وسط صراع وقف إطلاق النار... ما مدى شعبية «حماس» في غزة حالياً؟

مقاتل من «كتائب عز الدين القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» يسلم الرهينة الإسرائيلي أور ليفي لممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر (د.ب.أ)
مقاتل من «كتائب عز الدين القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» يسلم الرهينة الإسرائيلي أور ليفي لممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر (د.ب.أ)
TT

وسط صراع وقف إطلاق النار... ما مدى شعبية «حماس» في غزة حالياً؟

مقاتل من «كتائب عز الدين القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» يسلم الرهينة الإسرائيلي أور ليفي لممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر (د.ب.أ)
مقاتل من «كتائب عز الدين القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» يسلم الرهينة الإسرائيلي أور ليفي لممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر (د.ب.أ)

من بين العوامل العديدة التي ستحدد مصير وقف إطلاق النار الهش في غزة، فإن أحد أصعب الأمور التي يمكن قياسها والتنبؤ بها هو مستوى الدعم الشعبي لحركة «حماس».

ويوم الاثنين، هددت «حماس» بتأخير إطلاق سراح المزيد من الرهائن الإسرائيليين، متهمة إسرائيل بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار. وحالة عدم اليقين، وسط تجاوز نصف المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار التي تستمر ستة أسابيع، تعمل على تعقيد المحادثات بشأن المرحلة الثانية الأكثر صعوبة. كما أنها تعرض للخطر توقف القتال المدمر وزيادة المساعدات الإنسانية لغزة التي أتاحتها الهدنة، وفقاً لتقرير لصحيفة «الغارديان».

يعتقد بعض المحللين أن «حماس» قدمت في البداية التنازلات التي ساعدت في تحقيق وقف إطلاق النار جزئياً، لأنها حساسة للرأي العام بين الفلسطينيين في غزة، وأدركت أن استمرار الصراع قد يسبب لها أضراراً دائمة.

وينطبق الشيء نفسه على وقف إطلاق النار الهش، حيث تحرص الحركة على الحصول على الفضل في استمرار الهدوء وتجنب اللوم في حالة العودة إلى الأعمال العدائية، بحسب التقرير.

يبدو من الواضح أن «حماس» لا تزال تتمتع بحضور قوي في غزة على الرغم من الأضرار الهائلة التي لحقت بها في الهجوم الإسرائيلي. لقد تم التخطيط لعمليات تسليم الرهائن الإسرائيليين المتعاقبة بعناية لإظهار القوة العسكرية للجماعة المسلحة، ولكن «حماس» نشرت أيضاً مئات المسؤولين من السلطات البلدية التي لا تزال تسيطر عليها لإزالة الأنقاض، وإعادة تأهيل العيادات، وإعادة فتح المدارس ومراقبة الأسواق.

وأفاد عمال الإغاثة في غزة بأن العديد من موظفي قبل الحرب في الإدارة المحلية عادوا إلى مناصبهم.

وعلق أحد كبار المسؤولين في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي: «(حماس) مرئية تماماً في الشوارع. عادت الشرطة إلى العمل وتسير دوريات على التقاطعات الرئيسية. كما أعادت الوزارات فتح أبوابها. يبدو الأمر وكأن الحرب لم تحدث قط في بعض النواحي».

لكن الخبراء يشيرون إلى أن الوجود الواسع النطاق لـ«حماس» لا يعني الدعم الكبير.

أفاد هيو لوفات، المتخصص في السياسة الفلسطينية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، بأن «مستوى السيطرة ليس مقياساً للشعبية. لدينا بيانات استطلاعات الرأي على مر السنين، وعلى الرغم من وجود تحذيرات دائماً، لا يزال هناك اتجاه تاريخي ثابت وهو أن الدعم لـ(حماس) يميل إلى منتصف الثلاثينات من حيث النسبة المئوية».

رجال يركبون في الجزء الخلفي من عربة ويتحركون على طول طريق موحل في جباليا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

استطلاع غير منشور

كشف استطلاع غير منشور أجري قبل وقف إطلاق النار الشهر الماضي عن تراجع واضح في مستويات الدعم لـ«حماس»، رغم أنها تظل الحركة الأكثر شعبية في غزة.

وسأل الاستطلاع الجديد، الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية ومقره رام الله، الناس في المنطقة عما إذا كانوا يؤيدون «إجراءات متطرفة للغاية» لحماية فلسطين والدفاع عنها.

وقال سكوت أتران، عالم الأنثروبولوجيا الذي أشرف على البحث: «كان ذلك على نطاق مستمر وكان نحو 25 في المائة فوق نقطة المنتصف فيما يرتبط بدعم العنف المتطرف، ومن ثمّ فإنهم أقلية».

عندما سُئلوا عن النهاية «الواقعية والمقبولة» للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أشار ما يقرب من نصف السكان إلى أنها ترتبط بتقسيم الأراضي بين إسرائيل وفلسطين، إما على طول حدود ما قبل عام 1967 أو تلك التي اقترحتها الأمم المتحدة في عام 1947، بينما فضل أكثر من النصف بقليل حل إسرائيل، مع دولة فلسطينية واحدة بعدّها الخيار المفضل للجميع. وكان الحل الأقل تفضيلاً هو دولة ديمقراطية واحدة بحقوق متساوية للعرب واليهود.

وأظهر الاستطلاع أيضاً أن نسبة كبيرة تشعر بأن الحكم ضمن آيديولوجية «حماس» مهم، وأن نحو النصف يعتقدون أن الحل العسكري أكثر احتمالية من ذلك الدبلوماسي. وبالنسبة لمعظم سكان غزة أيضاً، فإن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ديني في المقام الأول وليس سياسياً، كما اقترح الاستطلاع.

وقال أتران: «(حماس) تحظى بدعم خمس السكان فقط - وهو انخفاض حاد عن استطلاع مارس (آذار) 2024 الذي أظهر دعم الأغلبية للحركة في غزة. في الواقع، كانت الاستجابة الأكثر شيوعاً فيما يتصل بالزعامة هي أن لا أحد يمثل الشعب الفلسطيني حقاً... لذا فهناك فجوة واضحة في الزعامة».

وتابع: «ومع ذلك، يشير الاستطلاع أيضاً إلى أن سكان غزة ــ نساء ورجالاً، كباراً وصغاراً ــ على استعداد للتضحية من أجل أرضهم وسيادتهم، بما في ذلك القتال والموت، حتى على حساب سلامة وأمن أسرهم... أو الوعد بحياة أفضل في مكان آخر».

والمشكلة الكبيرة التي تواجه الباحثين هي أن قِلة من الناس في غزة على استعداد لانتقاد «حماس» علناً.

أظهر استطلاع للرأي في سبتمبر (أيلول) أن 39 في المائة من سكان غزة أيدوا الهجمات التي شنتها «حماس» على إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 والتي أشعلت فتيل الصراع، وهو ما يقل بنحو 32 نقطة مئوية عن النسبة التي كانت قبل ستة أشهر.

وأشار الباحثون إلى أن دعم هجوم 2023 كان مدفوعاً بتركيزه على الاهتمام الإقليمي والعالمي المرتبط بالمظالم الفلسطينية.

كما وجد الاستطلاع أن 36 في المائة في غزة اختاروا القتال بعدّه الطريقة الأكثر فاعلية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وهو أدنى مستوى منذ سبتمبر 2022. وكانت «حماس» الحزب السياسي المفضل لدى 35 في المائة من المستجيبين، مما شكل انخفاضاً طفيفاً أيضاً.


مقالات ذات صلة

مقترح مصري جديد لاستعادة وقف إطلاق النار في غزة

المشرق العربي أداء صلاة الجنازة على فلسطينيين قتلوا بقصف إسرائيلي استهدف مجمع ناصر الطبي في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز) play-circle

مقترح مصري جديد لاستعادة وقف إطلاق النار في غزة

قال مسؤولون إن مصر قدمت مقترحاً جديداً لمحاولة استئناف وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» في قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصافح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (أرشيفية - صحيفة «تايمز أوف إسرائيل»)

روبيو ونتنياهو يناقشان العمليات العسكرية ضد الحوثيين والحرب في غزة

قالت «الخارجية» الأميركية، الأحد، إن وزير الخارجية ورئيس الوزراء الإسرائيلي ناقشا في اتصال هاتفي العمليات العسكرية الأميركية ضد الحوثيين والحرب في غزة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي فلسطينيون ينزحون من رفح إلى خان يونس بسبب تجدد العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (أ.ف.ب) play-circle

إسرائيل تنشئ إدارة للمغادرة «الطوعية» لفلسطينيي قطاع غزة

أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية، الأحد، إنشاء إدارة خاصة مهمتها السماح للفلسطينيين بمغادرة قطاع غزة «طوعاً»، في قرار نددت به منظمة إسرائيلية غير حكومية.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي خلال مشاركته في اجتماع سابق (واس)

وزير الخارجية السعودي يترأس اجتماع «الوزاري العربي» بشأن غزة في القاهرة

وصل الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي، إلى القاهرة، الأحد، لترؤس الاجتماع الذي ستعقده اللجنة الوزارية العربية بشأن غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الولايات المتحدة​ ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب للشرق الأوسط (أ.ب)

مبعوث ترمب: «حماس» هي المعتدية في الموقف الحالي

قال ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب للشرق الأوسط، اليوم (الأحد)، إن حركة «حماس» الفلسطينية «هي المعتدية في الموقف الحالي».


بغداد تتهم طهران بتزوير وثائق عراقية لتصدير نفطها

سفينة ضبطتها البحرية العراقية للاشتباه في تهريبها نفطاً يوم 18 مارس 2025 (رويترز)
سفينة ضبطتها البحرية العراقية للاشتباه في تهريبها نفطاً يوم 18 مارس 2025 (رويترز)
TT

بغداد تتهم طهران بتزوير وثائق عراقية لتصدير نفطها

سفينة ضبطتها البحرية العراقية للاشتباه في تهريبها نفطاً يوم 18 مارس 2025 (رويترز)
سفينة ضبطتها البحرية العراقية للاشتباه في تهريبها نفطاً يوم 18 مارس 2025 (رويترز)

بعد يومين من إعلان وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، أنه لا علاقة للعراق بما تسمى «وحدة الساحات»، كشف وزير النفط العراقي، حيان عبد الغني، عن إبلاغ بلاده واشنطن بأن طهران تستخدم وثائق عراقية مزورة لتصدير نفطها.

وكانت واشنطن اتهمت بغداد، الأسبوع الماضي، بتصدير شركة «سومو» العراقية النفطَ الإيراني، بينما كشف عبد الغني عن أن ناقلات النفط الإيرانية، التي احتجزتها القوات الأميركية في الخليج، كانت تستخدم وثائق عراقية مزورة.

وفي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى الرد الإيراني على رسالة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، التي بعث بها إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، فإن بغداد أخذت تنأى بنفسها عن التوتر الحالي بين طهران وواشنطن، فضلاً عن استمرار الفصائل العراقية المسلحة في التزام الصمت، في وقت بدأت فيه تصريحات كبار المسؤولين العراقيين ترتفع عالياً بشأن فك ارتباط العراق بـ«وحدة الساحات»، وهو المصطلح الذي أطلقته طهران بهدف توحيد أذرعها في المنطقة بعد «طوفان الأقصى».

جنود من البحرية العراقية على متن سفينة مجهولة يشتبه بأنها تهرّب نفطا في أم القصر يوم 18 مارس 2025 (رويترز)

وسبق أن أعلن وزير الخارجية العراقي بوضوح أن بلاده لم تعد ضمن «محور وحدة الساحات»، من دون أن يلقى اعتراضاً أو رداً من قبل الفصائل المسلحة أو من داعميها في العراق، بمن فيهم القوى السياسية ضمن «الإطار التنسيقي» الذي دعا بعضُ أطرافه إلى استجواب حسين في البرلمان، لكن ليس بشأن تصريحاته إزاء نأي العراق عن «وحدة الساحات»، بل لأنه دعا وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، لزيارة العراق، رغم أن الأخير استُقبل بحفاوة من قبل الرئاسات العراقية الثلاث.

الوزير عبد الغني، في حوار تلفزيوني مساء الأحد، قال: «تلقينا استفسارات شفهية بشأن ناقلات نفط احتجزتها القوات البحرية الأميركية في الخليج، وكانت تحمل بيانات شحن عراقية»، مضيفاً أنه «لم تكن هناك أي اتصالات رسمية مكتوبة». وتابع: «اتضح أن هذه الناقلات إيرانية وتستخدم وثائق عراقية مزورة. شرحنا ذلك للجهات المعنية بشفافية تامة، وقد أكدت ذلك أيضاً».

وأكد عبد الغني أن «(شركة تسويق النفط - سومو) العراقية تبيع النفط الخام حصراً للشركات التي تملك مصافي التكرير، ولا تُورّده لشركات تجارية»، مضيفاً أن «كثيراً من التجار يقفون وراء هذه الخطة». وأكد أن «(سومو) تعمل بشفافية تامة، ولم ترتكب أي مخالفات في عملية تصدير النفط العراقي».

وثائق مزورة

يذكر أن القوات البحرية الأميركية احتجزت ناقلات إيرانية تحمل نفطاً بوثائق تشير إلى أنه عراقي، رغم أن النفط في الواقع إيراني المصدر، لكن الوزير العراقي أكد أن «الوثائق كانت مزورة؛ إذ قامت هذه الناقلات الإيرانية بتزييف أوراق رسمية عراقية لبيع النفط إلى الأسواق العالمية على أنه عراقي».

سفينة ضبطتها البحرية العراقية للاشتباه في تهريبها نفطاً يوم 18 مارس 2025 (رويترز)

إلى ذلك، أعلن الوزير عبد الغني عن إنشاء منصة ثابتة لاستيراد الغاز من الخارج، في منطقة الفاو بالبصرة، جنوب العراق، بدلاً من الغاز الإيراني. وقال: «العراق ينتج أكثر من 60 في المائة من الغاز، ويستورد نحو 40 في المائة منه»، مضيفاً أنه «في وقت الذروة، تزداد نسبة استيراد العراق من الغاز وتصل إلى حدود 50 في المائة». وأكد أن «هناك زيادة في استثمار الغاز، وأنجزنا استثمار غاز حقل الفيحاء بطاقة 130 مليون قدم مكعبة يومياً»، مبيناً أن «نسبة استثمار الغاز المصاحب بالعراق وصلت إلى 67 في المائة، وبنهاية العام ستصل إلى 70 في المائة»، وأنه «ستحوَّل هذه الكميات المستثمرة من الغاز إلى محطات الكهرباء».

وأشار عبد الغني إلى أن «(شركة غاز البصرة) تستثمر الغاز في 3 حقول نفطية... وفي منتصف العام الحالي ستدشَّن وتُفتتح وحدة المعالجة الثانية بطاقة 200 مليون قدم مكعبة».

وأوضح عبد الغني، في حديثه عن المشروعات الغازية، أن «هناك مناقصة مطروحة لإنشاء منصة ثابتة في الفاو ستمكننا من استيراد كميات كبيرة من الغاز»، منوّهاً بأنه «بعد وصول العراق إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي وتحقيق الفائض من الغاز، فإنه سيصدَّر عبر المنصة الثابتة».

لا وساطة من عبد المهدي

وفي سياق ما بدا سعياً عراقياً للنأي بالنفس عن التوتر الحالي الحاصل بين واشنطن وطهران، أكد مصدر عراقي موثوق لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا علاقة للعراق الرسمي بالزيارة الحالية التي يقوم بها رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي إلى صنعاء ولقائه القادة الحوثيين».

وكانت زيارة عبد المهدي أثارت كثيراً من التكهنات بشأن ما إذا كانت وساطة عراقية يقوم بها مسؤول عراقي كبير سابق، أم هي محاولة لحمل رسائل متبادلة بين الأميركيين والحوثيين عن طريق مسؤول عراقي حتى ولو كان سابقاً. وفي حين أشارت وسائل إعلام مختلفة إلى أن هذه الزيارة لا تخلو من إمكانية حمل رسائل بين الأميركيين والحوثيين تحت غطاء شبه رسمي عراقي، فإن المصدر المسؤول أكد أن «زيارة عادل عبد المهدي إلى صنعاء كانت بدعوة رسمية من جامعة صنعاء للمشاركة في أعمال (المؤتمر العلمي الدولي الثالث) تحت عنوان (فلسطين قضية الأمة المركزية)» مبيناً أن «عبد المهدي لا يحمل معه أي رسالة من أي جهة، ولم يكلف أي وساطة من أي جهة».