الاقتتال السوداني في شهره الثاني... من يكسب الحرب؟

خبراء: لا نصر حاسماً في «حرب الجنرالين» والحرب الأهلية السيناريو الأسوأ

TT

الاقتتال السوداني في شهره الثاني... من يكسب الحرب؟

رئيس مجلس السيادة في السودان الفريق عبد الفتاح البرهان (أ.ب)
رئيس مجلس السيادة في السودان الفريق عبد الفتاح البرهان (أ.ب)

صبيحة السبت 15 أبريل (نيسان) الماضي، استفاق سكان الخرطوم على أصوات الانفجارات وصليل الأسلحة، وأعلن وقتها أن حرباً اندلعت بين الجيش وقوات «الدعم السريع» الرديفة له، وفور وصول الصدى إلى أماكن أخرى من السودان، أطلق كل طرف مزاعم بقدرته على حسم الحرب لصالحه خلال ساعات، لكن الوقائع على الأرض، وآراء الخبراء والمحللين، تؤكد أن أياً من الطرفين غير قادر حتى الآن على تسجيل النصر الحاسم في الحرب.

وتطاول أمد مزاعم النصر من قبل الطرفين، من ساعات إلى أيام ثم أسابيع ثم أشهر، ولا يعرف الآن ما إذا كانت الحرب ستتحول إلى صراع مزمن، أو ربما حرب شاملة لا تبقي ولا تذر. فاحتدام المعارك العنيفة، جواً وبراً، واستمرارها دون هوادة، لا يزال هو المشهد الأبرز، ولكنها مع ذلك، لا تزال تدور تحت سقف «لا غالب ولا مغلوب»، حتى نهار أمس الذي تبادل فيه الطرفان مزاعم تحقيق نصر تكتيكي.

لا تزال العاصمة السودانية تشهد أعمدة الدخان الناجم عن الاشتباكات المسلحة (أ.ف.ب)

فمنذ 32 يوماً لم يصمت دوي المدافع والقذائف، ولم تتوقف البنادق الآلية، وجالت خلالها الطائرات الحربية التي أصبح هديرها، والانفجارات المرعبة التي تعقبه، سيد الموقف.

إلى متى؟ لا أحد يملك الإجابة. وقديماً، أكدت الخبرة الإنسانية أن «القادة يملكون سلطة قرار الدخول في حرب، لكنهم لا يملكون سلطة قرار نهايتها».

وبغض النظر عن مزاعم الطرفين بشأن حسم الحرب، فقد وصف قائد الجيش عبد الفتاح البرهان الحرب، التي تخوضها قواته بـ«العبثية» قائلاً إنه يجب على طرفيها «الجلوس» معاً لإيجاد مخرج للأزمة، وفقاً لما نقلته عنه صحف إقليمية. وأضاف البرهان: «يجب أن نجلس جميعاً كسودانيين، ونجد المخرج الملائم حتى نعيد الأمل والحياة». وتابع: «هذه الحرب الجميع خاسر فيها». أما قائد قوات «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فقد أبدى أسفه أكثر من مرة لنشوب حرب «مفروضة» عليه، وقدم أكثر من مرة ما أسماه «اعتذاراً للشعب السوداني».

طفل سوداني يحمل خراطيش الرصاص مع استمرار الاشتباكات بين طرفي النزاع في شمال الخرطوم (رويترز)

وفي محاولة لتقصي مآلات القتال، قال الوزير السابق فيصل محمد صالح، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن نظرة واقعية تظهر أن كل المؤشرات تقول إن هذه الحرب لن تنتهي بانتصار حاسم لأي من أطرافها، وهذا ما يكشفه الواقع الميداني والنتائج الظاهرة. وأضاف: «قبل بداية الحرب كان هنالك تصور بأن القوات المسلحة، بما لديها من تسليح نوعي، قادرة على حسم المعركة في أيام قليلة، نظراً لتشتت قوات الدعم السريع في بوادي السودان وأقاليمه، مع تكبدهم خسائر كبيرة في العاصمة».

لكن صالح أكد أن الإمكانيات النوعية الكبيرة للقوات المسلحة (مدرعات، طيران حربي)، «عجزت عن مواجهة قوات الدعم السريع في العاصمة». وتابع قائلاً: «يبدو أن الجيش لا يفضل مواجهات بين مشاة ومشاة، ويفضل سلاح الطيران في مواجهة الدعم السريع». واستطرد: «قوات الدعم السريع تحتمي بمراكز خدمية ومدنية بحيث يصعب اصطيادها».

الدعم السريع حقق نصراً معنوياً

وقال صالح إن سيطرة قوات «الدعم السريع» على مرافق سيادية مثل القصر الجمهوري، وجزء من القيادة العامة، ومطار الخرطوم، وعدد آخر من المقار الوزارية، وبرغم حصارهم فيها، فإن مجرد وجودهم فيها يحقق لهم نصراً معنوياً باعتبارها مراكز سيادية كان يجب أن تكون بيد القوات المسلحة. وتابع: «لا أتوقع أن ينتصر طرف على طرف في هذه الحرب، وبالتالي يمكن أن تستمر لفترة طويلة جداً، وأكبر مخاطرها أن تنتشر إلى أماكن أخرى، مثلما يحدث الآن في دارفور وكردفان، سيما أن وجود (الدعم السريع) هناك غير مرصود من القوات المسلحة». وأضاف: «لذلك، فإن الطرفين سيقبلان وقفاً لإطلاق النار، ويعملان الآن على تعزيز مواقعهما على الأرض لتحسين مواقفهما التفاوضية».

وحدد أستاذ التاريخ الحديث في الجامعة القطرية، البروفسور أحمد إبراهيم أبو شوك، في ورشة عمل شارك فيها عدد من المهتمين السودانيين، بينهم وزير الإعلام السابق حمزة بلول، ثلاثة سيناريوهات يمكن أن تؤول إليها الأوضاع في البلاد، مرجحاً الأول بنسبة 50 بالمائة، وهو أن يقوم الجيش بـ«كسر شوكة (الدعم السريع) والتخلص من قياداته العليا»، ودمج المؤهلين منه وقوات الحركات المسلحة في جيش واحد، ثم تكوين حكومة مدنية من قيادات لم تكن جزءاً من الأزمة، بمهام محددة هي إصلاح ما دمرته الحرب وإعداد الساحة السياسية لانتخابات عامة من أجل كسب المساندة الخارجية.

وفي السيناريو الثاني، الذي حدد نسبة حدوثه بـ30 في المائة، رأى البروفسور أبو شوك أن الطرفين سيدخلان في تفاوض يعيد النظر في الاتفاق السياسي وتوسيع دائرة المشاركة السياسية، ثم تشكيل حكومة مدنية مهامها إجراء الانتخابات العامة. أما السيناريو الثالث و«الأسوأ»، فنسبته 20 في المائة، ويتمثل في امتداد أجل الحرب وتوسع دائرتها، ثم تدويلها، فضلاً عن ردة فعل من الحركات المسلحة والمكونات الإثنية تقود بالنهاية إلى حرب أهلية.


مقالات ذات صلة

الجيش السوداني يتقدم على جبهات القتال في ولاية الجزيرة

شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

الجيش السوداني يتقدم على جبهات القتال في ولاية الجزيرة

لم يصدر أي تصريح رسمي من «الدعم السريع» بخصوص المعارك في ولاية الجزيرة التي جاءت بعد أشهر من التخطيط من قبل الجيش

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي) (رويترز)

السودان يرحب بالعقوبات ضد حميدتي ويطالب بموقف دولي موحد

رحبت الحكومة السودانية بقرار الإدارة الأميركي فرض عقوبات على قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» وطالبت المجتمع الدولي بموقف موحد.

شمال افريقيا سودانيون فارُّون من المعارك في منطقة الجزيرة داخل مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)

الجيش السوداني يستعيد السيطرة على بلدات في الجزيرة

شن الجيش السوداني، الأربعاء، هجوماً برياً كبيراً من عدة محاور على أطراف ولاية الجزيرة وسط البلاد، استعاد على أثرها، السيطرة على عدد من البلدات والقرى

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا حميدتي قال في خطاب الاستقلال الأربعاء إن السودان في مفترق طرق (الشرق الأوسط)

قبل رحيلها... إدارة بايدن تفرض عقوبات على «حميدتي» وتتهمه بـ«جرائم حرب»

«الخارجية الأميركية»: «قوات الدعم السريع»، والميليشيات المتحالفة معها، شنَّت هجمات ضد المدنيين، وقتلت الرجال والفتيان بشكل منهجي، وحتى الرُّضع، على أساس عرقي.

هبة القدسي (واشنطن)
شمال افريقيا مواطنون في بورتسودان يطالبون بتمديد مهلة تبديل العملة (أ.ف.ب)

تبديل الجنيه السوداني يتحول أداةً حربية بين طرفي النزاع

عدّت «قوات الدعم السريع» العملات الجديدة «غير مبرئة للذمة» في المناطق التي تسيطر عليها، وقالت إن العملات القديمة «سارية» وصالحة للتداول فيها.

أحمد يونس (كمبالا)

الجيش السوداني يتقدم على جبهات القتال في ولاية الجزيرة

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

الجيش السوداني يتقدم على جبهات القتال في ولاية الجزيرة

عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)
عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

واصل الجيش السوداني، الخميس، تقدمه في المعارك الدائرة في ولاية الجزيرة وسط السودان، وسيطر على بلدة «الشبارقة»، بعد انسحاب «قوات الدعم السريع»، وفق مصادر محلية.

وكانت البلدة أحد أبرز أهداف الجيش في هذه الجبهة، لأنها تمكنه من الناحية العسكرية من التقدم نحو عاصمة الولاية، مدينة ود مدني.

وحقق الجيش السوداني تقدماً كبيراً في جنوب الجزيرة، يوم الأربعاء، حيث سيطر بالكامل على مدينة «الحاج عبد الله»، وعدد من القرى المجاورة لها، فيما تحدث شهود عيان عن توغله في أكثر من قرية قريبة من ود مدني باتجاه الجنوب.

عناصر من «الدعم السريع» في منطقة قريبة من الخرطوم (رويترز)

وقالت «لجان المقاومة الشبارقة»، وهي تنظيم شعبي محلي، «إن القوات المسلحة بسطت سيطرتها الكاملة على البلدة بعد معارك طاحنة».

وأفادت في بيان على موقع «فيسبوك»، بأن الطيران الحربي التابع للجيش «لعب دوراً كبيراً في إسناد الهجوم البري، بتنفيذ ضربات جوية على مواقع قوات الدعم السريع لمنعها من التقدم».

ووفقاً للجان، فقد «استولت القوات المسلحة على كميات من الأسلحة والذخائر كانت مخبأة داخل المنازل في البلدة».

وأظهر مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، عناصر من قوات الجيش أمام لافتة على مدخل الشبارقة، فيما قالت مصادر أخرى، إن اشتباكات عنيفة سجلت بين قوات مشتركة من الميليشيات المسلحة المتحالفة مع الجيش ضد «قوات الدعم السريع» في الأجزاء الشرقية من بلدة «أم القرى» شرق الجزيرة، على بعد نحو 30 كيلومتراً من ود مدني.

وحسب المصادر، فإن القوات المهاجمة، تتقدمها ميليشيا «درع السودان» التي يقودها القائد المنشق عن «الدعم السريع» أبو عاقلة كيكل، فشلت في استعادة البلدة خلال المعارك الشرسة التي دارت الأربعاء.

وقال شهود عيان لــ«الشرق الأوسط»، إن المضادات الأرضية لقوات «الدعم السريع» تصدت لغارات جوية شنها الطيران الحربي للجيش على ارتكازاتها الرئيسية في وسط البلدة.

وتوجد قوات الجيش والفصائل التي تقاتل في صفوفه، على بعد عشرات الكيلومترات من مدينة ود مدني، لكن قوات «الدعم» لا تزال تنتشر بكثافة في كل المحاور المؤدية إلى عاصمة الولاية.

دورية لـ«الدعم السريع» في إحدى مناطق القتال بالسودان (رويترز)

ولم يصدر أي تصريح رسمي من «الدعم السريع»، التي يقودها محمد حمدان دقلو «حميدتي» بخصوص المعارك في ولاية الجزيرة التي جاءت بعد أشهر من التخطيط من قبل الجيش الذي شنّ هجوماً برياً يعد الأوسع والأعنف، وتمكن للمرة الأولى، من التوغل بعمق والسيطرة على عدد من المواقع التي كانت بقبضة «الدعم السريع».

ومنذ ديسمبر (كانون الأول) 2023، سيطرت قوات «الدعم» على 6 محليات في ولاية الجزيرة، ولم يتبق للجيش سوى محلية المناقل التي ما زالت تحت سيطرته، ويسعى عبر محورها لاستعادة الولاية كاملة.

ولكن رغم تقدم الجيش عسكرياً خلال الأشهر الماضية في وسط البلاد والخرطوم، لا تزال «الدعم السريع» تسيطر على معظم أنحاء العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة في وسط البلاد ومناطق شاسعة في إقليم دارفور، إضافة إلى جزء كبير من كردفان في الجنوب... وفي حال فرض الجيش سيطرته الكاملة على ولاية الجزيرة، فإنه بذلك سيحاصر «الدعم» في العاصمة الخرطوم من الناحية الجنوبية.

واندلعت الحرب منذ أكثر من 21 شهراً، وأدت إلى مقتل أكثر من 188 ألف شخص، وفرار أكثر من 10 ملايين من منازلهم.