«الشرق الأوسط» ترصد عودة الحياة إلى حمص عاصمة الثورة السورية

أسواق مزدهرة وسط أحياء مدمرة وحملات مدنية لتأهيل الشوارع ورفع الأنقاض

عودة حركة البيع والشراء إلى السوق التاريخي القديم في حمص (الشرق الأوسط)
عودة حركة البيع والشراء إلى السوق التاريخي القديم في حمص (الشرق الأوسط)
TT

«الشرق الأوسط» ترصد عودة الحياة إلى حمص عاصمة الثورة السورية

عودة حركة البيع والشراء إلى السوق التاريخي القديم في حمص (الشرق الأوسط)
عودة حركة البيع والشراء إلى السوق التاريخي القديم في حمص (الشرق الأوسط)

في ساحة الساعة الجديدة وسط مدينة حمص ثالث كبرى مدن سوريا، التي تتوسط مبنى محافظة حمص ونقابة المعلمين وبرج الأتاسي، عكس صخب الأسواق المزدهرة وحركة المارة والسيارات الحديثة بمجملها، عودة الحياة ولو بشكل تدريجي نسبي لهذه المحافظة، وعلى بُعد أمتار كانت التناقضات الصارخة وآثار الحرب شاهدين في أحياء الخالدية وجورة الشياح وبابا عمرو ودير بعلبة والبياضة، حيث شهد بعضها المظاهرات السلمية التي عجت بالغناء والرقص، ثم لاحقاً مع رفع حدة الملاحقة الأمنية، شهدت ضراوة المعارك التي دارت في الأحياء القديمة، مثل حي الوعر الذي خرجت منه آخر دفعة من المقاتلين، والثمن الذي دفعته المعارضة في سبيل إسقاط الرئيس المخلوع بشار الأسد.

دوار الساعة القديمة ومدخل سوق الحميدية الشهير في حمص (الشرق الأوسط)

عند تقاطع الحميدية وأسواق حمص التاريخية والساعة القديمة والخالدية، علت أصوات الباعة وكثافة المارة إياباً وذهاباً، وأبواق السيارات وأجراس الدراجات النارية مع ازدحام مروري خانق، وشاحنات وسيارات تدخل وتخرج من بوابات حمص القديمة لتعيدها إلى محط الأنظار وتكون إشارة على تعافي هذه المدينة من سنوات الحرب.

عودة من المخيمات

إياد عبد الله، المنحدر من حي بابا عمرو، وعائد للتو من لجوئه في تركيا بعد 13 عاماً. كان يتجول برفقة زوجته وأبنائه بالقرب من ساحة الساعة، فقال لـ«الشرق الأوسط» ومشاعر الفرحة على وجهه: «عندي ثلاثة أولاد صبيان وبنت هي البكر بعمر 12 سنة، جميعهم ولدوا خارج سوريا في المخيمات، أما اليوم، فنحن نتجول قرب ساحة الساعة وسنذهب للسوق القديمة، كل ذلك كان حلماً وقد تحقق».

أبنية مدمرة في حي الخالدية بحمص كما بدت الآن (الشرق الأوسط)

مخاوف من الشحن الطائفي

المهندس مهيار خضور، عابر آخر استوقفناه، فعبَّر لـ«الشرق الأوسط» عن مخاوفه من الشحن الطائفي الذي خلفه نظام البعث، حيث كانت حمص أحد مراكز الثورة ضد الأسد، وأكثر المدن التي استخدم النظام فيها القوة الساحقة لإخماد صوت المعارضة. ولفت المهندس خضور إلى «إنْ بقيت حمص أسيرة الشرخ الطائفي، فلن ننعم بالسلام. وإنْ تمكن أهلها من إعادتها كما كانت لتكون رمزاً للتعايش والتنوع، فهذا سيكون أكبر انتصار يحققه الشعب».

دمار بنسبة 60 في المائة

وتعد مدينة حمص من بين أكثر المحافظات التي دمرت جراء قصف قوات الرئيس المخلوع بشار الأسد، إذ تجاوزت نسبة الدمار في أحياء الخالدية ودير بعلبة والبياضة وجورة الشياح 60 في المائة، وصنفت ثالثة في نسبة الدمار نتيجة العمليات العسكرية، بعد تصنيف محافظة حلب الأولى، وغوطة دمشق بريفها الشرقي في المرتبة الثانية. دمار أحياء حمص يتجسد في ركام مبانيها التي لم يعد إليها ساكنوها إلا قلة منهم رغم مرور أكثر من شهرين على طرد النظام السابق منها.

عبد الباسط الفرواتي يقع محله في السوق التاريخية بحمص (الشرق الأوسط)

لكن عودة الاستقرار لهذه المدينة فتحت باباً جديداً أمام أصحاب المحال التجارية والحرف الصناعية، للعودة إلى أعمالهم التي توارثوها عبر الأجيال. ونقل عبد الباسط الفرواتي الذي يمتلك محلاً في سوق الفرو العربي التراثي، أن الكثير من أصحاب المحال والمهن عادوا بعد سقوط النظام. وأضاف: «مررنا بأيام وشهور صعبة، قلة شغل وصعوبة شراء الجلود من الخارج أو شحنه من دمشق. أما اليوم، فالأسواق مفتوحة على بعضها والتاجر يقدر يبيع ويشتري في كل سوريا وفي الجوار».

حملة «حمص بلدنا»

بلغ عدد سكان حمص قبل الحرب نحو 800 ألف شخص لكن نصفهم نزح أو هاجر خلال 14 عاماً، وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة، وبقيت آثار الدمار مسيطرة على معظم الأحياء التي شهدت القصف العنيف. وكانت أبرز سمة مشتركة بينها انهيار أسقف كثير من مبانيها وتهاوت على بعضها، المحال التجارية سُوّي بعضها بالأرض، شبكات أنابيب المياه وأسلاك الكهرباء لم تعد صالحة للتشغيل. لذا فإن كبرى أمنيات سكانها التخلص من الأنقاض وفتح الطرقات.

حي الخالدية خلال حملة «حمص بلدنا» (الشرق الأوسط)

وبهدف ‏إعادة إحياء المدينة وتخديمها من مختلف القطاعات وعبر مجموعة تطوعية ومبادرات محلية؛ أطلقت محافظة حمص بالتعاون مع الدفاع المدني السوري ومشاركة منظمات أهلية والفرق التطوعية ورجال الأعمال حملة «حمص بلدنا»، بداية الشهر الحالي.

وقال منسق الحملة، إسماعيل ألفين، لـ«الشرق الأوسط»، إن الحملة تضمنت ثلاث ‏مراحل، «مرحلة إعادة التأهيل التي جرى العمل فيها على فتح الطرقات المغلقة وإنارتها، وإزالة السواتر ‏والكتل الأسمنتية، وتركزت الثانية على تشكيل لجان ‏الأحياء، والتنسيق لمتابعة وإدارة المرافق التي جرى تأهيلها، والثالثة ستتابع الأعمال وتطويرها».

حي الخالدية خلال حملة «حمص بلدنا» (الشرق الأوسط)

وبحسب هذا المسؤول الإداري، شملت الحملة كل أحياء المدينة، ولفت ألفين إلى إنها «انطلقت من حي ‏الخالدية الأكثر تضرراً، وحي الغوطة لاكتظاظه بالسكان وحاجته إلى الخدمات، وشملت حي الوعر وباقي الأحياء التي تعرضت للدمار».

وحرص المدنيون من سكان الأحياء المدمرة على تفقد منازلهم وإزالة قسم من الركام بجهود ذاتية. بعضهم عاد على متن سيارات وآخرون على آليات محمّلة ببعض من حاجاتهم، في حين يخشى كثيرون الدخول إلى منازلهم خوفاً من انفجار لغم أو انهيار جدار، أما أصحاب المحال التجارية فسارعوا إلى فتحها مع انتعاش حركة الأسواق واستقرار الليرة السورية.

ياسر الطيباني صاحب محل لبيع الأحذية في السوق التاريخية بحمص (الشرق الأوسط)

وفي السوق، يقول ياسر الطيباني، تاجر للأحذية يقع محله في السوق التاريخية بحمص، إن «الوضع تحسن عما كان عليه سابقاً، فقد نزلت الأسعار، مثلاً (البوط) كنا نبيعه بـ150 ألف ليرة أو أكثر، لكن اليوم 70 في المائة من السلع سعرها أقل من 100 ألف ليرة». ولفت إلى أن استقرار الليرة أمام الدولار والعملات الأجنبية أسهم في تحسن حركة البيع والشراء كثير‏اً، مضيفاً: «قبل سقوط النظام كان يعاملنا تجار الجملة بالدولار بالمخفي، أما اليوم صار علناً ونأخذ بسعر أفضل».

وشاهدت «الشرق الأوسط» كيف وضعت «إدارة العمليات العسكرية» وقوى الأمن الداخلي كتل أسمنتية ومتاريس من الباطون المسلح عند مداخل الأحياء ذات الغالبية العلوية، ونصبت عشرات الحواجز ونقاط التفتيش، ومسلحين مدججين بلباسهم العسكري، بحجة حمايتها من التجاوزات والانتهاكات التي سجلت مؤخراً.

عنصران من قيادة العمليات العسكرية بجانب ساعة حمص (الشرق الأوسط)

وفي هذه الأحياء تواصل إدارة العمليات العسكرية الحملات الأمنية فيها، ويطلب من عناصر النظام السابق والمسلحين وكل من عمل في أجهزة الأمن، تسليم السلاح وإجراء التسوية والإدلاء بكل المعلومات والوثائق الخاصة بعمله السابق.

وانتشرت عناصر «إدارة العمليات العسكرية» عند الساحات العامة ومفارق الطرق الرئيسة لتنظيم حركة المرور، وسير العمل حتى عودة عناصر شرطة المرور التي بدأت العمل منذ أيام.

ويقول براء مأمون، الذي كان يقف بجانب عناصر يرتدون بذات عسكرية حاملين أسلحة رشاشة، وكانوا مقنعين: «نحن لدينا محبة لبلدنا، ونقوم بتنظيم السير حتى عودة شرطة المرور التي عادت بشكل قليل، أصبحت حمص وكل سوريا لنا جميعاً بعد أن كانت لشخص الأسد المخلوع».


مقالات ذات صلة

قوة إسرائيلية تتوغل في بلدة بيت جن بريف دمشق وترهب المدنيين

المشرق العربي رجل يقف قرب علم سوري في نقطة مراقبة مرتفعة تطل على دمشق (د.ب.أ)

قوة إسرائيلية تتوغل في بلدة بيت جن بريف دمشق وترهب المدنيين

توغلت قوة إسرائيلية اليوم (السبت) في بلدة بيت جن بريف دمشق بدبابتين و7 عربات في محيط بلدة بيت جن بريف دمشق، حسبما نقل تلفزيون سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق )
الاقتصاد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية (فيسبوك)

حاكم «المركزي» السوري: قرار كندا رفع العقوبات يفتح صفحة جديدة من التعاون

رحب حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية، بقرار كندا رفع العقوبات عن سوريا، بما يفتح صفحة جديدة من الفرص والتعاون البنّاء بين البلدين.

المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع يتحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي (رويترز)

كندا ترفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب

قالت الحكومة الكندية، اليوم (الجمعة)، إنها رفعت اسم سوريا من قائمة الدول الأجنبية الراعية للإرهاب وحذفت «هيئة تحرير الشام» من قائمة الكيانات الإرهابية.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
المشرق العربي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره السوري أحمد الشرع يتصافحان بعد انتهاء مؤتمرهما الصحافي المشترك في قصر الإليزيه يوم 7 مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)

فرنسا تنظر بإيجابية إلى التحولات الجارية في سوريا

بعد عام على سقوط بشار الأسد، تنظر فرنسا بإيجابية للتطورات الحاصلة في دمشق، وتعتبر أن سوريا مستقرة ضرورة للتوازن الإقليمي والدولي.

ميشال أبونجم (باريس)
المشرق العربي وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (أ.ف.ب)

الشيباني: نشكر كندا على رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب

شكر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني «كندا على قرارها رفع اسم سوريا من قوائم الدول الراعية للإرهاب».

«الشرق الأوسط» (دمشق)

التعاون الاقتصادي بين لبنان وإسرائيل: مبادرة ملغومة بتوقيت حساس

دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)
دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)
TT

التعاون الاقتصادي بين لبنان وإسرائيل: مبادرة ملغومة بتوقيت حساس

دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)
دبابات إسرائيلية تناور قرب الحدود مع لبنان (أرشيفية - رويترز)

يشكّل إعلان إسرائيل عن استعدادها لفتح قنوات تعاون اقتصادي مع لبنان، بالتزامن مع تكليف الرئيس اللبناني جوزيف عون للسفير السابق في واشنطن سيمون كرم ترؤس الوفد اللبناني في لجنة «الميكانيزم»، محطة جديدة في مسار المواجهة المعقّدة بين بيروت وتلّ أبيب.

وبينما تبدو خطوة إسرائيل مجرد انفتاح اقتصادي، إلا أنها «تحمل في جوهرها رسائل سياسية ملغومة بتوقيت حسّاس جداً»، حسبما تقول مصادر لبنانية، و«تندرج ضمن مسعى إسرائيلي لإعادة رسم مشهد إقليمي يتيح لها الظهور بمظهر الساعي إلى الاستقرار، مقابل تحميل لبنان ولا سيما (حزب الله) مسؤولية استمرار التوتر».

ولا يعكس الموقف الإسرائيلي بالنسبة للبنان تغيّراً فعلياً في السلوك، أو المقاربة، بقدر ما يشكّل محاولة لتسويق صورة سياسية يريدها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مرحلة دقيقة داخلياً، وإقليمياً. وتقول المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «إسرائيل، التي تواصل عملياتها العسكرية في لبنان براً وبحراً وجواً، لا تبدو مستعدة لاتخاذ خطوات عملية، بل تكتفي بإشارات مرونة محسوبة، تؤسّس بمفهومها لمرحلة تفاوض محتملة حين تنضج الظروف، وتتقاطع الحسابات الإقليمية».

الغاز والنفط

ويشكّل موقع لبنان الجيوسياسي نقطة جذب إقليمية لإسرائيل، وكل دول المنطقة، رغم قدراته الاقتصادية المحدودة. ويقول مصدر رسمي لبناني لـ«الشرق الأوسط» إن تل أبيب «لا تسقط من حساباتها إمكانية التعاون في مجال الطاقة والغاز، لا سيما بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي وقعته مع لبنان في العام 2022، حيث تسعى لإعطاء انطباع بأن شرق المتوسط يمكن أن يتحوّل إلى منطقة تبادل اقتصادي».

رئيس الحكومة نواف سلام خلال استقباله وفد مجلس الأمن الدولي في بيروت يوم الجمعة الماضي (إ.ب.أ)

ويلفت المصدر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إسرائيل «تولي أهمية قصوى للتعاون في البنى التحتية الحدودية، مثل إدارة الموارد المائية، خصوصاً أن طمعها بمياه لبنان تاريخي، كما تتطلع إلى ربط أسواق المنطقة ببعضها، خصوصاً إذا فُعّل مشروع ممرات النقل الإقليمي».

ويشدد المصدر الرسمي على أن «أي تعاون اقتصادي بين دولتين في حالة نزاع مستمر يتطلب أولاً وقفاً دائماً لإطلاق النار، يتبع بترتيبات أمنية واضحة، ثم فتح قنوات اتصال رسمية، مقرونة بضمانات دولية، لذلك تبقى المبادرة الإسرائيلية مجرّد خطوة يحاول نتنياهو استثمارها في الداخل، ليظهر للمجتمع الإسرائيلي أنه انتزع مكاسب مهمّة في بداية مرحلة التفاوض مع لبنان».

رسالة سياسية

وينظر الخبراء إلى المبادرة الإسرائيلية على أنها رسالة سياسية موجّهة إلى الخارج أكثر مما هي طرح اقتصادي قابل للتطبيق. ويرى الباحث في الشؤون الجيوسياسيّة الدكتور زياد الصائغ أن إسرائيل «تسعى إلى الاستثمار في الموقف الأميركي السّاعي إلى تطبيق عملاني لمقرّرات مؤتمر شرم الشيخ، ولقاءات الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض، بما يعني الذهاب أبعد من وقف القتال».

ويؤكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن إسرائيل «تعتبر أن السلام من البوّابة الاقتصادية هو الأنجع لتجاوز الصراعات، لكنّ هذا أقرب إلى الفولكلور، لا سيّما مع استمرار احتلال إسرائيل لأراضٍ لبنانيّة»، ويشدد الصائغ على أن «الاستعجال، ورفع منسوب ما جرى في لجنة الميكانيزم قد يأخذ طابع جسّ النبض أيضاً لمدى استعداد لبنان للذهاب بعيداً في المفاوضات، وهذا أيضاً يشكّل محاولة غير ناضجة الظروف».

سفينة عسكرية إسرائيلية تبحر بجوار منصة إنتاج حقل ليفياثان للغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط (أرشيفية - رويترز)

لكن الاستعجال الإسرائيلي للتعاون الاقتصادي مغاير تماماً للمشهد اللبناني، باعتبار أن الذهاب نحو هذا الخيار أشبه بالمغامرة، ويؤكد الصائغ أنّ «ملف لبنان التفاوضيّ يبدو ضبابيّاً حتى السّاعة، ولو أنّ سقفه اتفاقيّة الهدنة الموقعة ما بين لبنان وإسرائيل في العام 1949 برعاية الأمم المتحدة، لكن من الواضح أنّ السفير سيمون كرم، وبخبرته الواسعة ووضوحه السّيادي، سيفتح الطريق أمام بناء عناصر هذا الملف من المسار السياسي، إلى الدبلوماسيّ، إلى القانونيّ، إلى ذاك المرتبط بالقرار 1701».

ويذكّر بأن لبنان «جزء من الإجماع العربي، وملتزم بسقف المبادرة العربية للسلام، وكل ما يُساق خارج ذلك يبقى من قبيل التمنّيات، أو التوقّعات، لكن من الواضح أنه لا عودة عن قرار تجفيف الصراعات والحروب في الشرق الأوسط».

طاقة وسياحة

إضافة إلى ذلك، يطرح تركيز الحكومة الإسرائيلية على المجال الاقتصادي علامات استفهام في ظلّ محدودية الدور الاقتصادي للبنان في المنطقة، ولا يستبعد الصائغ أن «تسعى إسرائيل إلى تعاون اقتصادي مع لبنان على المستوى النفطي، أو السياحي، أو الصناعي، خصوصاً في ظلّ الحديث عن فكرة إنشاء منطقة اقتصاديّة على حدود لبنان الجنوبيّة، انطلاقاً من المبادرة الأميركية». لكنّه شدد على أن ذلك «لا يستقيم قبل حوار دبلوماسيّ بطابع سياسي، ويبدو مستحيل المنال في هذه المرحلة، خصوصاً مع استمرار احتلال إسرائيل للنقاط الخمس، وعدم إنجاز تسوية تحريرية لمزارع شبعا، وبدء إعمار الجنوب، توازياً مع تحقيق بسط الدولة اللبنانية سيادتها حصراً على كامل أراضيها بقواها الذاتيّة». وختم الصائغ بالقول إن «ذلك كلّه يبقى مضبوطاً تحت سقف اتفاقية الهدنة 1949».


إسرائيل تقصف وتقتل وتُدمر ما تبقّى تحت سيطرتها بغزة

طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تقصف وتقتل وتُدمر ما تبقّى تحت سيطرتها بغزة

طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)
طفلة فلسطينية تحمل خبزاً في حين يستعد آخرون لدخول صفوفهم في مدرسة للأونروا تؤوي عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

تسعى إسرائيل قبيل الانتقال للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مع مساعي الوسطاء، خصوصاً الولايات المتحدة، للانتقال إليها في أقرب فرصة ممكنة، إلى تدمير ما تبقّى في المناطق الخاضعة لسيطرتها داخل قطاع غزة، والتي تُقدر بنحو 53 في المائة من المساحة العامة للقطاع.

وينص وقف إطلاق النار في مرحلته الثانية، حال نُفّذ وفق الاتصالات المتسارعة في الأيام الأخيرة، على انسحاب آخر للقوات الإسرائيلية من داخل قطاع غزة، مع الحفاظ على بقائها في مناطق أخرى قد تصل إلى نحو ما مساحته 20 في المائة من مساحة القطاع.

وخلال ساعات ليل ونهار السبت، لم تنفك القوات الإسرائيلية باستخدام الطائرات الحربية تارةً، ومن خلال العربات المفخخة تارةً أخرى، بقصف وتدمير ما تبقى من منازل وبنى تحتية، سواء داخل الخط الأصفر المشار إليه ضمن اتفاق وقف إطلاق النار بوصفه خط انسحاب أولياً، أو على جانبه من داخل المناطق الخاضعة لسيطرة حركة «حماس».

أطفال يستعدون للدخول إلى صفوفهم في مدرسة للأونروا تعيش فيها عائلات نازحة تضطر يومياً لإخراج أمتعتها لمتابعة يوم دراسي جديد في دير البلح وسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

ولوحِظ خلال الأيام الثلاثة الماضية تكثيف الغارات الجوية وعمليات النسف، حتى داخل مدينة رفح التي تُسيطر عليها القوات الإسرائيلية منذ أكثر من عام ونصف العام، وكذلك شرق مدينتَي خان يونس وغزة. كما امتدت هذه العملية، من مساء الجمعة حتى ظهر السبت، إلى مناطق واقعة شرق وشمال جباليا وبيت لاهيا شمالَ قطاع غزة. وتسببت إحدى عمليات النسف في منطقة زايد ببيت لاهيا، ليلاً، في وقوع انفجار ضخم سُمِع دويه في جميع أنحاء قطاع غزة، ووصل صداه حتى جنوب تل أبيب.

وتعمد إسرائيل إلى تدمير ما تبقى من مبانٍ ومنازل في تلك المناطق، بهدف حرمان سكانها من العودة إليها بعد الانسحاب منها، في عملية تدمير ممنهجة، انتهجتها بشكل كبير خلال الحرب التي استمرت عامين على قطاع غزة.

ووفقاً لمصادر ميدانية تحدّثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي لم تكتفِ بعمليات القصف والنسف للمنازل والمباني داخل مناطق سيطرتها، بل عملت على استخدام العربات المفخخة، وإدخالها إلى مناطق غرب الخط الأصفر -مناطق سيطرة «حماس»- وذلك تحت نار القصف المدفعي، وإطلاق النار من المسيرات، لتصل إلى مناطق سكنية بهدف تدميرها بشكل كامل.

وأوضحت أن ذلك تزامن أيضاً مع عمليات توغّل ازدادت حدّتُها في الأيام الأخيرة، ولا سيما شرق مدينة غزة، وتحديداً في حييّ الشجاعية والتفاح. وأشارت إلى أن الآليات الإسرائيلية توغّلت مسافة لا تقل عن 350 متراً خلف الخط الأصفر، واقتربت من شارع صلاح الدين الرئيسي عند الحيَّين، ما يعني أنها باتت تفرض سيطرة شبه كاملة عليهما.

خيم النازحين وسط الدمار الذي أحدثه القصف الإسرائيلي جواً وبراً في مدينة غزة الجمعة (أ.ب)

وأشارت إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي كررت المشهد ذاته صباح السبت في خان يونس، بعدما تقدّمت إلى أجزاء من حي الشيخ ناصر وأقامت سواتر ترابية، فيما قامت طائرات مسيّرة بإطلاق النار في مختلف الاتجاهات وعلى أي هدف متحرك. وبعد انسحاب القوات تبيّن أن الهدف من إقامة السواتر الترابية كان تمهيد الطريق لآليات هندسية لتنفيذ عمليات حفر في حي الفرا المجاور.

وقالت المصادر إن قوات الاحتلال الإسرائيلي ما زالت تعمل على توسيع سيطرتها في قطاع غزة، من خلال تقديم المكعبات الأسمنتية الصفراء، المشار إليها بالخط الأصفر، من خلال التقدم جزئياً من حين إلى آخر داخل بعض المناطق.

وتزامنت هذه التطورات مع قتل القوات الإسرائيلية 4 فلسطينيين، في حادثتين منفصلتين شمال القطاع، كما أصابت آخرين في مناطق أخرى.

ووفق مصادر طبية، فقد قُتل شابّان في إطلاق نار شرق جباليا البلد، فيما قُتل اثنان آخران وأصيب 3 في إطلاق نار ببلدة العطاطرة شمال غربي بيت لاهيا. كما أُعلن عن وفاة خامس متأثراً بجروحه بعد أن استهدفته طائرة مسيّرة، مساء الجمعة، بإطلاق النار عليه وعلى نجله، وهما يعملان في جهاز الدفاع المدني بغزة.

وأصيب عدد من الفلسطينيين بإطلاق نار في مناطق متفرقة، بينهم غزي بجروح خطيرة إثر قصف مدفعي استهدف محيط شارع صلاح الدين قبالة حي الشجاعية شرق مدينة غزة، في حين أصيب آخر بإطلاق نار من مسيرات شرق خان يونس.

وبذلك يكون قد قُتل ما لا يقل عن 370 فلسطينياً، وأصيب أكثر من 960 منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فيما قتل 70357 منذ السابع من أكتوبر 2023.


الشرع: سعي إسرائيل لإقامة منطقة عازلة جنوب سوريا يدخلنا في مكان خطر

الرئيس السوري أحمد الشرع يتحدث أثناء حضوره الدورة الثالثة والعشرين لمنتدى الدوحة السنوي (رويترز)
الرئيس السوري أحمد الشرع يتحدث أثناء حضوره الدورة الثالثة والعشرين لمنتدى الدوحة السنوي (رويترز)
TT

الشرع: سعي إسرائيل لإقامة منطقة عازلة جنوب سوريا يدخلنا في مكان خطر

الرئيس السوري أحمد الشرع يتحدث أثناء حضوره الدورة الثالثة والعشرين لمنتدى الدوحة السنوي (رويترز)
الرئيس السوري أحمد الشرع يتحدث أثناء حضوره الدورة الثالثة والعشرين لمنتدى الدوحة السنوي (رويترز)

اعتبر الرئيس السوري أحمد الشرع أن سعي إسرائيل لإقامة منطقة عازلة في جنوب سوريا من شأنه أن يدخل بلاده في «مكان خطر»، فيما تواصل الدولة العبرية تنفيذ عمليات عسكرية في المنطقة، أسفر آخرها عن مقتل 13 شخصاً، وفق ما نشرت «وكالة الصحافة الفرنسية».

وقال الشرع خلال مشاركته في حوار خلال منتدى الدوحة: «سوريا أصرت على احترام اتفاق 1974، وهو اتفاق صمد أكثر من خمسين سنة، هو بشكل أو بآخر كان اتفاقاً ناجحاً، فالعبث في هذا الاتفاق... وهو يحصل على إجماع دولي وإجماع مجلس الأمن، والبحث عن اتفاقات أخرى مثل منطقة عازلة... أعتقد أن هذا ربما يدخلنا في مكان خطر».