ماكرون يستقبل الرئيس اللبناني بالربط بين الإعمار والإصلاحات

مساندة فرنسية لضمان الانسحاب الإسرائيلي بالكامل من الجنوب

الرئيس جوزيف عون مستقبلاً الرئيس ماكرون في قصر بعبدا يوم 17 يناير الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس جوزيف عون مستقبلاً الرئيس ماكرون في قصر بعبدا يوم 17 يناير الماضي (أ.ف.ب)
TT
20

ماكرون يستقبل الرئيس اللبناني بالربط بين الإعمار والإصلاحات

الرئيس جوزيف عون مستقبلاً الرئيس ماكرون في قصر بعبدا يوم 17 يناير الماضي (أ.ف.ب)
الرئيس جوزيف عون مستقبلاً الرئيس ماكرون في قصر بعبدا يوم 17 يناير الماضي (أ.ف.ب)

باللغتين الفرنسية والعربية (اللبنانية العامية)، غرد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليل الجمعة على منصة «إكس» ليعلن أنه سيستقبل الرئيس اللبناني جوزيف عون، يوم 28 مارس (آذار) الجاري، بحيث تكون باريس أول عاصمة غربية يزورها منذ انتخابه يوم 9 يناير (كانون الثاني) الماضي.

وسبق للرئيس اللبناني أن قام بزيارتين خارجيتين: الأولى إلى المملكة السعودية، والثانية إلى مصر للمشاركة في القمة العربية الأخيرة المخصصة لغزة.

وجاء الإعلان عن الزيارة في إطار حديث ماكرون عن اتصال أجراه برئيس الوزراء اللبناني نواف سلام من أجل تهنئته على «العمل الذي يقوم به والحكومة لضمان وحدة لبنان وأمنه واستقراره». واستفاد ماكرون من المناسبة ليوجه رسالة إلى السلطات اللبنانية، عبر سلام، مفادها الربط بين عملية إعادة الإعمار والحاجة إلى الإصلاحات التي يطالب بها المجتمع العربي والدولي ومؤسساته المالية منذ سنوات، والتي لم ترَ النور حتى اليوم. وكتب ماكرون: «ناقشنا آفاق إعادة الإعمار والإصلاحات التي تتطلبها. هذا العمل ضروري للبنان وللمنطقة بأسرها». وختم ماكرون رسالته بالتأكيد أن «التزام فرنسا تجاه لبنان لا يزال كاملاً، من أجل تعافيه ومن أجل سيادته».

ما جاء في كلام ماكرون ليس جديداً لجهة تمسُّك باريس بأمن لبنان وسيادته. لكن اللافت أن تغريدة الرئيس الفرنسي لم تأتِ على موضوع الدعوة لمؤتمر دولي لمساندة لبنان، التي سبق للرئيس ماكرون أن تحدث عنها أكثر من مرة، وخصوصاً لدى الزيارة التي قام بها إلى لبنان في 17 يناير (كانون الثاني) أي بعد 7 أيام فقط من انتخاب العماد عون لرئاسة الجمهورية. وكانت تلك الزيارة الثالثة من نوعها بعد الزيارتين اللتين قام بهما إلى لبنان عقب تفجيري المرفأ صيف عام 2020. وعجلت باريس في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في عقد مؤتمر دولي لدعم لبنان أسفر عن وعود بمساعدات مختلفة تزيد على المليار دولار. بيد أن مصدراً مطلعاً في باريس أفاد بأن كل الوعود لم تنفذ والمساعدات التي وصلت إلى لبنان كانت «محدودة».

دور باريس بالحدود الجنوبية

تتابع باريس عن كثب «التحديات» التي يواجهها لبنان والتي ستتصدر محادثات الرئيسين ماكرون وعون، وعلى رأسها استكمال الانسحاب الإسرائيلي من النقاط الحدودية الخمس التي ما زال الجيش الإسرائيلي يحتلها، والتي لا يبدو أنه مستعد للتخلي عنها، وهو ما تنبئ به تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس ورئيس الأركان الجديد إيال زمير. أما فرنسا التي حرصت على أن تكون، مع الولايات المتحدة، جزءاً من الهيئة التي تشرف على تطبيق الاتفاق المبرم في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» وتطبيق القرار 1701، فدأبت على تجديد المطالبة بانسحاب إسرائيل من المواقع الخمسة والتشديد على التطبيق الكامل للاتفاق الذي ينص على انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية. بيد أن الصعوبة، وفق مصدر دبلوماسي في العاصمة الفرنسية، أن «كلمة السر موجودة في واشنطن وليس في باريس»، وبالتالي فإن الأنظار ستتجه إلى ما سيجري في إطار محادثات اللجان الثلاث، في حال تشكيلها وانطلاقها، التي أعلنت واشنطن عنها لتسوية ثلاثة ملفات: الأسرى، والانسحاب الإسرائيلي من المواقع الخمسة، وتسوية النزاعات البرية التي تتناول 13 نقطة حدودية بين الطرفين.

وبالطبع، كما يقول المصدر نفسه، فإن باريس «تعي المخاطر المترتبة على بقاء القوات الإسرائيلية» داخل الأراضي اللبنانية على الوضع الداخلي اللبناني وعلى أداء الحكومة وعلى ما يشكله ذلك «من حجة لـ(حزب الله) لرفض التخلي عن سلاحه».

الملف السوري

ثمة ملفات عديدة كثيرة ستكون على طاولة المحادثات يوم 28 مارس الجاري ليس أقلها أهمية الأوضاع في سوريا وما لها من انعكاسات على الداخل اللبناني وملف المهجرين وكيفية التعاطي معه بعد التغير الجذري الذي عرفته سوريا، علماً بأن فرنسا، كغيرها من دول الاتحاد الأوروبي، كانت تنهج خطاً متشدداً إزاء إعادتهم إلى بلادهم حيث تتمسك بالعودة الطوعية والكريمة والآمنة.

ملف اللجوء السوري إلى لبنان سيكون على طاولة المحادثات بين الرئيس ماكرون وعون وفي الصورة سوريون يعبرون النهر الكبير الذي يشكل الحدود الشمالية بين لبنان وسوريا (رويترز)
ملف اللجوء السوري إلى لبنان سيكون على طاولة المحادثات بين الرئيس ماكرون وعون وفي الصورة سوريون يعبرون النهر الكبير الذي يشكل الحدود الشمالية بين لبنان وسوريا (رويترز)

المؤتمر الدولي وشروطه

أما بالنسبة لتحديد موعد للمؤتمر الدولي لإعادة الإعمار في لبنان، فإنه مرتبط، وفق مصادر واسعة الاطلاع، بمجموعة من العوامل تتناول بداية مستوى المؤتمر (وزاري، رئاسي...) وتالياً عدم اصطدامه باستحقاقات عربية ودولية أخرى، علماً بأن لبنان ليس وحده في الميدان؛ إذ إن الدول العربية والخليجية بشكل خاص معنية بإعادة الإعمار في غزة وفي سوريا وبالتالي فإن لبنان في «حالة تنافس» مع الآخرين. وفي سياق متصل، ثمة استحقاقان أساسيان في المرحلة القادمة: أولهما، القمة العربية المقررة في شهر مايو (أيار) القادم، وثانيها المؤتمر الدولي الذي ترعاه المملكة السعودية وفرنسا حول الملف الفلسطيني، والذي سينعقد في نيويورك في شهر يونيو (حزيران) القادم. كذلك يتعين أخذ الوضع الدولي بعين الاعتبار والملف الأوكراني بالدرجة الأولى حيث يكرس الرئيس الفرنسي من أجله الكثير من الوقت والجهود.

يبقى أن المقاربة الموضوعية تفترض أن تعطى الحكومة الجديدة الوقت الكافي لمباشرة الإصلاحات التي تريد تنفيذها، والتي من شأنها «تشجيع» الأطراف المترددة على الانخراط في مساعدة لبنان، خصوصاً تلك التي صدمتها الحكومات اللبنانية السابقة ومعها الطبقة السياسية بوعودها الكثيرة التي بقيت وعوداً.


مقالات ذات صلة

ماكرون يستضيف رئيس وزراء كندا في باريس الاثنين

أوروبا رئيس الوزراء الكندي مارك كارني خلال حضور جلسة مجلس الوزراء في أوتاوا (رويترز) play-circle

ماكرون يستضيف رئيس وزراء كندا في باريس الاثنين

قال مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه سيجتمع مع رئيس الوزراء الكندي مارك كارني في باريس يوم الاثنين، وذلك في أول زيارة خارجية لكارني منذ توليه منصبه.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا ماكرون وستارمر يرحبان باقتراح وقف إطلاق النار في أوكرانيا (رويترز)

ترحيب أوروبي باقتراح وقف إطلاق النار في أوكرانيا... وترقب للموقف الروسي

رحب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الثلاثاء، باقتراح لوقف إطلاق نار لمدة 30 يوماً وافقت عليه أوكرانيا، وقال إن الأمر متروك الآن لروسيا لإنهاء القتال.

«الشرق الأوسط» (باريس - لندن)
أوروبا وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)

باريس تأمل في تهدئة العلاقات مع الجزائر

أكد وزير الخارجية الفرنسي أن بلاده تريد إقامة «علاقات جيدة» مع الجزائر، معرباً عن أمله في أن «تبدأ السلطات الجزائرية مرحلة جديدة» في العلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمة خلال زيارته لموقع بناء المقر المستقبلي لجهاز الاستخبارات الداخلية الفرنسي في سانت أُوان بالقرب من باريس... 11 مارس 2025 (أ.ف.ب)

ماكرون: على فرنسا التصدي «للتهديدات الجيوسياسية والإرهابية» توازياً

أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم (الثلاثاء)، أن على فرنسا التصدي «للتهديدات الجيوسياسية» و«التهديدات التي تطال أراضيها من قبل الإرهابيين» بالوقت عينه.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون راغب في بدء نقاش حول نشر المظلة النووية الفرنسية فوق دول الاتحاد الأوروبي (أ.ف.ب)

باريس لاستضافة اجتماعين أوروبيين دعماً لأوكرانيا

باريس تستضيف، الثلاثاء والأربعاء، اجتماعين رئيسيين لقادة أركان ووزراء دفاع أوربيين دعماً لأوكرانيا، ونشر المظلة النووية الفرنسية يثير تساؤلات كثيرة.

ميشال أبونجم (باريس)

الإعلان عن فصائل عراقية جديدة... ومراقبون يَعُدُّونها تبادل أدوار

استعراض عسكري لأحد الفصائل (مواقع تابعة للفصائل)
استعراض عسكري لأحد الفصائل (مواقع تابعة للفصائل)
TT
20

الإعلان عن فصائل عراقية جديدة... ومراقبون يَعُدُّونها تبادل أدوار

استعراض عسكري لأحد الفصائل (مواقع تابعة للفصائل)
استعراض عسكري لأحد الفصائل (مواقع تابعة للفصائل)

كسرت عدة فصائل عراقية مسلحة جدار الصمت في علاقتها مع واشنطن طوال الشهور الماضية، معلنة استعدادها للدخول في مواجهة وشيكة مع الأميركان.

وأعلن أكثر من فصيل عراقي مسلح، بعضها يكشف عن نفسه لأول مرة، استعداده لاستئناف العمل تزامناً مع الضربات الأميركية لليمن داعين إلى ما أسموه «الجهاد» لحماية العراق من جهة، ومن جهة أخرى للدفاع عن اليمن ومواجهة الهجوم الأميركي.

وفيما تبدو العملية الأميركية في اليمن التي أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنها سوف تستمر بمثابة تحذير لإيران بعد أيام قلائل على الرسالة التي بعث بها ترمب إلى المرشد الإيراني علي خامنئي فإن سياسة «خلط الأوراق» التي تريد إيران استخدامها في هذه المواجهة مثلما يرى مراقبون في بغداد مرشحة لأن تغير قواعد الاشتباك بعد فترة الهدوء التي استمرت لشهور بعد عمليات «طوفان الأقصى»، وقيام إسرائيل بهجمات واسعة على لبنان، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، ووصول ترمب إلى البيت الأبيض.

وفي هذا السياق، وبعد ساعات من بدء الضربات الأميركية على اليمن، ظهرت فصائل مسلحة جديدة، أصدرت بيانات وتسجيلات مصورة، دعت من خلالها إلى التطوع لحماية العراق والدفاع عن اليمن.

وأعلنت فصائل «قوات درع العباس الاستشهادية»، عن نفسها بواسطة بيان مصور قام بإلقائه أحد العناصر، وظهر خلفه شخصان ملثمان، عُلِّقت خلفهم صورة الأمين العام السابق لـ«حزب الله» اللبناني، حسن نصر الله.

وأعلن أن أهداف الفصيل تشمل «حماية العراق والعقيدة»، ودعا المواطنين العراقيين وأبناء «الحشد الشعبي» للانضمام «للمشروع الجهادي».

وبعد ساعات قليلة من إعلان هذا الفصيل لنفسه وأهدافه، صدر بيان لفصيل آخر يحمل اسم «كتائب صرخة القدس»، أُعلن خلاله أنهم رهن الإشارة لاستهداف مصالح العدو الأميركي في المنطقة حيثما وجدت وبالوسائل المناسبة التي تجعلهم يدفعون ثمن جرائمهم بحق شعوبنا.

وجوه جديدة أم تبادل أدوار؟

وفيما التزمت الفصائل العراقية المعروفة الصمت، مثل «كتائب حزب الله» أو «النجباء» فضلاً عن فصائل أخرى مثل «أصحاب الكهف»، و«عصبة الثائرين»، و«سرايا ثورة العشرين الثانية»، و«جماعة ثأر المهندس»، و«قوات ذو الفقار»، و«أولياء الدم»، و«سرايا المنتقم»، و«قاصم الجبارين»، أو حتى تلك التي انخرطت في العملية السياسية، إلا أن ظهور فصائل بتسميات جديدة بعد الضربات الأميركية لليمن أثار استغراب أوساط المراقبين السياسيين، وعدُّوه كما لو كان تبادل أدوار وإخفاء لمسميات معروفة عبر محاولة تصدير وجوه جديدة لفصائل مسلحة ليست موضوعة على جدول الأهداف الأميركية.

وأوقفت الفصائل العراقية خلال الشهور الأخيرة نشاطها؛ استجابة لنصائح الحكومة، فضلاً عن بدء المفاوضات بين واشنطن وبغداد بهدف إنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق، إلا أن ظهور هذه الفصائل بعد الضربات على اليمن من شأنه أن يربك العلاقة مع واشنطن في وقت بدأت بغداد تتحدث عن علاقة «متينة» مع الإدارة الأميركية الحالية.