السؤال الوحيد الذي ساد وسط الفلسطينيين، خصوصاً سكان قطاع غزة، بعد سماعهم خطاب رئيس السلطة محمود عباس، وتضمَّن عبارات قاسية جداً بحق «حماس»، هو: لماذا رفع «أبو مازن» حدة خطابه ضد الحركة؟
وقال عباس، في كلمة خلال افتتاح الدورة الـ32 للمجلس المركزي الفلسطيني في رام الله، إن «حماس» تسببت في «نكبة» للفلسطينيين. وطالبها، بعبارات مصحوبة بشتيمة، بـ«تسليم الرهائن الإسرائيليين»، وتسليم سلاحها للسلطة والتحول إلى حزب سياسي.
وتغيب عن جلسة افتتاح المجلس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، و«حماس» و«الجهاد الإسلامي» وفصائل أخرى، وسط جدل حول أهمية الاجتماع الهادف إلى تجسيد الوحدة الوطنية، خصوصاً أن الدورة الحالية ستركز على استحداث منصب لنائب رئيس منظمة التحرير، دون أن يكون هناك أي قرارات مصيرية تتعلق بالحرب الإسرائيلية على غزة.
وفي سنوات سابقة كان الرئيس عباس يوجه انتقادات حادة إلى حركة «حماس»، وبعد سيطرتها على القطاع عام 2007، وجه انتقادات شبيهة إليها لكنها كانت بحدة أقل، ولذلك قد تكون هذه المرة الأولى التي يصعد فيها من لهجة الخطاب.
ولعل ما أدهش الكثير من المراقبين هي اللغة التي تحدث بها عباس، والتي حملت هجوماً رآه بعضهم «غير مبرر» و«قاسياً»، فيما عده آخرون «معبراً عن موقف كثير من الفلسطينيين، خصوصاً من سكان قطاع غزة ممن ملّوا الحروب المتكررة في العقد الأخير».
وفي كل مرة تأخذ الخطابات المهمة لحركتي «فتح» و«حماس» كثيراً من المساحة في الجدل العلني داخل الشارع الفلسطيني وتمتد إلى شبكات التواصل الاجتماعي، وفي بعضها تكون مواقف لمثقفين ومتابعين للشأن الفلسطيني ممن هم في دول عربية أو غيرها.
الدم النازف
وكتب منير الجاغوب، رئيس اللجنة الإعلامية في مفوضية التعبئة والتنظيم في حركة «فتح»، عبر حسابه في «فيسبوك»: «حدة كلمة الرئيس محمود عباس جاءت من حرارة الدم الفلسطيني النازف».
وكانت غالبية التعليقات مؤيدة لهذا المنشور، فيما كانت بعض الآراء منتقدة الدفاع عن الخطاب بهذه الطريقة، وحتى بعض من شاركوا في التعليقات هاجموا عباس.
واعتاد الفلسطينيون في كثير من المرات على لغة الانتقادات الحادة المتبادلة ما بين «فتح» و«حماس»، ولكنها ربما المرة الأولى التي يجري إطلاق شتائم وغيرها من المصطلحات غير المعتادة في إطار الخطاب الذي ألقاه الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
في المقابل، رأى كتاب ومحللون أن الخطاب بهذا الشكل كان «مسيئاً» إلى كل الفلسطينيين رغم الخلافات السياسية ما بين «حماس» و«فتح».
وقال المحلل السياسي ضياء حسن، إنه كان يجب على الرئيس عباس أن «يكون أكثر حنكةً في التعامل مع الموقف الفلسطيني الحالي، وإنه كان من المفترض أن يكون الخطاب أكثر اتزاناً»، مؤكداً أن «الخطاب كان مسيئاً وقاسياً».
تدهور الخطاب
ولا يُخفي كثير من المراقبين أن أحد أسباب هذا التدهور في الخطاب هو أن شعور قيادة السلطة الفلسطينية بتجاهل تام من الإدارة الأميركية وأطراف دولية، في وقت عقدت فيه حركة «حماس» لقاءات مع بعض أطراف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ومسؤولين دوليين آخرين في إطار البحث عن حلول فيما يتعلق بواقع غزة.
ويقول المحلل السياسي مصطفى إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»، إن تصريح عباس كان «مفاجئاً ولم يكن إطلاقاً في محله، خصوصاً أنه طوال الحرب على غزة لم يكن هناك أي تدخل فعلي فيما يجري بغزة، وكان موقف السلطة سلبياً تماماً، الأمر الذي أثار غضب المؤيدين والمعارضين له، خصوصاً في أثناء إطلاقه تصريحات تهاجم (حماس) وتساويها مع الاحتلال».
ورأى إبراهيم أن «الانتقادات بهذا الشكل من إطلاق الشتائم وغيره لم تكن مناسبة، وكان يجب أن تكون بطريقة مختلفة، وأنه (عباس) كان يجب أن يطالب بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين والإشارة إلى معاناتهم في السجون الإسرائيلية وليس فقط الحديث عن المختطفين الإسرائيليين لدى (حماس)».
وقال: «ما قاله الرئيس عباس ليس في محله وكان يجب ألا يكون بهذه الطريقة، وهذه ليست انتقادات، بل إساءة إلى الشعب الفلسطيني كله».
رد «حماس»
وبينما لم تصدر «حماس» أي موقف رسمي حول خطاب عباس، شن عضو المكتب السياسي للحركة باسم نعيم، هجوماً لاذعاً على الرئيس الفلسطيني، ووصف اجتماع المجلس المركزي بأنه «اجتماع مغتصب للشرعية».
وقال نعيم، كما نقلت عنه فضائية «الأقصى» التابعة لحركة «حماس»، إن هذا الخطاب «ينزع الذرائع عن إسرائيل التي تقوم بعمليات تهويد واستيطان وضم للأراضي بالضفة والقدس، وتنفذ انتهاكات بحق الفلسطينيين بالضفة، وتدمر البيوت، وتعتقل الآلاف لشطب الوجود الفلسطيني بشكل نهائي».