رغم أن بعض البنوك التابعة لسلطة النقد الفلسطينية أعادت فتح بعض فروعها داخل قطاع غزة، لا يزال نضال عواد، الموظف في السلطة الفلسطينية، يدفع لبعض التجار وأصحاب محلات الصرافة عمولة تتراوح من 18 إلى 20 في المائة مقابل الحصول على سيولة نقدية.
ويتساءل عواد (49 عاماً)، وهو من سكان دير البلح بوسط القطاع: «ما قيمة عمل البنوك ما دام لا تتوفر فيها السيولة؟».
ومنذ الأيام الأولى لدخول وقف إطلاق النار الأخير حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعادت ثلاثة بنوك فتح ستة فروع على الأقل في وسط القطاع ومدينة غزة، لكن عملها يقتصر على أمور مثل فك الحجز عن حسابات مجمدة، أو تفعيل التطبيق الإلكتروني، وغيرهما من الإجراءات الإدارية التي لا تشمل فتح حسابات أو الإيداع أو السحب في ظل عدم توفر السيولة بالقطاع.
وعلى الرغم من أن هذه الخطوة أعادت لعجلة الحياة الاقتصادية المتوقفة في غزة قدراً من الدوران بعد حرب إسرائيلية طاحنة استمرت نحو عامين، تكبد فيها الاقتصاد الفلسطيني خسائر فادحة قلبت ظروف الحياة بالقطاع رأساً على عقب، فإنها توصف بأنها ما زالت «غير كافية».

وفي حين يقر عواد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» بأن نسبة العمولة عن توفير السيولة النقدية من التجار ومكاتب الصرافة انخفضت من 40 إلى نحو 20 في المائة أو أقل قليلاً، بعدما وصلت في بعض فترات الحرب إلى 52 في المائة، فإنه يشير إلى أن معظم الأموال المتوفرة أوراق تالفة أو بالكاد تكون صالحة للتداول. حتى العملات ذات الفئات الصغيرة (الفكة)، لم تعد متوفرة.
أمل مرتبط بحلول سياسية
منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر 2023، وإسرائيل تمنع دخول أي أموال نقدية إلى غزة، مما فرض على أبناء القطاع ظروفاً اقتصادية قاسية زادت من ضراوة الأوضاع، خاصةً بعد سرقة البنوك وتدمير بعض مقارها، ونهب آلات الصراف الآلي، ما كبَّد البنوك خسائر مالية فادحة قدرت بمليارات الدولارات.
وتقول فاطمة أبو صفية، وهي من سكان مدينة غزة ونزحت إلى دير البلح بوسط القطاع، إن بعض التجار كانوا يتعاملون بأوراق البنكنوت التي تشوبها بعض المشاكل البسيطة، إلا أن هذا توقف عندما علموا أن البنوك لن تقبل إيداع أي أموال من هذا النوع أو تبديلها؛ ما زاد من الأزمات القائمة أصلاً.
وتضيف: «كنا نأمل في أن يتحسن الوضع، وأن تكون هناك معالجة حقيقية لجذور الأزمة المالية في مناطق قطاع غزة كافة، من خلال اتخاذ إجراءات لإدخال الشيقل الإسرائيلي والعملات الأجنبية إلى البنوك؛ إلا أنه يبدو أن ذلك مرتبط بالحلول السياسية المستقبلية».

لكنها تحدثت عن بعض الإيجابيات الناجمة عن فتح فروع البنوك، ومن بينها الإسهام في خفض نسبة العمولة بنحو 20 في المائة مما كانت عليه. كما أشارت إلى أن التطبيقات المصرفية الإلكترونية خففت أيضاً عن السكان خاصةً بعد فتح المعابر ودخول البضائع، حتى وإن كان بقدر أقل مما كان يدخل في مراحل سابقة.
ولفتت إلى غلو الأسعار عند الدفع عبر التطبيقات الإلكترونية، في حين تكون أهدأ عند السداد نقداً.
ملف إعادة الإعمار
ويقول مسؤول في أحد البنوك التابعة لسلطة النقد الفلسطينية إن القطاع المصرفي لا يدخر جهداً في مساعدة أهالي القطاع بالحد الأقصى من الإمكانيات المتاحة، لافتاً إلى أن تدمير معظم الفروع وتدمير بنيتها التحتية صعَّبا من مهمة عودة الحياة المصرفية إلى ما كانت عليه.
ولفت المسؤول، الذي فضَّل عدم الإفصاح عن هويته، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى صعوبة الأوضاع الأمنية، وانهيار البنية التحتية المصرفية من خزائن وأجهزة كمبيوتر وافتقار لخدمات الإنترنت والأجهزة المكتبية وغيرها، مما يحول دون قدرة البنوك على فتح نافذة للإيداع أو السحب.
وأعرب المسؤول عن أمله تحسن الواقع المصرفي تدريجياً خلال الفترة المقبلة، بما يتيح للسكان أقصى قدر ممكن من الخدمات؛، وأكد أن تطوير عمل البنوك مرتبط بملف إعادة الإعمار، مشيراً إلى الحاجة القصوى لإنشاء بنية تحتية جديدة.

ويصف الخبير الاقتصادي ماهر الطباع عودة بعض فروع البنوك إلى العمل بأنها «خطوة إيجابية بعد عامين من الحرب، تعرض خلالها القطاع المصرفي لعملية تدمير ممنهجة، وحصار من نوع آخر، بحرمان ومنع دخول وخروج السيولة النقدية لاستبدالها، إلى جانب تدمير مقاره وسرقتها وحرقها».
وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إسرائيل تفرض حصاراً مالياً على قطاع غزة بهدف التضييق على سكانه، ما زاد من الأزمات التي كان القطاع يعاني منها بالأساس منذ سنوات».
واستطرد قائلاً: «الخطوات الإسرائيلية المتخذة خلال الحرب تسببت بفقدان السيولة النقدية واهتراء العملات الورقية المتوفرة نتيجة عدم استبدالها بعملات جديدة، ما أفرز مشاكل وأزمات خانقة مثل عدم توفر الفكة، والسحب النقدي بعمولة أو فائدة مالية، وكلها أسباب أضافت على كاهل المواطنين أعباء اقتصادية جديدة».
وأشار إلى أن سلطة النقد حاولت خلال الفترة السابقة محاربة هذه الظاهرة، وأوقفت مئات الحسابات التي تتعامل بالعمولات والفوائد، لكن «عودة القطاع المصرفي للعمل بشكل طبيعي تحتاج إلى ضغوط دولية لتحسين واقع الحياة الاقتصادية».
