تواصلت الخروقات الإسرائيلية في قطاع غزة، الخميس، من خلال استهداف الفلسطينيين، خاصة في المناطق الشرقية لمحافظتي غزة وخان يونس، ما زاد من أعداد الضحايا المسجلين منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري إلى أكثر من 90 قتيلاً.
في الوقت ذاته، أرجأت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارها بشأن التماس تقدمت به رابطة الصحافة الأجنبية في القدس من أجل إتاحة وصول الصحافيين إلى قطاع غزة بشكل مستقل، وهو ما دفع الرابطة للإعلان عن أسفها لهذا الإرجاء المتكرر.
وعلى الأرض، أعلنت مصادر طبية فلسطينية عن مقتل بكر فتحي الرقب في قصف من طائرة مسيرة إسرائيلية استهدفته قرب منزله في بلدة بني سهيلا شرق خان يونس، بجنوب قطاع غزة؛ فيما أعلن عن وفاة آخر متأثراً بجروحه في قصف سابق أمس بالبلدة نفسها.
ووفقاً لمصادر ميدانية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن الرقب كان يحاول جلب مياه لعائلته المقيمة في المنزل المدمر جزئياً عندما تعرض للقصف، مشيرة إلى أن الطائرات استهدفته استهدافاً مباشراً رغم أنه كان بمنطقة تعتبر آمنة وتقع غرب الخط الأصفر المحدد، كونها نقطة تنسحب إليها القوات الإسرائيلية، بحسب اتفاق وقف إطلاق النار.

وذكرت المصادر أن القوات الإسرائيلية كثفت من استهدافها الفلسطينيين في بلدة بني سهيلا خلال الأيام الأخيرة، وكذلك في مناطق شرق أحياء الزيتون والشجاعية والتفاح، ما زاد من أعداد الضحايا منذ وقف إطلاق النار.
ولفتت إلى أن القوات خاطبت عبر طائرات مسيرة صغيرة (كواد كابتر) سكان مربع سكني داخل بلدة بني سهيلا، دُمر جزء من منازله تدميراً كاملاً وجزء آخر بشكل جزئي وتوجد به عائلات نصبت خيامها في المكان؛ بإخلائه رغم وقوعه في منطقة مصنفة خضراء تقع غرب الخط الأصفر.
ولفتت إلى أن المكان كان يضم مئات العائلات التي اضطرت للنزوح مجدداً منه، رغم أن عودتها كانت بعد أيام من وقف إطلاق النار، وبالكاد كانت تدبر أمورها الحياتية اليومية.
وقتل ما لا يقل عن 9 فلسطينيين في إطلاق نيران من مسيرات وقصف مدفعي في بلدة بني سهيلا ومحيطها منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
الخط الأصفر
وبحسب المصادر الميدانية، يتمركز جنود الجيش الإسرائيلي في عدد من المنازل الواقعة على نطاق الخط الأصفر، رغم أنها محددة بخرائط الانسحاب على أنها مناطق آمنة ومن المفترض أن توجد القوات الإسرائيلية خلفها بنحو 250 متراً على الأقل.
وأشارت المصادر إلى أن جنوداً شوهدوا، يوم الخميس وفي اليومين الماضيين، وهم يرفعون العلم الإسرائيلي على أماكن في منطقة التحلية ومحيط دوار بني سهيلا، ويطلقون النار عشوائياً، فيما تستهدف المدفعية الإسرائيلية محيط تلك المناطق يومياً في ساعات الصباح الباكر وفي المساء بعدد من القذائف، وسط تحليق للطائرات المسيرة.

وتتعرض يومياً المناطق الشرقية لخان يونس في جنوب القطاع، ودير البلح والمغازي والبريج في المناطق الوسطى، إلى جانب المناطق الشرقية من مدينة غزة، لقصف من المدفعية الإسرائيلية.
وبحسب المصادر الميدانية، تحاول إسرائيل يومياً تغيير الخط الأصفر بتقدم آلياتها عشرات الأمتار أو أكثر من 200 متر في بعض المواقع ثم تتراجع قليلاً لتحافظ على مسافة معينة جديدة تسيطر فيها على الأرض وتمنع السكان من الاقتراب من محيط منازلهم أو ما تبقى منها.
وتؤكد بعض المصادر أن هناك محاولات إسرائيلية، منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، لترسيخ واقع ميداني جديد غرب الخط الأصفر، إذ تستهدف كل فلسطيني يتحرك في تلك المناطق بما يمنع وصوله إلى أماكن تبعد عن الخط بنحو 500 متر على الأقل. وتشير إلى أن الجيش الإسرائيلي يعتبر هذه المناطق عازلة ما بين الخط الأصفر والمناطق الواقعة إلى الغرب منه.
أكثر من 90 قتيلاً في الخروقات
وبحسب وزارة الصحة في قطاع غزة، قُتل أكثر من 90 فلسطينياً، وأصيب نحو 320 آخرين في الخروقات الإسرائيلية المستمرة على القطاع منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
وأشارت إلى أنه تم منذ ذلك الحين انتشال 449 جثماناً لفلسطينيين فقدوا إثر قصف إسرائيلي سابق خلال الحرب، بعضهم من تحت ركام منازل مدمرة.

وارتفعت حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية إلى 68 ألفاً و280 قتيلاً، و170 ألفاً و375 مصاباً منذ السابع من أكتوبر 2023. كما أعلنت وزارة الصحة في غزة، الخميس، عن وصول 14 قتيلاً إلى مستشفيات القطاع خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة.
وسُمح من مساء الأربعاء حتى نهار الخميس بخروج 41 مريضاً من قطاع غزة، بصحبة مرافق واحد مع كل مريض، من خلال معبر كرم أبو سالم، حيث وصلوا إلى الأردن لتلقي العلاج؛ فيما سيُسمح لبعضهم بالسفر إلى دول أوروبية لتلقي العلاج فيها.
وقال تيدروس أدهانوم جيبريسوس، مدير منظمة الصحة العالمية، الأربعاء، عبر منصة «إكس» إن هناك نحو 15 ألف مريض في غزة ينتظرون الإجلاء. وأضاف: «نواصل حث الدول على إظهار تضامنها وفتح جميع الطرق لتسريع الإجلاء الطبي».
وجرى خلال الحرب إجلاء أكثر من سبعة آلاف مريض من غزة، واستقبلت مصر أكثر من نصفهم. وتراجع معدل الإجلاء بشكل كبير منذ إغلاق معبر رفح الحدودي في مايو (أيار) 2024 وسيطرة إسرائيل عليه. ومنذ انهيار وقف سابق لإطلاق النار في مارس (آذار)، يغادر أقل من أربعة مرضى القطاع يومياً.
ولا يزال معبر رفح، الذي كان يُستخدم لمغادرة المرضى عبر مصر، مغلقاً أمام حركة العبور. وتقول منظمات طبية والسلطات الصحية الفلسطينية إن المئات توفوا وهم ينتظرون الإجلاء.
وتقول منظمة الصحة العالمية التي تولت إدارة العملية العام الماضي إن 740 شخصاً بينهم 137 طفلاً من المدرجين على القائمة لقوا حتفهم منذ يوليو (تموز) 2024.
الصحافة الأجنبية
على صعيد آخر، عبَّرت رابطة الصحافة الأجنبية في القدس عن أسفها لإرجاء المحكمة العليا في إسرائيل اتخاذ قرار بشأن طلب تقدمت به من أجل إتاحة وصول الصحافيين إلى قطاع غزة بشكل مستقل.

وتمنع السلطات الإسرائيلية الصحافيين العاملين في وسائل إعلام أجنبية من الدخول بصورة مستقلة إلى القطاع منذ اندلاع الحرب في غزة. ولم تسمح إسرائيل سوى لعدد قليل من المراسلين بمرافقة قواتها داخل القطاع المحاصر، مع النظر بكل طلب على حدة.
وكانت الرابطة، التي تمثل وسائل الإعلام الدولية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية وتضم مئات الصحافيين الأجانب، قد قدمت التماساً إلى المحكمة العليا تطالب فيه بالسماح بدخول الصحافيين الأجانب إلى غزة فوراً.
وعُقدت صباح الخميس جلسة أمام أعلى هيئة قضائية إسرائيلية للمرة الأولى منذ تقديم الرابطة التماسها قبل عامين. وأقر ممثل النيابة العامة بأن «الوضع قد تغير»، وطلب مهلة إضافية لمدة 30 يوماً لدرس الظروف المستجدة.
ولم تحدد المحكمة موعداً لعقد جلسة جديدة.

وقالت الرابطة في بيان إنها «تأسف لقرار المحكمة العليا الإسرائيلية بمنح الحكومة تأجيلاً إضافياً بخصوص دخول الصحافيين المستقلين إلى غزة»، موضحة أن الحكومة الإسرائيلية سعت مراراً إلى تأجيل دخول الصحافيين إلى غزة، مما يمنعهم من «أداء واجبهم المهني ويعيق حق الجمهور في الحصول على المعلومات».
وأضافت: «يبقى موقف الحكومة غير مقبول. ونجدد دعوتنا إلى السماح الفوري بالوصول إلى غزة».
من جانبها، اتهمت حركة «حماس» السلطات الإسرائيلية بالسعي المتعمد إلى فرض تعتيم إعلامي شامل على ما يجري في قطاع غزة، وقالت في بيان إن هذا «يكشف بوضوح إصرار الكيان الصهيوني على إخفاء الجرائم المروعة والدمار الواسع الذي خلّفته آلة الحرب في غزة، والتستر على الانتهاكات الممنهجة ضد المدنيين والبنية التحتية ومقومات الحياة كافة، التي ترقى إلى جرائم إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني».
ودعت «حماس» المؤسسات الصحافية والحقوقية الدولية إلى ممارسة أقصى درجات الضغط على إسرائيل «لتمكين الصحافيين الأجانب من الدخول الفوري إلى القطاع، والوقوف إلى جانب الصحافيين الفلسطينيين في تغطية جرائم الإبادة الجماعية والآثار الإنسانية الكارثية الناتجة عن القصف والحصار وسياسة التجويع الممنهج».
