اتفاق أمني لبناني – سوري على ضبط الحدود ومكافحة الجريمة

دمشق قلقة من نشاط شبكات المخدرات

وزير الداخلية اللبناني أحمد الحجار مجتمعاً مع مساعد وزير الداخلية السوري اللواء عبد القادر طحان على رأس وفد أمني من وزارة الداخلية السورية في حضور المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء رائد عبد الله والمدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير (الوكالة الوطنية)
وزير الداخلية اللبناني أحمد الحجار مجتمعاً مع مساعد وزير الداخلية السوري اللواء عبد القادر طحان على رأس وفد أمني من وزارة الداخلية السورية في حضور المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء رائد عبد الله والمدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير (الوكالة الوطنية)
TT

اتفاق أمني لبناني – سوري على ضبط الحدود ومكافحة الجريمة

وزير الداخلية اللبناني أحمد الحجار مجتمعاً مع مساعد وزير الداخلية السوري اللواء عبد القادر طحان على رأس وفد أمني من وزارة الداخلية السورية في حضور المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء رائد عبد الله والمدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير (الوكالة الوطنية)
وزير الداخلية اللبناني أحمد الحجار مجتمعاً مع مساعد وزير الداخلية السوري اللواء عبد القادر طحان على رأس وفد أمني من وزارة الداخلية السورية في حضور المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء رائد عبد الله والمدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير (الوكالة الوطنية)

كلّ الملفات الأمنية التي تعني بيروت ودمشق، كانت مدار بحث معمّق في اجتماع أمني لبناني – سوري رفيع عقد في العاصمة اللبنانية بيروت، اتفق خلاله الجانبان على تعزيز التعاون الميداني بين الأجهزة الأمنية في البلدين، لا سيما فيما يتصل بضبط الحدود المشتركة ومكافحة الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية.

وترأس الوفد السوري نائب وزير الداخلية عبد القادر طحان، أما الفريق اللبناني فترأسه المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء رائد عبد الله والمدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير.

وأعلن طحان أن «المحادثات الأمنية ما بين لبنان وسوريا، تأتي استكمالاً للقاءات التي بدأت بين الجانبين في المملكة العربية السعودية، وهي تركز على مكافحة الإرهاب والمخدرات والهجرة»، مشدداً على أن «أي مشكلة أمنية في لبنان ستؤثر على سوريا وبالعكس».

الهواجس السورية

وأفاد مصدر أمني مطلع بأن المحادثات «شملت كلّ الجوانب الأمنية، حيث طرح كلّ فريق هواجسه». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أنّ الوفد السوري «ركّز بشكل أساسي على ملف مكافحة تهريب المخدرات من لبنان إلى الأراضي السورية، والمساعدة في اجتثاث شبكات المخدرات التي تنشط على الحدود بين البلدين»، مشدداً على ضرورة «اتخاذ إجراءات عملية للحدّ من هذه الظاهرة التي تشكّل خطراً أمنياً واجتماعياً على الجانبين»، مشيراً إلى أن السوريين «أبدوا استعدادهم الكامل للتعاون في تبادل المعلومات وتفعيل التنسيق الحدودي الميداني، بما يسهم في كشف شبكات التهريب ومكافحتها».

المطالب اللبنانية

مقابل المطالب السورية طرح الجانب اللبناني هواجسه، وأشار المصدر الأمني إلى أن الجانب السوري «طلب المساعدة في منع عمليات تهريب السلاح والأشخاص عبر المعابر غير الشرعية، وخصوصاً تلك التي تستخدمها مجموعات خارجة عن القانون لنقل المطلوبين أو المتسللين بين البلدين». وشدد الجانب اللبناني - بحسب المصدر - على أن «التعاون المباشر مع السلطات السورية يُعدّ مدخلاً أساسياً لضبط الأمن الحدودي وحماية الاستقرار في المناطق الحدودية التي تشهد نشاطاً متزايداً لشبكات التهريب»، مشيراً إلى أنّ الاجتماع «يؤسس لمرحلة جديدة من التنسيق الأمني بين بيروت ودمشق، كما تطرق إلى إمكان تشكيل لجان مشتركة لوضع آليات تنفيذية لمراقبة الحدود وتبادل المعلومات».

مصلحة مشتركة

اللقاء المشترك يأتي في سياق جهود تبذلها السلطات اللبنانية لضبط حدودها الشرقية والشمالية، التي تشهد منذ سنوات طويلة عمليات تهريب للبضائع والوقود والمخدرات والأشخاص، ما يشكّل عبئاً أمنياً واقتصادياً على الدولة اللبنانية، كما ينعكس سلباً على الداخل السوري. وبرأي المصدر، فإن تفعيل التنسيق الأمني اللبناني – السوري «يمثل مصلحة مشتركة للطرفين، إذ لا يمكن لأيٍّ منهما مواجهة التحديات وضمان الأمن والاستقرار على جانبي الحدود بمعزل عن الآخر».

المحادثات المشتركة، توّجت بزيارة قام بها الوفد السوري إلى وزير الداخلية اللبناني أحمد الحجار، بحضور اللواءين عبد الله وشقير.

عمق العلاقات

وبعد الاجتماع الذي استغرق ساعة تقريباً، قال الحجار إنه شدد خلال اللقاء على «عمق العلاقات اللبنانية السورية، خصوصاً بعد الزيارات التي حصلت ما بين الجانبين والتي تأتي تتمة للقاء الرئيس جوزيف عون مع الرئيس السوري أحمد الشرع، وللزيارة التي قام بها رئيس الحكومة نواف سلام إلى دمشق ولاحقاً زيارة وزير الخارجية السورية إلى لبنان».

اللقاءات المشتركة تحصل بعد أن استكملت الأجهزة السورية تنظيمها وإعادة هيكلتها، وترجم القرار المتخذ من الجانبين بمزيد من التعاون، ومزيد من اللقاءات وتفعيل التعاون على كل الصعد، وفق تعبير وزير الداخلية اللبناني.

السجناء

وأضاف: «قبل أيام كان هناك لقاء ما بين وزير العدل اللبناني (عادل نصار) ونظيره السوري (مظهر الويس) وتم فيه بحث السجناء السوريين في لبنان، ونحن بدورنا نعمل على معالجة ملفات السجناء اللبنانيين في السجون اللبنانية للإسراع بالمحاكمات»، مشيراً إلى أن «ما حصل الآن هو تفعيل اللقاءات بالملفات الأمنية، وعرض الجانب السوري ما تم الوصل إليه من آليات تنسيق مشتركة لحماية المجتمع السوري واللبناني من كلّ الجرائم».

ولفت الحجار إلى وجود «عدد كبير من الجالية السورية في لبنان من نازحين ومقيمين، وهناك مصالح مشتركة بين لبنان وسوريا، وضرورة ضبط الحدود الطويلة بين البلدين». وتابع الحجار: «هناك جهود كبيرة تبذل في مجال مكافحة المخدرات، ووضعنا الأسس لتنسيق مباشر، لأن لبنان وسوريا مرتبطان بشكل وثيق بموضوع مكافحة الجرائم، لا سيما الجرائم الجنائية، التي يرتكبها سوريون أو لبنانيون في البلدين».

وشدد الحجار على أن زيارة الوفد السوري «تشكل نقطة انطلاق لمزيد من التعاون والتنسيق المباشر، لأن الأمن والاستقرار في لبنان ينعكسان مباشرة على سوريا، وأيضاً أمن واستقرار سوريا ينعكسان على لبنان، لذلك نعدّ البلدين محكومين بالتعاون الوثيق لما فيه أمن البلدين».

وعن إمكانية إبرام اتفاقية أمنية بين لبنان وسوريا، قال الحجار: «باشرنا خلال الاجتماعات مناقشة كل القضايا الأمنية ذات الاهتمام المشترك، وكل ما يهم البلدين سنقوم به».


مقالات ذات صلة

الرئيس اللبناني: مصممون على تنفيذ حصرية السلاح

المشرق العربي رئيس الجمهورية جوزيف عون ملتقياً أعضاء وفد مجلس الأمن في القصر الرئاسي (رئاسة الجمهورية)

الرئيس اللبناني: مصممون على تنفيذ حصرية السلاح

بدأ وفد سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي زيارة إلى بيروت، حيث التقى المسؤولين، في توقيت بالغ الأهمية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)

قاسم: مشاركة مدني في لجنة وقف النار تنازل مجاني لإسرائيل

رفع الأمين العام لـ«حزب الله»، نعيم قاسم، سقف خطابه مؤكداً أنّ المشاركة برئيس مدني في لجنة وقف إطلاق النار تمثل «إجراءً مخالفاً للتصريحات والمواقف الرسمية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

أكدت مصادر وزارية أنه لا خلاف بين الرؤساء الثلاثة مع دخول المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية مرحلة جديدة بإدخال مدني إليها.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي جانب من استقبال سلّام وفد سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (حساب رئاسة مجلس الوزراء على «إكس»)

سلّام لوفد مجلس الأمن: نحتاج إلى قوة أممية مساندة بعد انتهاء ولاية «اليونيفيل»

طالب رئيس الوزراء اللبناني نواف سلّام، خلال لقاء مع وفد من سفراء وممثلي بعثات الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، بتوفير قوة أممية مساندة لملء أي فراغ محتمل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي صورة من لقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا (صفحة الرئاسة اللبنانية على «إكس»)

عون يطالب وفد مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق اتفاق وقف النار والانسحاب

طالب الرئيس اللبناني جوزيف عون وفد مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق اتفاق وقف النار والانسحاب من جنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«أونروا»: تمديد الأمم المتحدة عمل الوكالة يعكس تضامناً عالمياً مع اللاجئين الفلسطينيين

خيام تؤوي النازحين الفلسطينيين وسط الدمار الذي خلفه الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي على مدينة غزة (أ.ب)
خيام تؤوي النازحين الفلسطينيين وسط الدمار الذي خلفه الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي على مدينة غزة (أ.ب)
TT

«أونروا»: تمديد الأمم المتحدة عمل الوكالة يعكس تضامناً عالمياً مع اللاجئين الفلسطينيين

خيام تؤوي النازحين الفلسطينيين وسط الدمار الذي خلفه الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي على مدينة غزة (أ.ب)
خيام تؤوي النازحين الفلسطينيين وسط الدمار الذي خلفه الهجوم الجوي والبري الإسرائيلي على مدينة غزة (أ.ب)

وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم (الجمعة)، على تمديد عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لمدة 3 سنوات إضافية، في خطوة قال مفوض الوكالة، فيليب لازاريني، إنها تعكس تضامناً عالمياً واسعاً مع اللاجئين الفلسطينيين.

وقال لازاريني، في منشور على «إكس»، إن قرار الأمم المتحدة «هو أيضاً إقرار بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات الإنسانية والتنموية للاجئي فلسطين، إلى حين التوصُّل إلى حل عادل ودائم لمعاناتهم المستمرة منذ عقود».

وزعمت إسرائيل، أوائل العام الماضي، أن 12 من موظفي «أونروا» شاركوا في الهجوم الذي شنَّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وأشعل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؛ مما دفع دولاً عدة، من بينها الولايات المتحدة إلى تعليق تمويل الوكالة.

وخلصت مراجعة، صدرت في وقت لاحق من ذلك العام أجرتها مجموعة عمل أممية، إلى أن إسرائيل لم تقدِّم أدلةً على مزاعمها بأنَّ موظفين في «أونروا» أعضاء في جماعات إرهابية.

وتأسست «أونروا» في 1949 بعد إعلان قيام إسرائيل على الأراضي الفلسطينية في العام السابق، وتقدم خدمات تعليمية وصحية، ومساعدات للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا.


تقرير: سفير أميركا لدى الأمم المتحدة يبدأ غداً جولة تشمل إسرائيل والأردن

السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)
السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)
TT

تقرير: سفير أميركا لدى الأمم المتحدة يبدأ غداً جولة تشمل إسرائيل والأردن

السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)
السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة مايك والتز (أ.ف.ب)

أوردت وكالة «بلومبرغ» أن السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، مايك والتز، سيبدأ، غداً (السبت)، جولة في الشرق الأوسط تستمر أربعة أيام تشمل إسرائيل والأردن.

وقالت الوكالة إن والتز سيلتقي أثناء زيارته لإسرائيل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس إسحاق هرتسوغ.

ويلتقي أثناء زيارته للأردن بالملك عبد الله الثاني ووزير الخارجية أيمن الصفدي لمناقشة دور الأردن في تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.


فرنسا: نظرة إيجابية إلى التحولات في سوريا رغم النواقص والصعوبات

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

فرنسا: نظرة إيجابية إلى التحولات في سوريا رغم النواقص والصعوبات

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)

في قراءتها للوضع في سوريا، بعد مرور عام على سقوط نظام الرئيس بشار الأسد وفراره إلى موسكو، تختار باريس المقاربة الإيجابية، رغم وجود تحفظات وعلامات استفهام حول مستقبل البلاد. هي تفضل قطعاً رؤية الكأس نصف الملآنة على الكأس نصف الفارغة. وتريد باريس أن تؤكد، بداية، أنها كانت سبّاقة في مواكبة الوضع في سوريا منذ الأيام الأولى؛ حيث أرسلت وفداً دبلوماسياً إلى سوريا بعد 9 أيام فقط على سقوط دمشق بأيدي فصائل المعارضة السابقة، فيما كان وزير خارجيتها، جان نويل بارو، أول من زار العاصمة السورية (مع نظيرته الألمانية) يوم 3 يناير (كانون الثاني). وكانت المحطة الثالثة في تحرك باريس باتجاه دمشق انعقاد مؤتمر لدعم سوريا في العاصمة الفرنسية بداية شهر فبراير (شباط).

تُوّج الحراك الدبلوماسي الفرنسي بزيارة الرئيس أحمد الشرع إلى باريس يوم 7 مايو (أيار)، وكان الرئيس إيمانويل ماكرون أول رئيس غربي يلتقيه الشرع. وخلاصة كل ذلك أن باريس «قررت الانخراط إلى جانب النظام الجديد في دمشق رغبة منها في التأثير عليه ودفع العملية الانتقالية في الاتجاه الصحيح المتلائم مع مصالح السوريين والمصالح الفرنسية الأمنية والإقليمية». وتشدد باريس على أهمية إضفاء نوع من الشرعية على الشرع من خلال استقباله في قصر الإليزيه ومناشدة ماكرون لرفع العقوبات التي كانت تخنق سوريا.

الأولويات الفرنسية في سوريا

بناءً على ما سبق، دارت الأولويات الفرنسية حول 4 محاور أولها المحور الأمني وأول مكوناته العمل على دفع سوريا إلى الانضمام إلى التحالف الدولي في الحرب ضد «داعش»، الأمر الذي تم رسمياً في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. والغرض من ذلك منع عودة الحركات والتنظيمات المتشددة. ويتوازى ذلك مع اهتمامين: التخلص من الأسلحة الكيماوية التي ما زالت تمتلكها سوريا ومحاربة إنتاج وتهريب المخدرات. ورغم أن هذا النشاط ما زال قائماً جزئياً، فإن باريس ترى أن السلطات السورية حققت «نتائج مهمة» في محاربته.

يتمثل المحور الثاني في دعم العملية الانتقالية، وأبرز معالمها تمسك باريس بأن تشمل جميع المكونات المجتمعية الإثنية والدينية، انطلاقاً من مبدأ قوامه أن الاستقرار «لا يمكن توافره إن لم يشعر كل مكوّن بالأمن ويتمتع بكامل الحقوق». وفي هذا السياق، تؤكد باريس أنها لعبت دوراً مهماً في التقريب بين «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) المُشكَّلة في غالبيتها من الأكراد، وبين نظام الحكم في دمشق، وكان باكورة مساهمتها توقيع اتفاق مارس (آذار) الماضي الذي أُلحق باتفاق آخر نهاية الشهر الماضي. لكن باريس تعترف بأن «الوضع لم يسوَّ» كلياً بين الجانبين، رغم أنه تم تجنب وقوع اشتباكات واسعة بينهما. وتنظر باريس بكثير من الأسى، من جهة، لما حصل في شهر مارس الماضي من انتهاكات في منطقة الساحل العلوية، وما تبعها في يوليو (تموز) في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية. وفي الحالتين كان هناك دور لعناصر من السلطات السورية في هذه الأحداث التي أدانتها باريس وأكدت ضرورة محاسبة المسؤولين عنها انطلاقاً من مبدأ عدم الإفلات من العقاب.

متظاهرون في مدينة حماة الجمعة 5 ديسمبر بمناسبة الذكرى الأولى لسقوط نظام الرئيس بشار الأسد (رويترز)

ويندرج تحت المحور الأمني الانتهاكات المتلاحقة التي تقوم بها إسرائيل في الأراضي السورية، وهي انتهاكات تدينها فرنسا. وأشارت المصادر الدبلوماسية إلى أن باريس دعمت الجهود الأميركية للتوصل إلى اتفاقات أمنية بين سوريا وإسرائيل، وأنها، لهذا الغرض، استضافت لقاءات متعددة جمعت وزير الخارجية أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بحضور المبعوث الأميركي توم برّاك. ولا تنسى باريس الدور الذي تقوم به لترسيم الحدود اللبنانية ــ السورية التي لم ترسّم منذ استقلال البلدين عن فرنسا في أربعينات القرن الماضي. يبقى أن باريس تشدد على أمرين إضافيين: الدعم الذي وفّرته للسكان إنسانياً وتربوياً واقتصادياً، من جهة، ومن جهة ثانية تفعيل التعاون الثقافي.

عقدة «المشاركة الجماعية»

رغم النظرة الإيجابية الإجمالية الفرنسية، فإن باريس لا تكتم قلقها سواء بشأن الأحداث الأمنية المتنقلة أو لصعوبة إعادة إطلاق الاقتصاد وعدم اكتمال عملية الانتقال السياسية. كذلك تتوقف باريس مطولاً عند عقدة «المشاركة الجماعية» لكل الأطراف في بنية الدولة السورية الجديدة وعلاقة المكوّنات ببعضها، وهي تنطلق من مبدأ تحديد «المعايير» الواجب الأخذ بها. وبرأيها أن الأخذ بالمعايير الأوروبية يبيّن بلا شك النواقص والعيوب وهذه كثيرة أكان بالنسبة لعلاقة المركز مع الأقليات أو بالنسبة للتعيينات في المراكز الحكومية والعسكرية أو بالنسبة لآلية الانتخاب النيابية والسلطات المعطاة للرئاسة أو لحضور المرأة أو لسيطرة السلطات على الأجهزة الأمنية وكذلك بالنسبة للعمل من أجل العدالة الانتقالية الضرورية.

ورغم ذلك كله تعتبر باريس أن العملية الانتقالية بكل شوائبها جاءت أقل درامية مما كان متوقعاً، وأن المخاوف من قيام «جمهورية إسلامية» لا تحترم الأقليات وحقوق المرأة ولا التوجهات الليبرالية لم تتحقق. والخلاصة التي كونتها باريس هي أنه يمكن النظر إلى الوضع السوري من مختلف الزوايا وهي نظرة تؤكد أن ثمة «أموراً إيجابية في العملية الانتقالية».

وتؤكد المصادر أن باريس على حوار متواصل مع السلطات السورية، بما في ذلك ما يخص استكمال أعضاء مجلس النواب والمقاعد المخصصة للنساء والدستور الانتقالي والعدالة الانتقالية وقانون الأحزاب... وكلها مسائل بالغة الأهمية في نظر فرنسا.

وتنظر باريس بقلق، بحسب المصادر الدبلوماسية، لما تقوم به إسرائيل في سوريا. وتؤكد المصادر أن موقف باريس «واضح ويقوم على دعوة إسرائيل لسحب قواتها من الأراضي التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد والعودة إلى خط فك الاشتباك لعام 1974». وتضيف المصادر أن باريس أعربت مراراً عن قلقها من التطورات الجارية وأن هناك مصادر قلق للطرفين يتعين التعامل معها. وتبدو باريس سعيدة بأن الملف السوري يحظى بنوع من الإجماع الدولي باعتبار أن «سوريا مستقرة تعد ضرورة للتوازنات الإقليمية والدولية». وتبدو باريس كذلك سعيدة بالانخراط الأميركي إلى جانب استقرار سوريا بما في ذلك ما تقوم به إسرائيل في هذا البلد والذي يهدد الحكومة السورية.