أعلن مسؤولون طبيون وعاملون في المجال الإنساني وأطباء في غزة إنهم يعانون وطأة «حوادث الإصابات الجماعية» شبه اليومية، في ظل محاولتهم التعامل مع جرحى النيران الإسرائيلية على الفلسطينيين الذين يطلبون المساعدة.
وقال أطباء إن كثيراً من المصابين الذين يعالجونهم يصفون تعرضهم لإطلاق النار أثناء محاولتهم الوصول إلى مواقع التوزيع التي تديرها «مؤسسة غزة الإنسانية»، وهي منظمة سرية مدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، بدأت بتوزيع المواد الغذائية في أواخر مايو (أيار).
وأصيب آخرون مع تجمّع حشود ضخمة حول القوافل التي أرسلتها الأمم المتحدة إلى غزة، والتي يتم إيقاف الكثير منها ونهبها.
وقال الدكتور محمد صقر، مدير التمريض في مجمع ناصر الطبي في خان يونس بغزة، إنه شهد بنفسه عدداً لا يحصى من حوادث الإصابات الجماعية في الأسابيع الأخيرة، وفق ما أفادت صحيفة «الغارديان» البريطانية.
وتابع صقر: «المشاهد صادمة حقاً، تُشبه أهوال يوم القيامة. أحياناً، خلال نصف ساعة فقط، نستقبل أكثر من 100 إلى 150 حالة، تتراوح بين إصابات بالغة ووفيات... نحو 95 في المائة من هذه الإصابات والوفيات تأتي من مراكز توزيع الغذاء - ما يُشار إليه بـ(مراكز توزيع الغذاء الأميركية)».
وأثقلت الخسائر البشرية بين طالبي المساعدة - والتي بلغ مجموعها 640 قتيلاً وأكثر من 4500 جريح بين 27 مايو و2 يوليو (تموز)، وفقاً لوزارة الصحة في غزة - كاهل نظام صحي على وشك الانهيار.
وقال صقر للصحيفة: «يشغل كل سرير مريض، وهذه الإصابات الإضافية تُشكل عبئاً لا يُصدق علينا. نُضطر إلى علاج المرضى على أرضية قسم الطوارئ... معظم هذه الإصابات ناجمة عن طلقات نارية في الصدر والرأس... يصل المرضى بأرجل وأذرع مبتورة».
وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الثلاثاء، أن أطباءها في غزة لاحظوا ارتفاعاً حاداً خلال الشهر الماضي في حوادث الإصابات الجماعية المرتبطة بمواقع توزيع المساعدات.
ومنذ إطلاق نظام توزيع المساعدات الجديد، الذي تُصرّ إسرائيل على أنه ضروري لمنع «حماس» من تحويل المساعدات الإنسانية، عالج مستشفى اللجنة الدولية للصليب الأحمر الميداني، الذي يضم 60 سريراً، في رفح، جنوب غزة، أكثر من 2200 جريح جراء الأسلحة، وسجَّل أكثر من 200 حالة وفاة.
وصرحت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في بيان لها، بأن «نطاق هذه الحوادث وتواترها غير مسبوقين. ففي غضون شهر واحد فقط، تجاوز عدد المرضى الذين عُولجوا إجمالي عدد الإصابات الجماعية المسجلة خلال العام الماضي بأكمله».
من بين الجرحى أطفال صغار ومراهقون وكبار في السن وأمهات، وأغلبهم من الشباب والفتيان. ويقول معظمهم إنهم كانوا يحاولون ببساطة الحصول على طعام أو مساعدات لعائلاتهم.
كما استقبل مستشفى ميداني، يضم 86 سريراً وتديره منظمة «المملكة المتحدة - ميد» في المواصي، على ساحل جنوب غزة، كثيراً من المصابين الذين كانوا يسعون للحصول على المساعدة عند إصابتهم.

في هذا الصدد، قالت الدكتورة كلير جيفريز، اختصاصية طب الطوارئ البريطانية التي تعمل في المستشفى: «منذ وصولي، سُجلت الكثير من الإصابات بطلقات نارية. أخبروني كيف أُصيبوا، وقالوا إنها كانت في مواقع توزيع الطعام أو بالقرب منها».
أخبر أحد المرضى المصابين بجروح خطيرة في البطن جيفريز أنه أصيب أثناء استلامه صندوقاً من الطعام من أحد مواقع التوزيع. ولم يرد تأكيد مستقل لهذا الادعاء، ونفت «مؤسسة غزة الإنسانية» بشدة وقوع أي إصابات في أي من مواقعها، وألقت باللوم على القوات الإسرائيلية في إطلاق النار على الفلسطينيين الذين يحاولون الوصول إلى المراكز الأربعة التي أقامتها في جنوب ووسط غزة. وقالت في بيان: «حتى الآن، لم تُسجل أي حوادث أو وفيات في أي من مواقع توزيعنا أو في محيطها المباشر خلال ساعات عملنا». وأعلنت المنظمة هذا الأسبوع أنها وزعت 62 مليون وجبة في القطاع، وأنها «تعمل بلا كلل لتوزيع مساعدات غذائية مجانية مباشرة على سكان غزة بأمان ودون أي تدخل».
وأكد الجيش الإسرائيلي أنه لا يستهدف المدنيين، ويتخذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنب إلحاق الأذى بالأشخاص غير المقاتلين، ويلتزم بالقانون الدولي. ولكن في أعقاب تقرير نشرته صحيفة «هآرتس»، نقل عن جنود وصفهم أوامر بإطلاق النار على المدنيين الذين يطلبون المساعدة، قال الجيش الإسرائيلي إنه يُراجع عملياته حول مواقع توزيع المساعدات.
وأضافت جيفريز أن مستشفى «المملكة المتحدة - ميد» يعاني أيضاً نقصاً حاداً في الإمدادات الأساسية.
وقالت: «نحن نعاني بشدة... لقد نفدت لدينا المثبتات الخارجية، وهي ضرورية لعلاج الكسور المفتوحة، والأدوية الضرورية، بما في ذلك مسكنات الألم والمضادات الحيوية والمخدرات. وبالنسبة لبعض الأدوية، لا يوجد سوى صفر من المخزون».

وتعرّض نظام الرعاية الصحية في غزة لتدميرٍ شامل خلال الحرب التي استمرت 21 شهراً، والذي اندلع في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 عندما شنّ مسلحو حماس هجوماً مفاجئاً على إسرائيل، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، واحتجاز 250 رهينة. وأدت الحرب الإسرائيلية إلى مقُتل أكثر من 57 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، ودُمّرت أجزاء كبيرة من القطاع.
وخرج ما يقرب من نصف مستشفيات القطاع، البالغ عددها 36 مستشفى، عن الخدمة، وتعمل المرافق المتبقية بجزءٍ ضئيلٍ من طاقتها الاستيعابية المعتادة. وتعاني جميعها نقصاً حاداً في الإمدادات الطبية الأساسية والمعدات الأساسية، مثل أجهزة التنفس الاصطناعي، وأجهزة الأشعة السينية، والماسحات الضوئية، أو حتى مصابيح غرف العمليات.
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر: «يُسارع العاملون إلى علاج موجةٍ متواصلةٍ من الإصابات، والغالبية العظمى منها ناجمة عن إطلاق النار... (الذي) أرهق نظام الرعاية الصحية المُدمّر في غزة، ودفع قدرته المحدودة أصلاً إلى ما يتجاوز حدوده القصوى».

وقال مسعفون لصحيفة «الغارديان» إن النقص في المواد الغذائية أصبح الآن أكثر حدة مما كان عليه منذ بداية الحرب، مع نقص الوقود الذي يُشغّل المولدات التي تُوفّر معظم الطاقة؛ ما يُهدد بتوقف شبه كامل لجميع الخدمات الطبية.
على مدار أحد عشر شهراً، منعت إسرائيل دخول جميع المواد الغذائية والأدوية وغيرها من الإمدادات إلى غزة، متهمةً حركة «حماس» بتحويل مسار المساعدات لتمويل أنشطتها العسكرية وغيرها، على الرغم من أن الأمم المتحدة أكدت أن أنظمة الرصد لديها كانت فعّالة. منذ منتصف مايو، سمحت إسرائيل بدخول كميات ضئيلة من المساعدات، بما في ذلك الإمدادات الطبية.
وقال هيثم الحسن، ممرض غرفة العمليات في مستشفى رفح التابع للجنة الدولية للصليب الأحمر: «في الدورات السابقة، كنا نعمل في غرفة العمليات على ما بين ثماني وعشر حالات. أما الآن، فنعمل على 30 - 40 حالة يومياً. لدينا أشخاص يصرخون، ويهرعون، ويحاولون أن يكونوا الأوائل في الصف؛ لأن الجميع، بالطبع، يريد أن يتلقى العلاج أولاً. لدينا مجموعة متنوعة من الإصابات، معظمها إصابات معقدة، وإصابات ناجمة عن انفجارات، ولكن بشكل رئيسي إصابات بطلقات نارية».
ووفقاً لوزارة الصحة في غزة، قُتل 1580 طبيباً وعاملاً طبياً في الحرب. وفي 2 يوليو، أدت غارة جوية إسرائيلية إلى مقتل الدكتور مروان السلطان، وهو طبيب القلب الشهير ذو الخبرة الواسعة ومدير المستشفى الإندونيسي في غزة.
ومن بين العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين قُتلوا في الأيام الخمسين الماضية ثلاثة أطباء آخرين، والممرضات الرئيسيات في المستشفى الإندونيسي ومستشفى النصر للأطفال، وإحدى أقدم القابلات في غزة، وفني أشعة كبير وعشرات من خريجي الطب الشباب والممرضات المتدربات.










