عمار عبد ربه... العدسة التي وثقت صعود بشار الأسد وسقوطه

المصور السوري يتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن ذكرياته مع «الرئيس صاحب الضحكات الغريبة»

عمّار عبد ربّه... الخروج من دمشق لم يشبه بشيء العودة إليها بعد سقوط نظام الأسد
عمّار عبد ربّه... الخروج من دمشق لم يشبه بشيء العودة إليها بعد سقوط نظام الأسد
TT

عمار عبد ربه... العدسة التي وثقت صعود بشار الأسد وسقوطه

عمّار عبد ربّه... الخروج من دمشق لم يشبه بشيء العودة إليها بعد سقوط نظام الأسد
عمّار عبد ربّه... الخروج من دمشق لم يشبه بشيء العودة إليها بعد سقوط نظام الأسد

لم يتخيّل المصوّر السوري عمّار عبد ربّه أن يشهد على يومٍ مثل 13 ديسمبر (كانون الأول) 2024. فبعد 14 عاماً على خروجه القسري من دمشق، دخل إلى مدينته عَقِبَ أيامٍ على سقوط نظام الأسد. أوّل صورة التقطتها عينُه وعدستُه لدى عبوره الحدود من لبنان إلى سوريا، كانت لوجهِ بشار الأسد ممزّقاً على إحدى اليافطات.

ليست العودة عادية بالنسبة إلى صحافي أمضى أياماً كثيرة إلى جانب بشار الأسد مصوّراً إياه وعائلته، ومتنقّلاً معه بين عواصم العالم. حدث ذلك قبل أن ينقلب المسار مع اندلاع الثورة، حيث أصبح كل ما جمع بين عبد ربه والرئيس من الماضي في عام 2011، مع اتّخاذ المصوّر موقفاً واضحاً ضد النظام.

صورة ضخمة لبشار الأسد ممزقة على مداخل العاصمة السورية دمشق (عمّار عبد ربّه)

«لم أكن مصوّره الخاص»

يعود عبد ربّه مع «الشرق الأوسط» بالذاكرة إلى الأيام الكثيرة التي اقتربَ فيها من الرئيسَ السوري السابق، فصوّره في مناسباتٍ عامة وجلساتٍ خاصة.

وثّقت عدسته لحظات تاريخية في عهد الرئيس حافظ الأسد كذلك، مثل لقائه مع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، حيث التقط مشهد المصافحة الشهيرة بينهما. كما كان من المصوّرين الفوتوغرافيين القلائل الذين واكبوا مراسم دفن الأسد الأب في القرداحة عام 2000، وقد تفرّد حينها بلقطة بشّار فوق نعش والده.

بشار الأسد ناثراً التراب على نعش والده حافظ (عمّار عبد ربّه)

هذا القربُ من القصر ورئيسه دفع البعض إلى الظن بأنّ عبد ربّه هو مصوّر بشّار الخاص، خصوصاً أنه رافقه في معظم رحلاته الخارجية، وأنجز له ولعائلته صور بورتريه كثيرة. لكنه يصرّ على أنّه تواجدَ في هذا الموقع من باب المهنة، هو الذي جمعته جلسات تصوير عدة بكبار القادة العرب والغربيين بصفته مصوّراً محترفاً ومتعاوناً لسنوات في «وكالة الصحافة الفرنسية» وغيرها من الوكالات العالمية، ثم «لأنّني تأمّلتُ خيراً برئيسٍ شاب حمل خطاباً واعداً، وفُتحت له آنذاك صالونات باكينغهام والإليزيه وغيرها من الصروح الدوليّة، قبل أن يتّضح واقع الرجل لاحقاً بالنسبة لي».

من جلسات التصوير العائلية التي نفذها عبد ربه لبشار الأسد (عمّار عبد ربّه)

الرئيس المصوّر ونوبات الضحك الغريب

عام 2011، ومع اندلاع الشرارة الأولى للثورة، اتّخذ المصوّر المقيم في باريس «موقفاً واضحاً ضد النظام، فباتت العودة إلى البلد مستحيلة». لم تشفع له معرفته بالأسد وزوجته، فبات «المنفى الدائم» الخيار الوحيد. ما عاد عمّار عبد ربه المصوّر الذي يأخذ برأيه التقني «سيادة الرئيس» هاوي التصوير. ومن تلك المرحلة، لم تبقَ سوى صور وذكرياتٍ عن «شخصٍ كان يخبّئ خجلَه بكثيرٍ من الابتسامات الفارغة والضحك الغريب»، وفق وصف عبد ربّه للأسد.

قبل تولّيه الرئاسة بـ4 سنوات، وفي وقتٍ كان التصوير يشغل الكثير من اهتمامه، لفتت لقطاتُ عمّار عبد ربّه نظر بشار الأسد. دعاه إلى لقاءٍ يسمع فيه منه نصائح بشأن التصوير. اقتصر الاجتماع الأول بين الرجلين على المعلومات التقنية، كما التقط له في تلك الجلسة صوراً تفاجأ بأنها تحوّلت إلى «بوستر» انتشر في أرجاء سوريا، بعد أن صار رئيساً.

رافق عبد ربّه بشار الأسد من خلال عدسته في مناسبات رسمية وخاصة (عمّار عبد ربّه)

بشار الأسد وأسماء... أسفارٌ وانفصال عن الواقع

من فترة الرئاسة تلك، يذكر عبد ربّه أسئلة الأسد له حول بروتوكولات التصوير المعتمدة في القصور الرئاسية حول العالم. يذكر كذلك لقاءاته مع زوجته أسماء «التي كانت تصدمني باستغرابها مخاوف الصحافيين السوريين وانتقادَها تغطيتهم المترددة والحذرة، وكأنها غير مدركة لمخاوفهم التي زرعها النظام فيهم».

هذا الانفصال عن الواقع هو أكثر ما لاحظه عبد ربه في «السيدة الأولى» السابقة، خصوصاً أنه رافقها تصويراً خلال جولاتها المناطقيّة. أبعد من الحدود السورية، طارت كاميرا عبد ربه مع بشار الأسد وأسماء، فغطّت عدسته زياراتهما الرسمية إلى مدريد، ولندن، وباريس، وبكين، وبراغ وغيرها من العواصم.

بشار وأسماء الأسد خلال زيارتهما الرسمية إلى الصين (عمّار عبد ربّه)

من بين تلك الصور، عادت لتطفو إلى الواجهة اليوم لقطة الثنائي في موسكو عام 2005. «بما أن لا صورة جديدة لهما هناك، فوجئتُ بالصحافة العالمية مؤخراً وهي تستعين بلقطتي لهما في العاصمة الروسية تحت الثلج خلال زيارة رسمية».

بشار وأسماء الأسد خلال زيارتهما الرسمية إلى موسكو عام 2005 (عمّار عبد ربّه)

الخروج من دمشق والدخول من حلب

عام 2011، تجمّد الزمن السوري في عدسة المصوّر. لم تطأ قدماه أرض العاصمة، فعاد ليدخل من بوّابة حلب مرّات عدة خلال الحرب. واقفاً على ضفّة المعارضة، صوّر الدمار الذي أصاب المحافظة العابقة بالتاريخ، فخرج بقلبٍ محطّم. سكبَ حزنه في كتابِ صوَر وشارك العالم مآسي «الشهباء»، من خلال سلسلة معارض أقامها خارج سوريا.

المصوّر عمّار عبد ربّه في المعرض الذي أقامه عن الدمار الذي عاينه في حلب

أما اليوم وقد انتهى عهد الكآبة في نظر عمّار عبد ربّه، فإنّ أفراح السوريين هي أكثر ما تريد عدستُه أن تتّسع لها. «أجمل ما التقطتُه كانت صورة الاحتفال والفرح في عيون السوريين، وذلك حين اقتنائهم اللحظة الاستثنائية والألوان الزاهية»، يقول. ثم يضيف: «هم يستحقون هذه النقلة من التعاسة إلى السعادة».

في جامع الأمويين في دمشق، استوقفه مشهد مجموعة من الشابات يحتفلن بالتقاط الصور مع العلَم الجديد. وفي منطقة باب توما، كان موعدٌ آخر مع الفرح وأنوار عيد الميلاد وزينته. ما زالت تنبض الفرحة في روحِ المصوّر حتى اللحظة، مع أنه غادر دمشق إلى باريس مجدَداً. «لكن هذه المرة باستطاعتي القول إنني عائد، وربما للإقامة ولو جزئياً هناك»؛ أكثر من ذلك، هو يخطط لتأسيس مشروعٍ مهني في وطنه.

احتفالات عيد الميلاد في منطقة باب توما في دمشق بعد سقوط نظام الأسد (عمّار عبد ربّه)

سوريا بعدسة جديدة

يتفاءل بأنّ الحظر رُفع عن الكاميرات وما عاد المصوّرون يتعرّضون للتوقيف إذا تجوّلوا وأدواتهم في أيديهم، أو إن التقطَوا صورة في الشارع. بذلك، يكتشف الصحافيون في سوريا واقعاً مهنياً ما كانوا معتادين عليه، ويتنفّسون الصعداء. وبناءً عليه، يعود عبد ربّه إلى دمشق لتصوير حكاياتٍ لطالما تمنّى مقاربتها.

«أرغب في تصوير الناس الذين خلّف نظام الأسد ندوباً على حياتهم وأرواحهم وأجسادهم، مثل السجناء السابقين وأهالي المفقودين والضحايا، ومَن اضطروا إلى الاختباء في بيوتهم لسنوات هرباً من الخدمة العسكرية الإلزاميّة»، يبدأ بتعداد الأفكار التي وضعها على مفكّرته. يريد كذلك الاقتراب بعدسته ممن تسلّموا الحُكم ليعاين استعداداتهم للمرحلة الجديدة.

فتيات دمشقيّات يحتفلن بسقوط نظام الأسد أمام الجامع الأموي في دمشق (عمّار عبد ربّه)

لا تكتمل العودة إلى سوريا من دون التجوال في محافظاتها و«إعادة اكتشاف جمالها من جهة، وتوثيق الدمار الذي أصابها من جهة ثانية». هذا ما يخطط عمّار عبد ربه لتنفيذه، هو الذي حُرمَ الإقامة الطويلة في بلده منذ الولادة عام 1966.


مقالات ذات صلة

الأسد في منفاه... حياة فاخرة داخل موسكو سيتي

المشرق العربي بشار وأسماء الأسد خلال زيارتهما الرسمية إلى موسكو عام 2005 (عمار عبد ربه)

الأسد في منفاه... حياة فاخرة داخل موسكو سيتي

يقول صحافي مقيم في موسكو ويتتبع الحياة الجديدة للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في موسكو سيتي، المنطقة الراقية في العاصمة الروسية: «إن الأسد كان محظوظاً مقارنة…

«الشرق الأوسط» (لندن)
خاص صورة أرشيفية للرئيس حافظ الأسد وشقيقه رفعت في يناير 1984 (أ.ف.ب) play-circle 02:50

خاص مروان حمادة: سخر رفعت الأسد من شقيقه ودعا إلى تقسيم لبنان وسوريا

في حلقة اليوم يروي النائب والوزير السابق مروان حمادة أن رفعت الأسد دعا لتقسيم سوريا ولبنان ومغادرة العلاقة مع الاتحاد السوفياتي إلى علاقات مع أميركا وإسرائيل.

غسان شربل (بيروت)
خاص مروان حمادة إلى يمين وليد جنبلاط مع حافظ الأسد (أرشيف مروان حمادة) play-circle 01:21

خاص مروان حمادة: حافظ الأسد قال لنا انسوا بشير الجميل واغتيل بعد 4 أيام

يروي الوزير اللبناني السابق مروان حمادة لـ«الشرق الأوسط» تجربته مع حكم الأسدين الطويل في سوريا التي كادت تكلفه حياته، وشهادته على صناعة دمشق زعامات وشطب أخرى.

غسان شربل (بيروت)
تحليل إخباري حزم من الليرة السورية في المصرف التجاري السوري بدمشق نوفمبر 2022 (أ.ف.ب)

تحليل إخباري لماذا أرسلت موسكو أموالاً لحكومة الشرع؟

أكد المصرف المركزي السوري الأنباء المتداولة عن تسلم الإدارة السورية الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، أموالاً من الليرة السورية من روسيا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي جدارية للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد وبها آثار لثقوب رصاص 16 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle

حافظ الأسد يؤكد رواية والده بشار عن «الساعات الأخيرة في سوريا»

فيما يعد الظهور الأول له منذ الإطاحة بوالده، نشر حافظ نجل الرئيس السوري السابق بشار الأسد مقطع فيديو يؤكد فيه تبعية حسابين له على منصتي «إكس» و«تلغرام».

أحمد سمير يوسف (القاهرة)

قائد «اليونيفيل» يؤكد ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جنوب لبنان

قافلة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان على الحدود مع شمال إسرائيل (أ.ف.ب)
قافلة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان على الحدود مع شمال إسرائيل (أ.ف.ب)
TT

قائد «اليونيفيل» يؤكد ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جنوب لبنان

قافلة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان على الحدود مع شمال إسرائيل (أ.ف.ب)
قافلة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان على الحدود مع شمال إسرائيل (أ.ف.ب)

قال قائد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) أرولدو لازارو، اليوم (الاثنين)، إنه اجتمع مع الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام، لبحث التطورات الأخيرة في لبنان.

وأضاف لازارو أنه اتفق مع عون وسلام على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجنوب اللبناني في الموعد المحدد طبقاً لاتفاق وقف إطلاق النار.

وتابع قائلاً: «اتفقت مع الرئيس عون ورئيس الحكومة على نشر الجيش اللبناني لفرض الحظر على الأسلحة غير القانونية في الجنوب».

وبموجب هدنة جرى التوصل إليها في نوفمبر (تشرين الثاني)، مُنحت القوات الإسرائيلية 60 يوماً للانسحاب من جنوب لبنان بعد حرب استمرت لأكثر من عام مع جماعة «حزب الله».

وتم تمديد الموعد النهائي إلى 18 فبراير (شباط)، غير أن الجيش الإسرائيلي أعلن، الاثنين، أنه سيبقى في 5 «نقاط استراتيجية» في جنوب لبنان، عشية انتهاء المهلة المحددة لانسحابه.

وقال المتحدث العسكري الإسرائيلي ناداف شوشاني للصحافيين: «بناءً على الوضع الراهن، سنترك قوات محدودة منتشرة مؤقتاً في 5 نقاط استراتيجية على طول الحدود مع لبنان، بحيث نواصل الدفاع عن سكاننا ونتأكد من عدم وجود تهديد فوري».

جاء ذلك بعد تأكيد مسؤولين لبنانيين رفضهم احتفاظ القوات الإسرائيلية بنقاط في جنوب لبنان، بعد انتهاء مهلة انسحابها.

وفي سياقٍ آخر، أكد قائد اليونيفيل أن الرئيس اللبناني ورئيس الوزراء تعهدا بتقديم مرتكبي الهجوم على موكب اليونيفيل إلى العدالة.

كانت قيادة الجيش اللبناني قد قالت، يوم الجمعة، إن مناطق عدة، خاصة محيط مطار رفيق الحريري الدولي شهدت احتجاجات تخللتها أعمال شغب، بما في ذلك مهاجمة آليات تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) ومحاولة إغلاق طريق المطار.