خبراء: الإعلان الدستوري في سوريا يثير مخاوف إزاء إدارة المرحلة الانتقالية

الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع يوقع الإعلان الدستوري للبلاد والذي سيتم تنفيذه خلال فترة انتقالية مدتها 5 سنوات في القصر الرئاسي بدمشق... 13 مارس 2025 (رويترز)
الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع يوقع الإعلان الدستوري للبلاد والذي سيتم تنفيذه خلال فترة انتقالية مدتها 5 سنوات في القصر الرئاسي بدمشق... 13 مارس 2025 (رويترز)
TT

خبراء: الإعلان الدستوري في سوريا يثير مخاوف إزاء إدارة المرحلة الانتقالية

الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع يوقع الإعلان الدستوري للبلاد والذي سيتم تنفيذه خلال فترة انتقالية مدتها 5 سنوات في القصر الرئاسي بدمشق... 13 مارس 2025 (رويترز)
الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع يوقع الإعلان الدستوري للبلاد والذي سيتم تنفيذه خلال فترة انتقالية مدتها 5 سنوات في القصر الرئاسي بدمشق... 13 مارس 2025 (رويترز)

يمنح الإعلان الدستوري الذي أقرته دمشق، الخميس، سلطات مطلقة للرئيس أحمد الشرع في إدارة المرحلة الانتقالية، وفق ما يقول خبراء، من دون أن يلبي تطلعات الأقليات على رأسهم الأكراد، الذين أبدوا خشيتهم من إعادة إنتاج «نظام استبدادي».

وإقرار الإعلان الدستوري إحدى الخطوات التي تعهد الشرع القيام بها في إطار مساعيه لتكريس سلطته في المرحلة الانتقالية، منذ الإطاحة بحكم الرئيس بشار الأسد، بعد نحو 14 عاماً من نزاع دامٍ ومدمر.

ووقع الشرع، الخميس، على إعلان دستوري من 53 مادة، حدّد المرحلة الانتقالية بخمس سنوات، ومنح الرئيس الانتقالي سلطات مطلقة في تشكيل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، رغم تبنيه في الوقت ذاته مبدأ «الفصل بين السلطات».

الرئيس السوري أحمد الشرع لدى توقيعه الإعلان الدستوري لسوريا في دمشق 13 مارس 2025 (أ.ف.ب)

ويقول الأستاذ في القانون الدستوري، سام دلة، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن الوثيقة «لا تؤسس لمرحلة سياسية جديدة» في البلاد.

ويشرح: «منح الإعلان الدستوري سلطات مطلقة لرئيس المرحلة الانتقالية في تكوين كافة السلطات، مع توقيع على بياض في اتخاذ القرارات» خلال المرحلة الانتقالية، التي تعادل «مدة حكم كاملة من دون الاستناد إلى أي شرعية انتخابية».

ويكرس الإعلان الدستوري «إقامة نظام رئاسي، لا يصلح لإدارة مرحلة انتقالية»، وفق دلة الذي شغل عام 2012 منصب المتحدث باسم لجنة صياغة دستور 2012 قبل مغادرته سوريا.

وبحسب بنود الوثيقة التي نشرتها الرئاسة، يعين رئيس الجمهورية «ثلث أعضاء مجلس الشعب»، ويشكل كذلك «لجنة عليا» تشرف على تشكيل هيئات فرعية «لانتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب» المتبقين. ويعود له أن يتولى مع الوزراء الذين يعيّنهم، «السلطة التنفيذية»، ما يعني استبعاد منصب رئاسة الحكومة.

ورغم تأكيد الوثيقة أن السلطة القضائية «مستقلة»، فإنها منحت رئيس الجمهورية حق تسمية أعضاء المحكمة الدستورية العليا، التي يفترض أنها تشكل المرجعية القضائية الأعلى في البلاد.

ويسأل دلة: «إذا كان الرئيس هو من يختار أعضاء مجلس الشعب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة... ويعين الوزراء ويقيلهم، ويعين أعضاء المحكمة الدستورية بمفرده، من دون ضمان استقلاليتها بتعدد مصادر تسميتها، فماذا ترك من مبدأ الفصل بين السلطات؟».

ويستنتج: «كل ما يتعلق بالتوازن بين السلطات والفصل بينها غير موجود»، معرباً عن اعتقاده بأن الإعلان الحالي «يعيد إنتاج النظام السابق مع سلطات أوسع بيد الرئيس (...)، ولا يقدم أي ضمانات لانتقال ديمقراطي نحو مرحلة جديدة»، مضيفاً: «إنه إعلان دستوري مفصّل على قياس الإدارة الجديدة».

«ديكتاتورية» جديدة

في موازاة تشريعه لمركزية السلطة، يتغاضى الإعلان الدستوري الذي سيشكل مرجعية حتى وضع دستور جديد تُجرى الانتخابات التشريعية على أساسه، عن قضايا عدة، بينها: اللامركزية، وتوجيه إشارات طمأنة إلى مكونات سورية أملت بأن تؤدي دوراً في بناء سوريا ما بعد الأسد.

وجاءت المصادقة على الإعلان الدستوري بعد محطتين؛ الأولى أعمال العنف الدامية في الساحل السوري التي أوقعت 1476 قتيلاً مدنياً غالبيتهم علويون، قضوا على أيدي عناصر الأمن العام ومجموعات رديفة، وفق آخر حصيلة لـ«المرصد السوري لحقوق الإنسان». وشكل ذلك اختباراً مبكراً للشرع الذي كان تعهد بالحفاظ على «السلم الأهلي»، بعيداً عن منطق «الانتقام».

والمحطة الثانية هي توقيع الشرع اتفاقاً مع الأكراد يقضي بـ«دمج» مؤسسات إدارتهم الذاتية في إطار الدولة السورية.

لكن الأكراد الذين استبعدتهم السلطة من مؤتمرات ولجان شكلتها خلال الأسابيع الماضية، كانوا أول من سارع إلى رفض الإعلان الدستوري، ونددوا بـ«محاولة لإعادة إنتاج الديكتاتورية».

ودعوا، في بيان، الجمعة، إلى «إعادة صياغة الإعلان بما يضمن توزيع السلطة بشكل عادل... والاعتراف بحقوق جميع المكونات السورية، واعتماد نظام حكم لا مركزي ديمقراطي».

ونص الإعلان الدستوري، الذي لم تتضمن أي بنوده كلمة ديمقراطية، على أن «الفقه الإسلامي المصدر الرئيس» للتشريع، بعدما كان سابقاً مصدراً أساسياً للتشريع. كما يحدد أن الإسلام هو دين رئيس الدولة، من دون أن يتضمن توافر شروط أخرى. ويجعل من العربية «اللغة الرسمية» في «الجمهورية العربية السورية».

ووقع الشرع الإعلان الدستوري بينما جلس أعضاء لجنة الصياغة على يمينه، وجلس عن يساره عدد من شرعيي «هيئة تحرير الشام»، الفصيل الذي تزعمه الشرع وقاد الهجوم الذي أطاح بالأسد.

قلق الأقليات

ويرى الأستاذ الجامعي في باريس، تيغران يغافيان، أن الأقليات «تشعر بقلق بالغ إزاء ما تؤول إليه الأمور؛ إذ إن المؤشرات كافة تشير إلى عملية تحول تدريجي إلى الجمهورية الإسلامية السورية»، معتبراً ذلك بمثابة «صفعة لخطاب يروّج للتنوع والشمول».

ويضيف: «من الواضح أن الأمر الوحيد الذي يمكن أن يطمئن الأقليات، التي تشعر بأنها مهددة من النظام الجديد، هو نوع من الفيدرالية، مع ضمان استقلالية في التعليم والمحاكم».

خلال توقيعه الإعلان الدستوري في القصر الرئاسي، قال الشرع، الخميس: «هذا تاريخ جديد لسوريا، نستبدل فيه الظلم بالعدل»، آملاً في أن يكون «فاتحة خير للأمة السورية على طريق البناء والتطور».

ويذكّر المحامي طارق الكردي، أحد أعضاء اللجنة الدستورية التي أنشأتها الأمم المتحدة في جنيف لوضع دستور جديد، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بأن «الإعلان الدستوري جاء في مرحلة صعبة تمر بها سوريا بعد 54 سنة من الديكتاتورية و14 سنة من حرب مدمرة شنها نظام الأسد على الشعب السوري».

ويضيف: «يتعيّن مقاربته من نظرة واقعية؛ إذ لا يمكن مقارنته بدساتير في دول تنعم بظروف طبيعية ومستقرة لفترات طويلة»، موضحاً أن «تحديات أو ثغرات قد تنشأ عند بدء التنفيذ، وسيكون حينها مطلوباً من السلطة التشريعية أن تبادر فوراً إلى تطويره».

ويقول: «العربة انطلقت والمرحلة الانتقالية بدأت، والمطلوب حالياً حوار بين كل الأطراف لتمتين الوحدة الوطنية بين السوريين».


مقالات ذات صلة

يهود سوريون يصلّون في «كنيس الإفرنج» بدمشق (صور)

العالم العربي رجل يهودي يصلي في «كنيس الإفرنج» في الحي اليهودي بدمشق القديمة 29 أبريل 2025. (أ.ف.ب)

يهود سوريون يصلّون في «كنيس الإفرنج» بدمشق (صور)

أدى وفد من اليهود السوريين المقيمين في الولايات المتحدة، الصلاة في «كنيس الإفرنج» في دمشق القديمة، الثلاثاء، وفق مصوِّر في «وكالة الصحافة الفرنسية».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي حكومة دمشق بدأت أعمال صيانة لسد تشرين (أرشيفية)

القوات السورية تتسلم سد تشرين من «قسد» وسط أنباء عن توتر

دخلت قوات من الجيش السوري إلى منطقة سد تشرين في شرق حلب وأقامت نقاطاً عسكرية؛ تنفيذاً لاتفاق بنقل السيطرة عليه من «قسد» إلى حكومة دمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
خاص «داعش» يستعيد نشاطه في سوريا ويهدد استقرار المنطقة (أرشيفية- أ ف ب) play-circle

خاص خيارات «داعش» في سوريا... والاستثمار في «خيبات الجهاديين»

يشكل «داعش» تهديداً جدياً لأمن سوريا ومستقبلها وقد توجَّه بآخر إصدار له للرئيس السوري أحمد الشرع مباشرة، محذراً إياه من الانضمام إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب.

سلطان الكنج
المشرق العربي آخر لقاء جمع الأسد بالمرشد الإيراني علي خامنئي في طهران يوم 30 مايو 2024 (موقع المرشد)

نتنياهو: منعنا طائرات إيرانية من دخول سوريا قبل إطاحة الأسد

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن طهران حاولت إرسال «فرقة أو فرقتين محمولتين جواً»، لمساعدة الأسد قبل سقوطه، وإن إسرائيل اعترضت الطائرات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع (د.ب.أ)

العراق يدعو الشرع لحضور القمة العربية في بغداد

قالت وكالة الأنباء العراقية، اليوم الأحد، إن العراق وجه دعوة رسمية للرئيس السوري أحمد الشرع لحضور القمة العربية في بغداد.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

​صحة غزة تعلن ارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 52 ألفاً

مشيعون يصلون بجانب جثث الفلسطينيين الذين قتلوا في الغارات الإسرائيلية بمستشفى ناصر بخان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
مشيعون يصلون بجانب جثث الفلسطينيين الذين قتلوا في الغارات الإسرائيلية بمستشفى ناصر بخان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
TT

​صحة غزة تعلن ارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 52 ألفاً

مشيعون يصلون بجانب جثث الفلسطينيين الذين قتلوا في الغارات الإسرائيلية بمستشفى ناصر بخان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)
مشيعون يصلون بجانب جثث الفلسطينيين الذين قتلوا في الغارات الإسرائيلية بمستشفى ناصر بخان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، الأربعاء، ارتفاع عدد القتلى جراء الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 52 ألفاً و400 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بينما زاد عدد المصابين إلى 118014.

فلسطينية تبكي من الألم وهي تعانق أحد أحبابها الذي قُتل في هجمات إسرائيلية استهدفت منازل مؤقتة وخياماً بمستشفى الشفاء بمدينة غزة (د.ب.أ)

وذكرت الوزارة في بيان أن 35 قتيلاً و109 مصابين وصلوا إلى مستشفيات قطاع غزة خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.

وأضاف البيان أن 2308 فلسطينيين لقوا حتفهم وأصيب 5973 منذ استئناف الهجمات الإسرائيلية على القطاع في 18 مارس (آذار) الماضي بعد هدنة استمرت نحو شهرين.

امرأة وفتاة فلسطينيتان تحصلان على حصص طعام في بيت لاهيا بشمال قطاع غزة (رويترز)

وأشارت الوزارة إلى أن هناك عدداً من الضحايا لا يزال تحت الركام وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.