لبنان يتعامل بـ«جدية» مع تلويح إسرائيل بالبقاء جنوباً

قاسم يهدد بالرد على الخروقات... ميقاتي يكثّف اتصالاته الدولية... ومصادر عسكرية تنفي إبلاغها بإرجاء الانسحاب

رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في اجتماع ببيروت 24 ديسمبر الماضي مع لجنة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار (أ.ب)
رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في اجتماع ببيروت 24 ديسمبر الماضي مع لجنة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار (أ.ب)
TT

لبنان يتعامل بـ«جدية» مع تلويح إسرائيل بالبقاء جنوباً

رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في اجتماع ببيروت 24 ديسمبر الماضي مع لجنة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار (أ.ب)
رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في اجتماع ببيروت 24 ديسمبر الماضي مع لجنة مراقبة اتفاق وقف إطلاق النار (أ.ب)

أعادت إسرائيل خلط الأوراق السياسية والأمنية في جنوب لبنان، عبر تلويحها بعدم الانسحاب من المناطق التي احتلتها في الجنوب، فيما نقلت تصريحات لمصادر وزارية أن تعاملاً «جدياً» يجري مع الإفادات الإسرائيلية.

وقالت وسائل إعلام عبرية إن هناك «توقعات» بأن تنقل تلّ أبيب رسالة إلى واشنطن، بأنها «لن تنسحب من جنوب لبنان بعد انتهاء مهلة 60 يوماً (المحددة لإتمام الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان)، وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار».

وفي حين نقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن تل أبيب «تأمل أن يتفهم الأميركيون موقفهم، بأن الانسحاب في الموعد المحدد، دون أن يلتزم لبنان بتعهداته، سيكون أمراً إشكالياً»، قالت مصادر عسكرية لبنانية لـ«الشرق الأوسط» إنها «لم تتبلغ بأي شيء» حول إرجاء الانسحاب.

جسّ نبض

الكلام الإسرائيلي أثار قلق الدولة اللبنانية، ورأى مصدر وزاري أن «ما سُرّب عن الجانب الإسرائيلي، قد يكون مجرد جسّ نبض، وربما نوع من الضغط على الأميركيين، لممارسة الأمر نفسه على الجانب اللبناني؛ لتنفيذ الاتفاق بشكل أسرع لجهة استكمال انتشار الجيش اللبناني في جنوب الليطاني ومنع أي وجود لـ(حزب الله)».

وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن «الحكومة اللبنانية تأخذ هذا الموضوع على محمل الجدّ، والرئيس نجيب ميقاتي بصدد تكثيف اتصالاته الداخلية والدولية، والتحذير من خطورة الطرح الإسرائيلي على الاستقرار»، مشيراً إلى أن رئيس الحكومة «سيطرح الأمر على أول جلسة لمجلس الوزراء، بعد أن يستكمل اتصالاته بالجهات الدولية المؤثرة، خصوصاً مع الولايات المتحدة الأميركية التي ترأس لجنة مراقبة وقف النار، والمعنية بشكل مباشر بوضع حدّ للاستفزازات الإسرائيلية وتماديها في الاعتداء على السيادة اللبنانية».

عناصر في قوات «اليونيفيل» في بلدة الخردلي في جنوب لبنان يوم بدء اتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر الماضي (أ.ب)

«حزب الله» يهدد

من جهته، هدّد الأمين العام لـ«حزب الله»، نعيم قاسم، بالرد على الخروقات الإسرائيلية، قائلاً: «قد ينفد صبرنا خلال أو بعد انقضاء مهلة الـ60 يوماً، وعندما نقرر أن نفعل شيئاً فسترونه»، محملاً الدولة اللبنانية مسؤولية تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.

وجاءت مواقف قاسم في كلمة له بمناسبة الذكرى السنوية لاغتيال قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني، ورئيس «هيئة الحشد الشعبي» العراقي أبو مهدي المهندس، ورفاقهما؛ إذ أكد أن «اتفاق وقف إطلاق النار يلزم إسرائيل بالانسحاب من جنوب نهر الليطاني، والدولة اللبنانية هي المسؤولة عن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار».

ولفت إلى أنه «لا يوجد جدول زمني يحدّد أداء المقاومة لا بعد الاتفاق ولا بعد انتهاء المهلة»، مضيفاً أن «قيادة المقاومة هي التي تقرر متى وكيف تقاوم، وأسلوب المقاومة والسلاح الذي تستخدمه».

وعدّ أن «المشروع لم يسقط»، مؤكداً: «معنوياتنا عالية، رغم الجراح والآلام».

ورغم عدم انسحاب الجيش الإسرائيلي من عدد من القرى ومنعه عودة سكان عشرات البلدات إلى منازلهم حتى الآن، قال قاسم: «إسرائيل حاولت لمدة 64 يوماً أن تتقدّم داخل أراضينا، لكنها تقدمت فقط مئات الأمتار، وعجزت عن التقدم في عمق أراضينا بفضل قوة المقاومة»، مضيفاً: «واجهنا عدواناً غير مسبوق وصمدنا وكسرنا شوكة إسرائيل».

لا تعديل على الانسحاب

وأعلن النائب قاسم هاشم، عضو كتلة «التحرير والتنمية»، التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه برّي، أن لبنان «لن يقبل ببقاء الجيش الإسرائيلي لساعة واحدة بعد انتهاء مهلة الـ60 يوماً». وأوضح أنه «إذا لم تكن إسرائيل أنهت انسحابها من كل البلدات التي احتلتها مؤخراً فسنكون أمام مرحلة خطيرة جداً، وهذا تأكيد إضافي على النيّات العدوانية لإسرائيل».

وقال هاشم لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو أنه بعد توغل الجيش الإسرائيلي في الأراضي السورية، والتزام لبنان بمضامين اتفاق وقف النار، فُتحت شهيّة الإسرائيلي على احتلال مساحات جديدة»، مؤكداً أن «لبنان لم يتبلّغ رسمياً بأي تعديل على موعد الانسحاب، لكن إذا بالفعل أصرّت على البقاء ولو ليوم واحد، فإن كل الأعراف والمواثيق الدولية تعطي لبنان الرسمي والشعبي الحق الكامل بتحرير أرضه بكل الوسائل المتاحة». وختم النائب قاسم هاشم: «إن غداً لناظره قريب».

تعويض الفشل

من جهته، عدَّ رئيس كتلة «حزب الله» النيابية، محمد رعد، في تصريح له بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري، أن «الإسرائيلي يقوم بالخروقات المخزية لتعويض فشله الميداني»، مشيراً إلى أن «حفظ السيادة الوطنية واجب الجميع».

عناصر من الجيش اللبناني يقفون في 23 ديسمبر الماضي بموقع متضرر ببلدة الخيام جنوب البلاد (رويترز)

وقال رعد، بعد زيارته رئيس مجلس النواب نبيه برّي: «نقلنا تحية الأمين العام لـ(حزب الله) الشيخ نعيم قاسم إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وتباحثنا معه في خطوات لجنة الإشراف على وقف النار وملف الرئاسة، وتداولنا في الخطوات المزمع القيام بها ضمن اتفاق وقف النار».

تداعيات الانهيار

وخلال زيارتها لبنان والاطلاع على الأوضاع بعد أكثر من شهر على دخول قرار وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، رأت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ميريانا سبولياريتش، أنه «لا تزال الاحتياجات الإنسانية هائلة في أعقاب التصعيد الأخير في الأعمال العدائية».

وقالت: «لا يمكن للمدنيين تحمّل انهيار وقف إطلاق النار الذي قد يُعيدهم إلى القتال العنيف وما يجلبه من موت ودمار». وشددت على أن «الحفاظ على وقف إطلاق النار أمر ضروري لتتمكن العائلات من العودة إلى ديارها وإعادة بناء حياتها، ولوصول المساعدات الإنسانية إلى من هم في أمسّ الحاجة إليها».

وأضافت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر: «كان من الممكن الحد من نطاق الدمار والاحتياجات الإنسانية الضخمة في لبنان إلى حد كبير لو التزم أطراف النزاع بقواعد الحرب تماماً»، لافتة إلى أن «القانون الدولي الإنساني لا يزال سارياً وقاطعاً في هذا الصدد، ويجب حماية المدنيين وضمان وصولهم إلى المساعدات الإنسانية».

خروقات مستمرة

أما على صعيد التطورات الميدانية في جنوب لبنان، فواصلت إسرائيل في اليوم الـ40 لدخول قرار وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، خرقها للسيادة اللبنانية برّاً وجوّاً، وبدأت بتفجير منازل في بلدات حيّان، ومركبا، والطيبة ورب ثلاثين، واستهدف جيش الاحتلال بقذيفة مدفعية محيط مجمع الإمام الصدر الرياضي في منطقة دوبيه غرب بلدة ميس الجبل.

قوات إسرائيلية تتحرك في 2 ديسمبر الماضي بين منازل مدمرة في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان (إ.ب.أ)

وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام (الرسمية) بأن قوة إسرائيلية تقدمت نحو بلدة برج الملوك، وتمركزت قرب محطة فرح وقطعت الطريق بالأسلاك الشائكة، وردّ الجيش اللبناني بإغلاق ثلاثة مفترقات في بلدة برج الملوك بالسواتر الترابية، وهي مفترق مسبح رويال، مفترق معصرة سلامة للجهة الجنوبية، ومفترق طريق الجزيرة، وكل هذه المفترقات تؤدي إلى جنوب سهل مرجعيون لجهة كفركلا، وذلك لمنع التقدم الإسرائيلي.

كما توغلت دبابات «ميركافا» وجرافة إسرائيلية في بلدة مارون الراس وحي عقبة مارون، وأطلقت قذيفة في اتجاه منزل في العقبة.

أما على صعيد الخروقات الجوية فسجل منذ صباح السبت تحليق مكثف للطيران المسير التجسسي في أجواء بلدات الدوير، وجبشيت، وحاروف وعبا، على علوّ منخفض وبشكل لافت لأول مرة منذ وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان. كما حلّق طيران الاستطلاع على علوٍ منخفض فوق مدينتي صور والنبطية ومحيطهما.


مقالات ذات صلة

لبنان: عون تفهّم هواجس «الثنائي» فرجحت كفة انتخابه

المشرق العربي رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون (رويترز)

لبنان: عون تفهّم هواجس «الثنائي» فرجحت كفة انتخابه

يستعد لبنان مع انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية للدخول في مرحلة سياسية جديدة تواكب التحولات التي شهدتها المنطقة.

محمد شقير (بيروت)
المشرق العربي السيدة الأولى نعمت عون إلى جانب زوجها الرئيس جوزيف عون في بعبدا (رويترز)

نعمت عون حملت مسؤوليات «بحجم جبال»... ما نعرفه عن السيدة اللبنانية الأولى

مع فوز قائد الجيش جوزيف عون بالرئاسة، برز اسم زوجته السيدة الأولى نعمت عون، التي لعبت دوراً في دعم زوجها خلال مسيرته المهنية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس عون مستقبلاً ميقاتي في بعبدا (الوكالة الوطنية للإعلام) play-circle 01:14

ميقاتي يلتقي عون: نحن أمام مرحلة جديدة لسحب السلاح من جنوب الليطاني

في أوّل لقاء رسمي له كرئيس لجمهورية لبنان، استقبل جوزيف عون، رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي، في قصر بعبدا.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جندي إسرائيلي يقف بجوار حاجز على جبل الشيخ (أ.ف.ب)

تفجيرات إسرائيلية تستهدف عدداً من المناطق في جنوب لبنان

نفذت القوات الإسرائيلية تفجيرات في بلدة كفركلا وفي محيط بلدتي عيتا الشعب والوزاني، سُمع دويها في بلدات عدة بجنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس الجديد جوزيف عون جالساً على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا لأول مرة بعد انتخابه الخميس (أ.ف.ب)

ماكرون قريباً في لبنان... وتأكيد فرنسي على دعم «غير مشروط» بعد انتخاب عون

بعد انتخاب العماد جوزيف عون، تؤكد باريس أن «دعمنا للبنان سيكون متواصلاً وتاماً وغير مشروط»، وتحث السياسيين اللبنانيين على تشكيل حكومة قوية تدعم الرئيس.

ميشال أبونجم (باريس)

وزير الخارجية التركي: لا مطامع لنا في الأراضي السورية

TT

وزير الخارجية التركي: لا مطامع لنا في الأراضي السورية

فيدان خلال مؤتمر صحافي (الخارجية التركية)
فيدان خلال مؤتمر صحافي (الخارجية التركية)

أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الجمعة، أن بلاده لا مطامع لها في أي جزء من الأراضي السورية بعد الإطاحة بحكم بشار الأسد.

وقال فيدان، خلال مؤتمر صحافي في إسطنبول، في حين تكثر المخاوف من تهديدات أنقرة للفصائل الكردية في سوريا: «لا مطامع لتركيا في أي جزء من الأراضي السورية».

 

قوات تركية عقب دخولها مناطق في شمال شرقي سوريا خلال عملية «نبع السلام» العسكرية عام 2019 (أرشيفية - الدفاع التركية)

وقال وزير الخارجية التركي إنه ينبغي منح الإدارة السورية الجديدة فرصة لحل مسألة وجود المسلحين الأكراد في البلاد، لكنه أكد أن أنقرة ستتخذ إجراءات ضدهم إذا لم يحدث ذلك. وأضاف فيدان أنه من الخطأ تصنيف معركة بلاده ضد المسلحين الأكراد على أنها معركة ضد الأكراد، مشيراً إلى أن أنقرة تقيّم في الوقت الراهن وجودها في سوريا في ضوء الوضع الجديد هناك. وقال إن روسيا اتخذت قراراً عقلانياً جداً عندما أوقفت دعم الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، بينما كان بوسعها أن تدعمه عسكرياً في وقف تقدم مقاتلي المعارضة.

جانب من مباحثات فيدان والشرع بدمشق في 22 ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)

وذكر وزير الخارجية التركي أن بلاده تملك «القدرة والعزم» على القضاء على كل التهديدات الأمنية. وقال فيدان: «تملك تركيا السلطة والقدرة، خصوصاً العزم للقضاء على كل ما يهدد وجودها، من جذوره»، في إشارة إلى المقاتلين الأكراد في سوريا المرتبطين، بحسب تركيا، بـ«حزب العمال الكردستاني» الذي تعدّه أنقرة إرهابياً.

أحد أفراد «قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد في الحسكة (رويترز)

وأضاف أن واشنطن تُشكِّل المُحاوِر الوحيد لبلاده بشأن التطورات في شمال شرقي سوريا، في حين حذَّرت أنقرة من أنها ستتحرك عسكرياً ضد المقاتلين الأكراد في هذه المنطقة. وأوضح: «الولايات المتحدة هي مُحاوِرُنا الوحيد... بصراحة لا نولي اعتباراً لدول تحاول أن تخدم مصالحها الخاصة في سوريا»، في تلميح واضح إلى فرنسا.

ورأى وزير الخارجية التركي أن فرنسا لا تأخذ بالاعتبار أمن تركيا بشأن قضية المتطرفين الأجانب في سوريا. وشدّد فيدان على أن باريس «يجب أن تستعيد مواطنيها وتضعهم في سجونها وتحاكمهم». ورداً على سؤال حول سياسة فرنسا بشأن المتطرفين المعتقلين في سوريا، قال فيدان: «لديهم سياسة لا تقوم على إعادة السجناء من أعضاء تنظيم (داعش) إلى بلدهم. لا يأبهون لأمننا... يعطون الأولوية دائماً لمطالبهم الخاصة». ولفت فيدان إلى أن باريس تعتمد في احتجاز المتطرفين الفرنسيين على قوات «سوريا الديمقراطية (قسد)» المدعومة من واشنطن، والتي تُشكِّل وحدات «حماية الشعب الكردية» عمودها الفقري.