في مرافعة نادرة، قدم تحالف من محامين عراقيين شكوى رسمية لإيقاف تسجيل الأحزاب والكيانات السياسية المرتبطة بفصائل مسلحة، بعد أسابيع من حملات لإقصاء مرشحين من الانتخابات المقبلة.
وبحسب التحالف، فإن الشكوى استهدفت فصائل «بدر»، «عصائب أهل الحق»، «كتائب الإمام علي»، «كتائب سيد الشهداء»، «كتائب بابليون»، و7 تنظيمات مسلحة أخرى، وغالبية هذه الفصائل لديها تمثيل في التحالف الحاكم أو الحكومة التي يقودها محمد شياع السوداني.
وينص الدستور العراقي في مادته التاسعة على منع «القوات المسلحة العراقية وأفرادها، وبضمنهم العسكريون العاملون في وزارة الدفاع أو أي دوائر أو منظمات تابعة لها، الترشيح في انتخابات لإشغال مراكز سياسية»، وافترض التحالف الذي قدم الشكوى أن الفصائل المعنية جزء من «هيئة الحشد الشعبي».
وقال المحامي عباس الفتلاوي، أحد الذي قدموا الشكوى، إنها «المرافعة التي قدمت إلى دائرة الأحزاب السياسية في مفوضية الانتخابات، تضمنت أمراً ولائياً من المحكمة الاتحادية لإيقاف تسجيل الأحزاب التي تملك أذرعاً مسلحة».
ويعتقد مراقبون أن مجرد تقديم الشكوى ضد فصائل مسلحة يحرك مياهاً راكدة ضد جماعات تحتكر موارد السلطة والرأي والعام، وتمنح مسلحين خارج الدولة غطاءً قانونياً وسياسياً.
وأوضح الفتلاوي، خلال مقابلة متلفزة، أن تحالف المحامين رصد مرشحين ورؤساء قوائم انتخابية هم في الأصل قيادات بارزة في فصائل مسلحة.
وكشف المحامي العراقي عن أن التحالف كان قد قدم الشكوى أمام المفوضية في يوم 27 أغسطس (أب) الماضي، وطلب إصدار الأمر الولائي في 2 سبتمبر (أيلول) الحالي، ومن المنتظر أن تقوم المفوضية بإبلاغ المشتكي بقرارها خلال 10 أيام. وقال الفتلاوي، إن «هذا لم يحدث حتى الآن».
وأكد المحامي أن التحالف صاحب الشكوى «يثق بالقضاء العراقي وبالأدلة المقدمة في الشكوى ضد الأحزاب والفصائل المسلحة المشاركة في الانتخابات، وهي شكوى تقدَّم للمرة الأولى منذ تأسيس هذه الأحزاب والفصائل».

فرصة شبه معدومة
يعد استبعاد الأحزاب ذات الأجنحة السياسية من بين أبرز مطالب التيارات والتحالفات المدنية والأحزاب الناشئة، في ذروة حملة استبعاد مرشحين أثيرت حولها شكوك بسبب دوافعها السياسية.
إلا أن مراقبين يستبعدون قبول الشكوى. ويقول إحسان الشمري، رئيس «مركز التفكير السياسي» لـ«الشرق الأوسط» إن على «مفوضية الانتخابات أن تعمل وفق مرتكزات القانون والدستور والتعليمات التي تصدرها بشأن قضايا الاستبعاد، إذ تحرم وجود أجنحة سياسية لفصائل مسلحة لخوض الانتخابات، لكن التجارب السابقة منذ عام 2018، لم تظهر من المفوضية قدرة على استبعاد الأحزاب التي لديها فصائل».
ويعتقد الشمري أن «انتخابات عام 2018 كانت نموذجاً ومثالاً واضحاً لدخول الأجنحة السياسية للفصائل المسلحة، وكذلك الانتخابات اللاحقة عام 2021 وحتى الانتخابات المحلية التي أعقبتها، وكان واضحاً حضور الأجنحة المسلحة».
ويقول الشمري، إن «الأحزاب غالباً ما تتذرع بأن أجنحتها العسكرية تنتمي إلى هيئة الحشد الشعبي، ما يعني انتماءها لهذه المؤسسة وليس للحزب». ويتابع: «هذه الازدواجية التي سمحت بها التوافقية السياسية تمنح السلاح المنفلت إرادة أقوى من القوانين المرعية، وتحد من قدرة المفوضية على استبعاد تلك الجماعات وأحزابها».
ويتفق الشمري مع تيار واسع من العراقيين يرى أن «مشاركة أجنحة مسلحة في الانتخابات إشكالية كبيرة»، مشدداً على «ضرورة تطبيق النصوص الدستورية والقوانين بجدية في هذا الاتجاه».
بدوره، يشدد الدبلوماسي السابق غازي فيصل على «عدم إمكانية استبعاد الأجنحة المسلحة عن الانتخابات، وأن عمليات الإقصاء سوف تبقى تقتصر على مرشحين يشكلون خطراً على الأحزاب الكبيرة لدوافع سياسية».
ويزعم فيصل أن «الاستبعادات الأخيرة ليست من تطبيق النظام والقانون والقواعد الأساسية للمرشحين، بل إنها استراتيجية سياسية لإبعاد الكثير من الفئات التي يمكن أن تهدد الأحزاب الكبيرة بتغيير موازين القوى في مجلس النواب المقبل».
ولا تزال عمليات الاستبعاد التي طالت 786 من أصل 7709 مرشحاً في الانتخابات المقررة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، تثير مزيداً من الأسئلة والنقاشات حول طبيعتها وأهدافها، وإذا ما كانت تستند إلى أسس قانونية أو أن أهدافاً سياسية تقف وراء بعضها، خصوصاً أن مستبعدين منهم يشغلون عضوية مجلس النواب الحالي ومواقع حكومية أخرى، وهذه إحدى «مفارقات» عمليات الاستبعاد الحالية، بحسب مراقبين.
وقالت مفوضية الانتخابات في بيان صحافي، مطلع الأسبوع، إن «أسباب الاستبعاد توزعت على محاور عدة، أبرزها: 370 مرشحاً شملوا بإجراءات المساءلة والعدالة (اجتثاث البعث)، و162 مرشحاً بسبب القيود الجنائية، و44 مرشحاً لنقص الوثائق الدراسية، إضافة إلى 170 مرشحاً بسبب طلبات الاستبدال من القوائم، فضلاً عن حالات أخرى منها التزوير بواقع 4 مرشحين».
في شأن متصل، تقدم عضو لجنة النزاهة النيابية محمد فاضل الدليمي، بطلب رسمي إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، للموافقة على منح أصحاب المناصب التنفيذية من الوكلاء والمديرين العامين، إجازات إجبارية لحين موعد الانتخابات، بهدف «منع التأثير على إرادة الناخب وتكافؤ الفرص»، بحسب تعبيره.
