خبراء: «حزب الله» بين خياري الرضوخ والاستسلام... أو الحرب المدمرة

نائب عنه يدعو الدولة لمصارحة الناس حول خطتها لوقف «الاستباحة المتمادية»

عمال إنقاذ يعملون في موقع استهداف غارة إسرائيلية للضاحية الجنوبية لبيروت (إ.ب.أ)
عمال إنقاذ يعملون في موقع استهداف غارة إسرائيلية للضاحية الجنوبية لبيروت (إ.ب.أ)
TT
20

خبراء: «حزب الله» بين خياري الرضوخ والاستسلام... أو الحرب المدمرة

عمال إنقاذ يعملون في موقع استهداف غارة إسرائيلية للضاحية الجنوبية لبيروت (إ.ب.أ)
عمال إنقاذ يعملون في موقع استهداف غارة إسرائيلية للضاحية الجنوبية لبيروت (إ.ب.أ)

لا تبدو خيارات «حزب الله» بعد استهداف إسرائيل للضاحية الجنوبية لبيروت للمرة الأولى منذ التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كثيرة، فهو يُدرك أنه سيكون عليه أن يختار بين الرضوخ والاستسلام للواقع الراهن، كما فعل طوال الفترة الماضية في التعاطي مع الخروقات الإسرائيلية، التي اتخذت أشكالاً شتى، والمغامرة برد، أياً كان حجمه، وهو ما ستتخذه تل أبيب مبرراً لجولة جديدة من الحرب قد تقضي على ما تبقى من قدراته ووجوده العسكري، حسبما يقول خبراء.

إلغاء احتفالية للحزب

ويبدو واضحاً أن الحزب لم يكن يتوقع أن تؤدي عمليات إطلاق الصواريخ التي لا تزال حتى الساعة «لقيطة»، إلى استهداف الضاحية وترويع بيئته وتهجير مناصريه من جديد. كما قام بإلغاء احتفال كان سينظمه بعد ظهر الجمعة بمناسبة «يوم القدس»، كان يفترض أن يتحدث خلاله أمين عام الحزب الشيخ نعيم قاسم.

ولم يصدر حتى ساعات المساء الأولى أي تعليق من الحزب على التطورات الأخيرة غير تصريح مقتضب للنائب عن الحزب، إبراهيم الموسوي، الذي طالب الحكومة بـ«مصارحة الناس والقول ماذا أعدت من أجل وقف هذه الاستباحة المتمادية للسيادة اللبنانية»، مشدداً على أن «هذه العربدة الإسرائيلية لا يمكن أن تدوم».

لا قدرة على الرد

ويصف العميد المتقاعد الدكتور حسن جوني ما حصل، الجمعة، وبالتحديد لجهة استهداف الضاحية، بـ«التطور الخطير جداً»، عادّاً أن «السياق الحالي لا يحرج (حزب الله) وحده، بل يشمل أيضاً، وبشكل أساسي، الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها من العهد إلى الحكومة والسلطة».

ويرى جوني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «السؤال الذي يطرح نفسه ليس إذا كان (حزب الله) سيرد أم لا، إنما هل يستطيع الرد؟ وهل سيكون الرد محدوداً مثل ردّ فعل على اعتداء معين، أم أنه سيؤدي إلى تصعيد يخدم رغبة نتنياهو، والظروف التي تناسب راهناً لإسرائيل؟».

ويرجح جوني ألا يرد الحزب لعدة أسباب أبرزها أنه «لم يتعافَ لدرجة تسمح له بخوض حرب جديدة، كما أن الدولة اللبنانية، رغم كل ما يجري، لا تزال في مرحلة تسعى للحفاظ على كيانها وسيادتها. وهذا ما يجعل الإحراج يقع أولاً على الدولة اللبنانية نفسها، وخصوصاً أن الحزب يقول إنه لا يزال يقف خلف الدولة».

ويضيف: «أعتقد أن الرسالة التي وجهتها إسرائيل إلى لبنان كانت عنيفة. وهي ليست فقط للدولة اللبنانية، بل أيضاً للمجتمع اللبناني بكل مكوناته، بهدف ممارسة الضغط والعودة إلى طاولة التفاوض. والرسالة الإسرائيلية واضحة وتقول إنها لن تكتفي بأي رد محدود ولن تتوقف عند أي خطوط حمراء في الضاحية أو غيرها، ما لم يتم التجاوب مع الطروحات الأميركية المتعلقة بإنشاء لجان تفاوض، بحيث إذا بدأت عملية تفاوض قد تؤدي إلى تهدئة الوضع الميداني ولو بشكل جزئي».

صراع داخل «حزب الله»

من جهته، يعتبر الناشط السياسي ورئيس تحرير موقع «جنوبية»، علي الأمين، أن «(حزب الله) أمام 3 خيارات: إما أن يرد بما يتناسب مع الضربات التي يتعرض لها، وبالتالي يدخل في عملية ردّ قد تستدرج ضربات إسرائيلية كبرى لن يكون قادراً على تحمّلها، وإما أن يختار الصمت ولا يردّ على العملية الأخيرة، والخيار الثالث الذي يحاول دائماً اللجوء إليه هو تنفيذ عمليات غير مُعلنة، مثل إطلاق صواريخ دون تبنّي المسؤولية عنها، بحيث لا يُعرف من الجهة التي أطلقتها. لكن هذه الاستراتيجية بدأت تفقد فاعليتها؛ لأن إسرائيل لم تعد تتعامل معها على أنها هجمات من جهة مجهولة، بل تردّ باستهداف مباشر لـ(حزب الله)».

ويستخلص الأمين أن «حزب الله» لا يملك خياراً إلا الالتزام بموجبات الدولة اللبنانية سياسياً. لكن في الوقت ذاته، نعلم جيداً أنه إذا فقد ميزته العسكرية والأمنية، أي فقد سلاحه ودوره العسكري والأمني، فهذا يعني نهايته، مضيفاً: «بالتأكيد، هناك بُنى عسكرية وأمنية داخل الحزب لا تزال تؤمن بإمكانية البقاء والتأثير، وهذا ما نشهده اليوم. هناك صراع داخلي موضوعي بين جناح يريد التسليم بالمعطيات الجديدة بعد سقوط سوريا وتراجع إيران، وبين قوى أخرى ترى أنه لا دور لـ(حزب الله) إلا في قتال إسرائيل. وهو ما يفسّر بعض الأحداث الأخيرة، مثل إطلاق الصواريخ مجهولة المصدر، حيث إن الحزب حتى الآن لا يعترف بمسؤوليته عنها».


مقالات ذات صلة

قرار نزع سلاح «حزب الله» يربك بيئته: من قوة «منتصرة» إلى نقمة

المشرق العربي مناصرون لـ«حزب الله» يشاركون في تشييع مقاتلين ببلدة الطيبة جنوب لبنان يوم 6 أبريل (أ.ف.ب)

قرار نزع سلاح «حزب الله» يربك بيئته: من قوة «منتصرة» إلى نقمة

بعد الإحباط الذي سيطر على بيئة «حزب الله» أعاد الخطاب الجديد لقيادة الحزب بثّ بعض النبض في أوساط مناصريه ومؤيديه

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي أحد عناصر الأمن العام السوري يحمل أسلحة مضادة للدروع عقب ضبط مخزن أسلحة في ريف دمشق (أرشيفية - الأمن العام)

ضبط أسلحة بريف حمص مخبأة في حافلة قادمة من لبنان

أفادت قناة «الإخبارية» السورية، السبت، بضبط شحنة أسلحة في ريف حمص كانت مخبأة في حافلة قادمة من لبنان.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي آلية لـ«اليونيفيل» تسير بمحاذاة الخط الأزرق الحدودي بين لبنان وإسرائيل خلال دورية (اليونيفيل)

إصرار لبناني - دولي على مواصلة دوريات «اليونيفيل» رغم اعتراض إحداها بالجنوب

حسمت الحكومة اللبنانية وبعثة «اليونيفيل» القرار بأن الدوريات مستمرة، وستكمل البعثة الدولية مهامها، وذلك بعد اعتراض إحدى دورياتها في بلدة طيردبا.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي ناخبات أمام قلم اقتراع للتصويت في الانتخابات البلدية عام 2016 (أرشيفية - أ.ف.ب)

لبنان يستعد لدخول مرحلة الانتخابات المحلية

يستعد لبنان للدخول في مرحلة الانتخابات البلدية والاختيارية التي تنطلق الأحد 4 مايو (أيار) 2025 وتمتد على أربع مراحل بدءاً من محافظة جبل لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص خضر عواضة أمام ركام منزله الجاهز الذي استهدفته إسرائيل ليلة عيد الفطر (الشرق الأوسط)

خاص الاستهدافات الإسرائيلية للمنازل الجاهزة بجنوب لبنان تحرم السكان من «المأوى المؤقت»

نشطت في الفترة الأخيرة الاستهدافات الإسرائيلية التي طالت المنازل الجاهزة في القرى الحدودية الجنوبية، إذ اختارها جنوبيون كثر للسكن المؤقت.

حنان حمدان (بيروت)

قرار نزع سلاح «حزب الله» يربك بيئته: من قوة «منتصرة» إلى نقمة

مناصرون لـ«حزب الله» يشاركون في تشييع مقاتلين ببلدة الطيبة جنوب لبنان يوم 6 أبريل (أ.ف.ب)
مناصرون لـ«حزب الله» يشاركون في تشييع مقاتلين ببلدة الطيبة جنوب لبنان يوم 6 أبريل (أ.ف.ب)
TT
20

قرار نزع سلاح «حزب الله» يربك بيئته: من قوة «منتصرة» إلى نقمة

مناصرون لـ«حزب الله» يشاركون في تشييع مقاتلين ببلدة الطيبة جنوب لبنان يوم 6 أبريل (أ.ف.ب)
مناصرون لـ«حزب الله» يشاركون في تشييع مقاتلين ببلدة الطيبة جنوب لبنان يوم 6 أبريل (أ.ف.ب)

بعد مرحلة طويلة من الإحباط والإرباك اللذين سيطرا على بيئة «حزب الله»، وبالتحديد منذ اغتيال أمينه العام السابق حسن نصر الله في سبتمبر (أيلول) الماضي، أعاد الخطاب الجديد لقيادة الحزب مؤخراً بثّ بعض النبض في أوساط مناصريه ومؤيديه.

فقد خرج مسؤولو الحزب في الأيام الماضية بحملة مكثفة لإعلان رفض تسليم السلاح أو حتى مجرد الحوار والنقاش بالاستراتيجية الدفاعية قبل تحقق عدد من الشروط، أبرزها الانسحاب الإسرائيلي من النقاط اللبنانية المحتلة، وإعادة الإعمار. وتم ربط هذا الخطاب الجديد بالمفاوضات الأميركية - الإيرانية، وسعي طهران إلى قبض ثمن تسليم سلاح «حزب الله».

الأمين العام لجماعة «حزب الله» اللبنانية نعيم قاسم (رويترز)
الأمين العام لجماعة «حزب الله» اللبنانية نعيم قاسم (رويترز)

وقبل ذلك، كانت بيئة الحزب تشعر بأن قرار نزع السلاح قد اتخذ، وأن التنفيذ قد يحصل خلال أسابيع أو أشهر معدودة، على أساس أن قيادة الحزب كانت تعتمد خطاباً هادئاً أوحى بأنها ستكون متجاوبة ومتعاونة مع تسليم السلاح شمال الليطاني تماماً كما يحصل جنوب النهر.

وتجنّد مناصرو الحزب، بعد إطلالة أمينه العام الشيخ نعيم قاسم الأسبوع الماضي، على وسائل التواصل الاجتماعي ليرفعوا عناوين مثل «لن نسلّم سلاحنا»، و«نحن سلاح المقاومة»، ما بدا أنه خطاب في إطار خطة لاستنهاض بيئة الحزب عشية الانتخابات البلدية التي يتجند لها «الثنائي الشيعي» (حزب الله وحركة أمل) للتوصل إلى التزكية، وتجنب المعارك في المناطق الخاضعة لسيطرته.

ويبدو واضحاً أن بيئة الحزب تعيش حالة من الضياع في مقاربة مسألة السلاح. فهي وإن كانت تؤكد بالعلن تمسكها به، إلا أنها تتفق في مجالسها المغلقة على أن هذا السلاح لم يحمها، بل أدى إلى دمار القرى ومقتل معظم القادة. إضافة إلى ذلك، تدرك هذه البيئة تماماً أنه لا إمكانيات لدى الحزب لإعادة إعمار آلاف المنازل المدمرة، وأن المساعدات الدولية مشروطة بتسليم السلاح.

بيئة منكوبة... ولكن

وفي السياق تعد الناشطة السياسية والدكتورة في علم النفس في الجامعة اللبنانية في بيروت منى فياض أن «بيئة الحزب منزعجة ضمنياً، وتدرك أن كل ما تقوم به القيادة لا يخدمها بشيء»، مشيرة إلى «أن هناك اعتراضات واسعة على أداء طهران حتى قبل انتهاء الحرب».

لكن ما يمنع هذه البيئة من التخلي عن الحزب، بحسب فياض، عوامل كثيرة، أبرزها الشك في قدرة الدولة على تقديم المساعدات، والتعويل على إمكانية أن ينجح الحزب بطريقة أو بأخرى في إدخال أموال آتية من طهران.

وتقول فياض لـ«الشرق الأوسط»: «في النظام السياسي القائم على الطائفية في لبنان تشعر المجموعات المختلفة بالأمان بالانتماء السياسي - الطائفي وهو ما ينسحب بشكل أساسي على بيئة (حزب الله)».

ويصف الكاتب السياسي ورئيس تحرير موقع «جنوبية» علي الأمين بيئة «حزب الله» بـ«البيئة المنكوبة»، لافتاً إلى أنها «تشعر بأن سلاح (حزب الله) لم يوفر لها الأمان أو الاستقرار، وبالتالي فإن النظرة للسلاح بوصفه حامياً من إسرائيل تغيّرت لدى فئة واسعة، فيما الذين يرتبط عيشهم ورزقهم بالحزب هم غير معنيين بهذا التحول ويلتزمون بتوجيهات الحزب وأوامره».

ويقول الأمين لـ«الشرق الأوسط»: «بيئة (حزب الله) عموماً تعيش صدمة مستمرة. فالصورة التي رسخها الحزب في وعيها أنه القوة المنتصرة دائماً، وأن نصر الله قائد لا يهزم... هذه الصورة سقطت وانهارت وبدت أنها وهم بعدما تبين أن إسرائيل اخترقت بنية الحزب، وتعرف أكثر مما تعرف البيئة عن الحزب، ونجحت في قتل النخبة القيادية فيه».

لبنانيون يتحدرون من بلدة ميس الجبل يحملون أعلام «حزب الله» بعدما منعهم الجيش الإسرائيلي العودة لبلدتهم بجنوب لبنان في فبراير الماضي (أ.ف.ب)
لبنانيون يتحدرون من بلدة ميس الجبل يحملون أعلام «حزب الله» بعدما منعهم الجيش الإسرائيلي العودة لبلدتهم بجنوب لبنان في فبراير الماضي (أ.ف.ب)

ويرى الأمين أن «هذه البيئة تشعر اليوم بما يشبه اليتم بعد النكبة التي سببتها الحرب الأخيرة، خصوصاً مع كل الاغتيالات المستمرة من قبل إسرائيل من دون أي رد من الحزب»، مضيفاً: «لذا باعتقادي أن عصب السلاح في البيئة ارتخى وإلى مزيد من الارتخاء ويفقد كل المسوغات التي بررته في السابق»، عادّاً أن «البيئة تريد وقف الحرب وتريد الاستقرار، مدركة أن إمكانية الاستقرار وإعادة بناء ما دمرته الحرب تكمن في العودة إلى الدولة وتسلم الجيش مسؤولية الدفاع والحماية».

مستقبل السلاح واستراتيجية الدفاع

في المقابل، لا ينفي الكاتب السياسي الدكتور قاسم قصير المطلع عن كثب على مواقف «حزب الله» أن «هناك اتصالات بدأت من أجل بحث الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية ومستقبل السلاح». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الحزب «يوافق على الحوار الوطني من أجل وضع استراتيجية دفاعية، ولكنه لا يتحدث عن نزع السلاح. فحالياً لا يمكن الحديث عن نزع السلاح في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي».

ويشير قصير إلى أن الحزب «يقدم قراءة جديدة لدوره ومواقفه بعد الحرب الأخيرة وسقوط نظام الرئيس بشار الأسد، ونحن لا شك اليوم أمام رؤية جديدة للحزب، لكن مستقبل السلاح مرتبط بالاحتلال الإسرائيلي، وبالحوار الوطني».

يأتي ذلك في وقت لا تزال مواقف كل من رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام متمسكة بقرار نزع سلاح «حزب الله»، وهو ما أكد عليه عون قبل أيام بالقول إنه «مقتنع تماماً بأن اللبنانيين لا يريدون الحرب، ولذلك نؤكد ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية فقط». وأضاف: «اتخذنا قرار حصر السلاح في خطاب القسم وسننفّذه، ولكن ننتظر الظروف لتحديد كيفية التنفيذ».