تنامي جرائم القتل منذ مطلع العام يرعب اللبنانيين

تتنوع دوافعها بين السرقة والثأر

حاجز لقوى الأمن الداخلي في أحد شوارع بيروت ليلة رأس السنة (موقع قوى الأمن)
حاجز لقوى الأمن الداخلي في أحد شوارع بيروت ليلة رأس السنة (موقع قوى الأمن)
TT
20

تنامي جرائم القتل منذ مطلع العام يرعب اللبنانيين

حاجز لقوى الأمن الداخلي في أحد شوارع بيروت ليلة رأس السنة (موقع قوى الأمن)
حاجز لقوى الأمن الداخلي في أحد شوارع بيروت ليلة رأس السنة (موقع قوى الأمن)

يشهد لبنان ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة الجرائم على أنواعها، لكنّ ظاهرة القتل بوضح النهار التي يذهب ضحيتها مدنيون أبرياء، بدأت تثير مخاوف الناس الذين يطالبون الدولة بحماية مواطنيها وفرض سلطة القانون على الجميع.

وشكّلت جريمة القتل المروّعة التي شهدتها منطقة فاريا في جبل لبنان، الأحد، الصورة الأكثر قساوة ورعباً عمّا بلغه حال المجتمع اللبناني، إذ أقدم الشاب ج. شمعون على دهس الفتى خليل خليل (17 عاماً) بسبب خلاف على أفضلية المرور. وأظهرت وقائع الجريمة أن القاتل طارد المغدور الذي كان يقود سيارته إلى أمام الفندق الذي يملكه والد الأخير، وعندما وصل وترجل المغدور من سيارته وحاول الاحتماء بأهله، سارع الجاني إلى دهسه مرات عدة حتى فارق الحياة.

ولم يفلح صراخ شقيقة الضحية واستغاثتها في إنقاذ حياة شقيقها وردع القاتل عن جريمته. ولاحقاً أوقفت الأجهزة الأمنية ج. شمعون ووالدته التي كانت إلى جانبه ورفيقيه أيضاً.

قلق متنامٍ

ما حصل في فاريا تحوّل إلى كابوس لدى كثير من اللبنانيين الذين ينتابهم القلق على أبنائهم من تعرّضهم لفاجعة مماثلة، خصوصاً أن جريمة فاريا قد لا تكون خاتمة هذه المآسي، فهي حلقة ضمن سلسلة طويلة ومتواصلة، بدأت قبل ثلاثة أسابيع، عندما أقدم شخص مجهول ليل 15 يناير (كانون الثاني) الماضي على قتل جورج روكز صاحب معرض لبيع السيارات في منطقة ضبيّة (شرق بيروت) بإطلاق عدة رصاصات على صدره ومن ثم سرقة سيارة مرسيدس من نوع «جي كلاس» ليقدّمها القاتل هدية إلى عشيقته. وتمكن القاتل بالفعل من سرقة السيارة بعد ارتكاب جريمته قبل أن تعتقله الأجهزة الأمنية في اليوم التالي.

وصباح 27 يناير الماضي، عثر على جثة إميل حديفة مكبلاً ومرمياً في دورة المياه داخل محطة الوقود التي يملكها في منطقة مزرعة يشوع (جبل لبنان). وبيّنت التحقيقات أن أربعة سوريين من عمّال المحطة هم الذين ارتكبوا الجريمة وفرّوا إلى سوريا قبل العثور على جثة ضحيتهم.

كما طالت الجرائم نائب مطران طائفة الأرمن الأرثوذكس في لبنان الأرشمندريت كوجانيان (40 عاماً)، المُكلف بإدارة شؤون الطائفة في زحلة وعنجر (شرق لبنان)، إذ عثر صباح السبت في الأول من فبراير (شباط) الحالي على جثته داخل منزله في بصاليم (جبل لبنان)، بعدما فُقد الاتصال به الجمعة. وحضرت الأجهزة الأمنية إلى المكان، وبدأت التحقيقات لكشف ملابسات الجريمة، حيث أفيد بأن دافعها السرقة. وتحوم الشبهات حول تورط عمال سوريين في الجريمة.

الأمن الاستباقي

ولبنان ليس حالة فريدة بالطبع، إذ إن هذه الجرائم موجودة في بلدان مختلفة، لكن ارتفاعها بات يبعث على القلق بين اللبنانيين. ورأى مصدر أمني لبناني أن «هذا النوع من الجرائم لا يعالج بإجراءات أمنية استباقية». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «الأمن الوقائي دائماً ما يسجّل نجاحاً في الجرائم ذات الطابع الأمني والإرهابي من خلال مراقبة وتعقّب للشبكات، لكن في الجرائم العادية والخلافات الشخصية يصعب معرفتها مسبقاً»، مشيراً إلى أن «الوضع الاجتماعي والأزمات المالية والاقتصادية يلعبان دوراً أساسياً في جرائم السرقة، إلّا أن البعض يتخذ من ظاهرة السرقة وسيلة للكسب وجمع الأموال وليس من أجل الحاجة، ولا يتردد في ارتكاب جريمة قتل حتى ينجو بنفسه أو يمنع الضحية من كشف هويته، كما حصل مع جريمة قتل صاحب محطة الوقود أو صاحب معرض السيارات». ولا يخفي المصدر أن «تراجع عدد الدوريات والوجود الأمني على الأرض قد يشكل عاملاً مشجعاً للجاني بأنه قادر على ارتكاب جريمته والفرار، لكن هذا التراجع ليس سبباً مباشراً للتشجيع على الجريمة».

عناصر من الشرطة اللبنانية في مهمة انتشار الشهر الماضي (موقع قوى الأمن)
عناصر من الشرطة اللبنانية في مهمة انتشار الشهر الماضي (موقع قوى الأمن)

التفلت من القانون

وقتل مسلحون ملثمون ليل الاثنين 21 يناير الماضي، مسؤول «حزب الله» في البقاع الغربي الشيخ محمد حمادي، بست رصاصات أطلقت عليه أثناء مغادرته منزله في بلدة مشغرة، وفرّوا إلى جهة مجهولة. ورجّحت معلومات أن الجريمة «حصلت بدافع الثأر الشخصي».

ورأت الدكتورة فريال عبد الله حلاوي، الأستاذة المحاضرة والمستشارة في تطوير الذات، أن «هناك أسباباً كثيرة وراء هذه الجرائم، التي تأتي بعد أيام على خروج لبنان من الحرب، يضاف إليها أسباب اقتصادية واجتماعية ناتجة عن المآسي والضغوط النفسية المتأتية عن الحرب».

وقالت حلاوي لـ«الشرق الأوسط»: «نحن الآن في مرحلة انتقالية، بين اللادولة التي لم يكن فيها رئيس للجمهورية وتشكيل الدولة من خلال انتخاب رئيس للبلاد والبدء بتشكيل الحكومة، لذلك نشهد تفلتاً في الجريمة وعدم الالتزام بالقوانين وعدم الخوف من العقوبات، وهذا مرده إلى فترة تحلل الدولة».

وشددت الدكتورة حلاوي على أن «الجريمة التي ذهب ضحيتها الشاب خليل خليل تفوق التصور، خصوصاً أنها ارتكبت بوحشية وساديّة، بحيث ظلّ القاتل يدهس الضحية أمام أهله حتى فارق الحياة»، مشيرة إلى أن «شخصية الشاب الجاني إما أنها غير سويّة، وإما ارتكبها تحت تأثير تناوله المخدرات». وأضافت: «إذا صحّت المعلومات بأن والدة الجاني كانت برفقته فهذا أمر غير مفهوم، إذ كان يفترض بها أن تمنع ولدها أو أن توقف السيارة بأي وسيلة، لأن شخصية الأم مرتبطة بصورة الأم بالعاطفة والقانون والقواعد الإنسانية، ولا أحد يمكن أن يتخيّل أن تشارك أم ولدها في جريمة قتل شاب عمره لا يتعدّى 17 عاماً التجأ إلى أهله ليحتمي بهم من تهديدات الجاني ومطاردته له».

إجراءات صارمة

وكاد خادم رعية مار أنطونيوس البدواني للموارنة الخوري إيلي بشعلاني يخسر حياته صباح الأحد الماضي، خلال عودته من بيروت إلى منزله في منطقة المريجات (جبل لبنان)، حين طاردته سيارة من نوع «جيب شيروكي» سوداء اللون وحاولت قطع الطريق أمامه، إلّا أنه تمكن من التخلص منها، إلّا أن السيارة نفسها عادت وتوقفت أمام منزل الخوري وترجل منها شخص مسلّح وفتح النار على منزله الذي أصيب بعدة طلقات، ثم لاذ بالفرار.

وشددت الدكتورة فريال حلاوي على «ضرورة أن تأخذ الدولة بزمام المبادرة وأن يتشدد القضاء في فرض العقوبة بحق المرتكبين». ودعت إلى «اتخاذ إجراءات صارمة ورادعة بحقّ الجناة الذين يجري توقيفهم، بالإضافة إلى فرض هيبة الدولة على الأرض حتى لا يشعر هواة القتل أنهم قادرون على ارتكاب جرائمهم ومطمئنون إلى قدرتهم على الإفلات من التوقيف، وبالتالي على الدولة أن تحزم أمرها وتفرض هيبتها وتثبت أنها قادرة على حماية مواطنيها وكل المقيمين على أراضيها».


مقالات ذات صلة

«رويترز»: الولايات المتحدة تدرس اختيار حاكم مصرف لبنان المركزي المقبل

الاقتصاد مصرف لبنان (المركزي) في بيروت (رويترز)

«رويترز»: الولايات المتحدة تدرس اختيار حاكم مصرف لبنان المركزي المقبل

قالت 5 مصادر مطلعة إن الولايات المتحدة تناقش مع الحكومة اللبنانية اختيار حاكم البنك المركزي المقبل في محاولة للحد من الفساد والتمويل لـ«حزب الله».

«الشرق الأوسط» (واشنطن، بيروت)
المشرق العربي رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي والنائبة السابقة بهية الحريري إلى جانب مفتي طرابلس والشمال (مكتب ميقاتي الإعلامي)

«إعلان طرابلس» يحذر اللبنانيين والسوريين من التورط في مواجهات أهلية عنيفة

دعا الحكومة اللبنانية للسعي مع الهيئات الدولية من أجل إيواء وتعزيز الإغاثة السريعة للنازحين الذين حضروا، ومن ثم السعي مع الحكومة السورية لإعادة النازحين.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي دورية لقوات «اليونيفيل» في بلدة رامية الحدودية مع إسرائيل بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

لبنان يتجاهل عروض إسرائيل... ويردّ بدعوتها للانسحاب من أراضيه

توسعت أزمة الحدود اللبنانية مع إسرائيل من إطارها الأمني إلى عروض لمحادثات تطبيع سياسي مع إسرائيل؛ إذ تضغط تل أبيب على لبنان بعدم الانسحاب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إرنستو راميريز ريغو خلال لقائه مع الرئيس اللبناني جوزيف عون (الرئاسة اللبنانية)

لبنان يبلور نقاط اتفاق «مجدّد» مع صندوق النقد الدولي

أظهر الاتفاق على تسريع عقد الجولة الثانية من المفاوضات بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي خلال النصف الأول من الشهر المقبل في بيروت، جديّة الطرفين.

علي زين الدين (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني جوزيف عون يقلّد قائد الجيش الجديد رودولف هيكل رتبة «عماد» (أ.ب)

الحكومة اللبنانية تنجز التعيينات الأمنية ضمن معايير «الخبرة والكفاءة»

أنجزت الحكومة اللبنانية التعيينات العسكرية والأمنية، دفعة واحدة، واستندت في خياراتها إلى «الخبرات والكفاءة»، حسبما قال وزير الإعلام.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

الإعلان عن فصائل عراقية جديدة... ومراقبون يَعُدُّونها تبادل أدوار

استعراض عسكري لأحد الفصائل (مواقع تابعة للفصائل)
استعراض عسكري لأحد الفصائل (مواقع تابعة للفصائل)
TT
20

الإعلان عن فصائل عراقية جديدة... ومراقبون يَعُدُّونها تبادل أدوار

استعراض عسكري لأحد الفصائل (مواقع تابعة للفصائل)
استعراض عسكري لأحد الفصائل (مواقع تابعة للفصائل)

كسرت عدة فصائل عراقية مسلحة جدار الصمت في علاقتها مع واشنطن طوال الشهور الماضية، معلنة استعدادها للدخول في مواجهة وشيكة مع الأميركان.

وأعلن أكثر من فصيل عراقي مسلح، بعضها يكشف عن نفسه لأول مرة، استعداده لاستئناف العمل تزامناً مع الضربات الأميركية لليمن داعين إلى ما أسموه «الجهاد» لحماية العراق من جهة، ومن جهة أخرى للدفاع عن اليمن ومواجهة الهجوم الأميركي.

وفيما تبدو العملية الأميركية في اليمن التي أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنها سوف تستمر بمثابة تحذير لإيران بعد أيام قلائل على الرسالة التي بعث بها ترمب إلى المرشد الإيراني علي خامنئي فإن سياسة «خلط الأوراق» التي تريد إيران استخدامها في هذه المواجهة مثلما يرى مراقبون في بغداد مرشحة لأن تغير قواعد الاشتباك بعد فترة الهدوء التي استمرت لشهور بعد عمليات «طوفان الأقصى»، وقيام إسرائيل بهجمات واسعة على لبنان، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، ووصول ترمب إلى البيت الأبيض.

وفي هذا السياق، وبعد ساعات من بدء الضربات الأميركية على اليمن، ظهرت فصائل مسلحة جديدة، أصدرت بيانات وتسجيلات مصورة، دعت من خلالها إلى التطوع لحماية العراق والدفاع عن اليمن.

وأعلنت فصائل «قوات درع العباس الاستشهادية»، عن نفسها بواسطة بيان مصور قام بإلقائه أحد العناصر، وظهر خلفه شخصان ملثمان، عُلِّقت خلفهم صورة الأمين العام السابق لـ«حزب الله» اللبناني، حسن نصر الله.

وأعلن أن أهداف الفصيل تشمل «حماية العراق والعقيدة»، ودعا المواطنين العراقيين وأبناء «الحشد الشعبي» للانضمام «للمشروع الجهادي».

وبعد ساعات قليلة من إعلان هذا الفصيل لنفسه وأهدافه، صدر بيان لفصيل آخر يحمل اسم «كتائب صرخة القدس»، أُعلن خلاله أنهم رهن الإشارة لاستهداف مصالح العدو الأميركي في المنطقة حيثما وجدت وبالوسائل المناسبة التي تجعلهم يدفعون ثمن جرائمهم بحق شعوبنا.

وجوه جديدة أم تبادل أدوار؟

وفيما التزمت الفصائل العراقية المعروفة الصمت، مثل «كتائب حزب الله» أو «النجباء» فضلاً عن فصائل أخرى مثل «أصحاب الكهف»، و«عصبة الثائرين»، و«سرايا ثورة العشرين الثانية»، و«جماعة ثأر المهندس»، و«قوات ذو الفقار»، و«أولياء الدم»، و«سرايا المنتقم»، و«قاصم الجبارين»، أو حتى تلك التي انخرطت في العملية السياسية، إلا أن ظهور فصائل بتسميات جديدة بعد الضربات الأميركية لليمن أثار استغراب أوساط المراقبين السياسيين، وعدُّوه كما لو كان تبادل أدوار وإخفاء لمسميات معروفة عبر محاولة تصدير وجوه جديدة لفصائل مسلحة ليست موضوعة على جدول الأهداف الأميركية.

وأوقفت الفصائل العراقية خلال الشهور الأخيرة نشاطها؛ استجابة لنصائح الحكومة، فضلاً عن بدء المفاوضات بين واشنطن وبغداد بهدف إنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق، إلا أن ظهور هذه الفصائل بعد الضربات على اليمن من شأنه أن يربك العلاقة مع واشنطن في وقت بدأت بغداد تتحدث عن علاقة «متينة» مع الإدارة الأميركية الحالية.