زخم «حزب الله» العسكري تآكل... وبيئته تدفع الأثمان

إسرائيل دمَّرت مخازنه وانقطع شريان تغذيته من سوريا

TT

زخم «حزب الله» العسكري تآكل... وبيئته تدفع الأثمان

مناصرون لـ«حزب الله» يشاركون في تشييع مقاتلين ببلدة الطيبة جنوب لبنان يوم 6 أبريل 2025 (أ.ف.ب)
مناصرون لـ«حزب الله» يشاركون في تشييع مقاتلين ببلدة الطيبة جنوب لبنان يوم 6 أبريل 2025 (أ.ف.ب)

​دخل «حزب الله» سنته الأولى بعد الحرب مع إسرائيل مثقلاً بجراح عسكرية وشعبية. فالحزب الذي اعتاد تقديم نفسه كقوة لا تُقهر، ما زال يحتفظ بقدرة مستترة، ولكنها بلا زخم هجومي، حسبما يقول خبراء، في وقت تدفع فيه «البيئة الحاضنة» التكلفة، وتتلقى القيادة الضربات، بينما تتقدَّم إسرائيل بخطوات استخباراتية تجعلها دائماً سابقة للحزب.

من 2006 إلى 2025

منذ حرب يوليو (تموز) 2006، عمل «حزب الله» على بناء ترسانة صاروخية مكَّنته من فرض معادلة الردع، كما كان يقول. ومع الحرب السورية (2011) توسَّع نفوذه مستفيداً من خطوط الإمداد عبر دمشق، ومصنع مصياف الذي شكَّل قاعدة لتصنيع الصواريخ الثقيلة. ولكن سقوط النظام السوري وتبدُّل موازين القوى أضعفا هذا العمق الاستراتيجي، لتأتي حرب 2024 وتستنزف بنيته العسكرية إلى حد التآكل.

رسم بياني يوضح الخسائر المادية والبشرية التي تكبدها لبنان جراء الحرب الإسرائيلية الأخيرة (الشرق الأوسط)

بنك أهداف جديد

خلال حرب الإسناد بين 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، و27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 وهو تاريخ وقف إطلاق النار، غيَّرت إسرائيل قواعد اللعبة، فبعد استهداف المخازن والراجمات واغتيال القادة الميدانيين، انتقلت إلى قصف منازل تابعة لعناصر الحزب داخل القرى، بعد إنذارات علنية للسكان.

ويقول الخبير في شؤون الأمن والدفاع رياض قهوجي لـ«الشرق الأوسط»: إن هذا التحوُّل «رفع التكلفة الاجتماعية بشكل كبير، فالمنازل المدمَّرة والنزوح المستمر تركا البيئة الحاضنة مثقلة بالدمار والمعاناة، ما انعكس مباشرة على وضع الحزب الداخلي والعسكري».

أما العميد المتقاعد سعيد قزح، فيؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن «ما بناه (حزب الله) منذ عام 1985 من قدرة بشرية ضخمة هجومية ودفاعية، وترسانة عسكرية شملت أسلحة متطورة وذخائر وألغاماً ومفخخات وصواريخ وطائرات مُسيَّرة، خسره دفعة واحدة في اليوم الأول من القتال الجدي مع إسرائيل». ويشير إلى أن «الجيش الإسرائيلي أعلن مهاجمة نحو 1800 هدف في البقاع والجنوب والضاحية، جميعها مراكز تخزين أسلحة وذخائر، ما أدى إلى تدميرها كلها».

قيادة مصابة ولوجستيات مشلولة

سلسلة الاغتيالات المركَّزة أصابت «قوة الرضوان» في صميمها، وأضعفت قدرتها على التخطيط للعمليات النوعية. وحسب قهوجي، فإن «الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي بات يشلُّ الحزب بالكامل، ويمنعه من تنفيذ أي عمليات نوعية، ما جعل إسرائيل قادرة على قراءة تحركاته وخطواته بدقة، وهذا ما جعله في حالة عجز استراتيجي لم يعرفها من قبل».

مقاتلون من «حزب الله» خلال مناورة عسكرية بجنوب لبنان في مايو 2023 (أرشيفية- أ.ب)

قزح بدوره يوضح أن «عملية (البيجر) أوقعت (قوة الرضوان) في الفخ، بعدما كانت مؤهلة ومدرَّبة على التوغُّل نحو الجليل واحتلال مزارع شبعا وكفرشوبا»، ويرى أن «العملية أدت إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى والمعوَّقين، فأُخرجت هذه القوة من الحساب القتالي».

الصواريخ و«اقتصاد المُسَيَّرات»

مع تراجع القدرة على إطلاق رشقات صاروخية كثيفة بفعل الضربات الاستباقية، لجأ الحزب إلى المُسيَّرات الهجومية والاستطلاعية منخفضة التكلفة، ولكن قهوجي يقدِّر أن «ما تبقى من ترسانة الحزب لا يتجاوز 30 في المائة من الصواريخ القصيرة المدى المصنَّعة محلياً، إضافة إلى بعض المُسيَّرات، وقليل من الصواريخ بعيدة المدى المخزَّنة في السلسلة الشرقية». ويرى أن هذا التحوُّل «لم يشكِّل بديلاً حقيقياً لبناء كتلة نارية مستدامة؛ بل أبقى قدرة الحزب محصورة في الإيلام الموضعي».

عناصر من «حزب الله» يقفون أمام راجمات صواريخ خلال مناورة عسكرية في مايو 2023 بجنوب لبنان (أ.ب)

قزح من جانبه يشير إلى أن «إسرائيل استمرت في استهداف مراكز الحزب، فدخلت إلى القرى الحدودية ودمَّرتها، وفتَّشت المغاور والأنفاق وفجَّرتها، كما فجَّرت مستودعات الذخيرة في مختلف المناطق اللبنانية». ويضيف: «حتى مصانع الصواريخ والطائرات المُسيَّرة التي كانت قائمة في سوريا، دمَّرتها عملية إنزال للكوماندوز الإسرائيلي، وذلك قبل سقوط نظام بشار الأسد الذي كان يشكل الممر الأساسي للإمدادات».

فقدان شرايين الإمداد

ويرى قهوجي أن «سقوط النظام السوري منع الحزب من ترميم وضعه؛ لأن سوريا كانت مركز تصنيع السلاح، وممر عبوره إلى لبنان». ويكشف أنَّ «مصنع مصياف كان المصدر الأساسي لكل الصواريخ الثقيلة، ومع توقفه خسر الحزب ركيزة أساسية في توازنه العسكري». ويضيف أن الحزب «لم يبقَ أمامه سوى تصنيع محدود لصواريخ (الكاتيوشا) و(الغراد) وتجميع بعض المُسيَّرات، إضافة إلى أنفاق قليلة العدد»، مشدداً على أن «أي حرب مقبلة قد تكون الأخيرة».

أما قزح فيلفت إلى أن «سقوط النظام السوري الموالي للحزب وقيام سلطة معادية له، قطعا شريان الإمداد الإيراني بالسلاح والدعم اللوجستي والمالي، وهو ما أفقد الحزب مصدره الأول للتسلح». ويضيف أن «الحزب خرج من معادلة القتال ضد إسرائيل، ولا سيما بعدما اعترف أمينه العام نعيم قاسم شخصياً بسقوط نحو 6 آلاف قتيل و13 ألف جريح ومعاق، أي نحو عشرين ألفاً خارج المعركة العسكرية».

مشهد داخلي متغيِّر

يقول قهوجي: «ما دامت إسرائيل تمتلك اختراقاً استخباراتياً عميقاً، فستبقى دائماً سابقة للحزب بخطوة، وهذا بحد ذاته عامل يرهق الحزب ويؤكد هشاشته». ويضيف: «الوضع الشعبي تغيَّر كثيراً. هناك معاناة مستمرة داخل البيئة الحاضنة. عائلات كثيرة لا تزال خارج بلداتها، ودور كثيرة مدمَّرة، والرأي العام في لبنان انقلب بشكل كبير. قوى كانت حليفة للحزب ابتعدت عنه، وهذا التحوُّل ينعكس مباشرة على وضعه الداخلي والعسكري».

ويتقاطع هذا مع ما يقوله قزح الذي يرى أن «حزب الله» لم يعد يمتلك قدرة قتالية في مواجهة الجيش الإسرائيلي، بعدما فقد شريان الإمداد، وتعرض لضربات قاصمة طالت جميع مخازنه وبناه التحتية، حتى شمال الليطاني؛ حيث دُمِّرت مراكز عسكرية».

ويختم بالقول: «سياسياً، تخلى معظم حلفاء الحزب عنه، وباتوا يدعونه إلى السير بخطة الحكومة لحصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية، وتطبيق الدستور واتفاق الطائف، قبل حتى الوصول إلى تطبيق القرارات الدولية».


مقالات ذات صلة

لبنان: «قانون الودائع» يضاعف الهواجس من الالتزام بالتمويل

المشرق العربي لبنانية تعتصم أمام مبنى «جمعية المصارف» في بيروت بعد الأزمة المعيشية في 2019 (أرشيفية - أ.ب)

لبنان: «قانون الودائع» يضاعف الهواجس من الالتزام بالتمويل

أثار مشروع قانون «الاستقرار المالي واسترداد الودائع»، الذي أقرته الحكومة اللبنانية، الجمعة، موجة من الهواجس التي ترافق إحالته المرتقبة إلى البرلمان

علي زين الدين (بيروت)
المشرق العربي آليات لقوات «اليونيفيل» خلال دورية على طريق الناقورة بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

اعتداءات «متزامنة» من إسرائيل وسكان محليين على «اليونيفيل» في جنوب لبنان

تعرّضت قوات حفظ السلام الأممية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، لاعتداءين منفصلين خلال 24 ساعة، أحدهما من إسرائيل، والآخر من سكان لبنانيين محليين.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي دورية للجيش اللبناني في موقع استهداف إسرائيلي لسيارة في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان (إ.ب.أ)

لبنان يواكب قمة ترمب - نتنياهو والعين على ابتعاد شبح الحرب

تحظى القمة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، المنعقدة في 29 الحالي في فلوريدا، باهتمام لبناني.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي عناصر في الجيش اللبناني يقفون قرب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة عقتنيت بجنوب لبنان وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص (د.ب.أ)

لبنان «يدير المخاطر» وسط تهديدات إسرائيلية وغياب الضمانات

يتحرّك لبنان سياسياً في التعامل مع التهديدات الإسرائيلية، ضمن هامش ضيّق ترسمه توازنات خارجية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أرشيفية لسيارات تصطفّ لدخول لبنان بعد الإطاحة ببشار الأسد بالقرب من الحدود اللبنانية السورية (رويترز)

اعتقال 12 شخصاً بينهم ضباط مرتبط بنظام الأسد على الحدود السورية اللبنانية

ألقت وحدات حرس الحدود السورية، في وقى متأخر من يوم أمس (الجمعة)، القبض على 12 شخصاً بينهم عناصر وضباط لديهم ارتباط بالنظام السابق على الحدود السورية اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

حمص تشيّع ضحايا المسجد... و«داعش» يهدّد مجدداً

حمص تشيّع ضحايا المسجد... و«داعش» يهدّد مجدداً
TT

حمص تشيّع ضحايا المسجد... و«داعش» يهدّد مجدداً

حمص تشيّع ضحايا المسجد... و«داعش» يهدّد مجدداً

شهدت مدينة حمص، أمس، مراسمَ تشييع جثامين ضحايا التفجير الذي استهدف مسجد الإمام علي بن أبي طالب في حي وادي الذهب أثناء صلاة الجمعة، بمشاركة شعبية ورسمية واسعة، وتحت إجراءات أمنية مشددة. وأعادت جماعة «سرايا أنصار السنة» المتطرفة، المرتبطة بتنظيم «داعش»، تأكيد تبنّيها التفجير، متوعدة بتنفيذ هجمات مماثلة في الفترة المقبلة. وأسفرَ الهجوم عن مقتل 8 أشخاص وإصابة 18 آخرين، في حادثة قوبلت بإدانات عربية ودولية، وأثارت مخاوف متزايدة لدى الأقليات في البلاد.

وبالتوازي مع التطورات الأمنية، أعلنتِ السلطات السورية توقيف 12 شخصاً، بينهم ضباط من النظام السابق، على الحدود السورية اللبنانية أثناء محاولتهم العبور بشكل غير شرعي.

وفي سياق سياسي متصل، تضاربت أمس الأنباء عن زيارة متوقعة لقائد «قوات سوريا الديمقراطية»، مظلوم عبدي، لدمشق خلال الأيام المقبلة؛ لبحث التنفيذ العملي لاتفاق اندماج قواته في الجيش السوري، في وقت تتصاعد فيه حدة التوتر في حلب.


سوريا: اعتقال 5 بعضهم من عناصر نظام الأسد أثناء محاولتهم دخول البلاد بطريقة غير قانونية

قوات من الجيش السوري أثناء عرض عسكري بدير الزور يوم 8 ديسمبر (إكس)
قوات من الجيش السوري أثناء عرض عسكري بدير الزور يوم 8 ديسمبر (إكس)
TT

سوريا: اعتقال 5 بعضهم من عناصر نظام الأسد أثناء محاولتهم دخول البلاد بطريقة غير قانونية

قوات من الجيش السوري أثناء عرض عسكري بدير الزور يوم 8 ديسمبر (إكس)
قوات من الجيش السوري أثناء عرض عسكري بدير الزور يوم 8 ديسمبر (إكس)

ألقت قوات حرس الحدود السورية القبض على 5 أشخاص في ريف طرطوس، أثناء محاولتهم الدخول إلى الأراضي السورية بطريقة غير قانونية، وفقا لوكالة الأنباء السورية (سانا).

وأوضحت إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع، السبت، أن "التحقيقات الأولية مع المقبوض عليهم أظهرت أن بعضهم كانوا من عناصر النظام البائد"، مشيرةً إلى أنه "سيتم تحويلهم إلى الجهات المختصة لاستكمال التحقيقات والإجراءات اللازمة".

عناصر من الجيش السوري (أ.ف.ب)

وذكرت الوكالة أن هذه العملية "تأتي في إطار الجهود المستمرة التي تبذلها قوات الجيش لحماية الحدود ومنع أي محاولات تسلل غير شرعية، بما يضمن الحفاظ على أمن الوطن وسلامة أراضيه".


تقارير: الجيش الإسرائيلي يستهدف تل الأحمر في ريف القنيطرة بسوريا

آليات عسكرية إسرائيلية تتوغل في مناطق بجنوب سوريا (الجيش الإسرائيلي)
آليات عسكرية إسرائيلية تتوغل في مناطق بجنوب سوريا (الجيش الإسرائيلي)
TT

تقارير: الجيش الإسرائيلي يستهدف تل الأحمر في ريف القنيطرة بسوريا

آليات عسكرية إسرائيلية تتوغل في مناطق بجنوب سوريا (الجيش الإسرائيلي)
آليات عسكرية إسرائيلية تتوغل في مناطق بجنوب سوريا (الجيش الإسرائيلي)

قال تلفزيون «الإخبارية» إن القوات الإسرائيلية استهدفت، يوم السبت، بالأسلحة الرشاشة تل الأحمر الشرقي في ريف القنيطرة الجنوبي.

واستولت القوات الإسرائيلية على مزيد من الأراضي في سوريا عقب سقوط نظام بشار الأسد، بالمخالفة لاتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 كما كانت منزوعة السلاح، وتنفذ من وقتها غارات جوية وتوغلات برية في سوريا.

وسبق أن ذكرت وكالة «سانا» الرسمية أن إسرائيل «تواصل سياساتها العدوانية وخرقها اتفاق فض الاشتباك عام 1974 عبر التوغل في أرياف القنيطرة ودرعا والاعتداء على المواطنين، فيما تطالب سوريا باستمرار، بخروج الاحتلال من أراضيها، وتدعو المجتمع الدولي إلى الاضطلاع بمسؤولياته وردع هذه الممارسات غير المشروعة».