هيئة استفتاء مستقلة للاستعلام الوطني يعد «تجاوزاً لصلاحياته الدستورية»، وقال في وقت سابق إن المفوضية العليا للانتخابات «هي الجهة الفنية ذات العلاقة بأي مهام تتعلق بالانتخابات أو الاستفتاءات، باعتبارها مؤسسة مختصة، وبيت خبرة في هذا المجال، ولا يوجد مبرر لإنشاء مؤسسات موازية».

وطبقاً لأعضاء في هيئة صياغة مشروع الدستور، فقد دعا رئيس حكومة الوحدة «المؤقتة»، عبد الحميد الدبيبة، لعقد اجتماع، الأربعاء المقبل، لمناقشة المسار الدستوري، والعوائق التي تواجه مؤسسات الدولة.

من جهته، استغل رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، لقاءه مساء الثلاثاء، مع رئيس «جهاز مشروع النهر الصناعي»، سعد بومطاري، للدعوة إلى تكاتف الجهود للمحافظة على هذا المورد المهم للمياه، ووضع حد للاعتداءات على مكونات المنظومات، مثل الوصلات غير الشرعية، وإهدار المياه في الأغراض غير المخصصة لها.

المصرف المركزي خلال اجتماعاته في تونس مع وفد صندوق النقد الدولي (المركزي)

في غضون ذلك، أعلن مصرف ليبيا المركزي، الأربعاء، مواصلة فريقه لليوم الثالث على التوالي الاجتماعات التحضيرية لمشاورات المادة الرابعة مع بعثة خبراء صندوق النقد الدولي في تونس، بمشاركة ممثلي وزارات الاقتصاد والتجارة والمالية، والتخطيط والمؤسسة الوطنية للنفط، وديوان المحاسبة، لمناقشة ميزانية العام الماضي، والميزانية الموحدة للعام الجديد، بالإضافة إلى معدلات إنتاج النفط، والأسعار المتوقعة، وحوكمة المؤسسات في القطاع العام.

من جانبه، أكد رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، فرحات بن قدارة، اعتزام «المؤسسة» الإعلان قريباً عن عودة العطاء العام للمشاريع الاستكشافية، أمام كبرى الشركات العالمية المتخصصة، والتي تمتلك الإمكانيات والتقنيات المتطورة لتحقيق المطلوب.

وقال بن قدارة في كلمة ألقاها، مساء الثلاثاء، خلال افتتاح أعمال الموسم الخامس لأسبوع الطاقة الليبي، إن باب العطاء العام ظل مقفلاً منذ ما يزيد عن 17 سنة متواصلة، لافتاً إلى أن أكثر من 70 في المائة من إجمالي التراب الليبي، وما يزيد عن 65 في المائة من المياه الإقليمية «مساحات لم تطأها أعمال الاستكشاف بعد». واعتبر العودة لأعمال الاستكشاف في ليبيا «فرصة مجزية» لتحقيق نمو اقتصادي، وبالتالي إنجاز المشاريع الطموحة في مجال تطوير البنى التحتية والتعمير، وغيرها من المشاريع التي تحتاجها البلاد.

الجيش الوطني الليبي خلال محادثات مع وفد عسكري أميركي (الجيش الوطني)

من جهة ثانية، أعلن الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، أن مدير مكتبه، الفريق خيري التميمي، بحث مساء الثلاثاء في بنغازي مع وفد رفيع المستوى من الجيش الأميركي سبل التعاون المشترك بين الجانبين، وتنسيق الجهود في مكافحة الإرهاب العابر للحدود. كما أشار الجيش الوطني إلى اجتماع الفريق خالد، نجل حفتر ورئيس أركان الوحدات الأمنية، مع القائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة، ستيفاني خوري.