مستشار ترمب: بحثنا الانتقال لحكم مدني في السودان

«الرباعية الدولية» لتشكيل لجنة تنسيق بشأن الأولويات

صورة نشرها بولس على حسابه بمنصة «إكس» لجانب من اجتماع ممثلي الرباعية
صورة نشرها بولس على حسابه بمنصة «إكس» لجانب من اجتماع ممثلي الرباعية
TT

مستشار ترمب: بحثنا الانتقال لحكم مدني في السودان

صورة نشرها بولس على حسابه بمنصة «إكس» لجانب من اجتماع ممثلي الرباعية
صورة نشرها بولس على حسابه بمنصة «إكس» لجانب من اجتماع ممثلي الرباعية

قال كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، اليوم السبت، إن أطراف اللجنة الرباعية بشأن السودان وافقوا على إنشاء لجنة مشتركة لتعزيز التنسيق بشأن الأولويات العاجلة في السودان.

وأضاف بولس عبر منصة «إكس»، أن الاجتماع، الذي استضافته الولايات المتحدة في واشنطن أمس وشاركت فيه مصر والسعودية والإمارات، ناقش سبل وقف التدخل الخارجي في الأزمة السودانية ودفع عجلة الانتقال إلى حكم مدني.

وأشار بولس إلى أن الدول الأعضاء في اللجنة ناقشوا سبل التوصل إلى هدنة إنسانية عاجلة وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار في السودان، كما أكدت «الرباعية الدولية» التزامها بالبيان الصادر في 12 سبتمبر (أيلول) الماضي بشأن السودان.

وكانت «الرباعية» قد طرحت الشهر الماضي خريطة طريق واضحة ومحددة لوقف الحرب في السودان، تضمنت إيقاف النزاع وإنهاء معاناة الشعب السوداني. ودعت في بيان إلى هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تليها هدنة دائمة، لبدء العملية السياسية، وضرورة تشكيل حكومة مدنية مستقلة خلال تسعة أشهر بعد الهدنة الدائمة.

كما أكد البيان أن مستقبل السودان لا يمكن أن «يُملى من قبل الجماعات المتطرفة العنيفة المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بجماعة الإخوان المسلمين»، التي اتهمها بزعزعة الاستقرار. وشددت «الرباعية» أيضاً على أن الدعم الخارجي لطرفي الحرب في السودان يؤدي إلى إطالة أمد الصراع ويزعزع الاستقرار الإقليمي.

الحرب في السودان دمَّرت كثيراً من المرافق العامة (رويترز)

وتستضيف العاصمة الأميركية سلسلة اجتماعات غير مباشرة، ترعاها وزارة الخارجية الأميركية، بين ممثلين عن الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» بدء من 23 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.

وكان مصدر أميركي موثوق قد أبلغ «الشرق الأوسط» أن نائب وزير الخارجية الأميركي ووسطاء إقليميين يتولون إدارة اجتماعات منفصلة عدة مع طرفي النزاع في السودان، تمهيداً لاجتماع لـ«الرباعية الدولية»، تستضيفه أيضاً واشنطن. وتضم «الرباعية الدولية» كلاً من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر.

واندلع الصراع بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في أبريل (نيسان) 2023، وتسبب في تشريد ملايين السودانيين، وأدى إلى أسوأ أزمة إنسانية في العالم.


مقالات ذات صلة

تقرير: شركات في بريطانيا تجنّد مرتزقة كولومبيين لصالح «الدعم السريع»

شمال افريقيا خبراء يقولون إن الأسلحة عالية التقنية التي تستخدمها قوات الدعم السريع تحتاج إلى مساعدة خارجية لتشغيلها (أ.ف.ب) play-circle

تقرير: شركات في بريطانيا تجنّد مرتزقة كولومبيين لصالح «الدعم السريع»

كشف تحقيق حصري لصحيفة «الغارديان» عن وجود شركات مسجلة في بريطانيا أسسها أشخاص خاضعون لعقوبات أميركية، يُشتبه في تورطها بتجنيد مقاتلين لصالح «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا رئيس وزراء السودان كامل الطيب إدريس خلال إلقاء كلمته حول الأزمة السودانية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة (إ.ب.أ) play-circle

رئيس وزراء السودان يتوجه إلى نيويورك للقاء مسؤولين في الأمم المتحدة

توجّه رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، إلى نيويورك للاجتماع بالأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولين آخرين ومناقشة سبل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)
خاص حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)   play-circle

خاص سودانيون يحيون ذكرى 19 ديسمبر ويطالبون بوقف الحرب

أحيا سودانيون ذكرى 19 ديسمبر بـ«احتجاجات إسفيرية» عبر الفضاء الإلكتروني وعلى الأرض، بينما أعلنت «الدعم السريع» الاستيلاء على بلدة برنو قرب كادوقلي جنوب كردفان.

أحمد يونس (كمبالا)
تحليل إخباري الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان بالقاهرة الخميس (الرئاسة المصرية)

تحليل إخباري هل تلجأ مصر إلى الخيار العسكري لدعم «وحدة السودان»؟

تمثلت المحددات المصرية للخطوط الحمراء في «الحفاظ على وحدة السودان، وعدم العبث بمقدرات الشعب السوداني، والحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية».

أحمد جمال (القاهرة )
تحليل إخباري محادثات الرئيس المصري مع عبد الفتاح البرهان في القاهرة الخميس (الرئاسة المصرية) play-circle

تحليل إخباري ماذا تعني الخطوط الحمراء المصرية لحرب السودان؟

أصدرت الرئاسة المصرية عقب زيارة البرهان للقاهرة بياناً تضمن خطوطاً حمراء للحرب في السودان، تنطلق من وحدة السودان ومؤسساته، ولوّحت بالدفاع المشترك لدعمه.

وجدان طلحة (بورتسودان)

تقرير: شركات في بريطانيا تجنّد مرتزقة كولومبيين لصالح «الدعم السريع»

خبراء يقولون إن الأسلحة عالية التقنية التي تستخدمها قوات الدعم السريع تحتاج إلى مساعدة خارجية لتشغيلها (أ.ف.ب)
خبراء يقولون إن الأسلحة عالية التقنية التي تستخدمها قوات الدعم السريع تحتاج إلى مساعدة خارجية لتشغيلها (أ.ف.ب)
TT

تقرير: شركات في بريطانيا تجنّد مرتزقة كولومبيين لصالح «الدعم السريع»

خبراء يقولون إن الأسلحة عالية التقنية التي تستخدمها قوات الدعم السريع تحتاج إلى مساعدة خارجية لتشغيلها (أ.ف.ب)
خبراء يقولون إن الأسلحة عالية التقنية التي تستخدمها قوات الدعم السريع تحتاج إلى مساعدة خارجية لتشغيلها (أ.ف.ب)

كشف تحقيق حصري لصحيفة «الغارديان» البريطانية عن وجود شركات مسجّلة في المملكة المتحدة، أسسها أشخاص خاضعون لعقوبات أميركية، يُشتبه في تورطها بتجنيد مئات المقاتلين الكولومبيين للقتال إلى جانب «قوات الدعم السريع» في السودان.

ويربط التحقيق بين شقة سكنية متواضعة في شمال لندن وشركة تُدعى «Zeuz Global» (زيوس غلوبال) مسجّلة رسمياً لدى السجل التجاري البريطاني، وبين شبكة عابرة للحدود عملت على تجنيد مقاتلين كولومبيين سابقين ونقلهم إلى السودان.

وتشير الوثائق الرسمية إلى أن مؤسسي الشركة وصفوا أنفسهم كمقيمين في بريطانيا، رغم خضوعهم لعقوبات أميركية بسبب دورهم في دعم عمليات التجنيد. ووفقاً للتحقيق، شارك مرتزقة كولومبيون بشكل مباشر في الهجوم على مدينة الفاشر في إقليم دارفور في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، وهو الهجوم الذي أعقبه تصعيد دموي واسع النطاق. كما يسلّط التقرير الضوء على تحركات مثيرة للريبة للشركة، من بينها تغيير عنوانها المسجّل إلى رموز بريدية لفنادق فاخرة في وسط لندن من دون أي صلة فعلية بها.

صورة بالأقمار الاصطناعية لمستشفى الأطفال تعرض للدمار في الفاشر 30 أكتوبر (أ.ف.ب)

ويطرح التحقيق تساؤلات جدية حول آليات الرقابة على تسجيل الشركات في المملكة المتحدة، وكيفية تمكّن أفراد معاقَبين دولياً من تأسيس وإدارة شركات نشطة داخل لندن. كما ينقل آراء خبراء أمميين حذّروا من أن استخدام واجهات قانونية بريطانية يسهّل تمرير أنشطة مرتبطة بنزاعات مسلّحة، ويقوّض الجهود الدولية لمساءلة المتورطين في الانتهاكات الجسيمة في السودان.

وأدانت وزيرة الخارجية البريطانية، إيفيت كوبر، «قوات الدعم السريع» لارتكابها «جرائم قتل ممنهجة وتعذيباً وعنفاً جنسياً» عقب سيطرتها على الفاشر. كما اتهمت الولايات المتحدة «قوات الدعم السريع» بارتكاب إبادة جماعية.

عقوبات أميركية

كان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية فرض في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، عقوبات على شبكة عابرة للحدود تضم 4 أفراد و4 شركات، تجند عسكريين كولومبيين سابقين، وتدرِّب مقاتلين، بينهم أطفال، للقتال ضمن صفوف «قوات الدعم السريع» في السودان.

وقال وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية جون كيه. هيرلي: «لقد أثبتت (قوات الدعم السريع) مراراً استعدادها لاستهداف المدنيين، بمن فيهم الرضع والأطفال، وقد عمّقت وحشيتُها الصراعَ، وزعزعت استقرار المنطقة، مهيّئة الظروف لنمو الجماعات الإرهابية».

وحسب التحقيقات الأميركية التي استندت إليها العقوبات، سافر مئات العسكريين الكولومبيين السابقين إلى السودان منذ سبتمبر (أيلول) 2024 للقتال إلى جانب «قوات الدعم السريع». وأشارت إلى أن هؤلاء المقاتلين «يزوّدون القوات بمهارات تكتيكية وتقنية، ويعملون كمشاة ومدفعيين وطياري مسيّرات وسائقي مركبات ومدرّبين، بل يدرب بعضهم الأطفال على القتال».

وأكدت التحقيقات مشاركة المقاتلين الكولومبيين «في معارك عديدة في أنحاء السودان، بما فيها الخرطوم وأم درمان وكردفان والفاشر. ولم يكن وجودهم في السودان ممكناً لولا دعم العديد من الأفراد والشركات، معظمها كولومبية».

قناصة ومشغلو مسيّرات

في كولومبيا، تُعد وكالة «إيه 4 إس آي» للتوظيف، ومقرها بوغوتا، العقدة الأساسية في عمليات التجنيد؛ إذ أطلقت حملات عبر موقعها وغرف محادثة واجتماعات عامة لملء شواغر تشمل مشغّلي الطائرات المسيّرة والقناصة والمترجمين.

وتعتمد هذه الشركة على شركة «غلوبال ستافينغ» في بنما التي بات اسمها «تالنت بريدج» بهدف «الحد من مسؤوليتها القانونية، وإخفاء علاقتها بالشركة التي تستقدم المقاتلين»؛ إذ تتولى الشركة البنمية «توقيع العقود وتسلُّم الأموال نيابة عنها». وحسب التحقيقات الأميركية، فإن مساعدة المرتزقة الكولومبيين مكنت «الدعم السريع» من السيطرة على الفاشر في 26 أكتوبر 2025 بعد حصار دام 18 شهراً.


رئيس وزراء السودان يتوجه إلى نيويورك للقاء مسؤولين في الأمم المتحدة

رئيس وزراء السودان كامل الطيب إدريس خلال إلقاء كلمته حول الأزمة السودانية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة (إ.ب.أ)
رئيس وزراء السودان كامل الطيب إدريس خلال إلقاء كلمته حول الأزمة السودانية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة (إ.ب.أ)
TT

رئيس وزراء السودان يتوجه إلى نيويورك للقاء مسؤولين في الأمم المتحدة

رئيس وزراء السودان كامل الطيب إدريس خلال إلقاء كلمته حول الأزمة السودانية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة (إ.ب.أ)
رئيس وزراء السودان كامل الطيب إدريس خلال إلقاء كلمته حول الأزمة السودانية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة (إ.ب.أ)

توجّه رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، إلى نيويورك، اليوم السبت، للاجتماع بالأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولين آخرين ومناقشة سبل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية ووقف محتمل لإطلاق النار، وفق ما أفاد مصدران في الحكومة.

وتأتي هذه الزيارة في ظلّ احتدام المعارك بين الجيش السوداني و«قوّات الدعم السريع» في جنوب كردفان، ما يثير مخاوف من فظائع جديدة شبيهة بتلك التي ارتكبت في مدينة الفاشر في أواخر أكتوبر (تشرين الأول).

وترافقت سيطرة «قوّات الدعم السريع» على آخر معقل للجيش في إقليم دارفور (غرب) مع تقارير عن عمليات قتل جماعي واغتصاب واختطاف.

وقال مصدر في الحكومة السودانية، طلب عدم الكشف عن هويته، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن اجتماع إدريس بالأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، «يهدف لوضع حدّ للأزمة الإنسانية المتفاقمة» في السودان.

وكشف مستشار رئيس الوزراء السوداني، محمد عبد القادر، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن الاجتماعات في نيويورك «تركّز على ضرورة تخفيف المعاناة الإنسانية عن السودانيين، وتسهيل وصول المساعدات للمتضرّرين».

كما تعكس «التزام الحكومة بخريطة الطريق التي سلمتها للمنظمة الدولية، والتي تتضمّن وقفاً لإطلاق للنار مشروطاً بانسحاب (قوّات الدعم السريع) من المناطق والمدن التي تحتلّها»، حسب عبد القادر.

وفي وقت سابق هذا الشهر، قال غوتيريش إن الأمم المتحدة تحضّر لمحادثات مع الطرفين في جنيف، لكن من دون تحديد موعد انعقادها.

وتجدّدت المساعي الدبلوماسية حول الأزمة في السودان، الشهر الماضي، بعد تعهّد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بإنهاء الصراع إثر لقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي طلب منه التدخّل لحلحلة الوضع.

وأعرب قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، الأسبوع الماضي، عن استعداده للعمل مع ترمب لإنهاء النزاع، إثر محادثات في الرياض مع الأمير محمد بن سلمان.

وتقوم السعودية بوساطة لحلّ الأزمة في السودان إلى جانب الولايات المتحدة والإمارات ومصر. وقد كثّفت الجهود الدبلوماسية في الأشهر الأخيرة.

وتقول «قوّات الدعم السريع» إنها تؤيّد الخطّة الدولية لوقف إطلاق النار، غير أن المعارك المحتدمة متواصلة، لا سيّما في كردفان.

والخميس، حذّرت مصر وهي حليف كبير للجيش السوداني، من أن تصعيد العنف عند حدودها الجنوبية «يمسّ مباشرة الأمن القومي المصري الذي يرتبط ارتباطاً مباشراً بالأمن القومي السوداني».


ليبيا: أزمة السيولة واحتياجات المواطنين تفجّران جدلاً حول «مشاريع التنمية»

الدبيبة خلال افتتاح «المتحف الوطني» في طرابلس الذي أثار انتقادات عدد كبير من الليبيين (رويترز)
الدبيبة خلال افتتاح «المتحف الوطني» في طرابلس الذي أثار انتقادات عدد كبير من الليبيين (رويترز)
TT

ليبيا: أزمة السيولة واحتياجات المواطنين تفجّران جدلاً حول «مشاريع التنمية»

الدبيبة خلال افتتاح «المتحف الوطني» في طرابلس الذي أثار انتقادات عدد كبير من الليبيين (رويترز)
الدبيبة خلال افتتاح «المتحف الوطني» في طرابلس الذي أثار انتقادات عدد كبير من الليبيين (رويترز)

هيمنت أزمة نقص السيولة على المشهد الليبي؛ في ظل تكرار حالات اصطفاف المواطنين أمام المصارف لساعات طويلة، إلى جانب نقاشات موسعة مع خبراء ومسؤولين حول سبل المعالجة، كما برزت الأزمة في سياق آخر، تمثل في إثارة الجدل حول «المشاريع التنموية»، ومن بينها افتتاح «المتحف الوطني» في طرابلس؛ إذ قوبل الإنفاق الكبير على تجديد المَعلم الحضاري والعروض الاحتفالية المصاحبة، بانتقادات واسعة، واعتُبر «إسرافاً غير مقبول» في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، في حين رأى آخرون أنه «يعكس الوجه الحضاري والإرث الثقافي للبلاد».

تكرار جدل «المشاريع»

يرى مراقبون أن الجدل حول المشاريع، وإقامة المنشآت العامة، بات ظاهرة متكررة في ليبيا، وهي تعكس انقساماً واضحاً في الرأي العام بين من يُثمّنها بوصفها «تجسيداً للبعد الحضاري للدولة»، وبين من يعتبر أن الأولوية يجب أن تُمنح لتلبية احتياجات المواطنين، والنهوض بالقطاعات الخدمية، لا سيما الصحة والتعليم.

عبد الحميد الدبيبة مستقبِلاً رئيس المصرف المركزي ناجي عيسى (حكومة الوحدة)

ولا ينفصل هذا الجدل، وفق تقديرات المراقبين، عن الصراع السياسي القائم بين حكومتَي شرق البلاد وغربها؛ إذ تُوظَّف المشاريع أحياناً لتعزيز صورة كل طرف، ما يجعل تقييمها خاضعاً للاصطفاف السياسي، فترتفع وتيرة الانتقادات عند تنفيذ المشاريع في مناطق نفوذ الخصم، مقابل الاحتفاء بها في مناطق المعسكر نفسه.

ووصف رئيس «لجنة الشؤون السياسية» بالمجلس الأعلى للدولة، محمد معزب، الجدل الذي تشهده ليبيا حالياً بأنه «متوقع وطبيعي في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها المواطنون». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الشارع «يرى خللاً واضحاً في سياسات الإنفاق لدى الحكومتين، ويكتشف أن الاحتياجات الأساسية ومعالجة أزمات المواطنين ليست ضمن أولويات أيٍّ منهما».

وأضاف معزب أن «الأسر التي تنتظر علاج أحد أبنائها المصابين بأحد الأمراض المزمنة، لا يمكن لومهم على انتقاد، أو عدم التفاعل مع افتتاح ملعب، أو متحف، أو حديقة، أو حتى طريق جديد، وبالمثل لا يمكن لوم رب أسرة يصطف لساعات طويلة أمام المصارف للحصول على راتبه».

بعض الليبيين اعتبروا أن الأموال التي خُصصت للاحتفال بافتتاح «المتحف الوطني» مبالَغ فيها في ظل ضعف الخدمات العامة (أ.ف.ب)

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية» المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والتي تتخذ من طرابلس غرب البلاد مقراً لها، والثانية بقيادة أسامة حماد، وهي مكلفة من البرلمان، ومدعومة من قائد «الجيش الوطني» خليفة حفتر، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب.

ويرى معزب أن الحل يكمن في «تحقيق توازن استراتيجي بين تلبية احتياجات المواطنين، وتنفيذ المشاريع التنموية والحضارية، التي تبقى ذات قيمة للدولة، حتى وإن لم تظهر آثارها على المدى القريب»، مشدداً على أن «توحيد السلطة التنفيذية، أو حتى الاتفاق على أولويات إنفاق واضحة، من شأنه أن يخفف من حدة الجدل، ويحوّل المشاريع إلى أداة للتنمية، بدلاً من أن تكون، كما هو الوضع الآن، أداة للصراع السياسي، عبر محاولة كل حكومة تعزيز حضورها من خلال مشاريع كبرى، تُدشَّن باحتفالات تحظى باهتمام دولي ومحلي».

تحديد الأولويات

خلال افتتاح «المتحف الوطني»، قال الدبيبة إن المتحف «يمثل ذاكرة الوطن وحضاراته المتعاقبة، ويعكس هوية الشعب الليبي عبر العصور». وأثنى عدد من الإعلاميين والسياسيين على الحدث.

وعبر منصة «حكومتنا» التابعة لحكومة «الوحدة»، أعرب بعض سكان طرابلس عن تقديرهم وسعادتهم بتنظيم حفل الافتتاح، والعروض الفنية المصاحبة له، غير أن كفة الانتقادات بدت هي الأقوى والأرجح. وفي تعليقه على خبر الافتتاح، كتب حساب باسم خالد الزيتوني: «حاضر البلاد يصرخ من الوجع. المعضلة ليست في التاريخ، بل في واقع مواطن مستنزف ودين عام يثقل الدولة». وتساءل صاحب حساب آخر عن مدى استفادة «الشعب والمرضى تحديداً؟»، في حين طالب آخرون بإعطاء أولوية لذوي الاحتياجات الخاصة، بدل إنفاق الأموال على الاحتفالات.

أزمة نقص السيولة ما زالت تهيمن على المشهد الليبي في ظل تكرار حالات اصطفاف المواطنين أمام المصارف (متداولة)

من جهتها، رأت عضوة «ملتقى الحوار السياسي»، آمال بوقعيقيص، أن تصاعد الانتقادات عبر منصات التواصل الاجتماعي وتكرارها يعودان إلى «إجهاض حلم الليبيين في الاستقرار السياسي والاقتصادي، منذ ثورة فبراير (شباط) 2011».

وقالت بوقعيقيص لـ«الشرق الأوسط» إن «تفاقم الأزمات بعد هذا التاريخ دفع قطاعاً واسعاً تدريجياً إلى التخندق في جبهة الاعتراض على أي إنجاز، سواء افتتاح (كوبري) أو مبنى حضاري، أو فعالية ثقافية أو حتى حفل غنائي».

وسبق أن وجّه قطاع من الليبيين انتقاداتهم للحفلات الغنائية، التي شهدتها فعالية بنغازي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ورأوا أنه كان من الأفضل توجيه الأموال للمرضى.

وانضمت بوقعيقيص إلى مطالب قطاع واسع من رواد التواصل بـ«وضع احتياجات المواطنين في مقدمة الاهتمام، كدعم رواتب المتقاعدين، ورعاية أكثر الفئات تهميشاً، وخاصة أن ليبيا دولة نفطية، وعدد سكانها قليل مقارنة بدول الجوار».

تراجع قيمة الدينار بشكل متسارع أثّر على القدرة الشرائية لليبيين (أ.ف.ب)

وشهدت قيمة الدينار تراجعاً متسارعاً في الآونة الأخيرة؛ إذ يبلغ الدولار في السوق الموازية 8.40 دينار، في حين يبلغ 5.42 دينار في السوق الرسمية.

في السياق ذاته، يرى الناشط السياسي، أحمد التواتي، أن «المزاج العام في ليبيا تحوّل في الآونة الأخيرة من تأييد مشاريع التنمية، باعتبارها ساحة تنافس جديدة لأفرقاء الأزمة بعيداً عن الحرب والسلاح، إلى تصاعد الانتقادات تجاهها».

وأوضح التواتي لـ«الشرق الأوسط» أن الليبيين «أدركوا أن الإنفاق على معظم هذه المشاريع، التي تُستخدم في الأغلب كدعاية سياسية، تم عبر الاقتراض، مما أدى إلى تضخم الدين العام وتراجع قيمة العملة، دون خلق نشاط اقتصادي منتج، فضلاً عما يعتريها من فساد».