زيارة البابا إلى لبنان: رسائل داخلية وخارجية... وتأثير سياسي محدود

تأكيد على دور المسيحيين... ودعوة لوقف العنف

البابا مودِّعاً في مطار بيروت بعد انتهاء زيارته التي استمرت 3 أيام (إ.ب.أ)
البابا مودِّعاً في مطار بيروت بعد انتهاء زيارته التي استمرت 3 أيام (إ.ب.أ)
TT

زيارة البابا إلى لبنان: رسائل داخلية وخارجية... وتأثير سياسي محدود

البابا مودِّعاً في مطار بيروت بعد انتهاء زيارته التي استمرت 3 أيام (إ.ب.أ)
البابا مودِّعاً في مطار بيروت بعد انتهاء زيارته التي استمرت 3 أيام (إ.ب.أ)

انتهت زيارة البابا ليو الرابع عشر إلى لبنان برسائل سلام اجتماعية وأخلاقية وإنسانية إلى الداخل والخارج، في حين تبقى الآمال على تأثيرها السياسي - الأمني محدودةً في بلد يعاني من الأزمات المتداخلة، ويقف على حافة حرب محتملة على وقع التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة.

وإذا كانت الصورة التي عكستها لقاءات البابا مع كل الطوائف في لبنان، بانت «مشرقة ومتضامنة»، لكن يبقى الواقع مغايراً، بحكم الانقسامات العمودية في البلاد، وعلى رأسها تلك المرتبطة بمقاربة السلاح غير الشرعي.

البابا ليو الرابع عشر مغادراً بيروت بعد زيارة له استمرت 3 أيام (أ.ب)

من هنا، يسود الترقب اليوم لما بعد زيارة البابا وانعكاساتها، وهو الذي طلب من «المجتمع الدولي دعم لبنان، والاستماع إلى صوت الشعب الذي يطالب بالسلام»... السلام الذي ردّده وشدَّد عليه عشرات المرات في لقاءاته وكلماته خلال 3 أيام.

وجود المسيحيين ودورهم

يجمع كل من عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب بيار بو عاصي، ورئيس قسم الدراسات الدولية والسياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت عماد سلامة، على أن زيارة البابا إلى بيروت «تحمل رسائل إلى داخل لبنان وخارجه»، مع ترجيحهما عدم انعكاسها على الوضع الأمني والسياسي نطلاقاً من «أن دور البابا يدخل في المبادئ والأخلاقيات الكبرى».

المسؤولون اللبنانيون خلال مشاركتهم بالقداس الذي ترأسه البابا في واجهة بيروت البحرية بحضور عشرات الآلاف من المصلين ( إ.ب.أ)

ويتحدَّث بو عاصي لـ«الشرق الأوسط»، عن بعدَين خارجي وداخلي للزيارة، مشيراً إلى أنه «للبعد الداخلي مستويات عدة، إيمانية - سياسية موجهة للمسيحيين بتأكيده أن وجودهم ودورهم يجب أن يكون محفوظاً في لبنان، لكن ليس على حساب الطوائف الأخرى، والمستوى الثاني هو أن البابا يشعر بالقلق الكبير حول مستقبل لبنان المنهك بالصراعات الداخلية التي لا تنتهي، وهو أتى ليقول: أياً كان الوضعان الإقليمي والمحلي، فلهذا البلد قدرات الحياة والازدهار، وثروته الأساسية هي شبابه ومكوناته».

بدوره، يلفت سلامة إلى أن زيارة البابا «تحمل في هذا التوقيت مستويين مترابطين: أوّلاً، حماية الوجود المسيحي في المشرق المهدَّد بتدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية. وثانياً، الدعوة الواضحة لوقف دوّامة العنف والحرب. وإنّ استمرار الحروب في لبنان وغزة وسوريا يدفع هذا الوجود نحو مزيد من الهجرة والانهيار، ما يعني ضرب التعدّد برمّته لا المسيحيين وحدهم».

تأثير أخلاقي - سياسي

ورغم أهمية الزيارة ومواقف البابا التي دعت إلى السلام، فإن بو عاصي يرى أن كل«ذلك يدخل في المبادئ والأخلاقيات الكبرى انطلاقاً من عدم قدرته على التأثير المباشر في الدينامية السياسية والأمنية والعسكرية الإقليمية». ويقول: «كان واضحاً بالتأكيد على أن هذه المنطقة لا بد أن تدخل في ديناميكة السلام والاستقرار ونبذ الحروب والمواجهات العقيمة، والنأي بعيداً عن الصراعات الإقليمية التي يدفع لبنان دائماً ثمنها، وتوجَّه للبنانيين ولبنان الذي يعش اليوم مرحلةً دقيقةً، برسالة واضحة وهي أنه، لا تيأسوا، والأهم قوموا بما عليكم فعله على المستويين الداخلي والخارجي لعدم الدخول في دوامة عنف جديدة».

سيدات يرفعن الأعلام اللبنانية خلال مشاركتهن بالقداس الذي ترأسه البابا في واجهة بيروت البحرية (أ.ف.ب)

وفي الإطار نفسه، يرى سلامة أنه «على مستوى إسرائيل وحملتها العسكرية، يبقى تأثير رسالة البابا أخلاقياً وليس عسكرياً».

ويوضح: «هو يرفع تكلفة أيّ حرب شاملة على لبنان أمام الرأي العام الغربي والفاتيكاني والكنائس في العالم، ويُحرج الحكومات التي تعطي غطاءً لإسرائيل. لكن هذا لا يعني أن إسرائيل ستُوقِف خططها فقط لأن البابا دعا إلى السلام، لكن الزيارة ومضمون خطابها يسهمان في تأجيل أو فرملة القرارات العسكرية الكبرى، أو دفعها نحو الاكتفاء بتصعيد محسوب بدل حرب تدميريّة شاملة؛ لأن صورة قصف بلد زاره البابا للتوّ ويُقدَّم بوصفه رسالة تعايش ليست مريحة دبلوماسياً ولا إعلامياً».

رسالة لـ«حزب الله» وإيران

في المقابل، يعدّ سلامة أن «الرسالة ليست موجّهة لإسرائيل وحدها، بل هناك ضغط واضح – ولو بلغة هادئة – على حزب الله وإيران. عندما يشدّد البابا على سيادة الدولة اللبنانية، فهو عملياً يمنح غطاءً معنوياً قوياً لمطلب شريحة واسعة من اللبنانيين: رفض السلاح الخارج عن مؤسسات الدولة، ورفض أن يتحوّل لبنان إلى ساحة مفتوحة لتصفية حسابات إقليمية... هذه إشارة مباشرة، إلى أن استمرار إمساك إيران بقرار السلاح عبر حزب الله، يعرّض السلم الأهلي للخطر، ويزيد من تهديد المسيحيين وباقي المكوّنات، ويُضعف الشرعية الأخلاقية لأيّ خطاب مقاومة حين ينفصل عن الدولة ومؤسساتها».

لبنان على الخريطة

أما الرسالة التي حرص البابا على أن يبعث بها من خلال زيارته، فهي بحسب بو عاصي، التأكيد على أن «لبنان موجود، وفي قلب المعادلة، وليس دولة هامشية في المنطقة». وأضاف: «أعاد وضع لبنان في قلب الخريطة والمعادلة، وليس فقط عنصر تفجير يجب تفكيكه بالصراع بين الحزب وإسرائيل، إنما أيضاً بوصفه وطناً، ودولة عندها تاريخها وثقافتها ومكوناتها».

ورغم تأكيد بو عاصي على ضرورة «عدم التقليل من أهمية المشهد العام الذي رأيناه جامعاً بين رجال الدين والطوائف»، فإنه يلفت إلى تكرار المشاهد المماثلة في كل حديث كبير «لكن للأسف بات اللبنانيون مشككين بها وتبقى غير كافية، خصوصاً أن طابعها روحي ديني، ولبنان مؤلف من مكونات عدة، وتتحكم فيه الاعتبارات السياسية والتموضعات السياسية الداخلية والخارجية، التي من الطبيعي، ألّا تدخل فيها مواقف البابا».

بدوره يقول سلامة: «الزيارة توحّد اللبنانيين عاطفياً حول رغبة عامة في الهدنة ووقف الانهيار، لكنها تبقى في جزء منها فلكلورية إذا لم تُترجَم إلى مسار سياسي حقيقي: حوار داخلي حول السلاح والدولة، وإصلاح، وضغط دولي متوازن على إسرائيل كما على القوى الإقليمية داخل لبنان».


مقالات ذات صلة

إسرائيل تقابل الانفتاح الدبلوماسي اللبناني بغارات على الجنوب

المشرق العربي الدخان يتصاعد جراء غارات إسرائيلية استهدفت منطقة النبطية في مايو 2025 (أرشيفية - إ.ب.أ)

إسرائيل تقابل الانفتاح الدبلوماسي اللبناني بغارات على الجنوب

حسمت إسرائيل الخميس التضارب في مواقف مسؤوليها حول «الجو الإيجابي» جراء المفاوضات المدنية مع لبنان، أو عزلها عن المسار العسكري.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون (رويترز)

عون: المحادثات مع إسرائيل كانت «إيجابية»... والهدف تجنُّب «حرب ثانية»

قال الرئيس اللبناني جوزيف عون، الخميس، إن المحادثات مع إسرائيل كانت «إيجابية»، وهدفها هو تجنب «حرب ثانية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد جانب من اجتماع مجلس الوزراء في قصر بعبدا برئاسة الرئيس جوزيف عون (إكس)

وزير المالية اللبناني: الظرف الصعب لا يسمح بفرض ضرائب بناءً على طلب «صندوق النقد»

قال وزير المالية اللبناني، ياسين جابر، إن «صندوق النقد الدولي» طلب من لبنان تحقيق فائض في الموازنة العامة وفرض ضرائب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة نواف سلام مستقبلاً السفير سيمون كرم (رئاسة الحكومة)

ترحيب لبناني ودولي بتعيين كرم رئيساً للجنة الـ«ميكانيزم»

أكد رئيس الحكومة نواف سلام أن ترؤس السفير سيمون كرم الوفد اللبناني في لجنة الـ«ميكانيزم» «يشكّل خطوة مهمة في دفع عملها».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (أ.ب)

إيران تدعو وزير خارجية لبنان لزيارتها ومناقشة العلاقات الثنائية

قالت وزارة الخارجية الإيرانية، اليوم الخميس، إن الوزير عباس عراقجي دعا نظيره اللبناني يوسف رجي لزيارة طهران قريباً لمناقشة العلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (طهران)

«حماس» تتوقع محاولة اغتيال لقادتها في الخارج

المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)
المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)
TT

«حماس» تتوقع محاولة اغتيال لقادتها في الخارج

المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)
المبنى المتضرر من الهجوم الإسرائيلي على قادة «حماس» في الدوحة (رويترز)

تسود توقعات في حركة «حماس» بحدوث عملية اغتيال إسرائيلية جديدة لبعض قياداتها خارج الأراضي الفلسطينية.

وتحدثت مصادر كبيرة في الحركة إلى «الشرق الأوسط» عن تزايد في معدلات القلق من استهداف المستوى القيادي، خصوصاً بعد اغتيال المسؤول البارز في «حزب الله» اللبناني، هيثم الطبطبائي.

وتحدث أحد المصادر عن أن «هناك تقديرات باستهداف قيادات الحركة في دولة غير عربية»، رافضاً تحديدها بدقة.

واطلعت «الشرق الأوسط»، على ورقة تعليمات داخلية تم توزيعها على قيادات «حماس» في الخارج، تتعلق بالأمن الشخصي والإجراءات الاحتياطية لتلافي أي اغتيالات محتملة، أو على الأقل التقليل من أضرارها.

وجاء في الورقة أنه يجب «إلغاء أي اجتماعات ثابتة في مكان واحد، واللجوء إلى الاجتماعات غير الدورية في مواقع متغيرة».

وتدعو التعليمات القيادات إلى «عزل الهواتف النقالة تماماً عن مكان الاجتماع، بما لا يقل عن 70 متراً، ومنع إدخال أي أجهزة طبية أو إلكترونية أخرى، بما في ذلك الساعات، إلى أماكن الاجتماعات».

في غضون ذلك، أفادت مصادر في غزة بأن مقتل زعيم الميليشيا المسلحة المناوئة لـ«حماس»، ياسر أبو شباب، أمس، جاء في سياق اشتباكات قبلية على يد اثنين من أبناء قبيلته الترابين.

وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن شخصين شاركا في قتل أبو شباب، ينتميان إلى عائلتي الدباري وأبو سنيمة؛ إذ إن العائلتين إلى جانب أبو شباب ينتمون جميعاً إلى قبيلة الترابين.


إسرائيل تقابل الانفتاح الدبلوماسي اللبناني بغارات

لبنانيون يشاهدون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)
لبنانيون يشاهدون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تقابل الانفتاح الدبلوماسي اللبناني بغارات

لبنانيون يشاهدون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)
لبنانيون يشاهدون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان أمس (أ.ف.ب)

حسمت إسرائيل، أمس، التضارب في مواقف مسؤوليها حول «الجو الإيجابي» الناجم عن المفاوضات المدنية مع لبنان، وأعطت إشارة واضحة إلى أنها ستتعامل معها بمعزل عن المسار العسكري؛ إذ شنت غارات استهدفت أربعة منازل في جنوب لبنان، أحدها شمال الليطاني، بعد أقل من 24 ساعة على اجتماع لجنة تنفيذ مراقبة اتفاق وقف النار «الميكانيزم».

وبدا التصعيد الإسرائيلي رداً على ما سربته وسائل إعلام لبنانية بأن مهمة السفير سيمون كرم، وهو رئيس الوفد التفاوضي مع إسرائيل، تمثلت في بحث وقف الأعمال العدائية، وإعادة الأسرى، والانسحاب من الأراضي المحتلة، وتصحيح النقاط على الخط الأزرق فقط، فيما أفادت قناة «الجديد» المحلية بأن رئيس الجمهورية جوزيف عون «أكد أن لبنان لم يدخل التطبيع، ولا عقد اتفاقية سلام».

وقال الرئيس عون خلال جلسة الحكومة، مساء أمس: «من البديهي ألا تكون أول جلسة كثيرة الإنتاج، ولكنها مهدت الطريق لجلسات مقبلة ستبدأ في 19 من الشهر الحالي»، مشدداً على ضرورة أن «تسود لغة التفاوض بدل لغة الحرب».


العراق «يُصحّح خطأ» تصنيف حلفاء إيران إرهابيين

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)
TT

العراق «يُصحّح خطأ» تصنيف حلفاء إيران إرهابيين

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بجانب نوري المالكي خلال مناسبة دينية في بغداد (إعلام حكومي)

أثار نشر العراق، أمس (الخميس)، معلومات عن تجميد أموال «حزب الله» اللبناني، وجماعة «الحوثي» في اليمن، باعتبارهما مجموعتين «إرهابيتين»، صدمة واسعة، قبل أن تتراجع الحكومة، وتقول إنه «خطأ غير منقّح» سيتم تصحيحه.

وكانت جريدة «الوقائع» الرسمية قد أعلنت قائمة تضم أكثر من 100 كيان وشخص على ارتباط بالإرهاب، في خطوة رأى مراقبون أنها كانت ستُرضي واشنطن، وتزيد الضغط على طهران، قبل سحبها.

وأثار القرار غضب قوى «الإطار التنسيقي» الموالية لإيران؛ إذ وصف قادتها خطوة الحكومة التي يرأسها محمد شياع السوداني بأنها «خيانة»، فيما نفى البنك المركزي وجود موافقة رسمية على إدراج الجماعتين.

وقالت لجنة تجميد الأموال إن القائمة كان يُفترض أن تقتصر على أسماء مرتبطة بتنظيمي «داعش» و«القاعدة» امتثالاً لقرارات دولية، وإن إدراج جماعات أخرى وقع قبل اكتمال المراجعة.

ووجّه السوداني بفتح تحقيق، وسط جدل سياسي متصاعد حول مساعيه لولاية ثانية.

وجاءت التطورات بعد دعوة أميركية إلى بغداد لـ«تقويض الميليشيات الإيرانية»، وفي ذروة مفاوضات صعبة بين الأحزاب الشيعية لاختيار مرشح توافقي لرئاسة الحكومة الجديدة.