طوابير طويلة... نقص السيولة يرغم سوريين على الانتظار ساعات للحصول على النقود

أشخاص ينتظرون دورهم في طابور خارج ماكينة صراف آلي في دمشق (أ.ف.ب)
أشخاص ينتظرون دورهم في طابور خارج ماكينة صراف آلي في دمشق (أ.ف.ب)
TT

طوابير طويلة... نقص السيولة يرغم سوريين على الانتظار ساعات للحصول على النقود

أشخاص ينتظرون دورهم في طابور خارج ماكينة صراف آلي في دمشق (أ.ف.ب)
أشخاص ينتظرون دورهم في طابور خارج ماكينة صراف آلي في دمشق (أ.ف.ب)

يجلس أبو فارس على قارعة الرصيف ليستريح بعدما انتظر ساعات في طابور أمام مصرف حكومي في دمشق، دون الحصول على جزء ولو يسير من راتبه، حاله كحال سوريين كثر يختبرون المشقة ذاتها يومياً بسبب نقص في السيولة تعانيه البلاد.

ويقول الموظف المتقاعد لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أنا هنا منذ نحو أربع ساعات، ولم أستطع تسلُّم راتبي بعد».

ويضيف الرجل البالغ 77 عاماً أثناء انتظاره تحت أشعة الشمس مع عشرات آخرين أمام فرع المصرف التجاري الحكومي السوري وسط دمشق: «هناك طوابير طويلة من الناس المنتظِرة، ولا أموال كافية في الصرافات الآلية».

وفرض المصرف المركزي في فبراير (شباط) قيوداً على سحب الأموال النقدية من المصارف والصرافات الآلية، مما وضع السوريين أمام أزمة نقدية تضاف إلى سلسلة من المشكلات الاقتصادية التي يعانونها، موروثة في غالبها من حكم الرئيس بشار الأسد الذي أطاحته فصائل معارضة في ديسمبر (كانون الأول).

وفي بلد يعمل في قطاعه العام نحو مليون و250 ألف شخص بحسب السلطات، يُضطر هؤلاء الموظفون للوقوف ساعات في طوابير أمام فروع المصارف الحكومية أو أجهزة الصراف الآلي. ويأخذ بعضهم إجازة من عملهم لقضاء يوم كامل في محاولة لسحب جزء بسيط من رواتبهم. وينسحب ذلك على المودعين الراغبين في سحب بعض من مدّخراتهم بالليرة السورية.

ويوضح أبو فارس: «هناك مرضى وكبار في السن، ولا نستطيع أن نبقى على هذه الحالة».

أشخاص يتجمعون بانتظار دورهم خارج ماكينة صراف آلي في دمشق (أ.ف.ب)

أوضاع صعبة

وأنهك النزاع في سوريا الذي امتد 14 عاماً الاقتصاد المحلي، وزادت أزماته حدة عقوبات فرضتها دول عدة خصوصاً الغربية منها، على النظام السابق.

وعمّم البنك المركزي على المصارف الحكومية والخاصة الالتزام بسقف يومي بسحب 200 ألف ليرة (نحو 20 دولاراً) للفرد، يمكن رفعها حين تتوفر السيولة، بحسب موظفة في مصرف خاص.

وتضيف الموظفة طالبة عدم كشف هويتها: «هناك نقص واضح في السيولة، وليس لدينا تحكم بكامل إيداعات مصرفنا في البنك المركزي»، موضحة: «بالتالي نتحرك يومياً مع عملائنا ضمن ميزانية محددة لا يمكن تجاوزها، ولهذا السبب أيضاً نغلق الصرافات مع انتهاء الدوام الرسمي».

وضاعفت هذه الأزمة أعباء السوريين في بلد يعيش 90 في المائة من سكانه تحت خط الفقر، وفقاً للأمم المتحدة. وقام بعض الأطراف، ومنهم الاتحاد الأوروبي، بتخفيف العقوبات عن دمشق، لكن ذلك لم ينعكس بعد بشكل ملموس على يوميات السوريين.

امرأة سورية تتحدث مع موظفة في محل صرافة بدمشق (أ.ف.ب)

أمام كوة المصرف التجاري الحكومي، وقف نحو ثلاثمائة شخص في طوابير متداخلة تتقدم ببطء، ومنهم من جلس على الأرض بعدما أتعبه طول الوقوف.

وتؤكد الموظفة الحكومية عفراء جمعة (43 عاماً) أنها تنفق الأموال التي تتمكن من سحبها، لدفع أجرة الطريق.

وتقول: «الأوضاع صعبة ونحن بحاجة لقبض رواتبنا وسحب ودائعنا بأسرع وقت ممكن، وليس مقبولاً أن ننتظر أياماً كي نسحب مبالغ زهيدة».

وتُضيف: «نضطر لتأخير التزاماتنا حتى نحصل على أموالنا، وهذا الأمر ليس متاحاً دائماً، والناس تطالبنا بالإيجارات وسداد الديون المتراكمة علينا».

تجفيف السيولة

وعقب اندلاع النزاع وفي ظل العقوبات الاقتصادية على الحكم السابق، باتت طباعة الأوراق النقدية السورية تتمّ حصراً في روسيا التي كانت حليفة للأسد، ولجأ إليها مع تقدم الفصائل المعارضة إلى دمشق أواخر العام الماضي.

وبعد الإطاحة بالرئيس السوري، تلقت دمشق شحنة واحدة معلنة على الأقل من الأموال النقدية المطبوعة في روسيا.

وأفاد المصرف المركزي السوري وكالة الأنباء الرسمية (سانا) في فبراير بوصول «مبالغ مالية من فئة الليرة السورية قادمة من روسيا»، من دون أن يكشف عن كميتها أو حجمها.

ويعزو الخبير الاقتصادي جورج خزام نقص الكتلة النقدية المتداولة إلى تعمّد الصرافين «تجفيف السيولة بالليرة السورية بهدف إحداث تقلبات سريعة في السوق وتحقيق أرباح سريعة».

ويوضح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كلما كانت كمية الأموال المتداولة بالليرة السورية بالأسواق قليلة، زادت قدرة الصرافين على إحداث التقلب المطلوب في سعر صرف الدولار» عبر خفض العملة المحلية في سوق القطع، وتالياً رفع قيمتها إزاء العملة الخضراء.

موظف في محل صرافة يقوم بتكديس الأوراق النقدية السورية بدمشق (أ.ف.ب)

ويعد تحسين سعر صرف الليرة من أبرز التحديات المالية في سوريا بعد تدهور قيمتها مقابل الدولار. وقبل اندلاع النزاع عام 2011، كان الدولار يساوي نحو خمسين ليرة، قبل أن تتهاوى العملة المحلية بشكل تدريجي وتفقد أكثر من تسعين في المائة من قيمتها.

ويناهز سعر الصرف الرسمي في الآونة الأخيرة 10 آلاف ليرة مقابل الدولار، بينما كان يراوح عند مستوى 15 ألفاً في الأشهر التي سبقت إسقاط الأسد.

من بين الواقفين خارج المصرف التجاري الموظفة الحكومية منتهى عباس (37 عاماً) التي تتقاضى راتباً قدره 500 ألف ليرة، ما يعادل نحو 50 دولاراً.

ووفق قيود السحب، تحتاج منتهى عباس إلى ثلاث محاولات لأخذ راتبها الشهري كاملاً.

وبعدما انتظرت السيدة التي تضع حجاباً أبيض اللون خمس ساعات، تمكنت من الحصول على 200 ألف ليرة على أن تكرر محاولة أخذ ما تبقى في اليوم التالي.

وتقول منتهى عباس: «هناك الكثير من الصرافات في دمشق، لكن ما يعمل منها هو عدد قليل، والسبب برأيي عدم وجود كميات كافية من الأموال».

تضيف: «حياتنا باتت عبارة عن طوابير».


مقالات ذات صلة

تركيا تتوقع اتفاقاً قريباً بين دمشق و«قسد» لإتمام الاندماج

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان متحدثاً خلال الجلسة الافتتاحية لمنتدى الدوحة في 6 ديسمبر (الخارجية التركية)

تركيا تتوقع اتفاقاً قريباً بين دمشق و«قسد» لإتمام الاندماج

قالت تركيا إنها تتوقع أن تتوصل الحكومة السورية و«قسد» إلى اتفاق بشأن حل الأخيرة واندماجها في الجيش السوري.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي الأسد يقود سيارته في الفيديوهات التي بثتها قناة «العربية/ الحدث» (الشرق الأوسط)

«تسريبات الأسد»: شتائم للغوطة وسخرية من جنوده

بثت قناة «العربية/ الحدث» السبت، تسجيلات مصوَّرة حصرية، تجمع بشار الأسد بمستشارته السابقة لونا الشبل، ويشتم فيها الرئيس المخلوع الغوطة ويسخر من جنوده.

سعاد جروس (دمشق)
المشرق العربي رجل يقف قرب علم سوري في نقطة مراقبة مرتفعة تطل على دمشق (د.ب.أ)

قوة إسرائيلية تتوغل في بلدة بيت جن بريف دمشق وترهب المدنيين

توغلت قوة إسرائيلية اليوم (السبت) في بلدة بيت جن بريف دمشق بدبابتين و7 عربات في محيط بلدة بيت جن بريف دمشق، حسبما نقل تلفزيون سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق )
الاقتصاد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية (فيسبوك)

حاكم «المركزي» السوري: قرار كندا رفع العقوبات يفتح صفحة جديدة من التعاون

رحب حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية، بقرار كندا رفع العقوبات عن سوريا، بما يفتح صفحة جديدة من الفرص والتعاون البنّاء بين البلدين.

المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع يتحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي (رويترز)

كندا ترفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب

قالت الحكومة الكندية، اليوم (الجمعة)، إنها رفعت اسم سوريا من قائمة الدول الأجنبية الراعية للإرهاب وحذفت «هيئة تحرير الشام» من قائمة الكيانات الإرهابية.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)

مناصرون لـ«حزب الله» يسخرون من الأسد ويذكّرون بحقبات القتال

بشار الأسد يقود سيارته في الغوطة الشرقية في 2018 (أرشيفية - متداول)
بشار الأسد يقود سيارته في الغوطة الشرقية في 2018 (أرشيفية - متداول)
TT

مناصرون لـ«حزب الله» يسخرون من الأسد ويذكّرون بحقبات القتال

بشار الأسد يقود سيارته في الغوطة الشرقية في 2018 (أرشيفية - متداول)
بشار الأسد يقود سيارته في الغوطة الشرقية في 2018 (أرشيفية - متداول)

سخر مناصرون لـ«حزب الله» في لبنان من تصريحات لونا الشبل، مستشارة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، التي وردت في مقاطع فيديو بثتها قناة «العربية/الحدث»، السبت، وتقول فيها إن «(حزب الله) لم يُسمع له صوت في النهاية»، كما أعربوا عن غضبهم من سكوت الأسد عن تلك العبارات «لعلمه بأنه لولا الحزب لسقط نظامه منذ 2012».

وبثّت «العربية» تسريبات غير مؤرخة من جولة الأسد في الغوطة الشرقية، ويُعتقد أن الفيديو مسجل في مارس (آذار) 2018، إثر انسحاب مسلحي المعارضة من الغوطة في ذلك الوقت.

وكانت مستشارته السابقة لونا الشبل ترافقه في الجولة، إضافة إلى شخص ثالث يسجل الفيديو. وحين صادف الأسد مسلحين مجهولين، قال إنهم من لبنان، في إشارة إلى مسلحي «حزب الله»، لتفتح لونا الشبل حديثاً عن الحزب.

وقالت في الفيديو: «الجيش السوري تعلّم وصارت عنده خبرات يدرّسها لغير جيوش»، مضيفة: «(حزب الله) في النهاية لَبَدْ (أي تراجع عن ادعاءاته)». وتابعت: «لم نسمع صوته».

ورأى مناصرون لـ«حزب الله» في لبنان أن سكوت الأسد عن كلام مستشارته، «إساءة لكل التضحيات وإنكار للواقع»، وقال أحدهم في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «سكوته يعني أنه راضٍ عما ادعته الشبل... وهذه إساءة أخرى». وتابع: «هذا إنكار، ويعني أنه ليس وفياً، ولا يقدّر التضحيات».

وسخر مناصر لـ«حزب الله» من تصريحات لونا الشبل، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن ما تقوله في الفيديو «ادعاءات وأوهام». وأضاف: «الأسد يعرف، كما الشبل التي تبدو في هذه اللقطة تمالق بشار، أنه لولا مقاتلو الحزب، لكان المسلحون (المعارضة) في دمشق منذ شتاء 2012». وتابع: «هي تافهة وكاذبة وممالقة».

مقاتلو «حزب الله» يؤدون القسم خلال تدريب عسكري مُنظم في معسكر بقرية عرمتى جنوب لبنان (أرشيفية - د.ب.أ)

ويتناقل مناصرو «حزب الله» روايات عن قتالهم في سوريا في الشوارع والمقاهي، فضلاً عن أن الحزب في السنوات الماضية نشر فيديوهات لعملياته، ولا سيما الهجوم على القُصير وقرى القلمون في ربيع وصيف 2013، والقتال في حلب والزبداني والغوطة في 2016. وباتت تلك العمليات العسكرية جزءاً من مأثورات الحزب الذي يعترف بأن هجوم حلب ما كان ليتم لولا الإسناد الناري الروسي، وأن القتال في ريف اللاذقية تصدره الجيش السوري الموالي للأسد آنذاك.

وينقل مناصر للحزب عن مقاتل في التنظيم كان قد تعرّض لإصابة طفيفة في سوريا، قوله إن الجيش السوري «لم يكن يدرك كيف يوقف الهجمات في 2012 في جنوب دمشق، خصوصاً في الديابية والحسنية المتاخمتين للسيدة زينب، قبل أن يضع الحزب الخطط ويوزع المجموعات».

صورة من فيديو لقيادي في المراسم يقدم بندقية هدية للأمين العام الراحل لـ«حزب الله» هاشم صفي الدين خلال عرض في جنوب لبنان (أرشيفية - إعلام الحزب)

ويشير إلى أن هجوم مقاتلي المعارضة آنذاك في درعا البلد «صدّه الحزب وحده، وبعض المقاتلين السوريين الذين يقاتلون إلى جانبه»، مضيفاً أنه في الغوطة الشرقية، حيث أصيب المقاتل السابق، «كان مقاتلو جيش النظام يتراجعون، بينما كان أفراد من الحزب يقاتلون لساعتين وحدهم، قبل أن يعيد قادة في الحزب تنظيم المقاتلين على المحاور». وتابع: «كان على الشبل أن تقول من وضع خطط السيطرة على قرى القلمون والزبداني، ومن قاتل فيها قبل أن تقول إن الحزب لم يُسمع صوته».

رسالة لمن يدافع عن الأسد

هذا الاحتقان تفجّر أيضاً في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ قال أحد مناصري الحزب: «الحمد لله لم يخب ظني بهذا ومن معه في النظام»، في إشارة إلى الأسد وأركان نظامه. فيما أعاد آخر التذكير بأن الخصومة بين «حزب الله» والنظام السوري «تعود إلى الحرب الأهلية في لبنان، وتم تصحيحها شكلاً، لكنها بقيت مخفية ما دام النظام كان بحاجة للحزب». وقالت مغردة أخرى: «هذه رسالة لمن لا يزال يدافع عن الأسد».

علاقة متوترة

ولم تكن علاقة «حزب الله» بالأسد في فترة ما قبل سقوطه، مستقرة، فقد اتهم قياديون في الحزب في مجالسهم الخاصة، الأسد، بالتخلي عنهم في «معركة الإسناد» مع غزة، ولم يتخطَّ موقف موسكو وتعليماتها.

وخلال الأشهر الماضية، بدأت تتكشف فصول من العلاقة المتوترة مع النظام؛ إثر معلومات عن أن الأسد «لم يسمح لـ(حزب الله) بإطلاق الصواريخ الدقيقة من الأراضي السورية باتجاه إسرائيل»، وأن مقاتليه «تعرضوا لمضايقات، شملت أيضاً القيود السورية على إمداد الحزب بالأسلحة خلال المعركة الموسعة» التي يُطلق عليها الحزب اسم «معركة أولي البأس»، واندلعت في 23 سبتمبر (أيلول) 2024، وتوقفت في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 إثر توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية برعاية أميركية.


«تسريبات الأسد»: شتائم للغوطة وسخرية من جنوده

الأسد يقود سيارته في الفيديوهات التي بثتها قناة «العربية/ الحدث» (الشرق الأوسط)
الأسد يقود سيارته في الفيديوهات التي بثتها قناة «العربية/ الحدث» (الشرق الأوسط)
TT

«تسريبات الأسد»: شتائم للغوطة وسخرية من جنوده

الأسد يقود سيارته في الفيديوهات التي بثتها قناة «العربية/ الحدث» (الشرق الأوسط)
الأسد يقود سيارته في الفيديوهات التي بثتها قناة «العربية/ الحدث» (الشرق الأوسط)

وسط انشغال السوريين، على المستويين الرسمي والشعبي، باحتفالات الذكرى الأولى لإطاحة نظام الرئيس بشار الأسد، ظهرت مقاطع فيديو له وهو يتحدث إلى مستشارته الإعلامية لونا الشبل، خلال جولة وهو يقود سيارة في محيط العاصمة دمشق قبل سنوات.

وبينما أشار سوريون إلى أن الأسد تحدث عن سوريا بقرف وخجل، أظهر آخرون عدم اكتراثٍ بما جاء في التسريبات، وحمدوا الله على أنه «أصبح في خبر كان».

واعتبر آخرون أن ما كشفته التسريبات بصوت الأسد يشير إلى أنه سقط مرة ثانية الآن في أعين مناصريه والذين قاتلوا إلى جانبه في سوريا ومن دول الجوار، بعدما سقط في المرة الأولى عسكرياً بدخول فصائل المعارضة دمشق، وإطاحة نظامه قبل سنة من الآن.

وبثت قناة «العربية/ الحدث» السبت، تسجيلات مصوَّرة حصرية تجمع الأسد بمستشارته السابقة لونا الشبل، التي قُتلت في ظروف غامضة عام 2024؛ إذ قيل وقتها إنها توفيت بحادث سير؛ لكن معلومات أخرى أشارت إلى أن الحادث كان مدبراً.

وظهر الأسد في أحد المقاطع وهو يوجِّه شتائم حادة متعلقة بالغوطة، قائلاً: «يلعن أبو الغوطة»، قائلاً لفريقه من الغوطة: «سندخل (منطقة) سقبا وكأني لا أعلم أنها (تحررت)».

كما تتضمن التسجيلات التي بثتها «العربية» مشاهد يسخر فيها الأسد ولونا الشبل من جنود سوريين ظهروا وهم يقبِّلون يد الرئيس المخلوع خلال لقاءات سابقة.

وفي مقطع آخر، قال الأسد للونا الشبل إنه لا يشعر بشيء عند رؤية صوره بالشوارع، وذلك بعد سؤالها له عمَّا يشعر به عند رؤية صوره بالشارع.

دمار من جرَّاء المعارك بين قوات الأسد وفصائل المعارضة السابقة في مخيم اليرموك بضواحي دمشق (إ.ب.أ)

كما أظهرت التسجيلات أن بشار الأسد ولونا الشبل وجَّها سخرية لاذعة تجاه الشرطة السورية ووزير الداخلية، وقالت مستشارته: «شو مبسوط وزير الداخلية بالشرطة تبعه، وكل شوية ينزلوله خبر على الفيس».

وعن الوضع في سوريا، قال الأسد: «لا أشعر بالخجل فقط؛ بل بالقرف». أما لونا الشبل فسخرت -من جهتها- من اللواء سهيل الحسن، قائلة: «مو فاضي، حاطط رجله على جبل قاسيون وعم يتصوَّر، ومعه مرافقون روس».

وفي مقطع آخر، ظهر الأسد وهو يسخر من اسم عائلته، قائلاً: «يجب تغييره باسم حيوان آخر».

واستقبل بعض السوريين تلك التسريبات باستخفاف؛ إذ عبَّر الصحافي وائل يوسف (40 عاماً) عن عدم اهتمامه، قائلاً إن «أصحاب هذه (الفيديوهات) أصبحوا من الماضي»، مضيفاً أنه يزعجه النظر إليهم وسماع أصواتهم. وتابع مستدركاً: «لكن يبدو أن الخوارزميات تفرضهم علينا». وقال: «أنا شخصياً لم أقدر على الاستماع لبشار حتى عندما (كان) يلقي خطاباً يُفترض أنه مهم، وإذا كنت مضطراً فإنني أقرأه مكتوباً، واليوم -والحمد لله- أصبحوا في خبر كان».

وقال رضوان (50 عاماً)، وهو من أهالي حي جوبر بدمشق الذي دمَّرته قوات الأسد: «نحن نعرف أنه أهبل (عبيط)، ولذلك ثُرنا عليه. عندما كان يقصفنا بالطائرات كنا نقول: من المستحيل أن يكون بشار الأسد سورياً؛ لأن عداءه لسوريا والسوريين غير طبيعي، والفيديوهات أثبتت ذلك، وقد شتم الغوطة وأهلها لأنها كانت مخرزاً في عينه».

سوريون يحتفلون بذكرى سقوط الأسد في دمشق يوم 5 ديسمبر الحالي (أ.ب)

وقالت المحامية نبال حمدون التي تتحضر للاحتفال بـ«عيد التحرير» مع أصدقائها: «لم نفاجأ بكلام الأسد، فقد عبَّر عنه فعلاً خلال 14 عاماً من القتل والتدمير. وإذا كانت سوريا مقرفة فالسبب فساد حكمه وحكم أبيه (الرئيس الراحل حافظ الأسد)». وأردفت: «الذين استحوا ماتوا».

أما المهندس بدر رحمة، فعبَّر عن فضوله الشديد لمعرفة إحساس الأسد وهو يراقب من موسكو الاحتفالات التي تشهدها سوريا في ذكرى سقوط نظامه، و«هل سيرى صوره تحت أقدامنا ما دام لم يكن يراها وهي معلَّقة (في الشوارع السورية) رغماً عنا في كل مكان». وقال: «أمنيتي معرفة شعور من كانت تطلب منهم لونا الشبل الصمود، وهم يسمعون اليوم صوتها تضحك وتسخر من ولائهم لرئيسها»، وكذلك «شعور الذين ما زالوا يعلِّقون الآمال على عودته مع شقيقه (ماهر) المدمن».


التأخر بإعادة إعمار الجنوب يفجّر الاحتقان ضد الدولة اللبنانية و«حزب الله»

جنود من الجيش اللبناني أمام مبنى استُهدف بغارة جوية إسرائيلية في قرية دير كيفا جنوب لبنان الشهر الماضي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش اللبناني أمام مبنى استُهدف بغارة جوية إسرائيلية في قرية دير كيفا جنوب لبنان الشهر الماضي (أ.ف.ب)
TT

التأخر بإعادة إعمار الجنوب يفجّر الاحتقان ضد الدولة اللبنانية و«حزب الله»

جنود من الجيش اللبناني أمام مبنى استُهدف بغارة جوية إسرائيلية في قرية دير كيفا جنوب لبنان الشهر الماضي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش اللبناني أمام مبنى استُهدف بغارة جوية إسرائيلية في قرية دير كيفا جنوب لبنان الشهر الماضي (أ.ف.ب)

عكست الوقفات والتحركات الاحتجاجية في قرى الحافة الأمامية في جنوب لبنان، احتقاناً شعبياً على خلفية التأخر في دفع التعويضات للمتضررين، ما اضطر كثيرين للخروج وبدء حياة جديدة خارج قراهم.

وقبل أسبوعين، قام أحد المواطنين في بلدة الطيبة (جنوب لبنان)، بقطع الطريق أمام منزله الذي تضرر جراء غارة إسرائيليّة طالت المكان.

وقبله، أقدم عدد من أهالي دير سريان على إقفال الطريق في البلدة، فأشعلوا الإطارات على أطراف الشارع، احتجاجاً على التأخر في تعويض أصحاب الآليات المستهدفة. أما في حولا، فظهر أحد المواطنين في مقطع فيديو، قائلاً إن خسائره لا تقل عن 6 ملايين دولار، مطالباً الدولة بالتعويض لأهل الشريط الحدودي، أسوة بما حصل في مناطق أخرى.

وتأتي هذه التحركات بعد مرور أكثر من عامين على بدء الحياة المأساوية التي يعيشها سكان البلدات الحدودية، الذين ما زالوا يختبرون تجربة النزوح بعدما خسروا منازلهم وممتلكاتهم، ولم يحصلوا على تعويضات إعادة الإعمار بعد، علماً بأن الاستهدافات الإسرائيلية لا تزال شبه يوميّة هناك، والأضرار قابلة للازدياد أكثر مع الوقت.

لحظة تدمير منزل في بلدة المجادل بقصف إسرائيلي يوم الخميس الماضي (أ.ف.ب)

ولا يكترث أبناء هذه القرى للجهة التي ستكون قادرة على تأمين الأموال ودفعها لهم، كي يتمكنوا من إعادة إعمار أحيائهم وبلداتهم هناك، فهم ينفذون احتجاجاتهم ووقفاتهم الفردية، أو على شكل مجموعات، في وجه «حزب الله» والدولة اللبنانية على حد سواء.

رفع الصوت

ويقول منسّق تجمع أبناء القرى الحدودية الجنوبية طارق مزرعاني، إن مثل هذه التحركات التي تُعد خجولة حتى الآن، ستتكرر دائماً بهدف رفع الصوت عالياً.

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «مطالب الأهالي تذهب في الاتجاهين، الدولة والأحزاب؛ إذ لا يهم الناس من هي الجهة التي ستقوم بالتعويض»، ويتابع: «الدولة لا تزال غائبة هناك، ولكنها تقوم ببعض التقدم على مستوى الخدمات الأساسية، كالكهرباء والمياه».

ويلفت مزرعاني إلى أمر آخر يسعى المحتجون إلى تحقيقه، وهو تحسين واقع النازحين من هذه القرى، الذين يواجهون أزمة حقيقية، بعد أن فقدوا ما لديهم من رزق ومال ومصالح، وباتوا غير قادرين على دفع كلفة معيشتهم الأساسية؛ كدفع بدل إيجارات المنازل التي نزحوا إليها، وكلفة الطبابة، وغيرهما من الأمور.

من هنا، يؤكد مزرعاني أن بعض أبناء هذه القرى يعلمون بصعوبة تحصيلهم تعويضات إعادة الإعمار، لكنهم يطالبون الأحزاب الفاعلة في المنطقة والدولة اللبنانية بالوقوف إلى جانبهم وتحسين واقعهم، ويضيف: «منذ تأسيس التجمع، قبل نحو ستة أشهر، لمسنا تأثيره الحقيقي، ولكننا حتّى اليوم لم نرَ أي قرارات فعلية على الأرض».

القرى شبه متروكة

وكانت «كتلة التنمية والتحرير» التي يترأسها رئيس البرلمان نبيه بري، استضافت، في الشهر الماضي، لقاءً تنسيقياً في «مجمع نبيه بري الثقافي» في المصيلح، لوضع استراتيجية لإعادة الإعمار، بحضور وزراء وممثلين عن جهات رسمية وأهلية، وتمت مناقشة الواقع الميداني.

ولا يزال الجنوبيون ينتظرون موافقة البرلمان اللبناني على قرض البنك الدولي بقيمة 250 مليون دولار لإعادة إعمار البنى التحتية التي تضررت جراء الحرب الإسرائيلية على لبنان، وتعثر إقراره إثر مقاطعة قوى سياسية، بينها «القوات اللبنانية» و«قوى التغيير»، لجلسات البرلمان؛ بسبب الخلاف على قانون الانتخابات.

لبنانيون يراقبون عمليات البحث عن ناجين في موقع غارة إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان (أ.ف.ب)

وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي علي الأمين، إن بروز مثل هذه التحركات «أمر طبيعي؛ لأن هذه القرى شبه متروكة»، ويتابع: «تأتي هذه الاحتجاجات في وجه من أدار ظهره للناس، وفي ذهنهم أن مواقفه أي (حزب الله)، تسهم في إغلاق الأفق أمام أي إمكانية للمعالجة»، على اعتبار أن مسألة حصرية السلاح هي شرط أساسي من أجل تمكين لبنان من إعادة الإعمار.

وتأتي أيضاً في سياق الضغط على الدولة اللبنانية التي «هي إلى حد كبير عاجزة»، وفق ما يقول الأمين، والذي يرى أن «الموقف الإسرائيلي الذي يمنع أي محاولة لإعادة الإعمار، والحديث عن تحويل هذه القرى إلى منطقة عازلة وغير قابلة للعيش وتحت سيطرة إسرائيلية مباشرة أو غير مباشرة، كل هذا الوضع القائم يثبت أن لا إعادة إعمار في الوقت الراهن».

عقدة سياسية دولية

ويرى الأمين أن هناك أهمية كبيرة لمثل هذه التحركات؛ إذ «رغم كل ما سبق، ورغم القبضة الأمنية الممارسة من قبل (حزب الله) على الناس، والكلفة العالية التي قد يدفع ثمنها أبناء القرى المحتجين، مثل التهديد بعدم دفع التعويضات مستقبلاً، والذي قد يكون الباب الوحيد لهم، فإنهم يرفعون الصوت عالياً».

مع العلم أن منازل وأرزاق سكان هذه المناطق مدمرة بالكامل، على عكس المناطق الأخرى التي تضررت فيها المنازل والمصالح بشكل جزئي أو كامل.

ويضيف الأمين: «هناك عقدة سياسية إقليمية دولية، والناس على دراية بأن مطالبهم ليست سهلة التحقيق في ظل الظروف الراهنة، إلا أنهم يرفعون الصوت، وهذا أضعف الإيمان؛ للتعبير عن وجعهم مما أصابهم»، وبأن «تراكم الاحتجاجات سيساعد حتماً باتجاه تحريك ومعالجة هذا الملف في المستقبل».