لقاءات الوفد الأميركي في بيروت تكرس منهج «خطوة مقابل خطوة»

بانتظار خطة الجيش اللبناني ومن ثم الرد الإسرائيلي العملي

الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً الوفد الأميركي (أ.ب)
الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً الوفد الأميركي (أ.ب)
TT

لقاءات الوفد الأميركي في بيروت تكرس منهج «خطوة مقابل خطوة»

الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً الوفد الأميركي (أ.ب)
الرئيس اللبناني جوزيف عون مستقبلاً الوفد الأميركي (أ.ب)

عكست لقاءات الوفد الأميركي الموسع في بيروت تكريساً لمنهج «خطوة مقابل خطوة»، بانتظار الخطوات العملية المقبلة من قبل إسرائيل، بعد تقديم الجيش اللبناني خطته لسحب سلاح «حزب الله» تنفيذاً لقرار الحكومة اللبنانية، مقابل رفض مطلق لمطلب «حزب الله» الذي يربط البحث بسلاحه بالانسحاب الإسرائيلي من لبنان.

ورغم بعض المواقف العالية السقف التي صدرت من قبل أعضاء الوفد الموسع، فقد تحدث المبعوث الأميركي توم براك ونائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، عن هذا المنهج، فيما جدّد الرئيس اللبناني جوزيف عون التزامه باتفاق وقف إطلاق النار وبـ«الورقة اللبنانية - الأميركية».

المبعوث الأميركي توم براك ونائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس في بيروت (أ.ف.ب)

وكان الوفد الأميركي الذي ضم إضافة إلى براك وأورتاغوس، السيناتور السيدة جين شاهين، والسيناتور ليندسي غراهام، والنائب جون ويلسون، قد وصل، مساء الاثنين، إلى بيروت، حيث شارك في عشاء حضرته شخصيات سياسية واجتماعية قبل أن يلتقي، الثلاثاء، رئيس الجمهورية جوزيف عون في القصر الرئاسي، حيث عقدوا مؤتمراً صحافياً مشتركاً، ومن ثم رئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام.

أورتاغوس: «خطوة مقابل خطوة»

وفي مؤتمر صحافي مشترك بعد لقاء الوفد الرئيس عون، قالت أورتاغوس: «إسرائيل مستعدة لأن تسير بخطوة خطوة مع قرارات الحكومة اللبنانية»، فيما قال براك: «حكومتكم ستقدم في الأيام المقبلة اقتراحاً وخطة اقتراح لما هو في نيتها القيام به لنزع سلاح (حزب الله). وعندما ترى إسرائيل ذلك، سيقدم الإسرائيليون الاقتراح المقابل، وما سيقومون به لجهة الانسحاب، وضمان حدودهم أيضاً والنقاط الخمس، مقابل ما سنعرضه عليهم من الجهة اللبنانية».

رئيس الحكومة نواف سلام مستقبلاً الوفد الأميركي (إ.ب.أ)

وفي رد على سؤال عما إذا ستلتزم إسرائيل بوقف الأعمال العدائية والغارات على لبنان، مقابل القرار الذي اتخذته الحكومة اللبنانية فيما يتعلق بنزع سلاح «حزب الله»، قالت أورتاغوس: «إسرائيل مستعدة لأن تتحرك خطوة خطوة، لربما خطوات صغيرة، لكنها مستعدة لأن تمشي وتسير خطوة خطوة مع قرارات الحكومة... ونحن بالتأكيد نشجع الحكومة الإسرائيلية على القيام بنفس الخطوات».

براك: بانتظار خطة الجيش اللبناني

من جهته، قال براك: «ما يقوله الإسرائيليون هو أنهم سيلاقون خطوة بخطوة ما سيتم وما هي خطة نزع السلاح». وأضاف: «الجيش اللبناني وحكومتكم سيعرضان خطة وسيقولون لـ(حزب الله) كيفية نزع السلاح. هذا يجب ألا يكون عسكرياً. نحن لا نتحدث عن حرب. نحن نتحدث عن كيفية إقناع (حزب الله) بالتخلي عن هذه الأسلحة»، وأضاف: «لقد قاموا بعمل جيد جنوب الليطاني في هذا الوضع المربك. تذكروا، كانت هناك اتفاقية 2024 التي لم يحترمها أحد ولم يلتزم بها أحد. نحن نتحدث عن اتفاقية وقف الأعمال العدائية الموجودة قيد التنفيذ، ولكن لا أحد يلتزم بها».

ووصف براك ما قامت به الحكومة اللبنانية بالمذهل، وقال: «حكومتكم قامت بشيء مذهل، واتخذت 11 نقطة، وقالت إننا كحكومة سنلتزم بالقيام بهذه النقاط والمساعي، وأول خطوة أساسية هي أننا سنطلب من الجيش اللبناني إعداد خطة حول كيفية نزع سلاح (حزب الله) سيتم عرضها علينا للموافقة. وما أقوله، وهذا تاريخي أيضاً، أن إسرائيل لا تريد أن تحتل لبنان. نحن ملزمون بالانسحاب من لبنان، وسنلاقي هذه التوقعات بالانسحاب بخطتنا فور رؤيتنا ما هي الخطة لنزع سلاح (حزب الله) في الواقع. إذن هذه كلمات من الجهتين لكنها كلمات مهمة للغاية؛ لأننا نصل إلى هذا الممر الضيق للأفعال».

وقال برّاك: «إن الخطة التي يعدها لبنان لن تنطوي بالضرورة على عمل عسكري لإقناع (حزب الله) بإلقاء سلاحه»، مضيفاً: «لا يتحدث الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية عن حرب. إنهما يتحدثان عن كيفية إقناع (حزب الله) بالتخلي عن تلك الأسلحة».

وقالت مصادر وزارية مطلعة على لقاءات الوفد في بيروت لـ«الشرق الأوسط» إنه بعدما اتخذت الحكومة قرار حصرية السلاح سيقدم الجيش خطّته، وبعد ذلك يفترض أن تتخذ تل أبيب خطوة بالمقابل على الأقل لوقف الانتهاكات المستمرة في جنوب لبنان تمهيداً لبدء الانسحاب من النقاط الخمس».

السيناتور غراهام: نزع سلاح «حزب الله» أولاً

ورغم بعض الكلام العالي السقف الذي صدر في المؤتمر الصحافي الذي عقده الوفد بعد لقائه الرئيس عون، ولا سيما الصادر عن السيناتور غراهام، قالت المصادر الوزارية: «الأجواء خلال الاجتماع لم تكن كما عكستها التصريحات المتشددة في المؤتمر الصحافي، بحيث يمكن القول إن الأجواء كانت مقبولة بانتظار خطة الجيش اللبناني»، موضحة «أن براك وأورتاغوس تولّيا الحديث عن تنفيذ الورقة الأميركية، فيما أعضاء الوفد الآخرون كانت مهمّتهم التركيز على الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي يقوم بها لبنان، حيث كانت موافقهم إيجابية في هذا الإطار، وأثنوا على الخطوات التي قام بها لبنان».

السيناتور السيدة جين شاهين والسيناتور ليندسي غراهام بعد لقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون (إ.ب.أ)

وكان غراهام قال: «لا تسألوني أي أسئلة عمّا ستفعله إسرائيل قبل أن تنزعوا سلاح (حزب الله). إذا تم نزع سلاح (حزب الله)، ستكون لنا محادثات جيدة، وإذا لم يتحقق ذلك فلا معنى للمحادثات». وأضاف: «لا تقولوا لي بعد الآن إننا لن ننزع سلاح (حزب الله) ما لم تقم إسرائيل بخطوة ما، فإذا كان هذا شعاركم، فستفشلون. إن سبب نزعكم سلاح (حزب الله) أنه الأفضل لكم، هذا البلد سيخطو خطوات إلى الوراء وليس إلى الأمام إذا لم يتم نزع سلاح الفلسطينيين و(حزب الله)».

في المقابل، قال غراهام: «وجودي هنا مع جاين زميلتي الرائعة في مجلس الشيوخ، هو للقول لكم إن الكونغرس ينظر إلى لبنان بطريقة مختلفة لأنكم تتصرفون بشكل مختلف. وإذا استمررتم في هذا المسار، أعتقد أنكم تتمتعون بفرصة رائعة لتأمين بلدكم عسكرياً واقتصادياً بأفضل طريقة ممكنة منذ قدومي إلى المنطقة مع جون ماكاين. وكله يعتمد على ما سيحصل مع (حزب الله) والفلسطينيين».

وتحدث غراهام عن توجه لتعيين سفير بديلاً عن السفيرة الحالية ليزا جونسون، قائلاً: «لدينا سفيرة رائعة لدى لبنان، ولكن الرئيس ترمب يرغب في أن يكون أحد أقرب أصدقائه سفيراً في لبنان، وسنحاول أن يتحقق ذلك في أسرع وقت ممكن».

وتحدثت من جهتها السيناتور جاين عن الإصلاحات المصرفية، «وهي مسألة كبيرة ومهمة للناس في لبنان، وأساس للبناء على المبادرات الاقتصادية والتقدم في هذا المجال»، مؤكدة: «ونحن أيضاً ندعم هذه الإصلاحات لعلمنا مدى أهميتها للبلاد، ونأمل أن ينجح البرلمان في إقرارها».

أهمية استمرار دعم الجيش اللبناني

وتحدثت السيناتور شاهين عن الدعم اللوجيستي والمالي للجيش اللبناني، مشيرة إلى أنه تم البحث بهذا الموضوع خلال اللقاء مع الرئيس عون، وأوضحت: «تحدثنا عن هذا الأمر، وأهمية تدريب وتجهيز الجيش، وهي مسألة ندعمها أنا والسيناتور غراهام الذي يرأس في مجلس الشيوخ لجنة تأمين الأموال للمساعدات الأجنبية لوزارة الخارجية. وأنا أيضاً في لجنة القوات المسلحة، وتحدثنا عن أهمية الاستمرار في دعم الجيش اللبناني في جهوده، وما يمكن للولايات المتحدة تقديمه في هذا الشأن».

عون يجدد التزامه باتفاق وقف إطلاق النار

واطلع رئيس الجمهورية على نتائج زيارات الوفد إلى إسرائيل، والمواقف التي صدرت عن المسؤولين الإسرائيليين، وجدد خلال لقائه التزام لبنان الكامل بإعلان نوفمبر لوقف الأعمال العدائية، والذي أقر برعاية أميركية – فرنسية، ووافقت عليه الحكومة السابقة بالإجماع، وبورقة الإعلان المشتركة الأميركية - اللبنانية التي أقرها مجلس الوزراء ببنودها كافة من دون أي اجتزاء». وخلال الاجتماع، جدد الرئيس عون أمام الوفد الشكر للإدارة الأميركية والكونغرس على استمرار اهتمامهم بلبنان، والتزامهم بمساعدته في ضوء توجيهات الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وشكر الرئيس عون الجانب الأميركي على استمراره في دعم الجيش اللبناني والقوى المسلحة اللبنانية وتعزيزها في كافة المجالات لتقوم بمهامها الوطنية لجهة حصرية الأمن والاستقرار في لبنان، متمنياً على الجانب الأميركي متابعة الاتصالات مع الجهات المعنية كافة، وخصوصاً مع البلدان العربية والغربية الصديقة للبنان للدعم والإسراع في مساري إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي، مثمناً ما صدر من أعضاء الوفد من مواقف عن الرؤية الأميركية لإنقاذ لبنان والمستندة إلى ثلاث قواعد هي: استتباب الأمن عبر حصر السلاح وقرار الحرب والسلم في يد الدولة وحدها دون سواها، وضمان الازدهار الاقتصادي في الرهان على قدرة اللبنانيين في الابتكار والاستثمار، وصون المبادرة الفردية وإطلاق طاقات القطاع الخاص في لبنان كما في بلاد الانتشار.

كذلك، صون الديمقراطية التوافقية في لبنان التي تحمي كل الجماعات اللبنانية، في إطار نظام تعددي حر يجعلها سواسية أمام القانون وشريكة كاملة في إدارة الدولة والبلاد.

واطلع الرئيس عون من أعضاء الوفد على نتائج زيارتهم إلى دمشق، وأعرب عن ارتياحه الكبير لما نقلوه من استعداد سوري لإقامة أفضل العلاقات مع لبنان. وأكد أنها رغبة وإرادة متبادلتين بين البلدين، كما جدد استعداد لبنان العمل فوراً على معالجة الملفات الثنائية العالقة بروح الإخوة والتعاون وحسن الجوار والعلاقات التاريخية بين شعبي البلدين، مشدداً على دعم لبنان الكامل لوحدة وسلامة الأراضي السورية.

سلام: مسار حصر السلاح انطلق

وفيما كان لافتاً صدور بيان مقتضب عن رئاسة البرلمان يفيد بلقاء رئيسه نبيه بري مع الوفد الأميركي، حيث بحثا مستجدات الأوضاع في لبنان والمنطقة، قال بيان صادر عن رئاسة الحكومة، إن «رئيس الحكومة نواف سلام خلال لقائه الوفد الأميركي، شدد على أن مسار حصرية السلاح وبسط سلطة الدولة واحتكارها لقرارَي الحرب والسلم، هو مسار انطلق ولا عودة إلى الوراء فيه»، لافتاً إلى أن الحكومة ثبّتت هذا التوجّه في جلسة 5 أغسطس (آب)، حيث اتُّخذ قرار حازم بتكليف الجيش اللبناني بوضع خطة شاملة لحصر السلاح قبل نهاية العام، وعرضها على مجلس الوزراء، وهو ما سيُعرض الأسبوع المقبل.

وأكّد أن هذا المسار هو مطلب وضرورة لبنانية وطنية، اتفق عليها اللبنانيون في اتفاق الطائف قبل أي شيء آخر، غير أنّ تطبيقها تأخر لعقود فأضاع على لبنان فرصاً عديدة في السابق. كما أعاد الرئيس سلام التأكيد على التزام لبنان بأهداف الورقة التي تقدم بها السفير براك، بعد إدخال تعديلات المسؤولين اللبنانيين عليها، والتي أقرها مجلس الوزراء، مشدّداً أمام الوفد على أن هذه الورقة القائمة على مبدأ تلازم الخطوات تثبّت ضمان انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية، ووقف جميع الأعمال العدائية.


مقالات ذات صلة

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

خاص عمال يستخدمون رافعة لتعليق زينة شجرة عيد الميلاد المقامة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت (إ.ب.أ)

النمو المستدام للاقتصاد اللبناني مشروط بتقدم الإصلاحات الهيكلية

خفّضت وكالة التصنيف الدولية «موديز» سقف ترقبات النمو الحقيقي للاقتصاد اللبناني هذا العام، من 5 في المائة المرتقبة محلياً، إلى 2.5 في المائة.

علي زين الدين (بيروت)
المشرق العربي دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)

التعاون الاقتصادي بين لبنان وإسرائيل: مبادرة ملغومة بتوقيت حساس

بينما تبدو خطوة إسرائيل مجرد انفتاح اقتصادي، إلا أنها «تحمل في جوهرها رسائل سياسية ملغومة بتوقيت حسّاس جداً»

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي رئيس الجمهورية جوزيف عون ملتقياً أعضاء وفد مجلس الأمن في القصر الرئاسي (رئاسة الجمهورية)

الرئيس اللبناني: مصممون على تنفيذ حصرية السلاح

بدأ وفد سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي زيارة إلى بيروت، حيث التقى المسؤولين، في توقيت بالغ الأهمية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام)

قاسم: مشاركة مدني في لجنة وقف النار تنازل مجاني لإسرائيل

رفع الأمين العام لـ«حزب الله»، نعيم قاسم، سقف خطابه مؤكداً أنّ المشاركة برئيس مدني في لجنة وقف إطلاق النار تمثل «إجراءً مخالفاً للتصريحات والمواقف الرسمية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس البرلمان نبيه بري مجتمعاً مع وفد مجلس الأمن في بيروت الجمعة (رئاسة البرلمان)

توافق رئاسي ثلاثي لبناني على الجانب «التقني - الأمني» للمفاوضات

أكدت مصادر وزارية أنه لا خلاف بين الرؤساء الثلاثة مع دخول المفاوضات اللبنانية - الإسرائيلية مرحلة جديدة بإدخال مدني إليها.

محمد شقير (بيروت)

مقتل 5 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
TT

مقتل 5 بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم

جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
جنود إسرائيليون في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

قالت قناة «الأقصى» الفلسطينية إن خمسة أشخاص لقوا حتفهم بنيران الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة منذ صباح اليوم السبت.

ولم تذكر القناة أي تفاصيل أخرى على الفور.

وفي وقت سابق اليوم، أفادت إذاعة «صوت فلسطين» بمقتل شخص وإصابة ثلاثة آخرين برصاص الجيش الإسرائيلي في شمال غربي قطاع غزة.

جنود من الجيش الإسرائيلي يقفون فوق دبابة متمركزة بالقرب من الحدود مع قطاع غزة (أ.ف.ب)

على الصعيد الآخر، ذكر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أن قواته أطلقت النار على عدد من الأشخاص قال إنهم «اجتازوا الخط الأصفر وشكلوا تهديداً فورياً عليها»، مشيراً إلى أن القوات قتلت ثلاثة «لإزالة التهديد».

ومنذ بدء وقف إطلاق النار الهش، أفرجت «حماس» عن جميع الرهائن الأحياء وعددهم 20، وسلمت 27 جثة مقابل الإفراج عن نحو ألفي معتقل وسجين فلسطيني لدى إسرائيل.

ورغم تراجع وتيرة العنف، تواصل إسرائيل قصف غزة وتدمير ما تقول إنه بنية تحتية تابعة لـ«حماس». وتتبادل الحركة وإسرائيل الاتهامات بانتهاك الاتفاق.


التعاون الاقتصادي بين لبنان وإسرائيل: مبادرة ملغومة بتوقيت حساس

دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)
دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)
TT

التعاون الاقتصادي بين لبنان وإسرائيل: مبادرة ملغومة بتوقيت حساس

دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)
دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)

يشكّل إعلان إسرائيل عن استعدادها لفتح قنوات تعاون اقتصادي مع لبنان، بالتزامن مع تكليف الرئيس اللبناني جوزيف عون للسفير السابق في واشنطن سيمون كرم ترؤس الوفد اللبناني في لجنة «الميكانيزم»، محطة جديدة في مسار المواجهة المعقّدة بين بيروت وتلّ أبيب.

وبينما تبدو خطوة إسرائيل مجرد انفتاح اقتصادي، إلا أنها «تحمل في جوهرها رسائل سياسية ملغومة بتوقيت حسّاس جداً»، حسبما تقول مصادر لبنانية، و«تندرج ضمن مسعى إسرائيلي لإعادة رسم مشهد إقليمي يتيح لها الظهور بمظهر الساعي إلى الاستقرار، مقابل تحميل لبنان ولا سيما (حزب الله) مسؤولية استمرار التوتر».

ولا يعكس الموقف الإسرائيلي بالنسبة للبنان تغيّراً فعلياً في السلوك، أو المقاربة، بقدر ما يشكّل محاولة لتسويق صورة سياسية يريدها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مرحلة دقيقة داخلياً، وإقليمياً. وتقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «إسرائيل، التي تواصل عملياتها العسكرية في لبنان براً وبحراً وجواً، لا تبدو مستعدة لاتخاذ خطوات عملية، بل تكتفي بإشارات مرونة محسوبة، تؤسّس بمفهومها لمرحلة تفاوض محتملة حين تنضج الظروف، وتتقاطع الحسابات الإقليمية».

الغاز والنفط

ويشكّل موقع لبنان الجيوسياسي نقطة جذب إقليمية لإسرائيل، وكل دول المنطقة، رغم قدراته الاقتصادية المحدودة. ويقول مصدر رسمي لبناني لـ«الشرق الأوسط» إن تل أبيب «لا تسقط من حساباتها إمكانية التعاون في مجال الطاقة والغاز، لا سيما بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي وقعته مع لبنان في العام 2022، حيث تسعى لإعطاء انطباع بأن شرق المتوسط يمكن أن يتحوّل إلى منطقة تبادل اقتصادي».

رئيس الحكومة نواف سلام خلال استقباله وفد مجلس الأمن الدولي في بيروت يوم الجمعة الماضي (إ.ب.أ)

ويلفت المصدر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إسرائيل «تولي أهمية قصوى للتعاون في البنى التحتية الحدودية، مثل إدارة الموارد المائية، خصوصاً أن طمعها بمياه لبنان تاريخي، كما تتطلع إلى ربط أسواق المنطقة ببعضها، خصوصاً إذا فُعّل مشروع ممرات النقل الإقليمي».

ويشدد المصدر الرسمي على أن «أي تعاون اقتصادي بين دولتين في حالة نزاع مستمر يتطلب أولاً وقفاً دائماً لإطلاق النار، يتبع بترتيبات أمنية واضحة، ثم فتح قنوات اتصال رسمية، مقرونة بضمانات دولية، لذلك تبقى المبادرة الإسرائيلية مجرّد خطوة يحاول نتنياهو استثمارها في الداخل، ليظهر للمجتمع الإسرائيلي أنه انتزع مكاسب مهمّة في بداية مرحلة التفاوض مع لبنان».

رسالة سياسية

وينظر الخبراء إلى المبادرة الإسرائيلية على أنها رسالة سياسية موجّهة إلى الخارج أكثر مما هي طرح اقتصادي قابل للتطبيق. ويرى الباحث في الشؤون الجيوسياسيّة الدكتور زياد الصائغ أن إسرائيل «تسعى إلى الاستثمار في الموقف الأميركي السّاعي إلى تطبيق عملاني لمقرّرات مؤتمر شرم الشيخ، ولقاءات الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض، بما يعني الذهاب أبعد من وقف القتال».

ويؤكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن إسرائيل «تعتبر أن السلام من البوّابة الاقتصادية هو الأنجع لتجاوز الصراعات، لكنّ هذا أقرب إلى الفولكلور، لا سيّما مع استمرار احتلال إسرائيل لأراضٍ لبنانيّة»، ويشدد الصائغ على أن «الاستعجال، ورفع منسوب ما جرى في لجنة الميكانيزم قد يأخذ طابع جسّ النبض أيضاً لمدى استعداد لبنان للذهاب بعيداً في المفاوضات، وهذا أيضاً يشكّل محاولة غير ناضجة الظروف».

سفينة عسكرية إسرائيلية تبحر بجوار منصة إنتاج حقل ليفياثان للغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط (أرشيفية - رويترز)

لكن الاستعجال الإسرائيلي للتعاون الاقتصادي مغاير تماماً للمشهد اللبناني، باعتبار أن الذهاب نحو هذا الخيار أشبه بالمغامرة، ويؤكد الصائغ أنّ «ملف لبنان التفاوضيّ يبدو ضبابيّاً حتى السّاعة، ولو أنّ سقفه اتفاقيّة الهدنة الموقعة ما بين لبنان وإسرائيل في العام 1949 برعاية الأمم المتحدة، لكن من الواضح أنّ السفير سيمون كرم، وبخبرته الواسعة ووضوحه السّيادي، سيفتح الطريق أمام بناء عناصر هذا الملف من المسار السياسي، إلى الدبلوماسيّ، إلى القانونيّ، إلى ذاك المرتبط بالقرار 1701».

ويذكّر بأن لبنان «جزء من الإجماع العربي، وملتزم بسقف المبادرة العربية للسلام، وكل ما يُساق خارج ذلك يبقى من قبيل التمنّيات، أو التوقّعات، لكن من الواضح أنه لا عودة عن قرار تجفيف الصراعات والحروب في الشرق الأوسط».

طاقة وسياحة

إضافة إلى ذلك، يطرح تركيز الحكومة الإسرائيلية على المجال الاقتصادي علامات استفهام في ظلّ محدودية الدور الاقتصادي للبنان في المنطقة، ولا يستبعد الصائغ أن «تسعى إسرائيل إلى تعاون اقتصادي مع لبنان على المستوى النفطي، أو السياحي، أو الصناعي، خصوصاً في ظلّ الحديث عن فكرة إنشاء منطقة اقتصاديّة على حدود لبنان الجنوبيّة، انطلاقاً من المبادرة الأميركية». لكنّه شدد على أن ذلك «لا يستقيم قبل حوار دبلوماسيّ بطابع سياسي، ويبدو مستحيل المنال في هذه المرحلة، خصوصاً مع استمرار احتلال إسرائيل للنقاط الخمس، وعدم إنجاز تسوية تحريرية لمزارع شبعا، وبدء إعمار الجنوب، توازياً مع تحقيق بسط الدولة اللبنانية سيادتها حصراً على كامل أراضيها بقواها الذاتيّة». وختم الصائغ بالقول إن «ذلك كلّه يبقى مضبوطاً تحت سقف اتفاقية الهدنة 1949».


إسرائيل تقصف وتقتل وتُدمر ما تبقّى تحت سيطرتها بغزة

طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تقصف وتقتل وتُدمر ما تبقّى تحت سيطرتها بغزة

طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

تسعى إسرائيل قبيل الانتقال للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مع مساعي الوسطاء، خصوصاً الولايات المتحدة، للانتقال إليها في أقرب فرصة ممكنة، إلى تدمير ما تبقّى في المناطق الخاضعة لسيطرتها داخل قطاع غزة، والتي تُقدر بنحو 53 في المائة من المساحة العامة للقطاع.

وينص وقف إطلاق النار في مرحلته الثانية، حال نُفّذ وفق الاتصالات المتسارعة في الأيام الأخيرة، على انسحاب آخر للقوات الإسرائيلية من داخل قطاع غزة، مع الحفاظ على بقائها في مناطق أخرى قد تصل إلى نحو ما مساحته 20 في المائة من مساحة القطاع.

وخلال ساعات ليل ونهار السبت، لم تنفك القوات الإسرائيلية باستخدام الطائرات الحربية تارةً، ومن خلال العربات المفخخة تارةً أخرى، بقصف وتدمير ما تبقى من منازل وبنى تحتية، سواء داخل الخط الأصفر المشار إليه ضمن اتفاق وقف إطلاق النار بوصفه خط انسحاب أولياً، أو على جانبه من داخل المناطق الخاضعة لسيطرة حركة «حماس».

أطفال يستعدون للدخول إلى صفوفهم في مدرسة للأونروا تعيش فيها عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

ولوحِظ خلال الأيام الثلاثة الماضية تكثيف الغارات الجوية وعمليات النسف، حتى داخل مدينة رفح التي تُسيطر عليها القوات الإسرائيلية منذ أكثر من عام ونصف العام، وكذلك شرق مدينتَي خان يونس وغزة. كما امتدت هذه العملية، من مساء الجمعة حتى ظهر السبت، إلى مناطق واقعة شرق وشمال جباليا وبيت لاهيا شمالَ قطاع غزة. وتسببت إحدى عمليات النسف في منطقة زايد ببيت لاهيا، ليلاً، في وقوع انفجار ضخم سُمِع دويه في جميع أنحاء قطاع غزة، ووصل صداه حتى جنوب تل أبيب.

وتعمد إسرائيل إلى تدمير ما تبقى من مبانٍ ومنازل في تلك المناطق، بهدف حرمان سكانها من العودة إليها بعد الانسحاب منها، في عملية تدمير ممنهجة، انتهجتها بشكل كبير خلال الحرب التي استمرت عامين على قطاع غزة.

ووفقاً لمصادر ميدانية تحدّثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي لم تكتفِ بعمليات القصف والنسف للمنازل والمباني داخل مناطق سيطرتها، بل عملت على استخدام العربات المفخخة، وإدخالها إلى مناطق غرب الخط الأصفر -مناطق سيطرة «حماس»- وذلك تحت نار القصف المدفعي، وإطلاق النار من المسيرات، لتصل إلى مناطق سكنية بهدف تدميرها بشكل كامل.

وأوضحت أن ذلك تزامن أيضاً مع عمليات توغّل ازدادت حدّتُها في الأيام الأخيرة، ولا سيما شرق مدينة غزة، وتحديداً في حييّ الشجاعية والتفاح. وأشارت إلى أن الآليات الإسرائيلية توغّلت مسافة لا تقل عن 350 متراً خلف الخط الأصفر، واقتربت من شارع صلاح الدين الرئيسي عند الحيَّين، ما يعني أنها باتت تفرض سيطرة شبه كاملة عليهما.

خيم النازحين وسط الدمار الذي أحدثه القصف الإسرائيلي جواً وبراً في مدينة غزة الجمعة (أ.ب)

وأشارت إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي كررت المشهد ذاته صباح السبت في خان يونس، بعدما تقدّمت إلى أجزاء من حي الشيخ ناصر وأقامت سواتر ترابية، فيما قامت طائرات مسيّرة بإطلاق النار في مختلف الاتجاهات وعلى أي هدف متحرك. وبعد انسحاب القوات تبيّن أن الهدف من إقامة السواتر الترابية كان تمهيد الطريق لآليات هندسية لتنفيذ عمليات حفر في حي الفرا المجاور.

وقالت المصادر إن قوات الاحتلال الإسرائيلي ما زالت تعمل على توسيع سيطرتها في قطاع غزة، من خلال تقديم المكعبات الأسمنتية الصفراء، المشار إليها بالخط الأصفر، من خلال التقدم جزئياً من حين إلى آخر داخل بعض المناطق.

وتزامنت هذه التطورات مع قتل القوات الإسرائيلية 4 فلسطينيين، في حادثتين منفصلتين شمال القطاع، كما أصابت آخرين في مناطق أخرى.

ووفق مصادر طبية، فقد قُتل شابّان في إطلاق نار شرق جباليا البلد، فيما قُتل اثنان آخران وأصيب 3 في إطلاق نار ببلدة العطاطرة شمال غربي بيت لاهيا. كما أُعلن عن وفاة خامس متأثراً بجروحه بعد أن استهدفته طائرة مسيّرة، مساء الجمعة، بإطلاق النار عليه وعلى نجله، وهما يعملان في جهاز الدفاع المدني بغزة.

وأصيب عدد من الفلسطينيين بإطلاق نار في مناطق متفرقة، بينهم غزي بجروح خطيرة إثر قصف مدفعي استهدف محيط شارع صلاح الدين قبالة حي الشجاعية شرق مدينة غزة، في حين أصيب آخر بإطلاق نار من مسيرات شرق خان يونس.

وبذلك يكون قد قُتل ما لا يقل عن 370 فلسطينياً، وأصيب أكثر من 960 منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فيما قتل 70357 منذ السابع من أكتوبر 2023.