تركيا تخطط لإقامة «علاقات استراتيجية» مع إدارة سوريا الجديدة

«خريطة طريق» لتلبية احتياجات الدفاع والأمن... وجدل حول ترفيع مقاتل تركي بقيادة الجيش

قوات أمن سورية خلال دورية في حمص لتعقب فلول الأسد (أ.ف.ب)
قوات أمن سورية خلال دورية في حمص لتعقب فلول الأسد (أ.ف.ب)
TT

تركيا تخطط لإقامة «علاقات استراتيجية» مع إدارة سوريا الجديدة

قوات أمن سورية خلال دورية في حمص لتعقب فلول الأسد (أ.ف.ب)
قوات أمن سورية خلال دورية في حمص لتعقب فلول الأسد (أ.ف.ب)

أكدت تركيا أنها ستعمل على إقامة علاقات استراتيجية مع الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، وسيتم إعداد خريطة طريق لتلبية احتياجات الدفاع والأمن في المرحلة الانتقالية.

في الوقت ذاته، أثار ترفيع التركي عمر محمد تشيفتشي، المعروف باسم «مختار التركي»، الذي كان مدرجاً على قائمة الإرهاب في تركيا بوصفه أحد عناصر «تنظيم القاعدة» إلى رتبة عميد في الجيش السوري الجديد، جدلاً واسعاً في تركيا. وقال مسؤول في وزارة الدفاع التركية، خلال إفادة صحافية أسبوعية لوزارة الدفاع التركية، الخميس، إنه «تنفيذاً لتوجيهات الرئيس رجب طيب إردوغان، نجتمع مع محاورينا لإقامة علاقات استراتيجية بين البلدين، وإقامة تعاون في مختلف المجالات، بعد أن تبدأ أجهزة الدولة في سوريا عملها».

وأضاف أنه بعد الاجتماعات سيتم تقديم الدعم اللازم، وفقاً لخريطة الطريق التي سيتم إعدادها بما يتماشى مع الاحتياجات التي سيتم تحديدها في مجالات الدفاع والأمن.

وأكد المسؤول العسكري التركي أن التعاون له أهمية حاسمة «ليس فقط لتعزيز أمننا، ولكن أيضاً لإرساء السلام والهدوء الإقليميين. وستقوم القوات المسلحة التركية بذلك، وستواصل الوقوف إلى جانب الشعب السوري ودعمه خلال هذه العملية الانتقالية».

إدلب وشرق الفرات

نقطة عسكرية تركية في إدلب (إعلام تركي)

وحول إغلاق أو تقليص عدد نقاط المراقبة العسكرية التركية الموجودة في إدلب، قال المسؤول العسكري إن «المنطقة ساحة واسعة وديناميكية حيث تشهد تطورات مستمرة تتم متابعتها عن كثب... ووفقاً للتطورات المتلاحقة، تجري القوات المسلحة التركية تقييمات، ويتم تحديث الخطط باستمرار، وفي هذا السياق تُتخذ التدابير اللازمة مثل إعادة توزيع القوات، أو أي احتياجات أخرى مطلوبة».

وفيما يتعلق بالوضع الأخير في شرق الفرات، قال المسؤول التركي إن الاشتباكات بين «الجيش الوطني السوري»، الموالي لتركيا، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تسيطر عليها وحدات الشعب الكردية، مستمرة في المنطقة، وسنواصل التعاون والتنسيق الوثيق مع محاورينا لضمان سلامة أراضي سوريا ووحدتها السياسية وأمنها واستقرارها، دون المساس بمكافحة الإرهاب.

وأضاف: «نحن في القوات المسلحة التركية نتصرف وفق مبدأ قليل من الكلام، مزيد من العمل في سوريا، ونحن مصممون تماماً على أنه لا يوجد مكان للمنظمات الإرهابية في سوريا في العصر الجديد، وأنه لا الإدارة السورية الجديدة ولا نحن سوف نسمح بذلك. ونؤكد مرة أخرى على هذا الأمر».

وتصاعدت الاشتباكات بين فصائل «الجيش الوطني السوري»، و«قسد»، بالتزامن مع عملية «ردع العدوان» التي قامت بها «هيئة تحرير الشام» وفصائل مدعومة من تركيا، وأسفرت عن سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

الاشتباكات مع «قسد»

احتدام الاشتباكات بين «قسد» والفصائل الموالية لتركيا على محاور منبج (المرصد السوري)

وتشهد محاور في ريف منبج، شرق حلب، للأسبوع الرابع على التوالي، اشتباكات عنيفة بين فصائل «الجيش الوطني»، و«قسد»، تتركز على محاور سد تشرين، وجسر قره قوزاق، وقريتي السعيدين والحاج حسين شمال منبج، بالإضافة إلى علوش، وعطشانة، والمصطاحة جنوب المدينة. وقصفت «قسد»، الخميس، براجمات الصواريخ تجمعات للفصائل الموالية لتركيا على قرى محور سد تشرين. كما قصفت القوات التركية والفصائل، قرية بلك في ريف مدينة عين العرب (كوباني) بالمدفعية الثقيلة.

واستقدمت قوات «التحالف الدولي للحرب على (داعش)»، بقيادة أميركا، رتلاً من التعزيزات اللوجيستية، تضمن غرفاً مسبقة الصنع وكاميرات مراقبة وآلات لحفر الخنادق وكتل أسمنتية وصهاريج وقود إلى عين العرب. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن العمل سيبدأ بدءاً من يوم الجمعة، وبعدها سيتم إرسال تعزيزات عسكرية من جنود وأسلحة ومدرعات ورادار ومضاد للطيران وغيرها من الأسلحة.

وكانت دورية من التحالف الدولي أنشأت في 24 ديسمبر، مبنى مؤقتاً في عين العرب من أجل الإشراف على المفاوضات والوساطة بين القوات التركية و«قسد» للحد من التصعيد في المنطقة وتجنيبها الدمار. ووسعت القوات التركية قصفها المدفعي لقرى تابعة لبلدة عين عيسى شمال الرقة، وأخرى في الريف الغربي لتل أبيض بقذائف الهاون، في تصعيد جديد بالمنطقة التي تسيطر عليها «قسد».

دورية أميركية في الحسكة (أ.ف.ب)

وقصفت القوات التركية والفصائل المتمركزة في منطقة نبع السلام في شمال شرقي سوريا، قرى خضراوي وتل حرمل ومشيرفة التابعة لبلدة أبو راسين شمال غربي الحسكة، بالمدفعية الثقيلة، فيما تسير القوات الأميركية دوريات عسكرية في الحسكة.

وقال مستشار العلاقات العامة والإعلام بوزارة الدفاع التركية، خلال الإفادة الأسبوعية للوزارة الخميس، إنه تم القضاء على 49 «إرهابياً» من حزب «العمال الكردستاني»، و«وحدات حماية الشعب» الكردية، خلال الأيام السبعة الماضية، داخل تركيا وفي العراق وسوريا.

وأضاف أن القوات التركية تمكنت، خلال عام 2024، من القضاء على 3 آلاف، و70 «إرهابياً»، 1579 في سوريا، و1491 في شمال العراق، وأن 107 إرهابيين سلموا أنفسهم لقوات الأمن التركية.

وشدّد أكتورك على أن القوات التركية تواصل جهود الحفاظ على الاستقرار في سوريا وعودة السوريين إلى بلادهم بشكل آمن، وستعمل خلال عام 2025، على مكافحة التنظيمات التي تصنفها تركيا «إرهابية» وتشكل تهديداً على أمن تركيا وسوريا والمنطقة، مثل «داعش»، و«حزب العمال الكردستاني»، و«وحدات حماية الشعب» الكردية.

تركي في جيش سوريا

ترفيع عمر محمد تشيفتشي إلى رتبة عميد في قيادة الجيش السوري الجديد فجر جدلاً بتركيا (إعلام تركية)

في غضون ذلك، أثار قرار الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، ترفيع التركي، عمر محمد تشيفتشي، المكنى بـ«مختار التركي»، أحد القادة العسكريين في «هيئة تحرير الشام» إلى رتبة عميد في قيادة الجيش السوري الجديد، جدلاً واسعاً في تركيا، لا سيما وأنه كان أحد المطلوبين المدرجين على قائمة الإرهاب في تركيا من أعضاء «تنظيم القاعدة»، ومتورط في جرائم قطع رؤوس، بحسب ما أفادت وسائل إعلام تركية.

وهاجم نواب في المعارضة التركية وزير الداخلية، علي يرلي كايا، لحذفه تشيفتشي من قائمة الإرهاب التركية، بعدما كانت وزارة الداخلية رصدت في السابق مكافأة مالية ضخمة قدرها 20 مليون ليرة تركية لمن يساعد في القبض عليه، كونه أحد أخطر عناصر «تنظيم القاعدة»، وفق وصف وزارة الداخلية.

وتشمل قائمة الإرهاب في تركيا 27 مطلوباً من «تنظيم القاعدة» على صلة بـ«هيئة تحرير الشام»، منهم رجب بلطجي، المدرج على القائمة الحمراء، وموسى أولغاتش، وسامت داغول، المدرجان على القائمة الصفراء، وفيض الله بيريشيك، المدرج على القائمة الرمادية، والذين تبين أنهم موجودون في سوريا.

وبحسب المعلومات المتداولة عن تشيفتشي، المولود في ولاية عثمانية جنوب غربي تركيا عام 1980، أنه نشط ضمن صفوف «القاعدة» منذ عام 2004، وتوجه إلى سوريا في 2012، حيث أمضى معظم سنواته في حلب وما حولها، وكان من بين من دعموا زعيم «جبهة النصرة» التي تحولت فيما بعد إلى «هيئة تحرير الشام» في الحرب ضد «داعش»، وكان موجوداً في تل رفعت خلال تلك الفترة، وتم وضعه على قائمة الإعدام من قبل «داعش».

وكشفت المعلومات عن أن تشيفتشي قاد الحرب ضد الحاج بكير، أحد أهم 5 شخصيات في «داعش»، وقاد القوات التي دافعت عن مدينة تل رفعت حتى استولت قوات الأسد على حلب في عام 2016. ويُعتقد أن تشيفتشي هو أحد صانعي قرار الانفصال اللاحق لـ«جبهة النصرة» عن «تنظيم القاعدة»، وتحول جبهة فتح دمشق إلى «هيئة تحرير الشام». وتساءلت وسائل الإعلام التركية عن كيفية تعامل القوات المسلحة التركية مع تشيفتشي، في إطار العلاقات العسكرية مع الإدارة الجديدة والجيش السوري الجديد الذي يشغل موقعاً قيادياً في صفوفه.

السياسة التركية في سوريا

رئيس حزب «المستقبل» رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داوود أوغلو (موقع الحزب)

في سياق متصل، أيد رئيس حزب «المستقبل» التركي المعارض رئيس الوزراء الأسبق، أحمد داوود أوغلو، موقف بلاده تجاه التطورات في سوريا، قائلاً إن الموقف العام الحالي للحكومة التركية تجاه سوريا موقف صحيح. وبالإشارة إلى عبارة إردوغان التي قالها عقب اندلاع الاحتجاجات ضد نظام الأسد في 2011 «سيسقط الأسد وسنصلي في الجامع الأموي بدمشق»، قال داوود أوغلو، في مقابلة تلفزيونية، الخميس: «على إردوغان أن يذهب للصلاة في الجامع الأموي». وأضاف: «من أجل السلام الداخلي في تركيا، يجب أن يكون هناك سلام في سوريا، الفائز هو جمهورية تركيا، لقد سيطر الشعب السوري على بلاده، الموقف العام لتركيا صحيح في الوقت الحالي».

وانتقد داوود أوغلو موقف بعض أحزاب المعارضة من قضية اللاجئين السوريين في تركيا، قائلاً: «السوريون يعودون الآن، والمكسب الأكبر لتركيا في سوريا هو آلاف الشباب السوريين الذين تعلموا اللغة التركية، التي كانت ممنوعة في سوريا». وأضاف داوود أوغلو الذي تبنى سياسة «صفر المشاكل مع دول الجوار»، وطبقها عندما كان وزيراً للخارجية، أن الحدود الجنوبية والشرقية لتركيا مع دول جوارها هي «حدود مصطنعة»، وأن هناك علاقات تاريخية وثقافية وثيقة لمن يعيشون على جانبي تلك الحدود، ومن هنا فإن آلاف الشباب السوريين الذين يتحدثون اللغة التركية ويعودون الآن إلى بلادهم يشكلون إنجازاً ومكسباً كبيراً لتركيا.


مقالات ذات صلة

تركيا متمسكة بالتحرك ضد «قسد»... ومحاولات أميركية لمنعها

المشرق العربي عناصر من الفصائل الموالية لتركية تشارك في الاشتباكات مع «قسد» بشرق حلب (أ.ف.ب)

تركيا متمسكة بالتحرك ضد «قسد»... ومحاولات أميركية لمنعها

اتهمت تركيا «قسد» باستخدام المدنيين دروعاً بشرية في «قسد» وأكدت تمسكها بعملية عسكرية في شمال سوريا وسط مساعٍ أميركية لمنعها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا تكشف عن 4 مطالب دولية في سوريا

كشفت تركيا عن إجماع دولي على 4 شروط يجب أن تتحقق في سوريا في مرحلة ما بعد بشار الأسد وهددت بتنفيذ عملية عسكرية ضد القوات الكردية في شمال سوريا وسط دعم من ترمب

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي قائد الجيش الأردني اللواء يوسف الحنيطي مستقبلاً وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة (التلفزيون الأردني)

بين أنقرة ودمشق… مساع أردنية لإعادة بناء قدرات «سوريا الجديدة»

هناك رأي داخل مركز القرار الأردني ينادي بدور عربي وإقليمي لتخفيف العقوبات على الشعب السوري و«دعم وإسناد المرحلة الجديدة والانتقالية».

محمد خير الرواشدة (عمّان)
المشرق العربي يزداد استعمال الذكاء الاصطناعي لترويج أخبار مغلوطة على وسائل التواصل (رويترز)

مواقع التواصل ميداناً للشائعات وإثارة الفتن في المجتمع السوري

لا تزال الشائعات والمبالغات وخلط الوقائع سبباً رئيساً في تعزيز القلق والمخاوف في أوساط السوريين عموماً والموالين السابقين للنظام السابق بشكل خاص.

سعاد جرَوس (دمشق)
المشرق العربي سيارات تمر أمام دوار يرفع العلم السوري الجديد بعد الإطاحة بنظام الأسد في مدينة السلام التي كانت تُسمّى سابقاً مدينة البعث نسبة للحزب الحاكم في القنيطرة بسوريا 5 يناير 2025 (أ.ب)

سكان القنيطرة السورية محبطون بسبب عدم اتخاذ إجراءات لوقف التقدم الإسرائيلي

يشعر سكان القنيطرة السورية بالإحباط بسبب عدم اتخاذ إجراءات لوقف التقدم العسكري الإسرائيلي الذي بدأ في ديسمبر الماضي، معربين عن تمسّكهم بانتمائهم السوري.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

تركيا متمسكة بالتحرك ضد «قسد»... ومحاولات أميركية لمنعها

عناصر من الفصائل الموالية لتركية تشارك في الاشتباكات مع «قسد» بشرق حلب (أ.ف.ب)
عناصر من الفصائل الموالية لتركية تشارك في الاشتباكات مع «قسد» بشرق حلب (أ.ف.ب)
TT

تركيا متمسكة بالتحرك ضد «قسد»... ومحاولات أميركية لمنعها

عناصر من الفصائل الموالية لتركية تشارك في الاشتباكات مع «قسد» بشرق حلب (أ.ف.ب)
عناصر من الفصائل الموالية لتركية تشارك في الاشتباكات مع «قسد» بشرق حلب (أ.ف.ب)

أظهرت تركيا عبر تصريحات لمسؤولين سياسيين وعسكريين تمسكاً بعملية عسكرية شمال سوريا ضد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) وأكبر مكوناتها «وحدات حماية الشعب الكردية» التي تصنفها أنقرة إرهابية، وفي المقابل كثفت واشنطن من مساعيها لإقناع أنقرة بالعدول عن التصعيد، وأوفدت مبعوثاً للتباحث مع المسؤولين الأتراك حول الأمر.

واتهمت تركيا «قسد» باستخدام المدنيين دروعاً بشرية في المعارك الدائرة على محور «سد تشرين» (شرق حلب)، وقال مسؤول بوزارة الدفاع التركية إن تنظيم «وحدات حماية الشعب الكردية» (أكبر مكونات «قسد») يستخدم «المدنيين الأبرياء دروعاً بشرية في منطقة (سد تشرين)، ويرسل مجموعات إرهابية إلى المنطقة».

خط الدفاع الأخير

وشدد المسؤول العسكري التركي، خلال إفادة صحافية أسبوعية لوزارة الدفاع، الخميس، على أنه «مع مراعاة احترام وحدة أراضي سوريا، فإن القوات المسلحة التركية عازمة على مواصلة عملياتها عبر الحدود ما لم تلقِ المجموعات الإرهابية (الوحدات الكردية - «قسد») أسلحتها».

وقال إن سد تشرين على نهر الفرات، الذي يعدّ نقطة استراتيجية مهمة من حيث موارد المياه وإنتاج الطاقة والأمن الإقليمي في سوريا، تعدّه «قسد» خط الدفاع الأخير بالنسبة لها، مؤكداً أن القوات التركية عازمة على منع جهود «التنظيم الإرهابي» الرامية لزعزعة استقرار المنطقة باستخدام مثل هذه البنى التحتية الاستراتيجية.

قصف تركي على محور سد تشرين في شرق حلب (المرصد السوري)

وأفاد «المرصد السوري» بمقتل ما لا يقل عن 322 شخصاً على مدى 29 يوماً من القتال بين الفصائل و«قسد».

وقال «المرصد» في بيان، إن «5 مدنيين بينهم امرأة قُتلوا، وأُصيب 14 آخرون، جراء قصف نفذته طائرات مسيّرة تركية استهدف سيارة إسعاف وسيارة مدنية ضمن قافلة شعبية قرب سد تشرين، حيث يعتصم مدنيون جاءوا من عين العرب (كوباني) ومناطق أخرى احتجاجاً على تصعيد القوات التركية والفصائل».

وفي الوقت ذاته، قُتل جندي من القوات التركية وأصيب آخر بجروح متفاوتة، جراء استهداف مسيرة تابعة لـ«قسد» قاعدة «العريشة» الواقعة ضمن منطقة «نبع السلام» بريف رأس العين جنوب شرقي الحسكة.

ووقعت اشتباكات بين الجانبين بالأسلحة الثقيلة في عين عيسى وتل أبيض، وقرى في شمال غربي الحسكة.

عملية عسكرية تركية

ومع استمرار الاشتباكات الجارية على محوري «سد تشرين»، و«قره قوزاق»، وكذلك جنوب وجنوب شرقي منبج، التي سيطرت عليها الفصائل في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ظهرت مؤشرات قوية على استعداد تركيا لشن عملية عسكرية جديدة ضد مناطق سيطرة «قسد» في شمال وشمال شرقي سوريا.

مستشار العلاقات العامة والإعلام بوزارة الدفاع التركية زكي أكتورك خلال إفادة صحافية الخميس على إحدى السفن الحربية المشاركة في مناورة «الوطن الأزرق» في تركيا (الدفاع التركية)

وقال مستشار العلاقات العامة والإعلام بوزارة الدفاع التركية وكي أكتورك، خلال الإفادة الأسبوعية للوزارة، الخميس، إننا «نرحب بالعملية الجديدة التي نشأت في جارتنا سوريا، سنستمر في الوقوف إلى جانب الشعب السوري وسنعمل على إرساء الأمن والاستقرار الدائمين في المنطقة، بالتعاون الوثيق مع الإدارة الجديدة وبصورة أقوى».

وأضاف: «نؤكد مرة أخرى أننا لن نسمح مطلقاً لأي تنظيم إرهابي سواء (داعش) أو (الوحدات الكردية) بفرض أمر واقع في المنطقة».

وشدد على أن «القوات المسلحة التركية عازمة على مواصلة عملياتها عبر الحدود، بحزم، من أجل ضمان أمن بلدنا وحدودنا، مع احترام وحدة أراضي سوريا، وستواصل قواتنا المسلحة حربها ضد الإرهاب في مصدره عبر عمليات متواصلة وشاملة، وإجراءات وقائية وتدميرية وهدامة، بتصميم لا يتزعزع وإصرار متزايد ما دام لم يلق الإرهابيون أسلحتهم».

استعدادات مكثفة

ونقلت صحيفة «حرييت» القريبة من الحكومة التركية عن مصادر عسكرية أن القوات المسلحة التركية، وُضعت في حالة تأهب قتالي تحسباً لعملية محتملة ضد المسلحين الأكراد في سوريا، لافتة إلى أن الدبلوماسية نجحت حتى الآن في كسب الوقت، لكن العد العكسي للعملية العسكرية قد بدأ.

وأشارت الصحيفة إلى أن قيادات «حزب العمال الكردستاني»، وكذلك «وحدات حماية الشعب» تسعى للمفاوضات. لكن الإدارة السورية الجديدة، وتركيا «ترفضان إجراء أي مفاوضات».

وكان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أكد، الأحد الماضي، أن القيادة السورية الجديدة عاقدة العزم على اجتثاث «الانفصاليين»، وتظهر موقفاً حازماً للغاية في الحفاظ على وحدة أراضي البلاد وهيكلها الموحد.

قوات تركية عقب دخولها مناطق في شمال شرقي سوريا خلال عملية «نبع السلام» العسكرية عام 2019 (أرشيفية - الدفاع التركية)

وأرسلت أنقرة إلى «الجيش الوطني السوري» (الموالي لتركيا)، أسلحة ثقيلة إلى خطوط الجبهة مع «قسد» في منطقة عملية «نبع السلام» في شمال شرقي سوريا.

كما توجه مقاتلون مع عربات ودبابات أرسلتها «القوة المشتركة» للجيش الوطني السوري، إلى الخطوط الأمامية المطلة على مدينة عين العرب (كوباني) بمحافظة حلب، وبلدة عين عيسى بالرقة، وبلدة تل تمر بالحسكة.

ونقلت وكالة «الأناضول» التركية عن قائد «القوة المشتركة» للجيش الوطني السوري في مدينة رأس العين بمنطقة عملية نبع السلام، أبو عبد الله محمد، أنهم رفعوا الجاهزية الكاملة، وأرسلوا تعزيزات إلى جميع الجبهات.

مساعٍ أميركية

في المقابل، تسعى الولايات المتحدة، التي ترى القوات الكردية حليفاً أساسياً في الحرب على «داعش» في سوريا، إلى إقناع تركيا بالعدول عن العملية العسكرية.

وبدأ نائب وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية، جون باس، الخميس، مباحثات تستمر على مدار يومين، مع نائبي وزير الخارجية التركي، نوح يلماظ، وبرهان الدين دوران، تركز بشكل خاص على التطورات في سوريا والمنطقة، إلى جانب العلاقات التركية - الأميركية.

نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماظ خلال استقبال نظيره الأميركي جون باسا بأنقرة في سبتمبر الماضي لمباحثات حول سوريا (الخارجية التركية)

وقالت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» إن باس «سيعرض خلال المباحثات وجهة نظر أميركا بشأن سوريا، وستركز المباحثات على تقييم متعدد الأوجه للوضع في سوريا، وعلى الخطوات التي يمكن اتخاذها لضمان الاستقرار والأمن في سوريا ودعم إنشاء حكومة وحدة وطنية وإدارة شاملة».

وقدّرت المصادر أن «الجانب التركي سيؤكد، مرة أخرى بقوة، على ضرورة تطهير سوريا من التنظيمات الإرهابية التي تهدد استقرارها واستقرار المنطقة، ووقف الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردية بدعوى دورها في الحرب على تنظيم (داعش)».

ولفتت إلى أن «المباحثات تركز أيضاً على توسيع نطاق الإعفاءات المقدمة لتسهيل بعض المعاملات التجارية لدمشق، وضمان تقديم الخدمات العامة الأساسية عبر تخفيف العقوبات على سوريا».

وذكر بيان للخارجية الأميركية، أن باس سيؤكد على أهمية الانتقال السياسي السلمي والشامل بقيادة وملكية سورية، استناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وأهمية الاستقرار الإقليمي، ومنع استخدام سوريا قاعدةً للإرهاب، وضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم «داعش».

وطالبت تركيا، مراراً، أميركا، حليفتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، بوقف دعمها «وحدات حماية الشعب الكردية» التي تسيطر على مساحات شاسعة في شمال سوريا، وشنَّت ضدها عدداً من العمليات العسكرية.

جنود أميركيون يتجولون في القامشلي بمحافظة الحسكة (أ.ف.ب)

«دور فرنسي»

بدورها، قالت الرئيس المشارك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية (الكردية) بشمال شرقي سوريا، إلهام أحمد، إننا مستعدون لأن تتولى أميركا وفرنسا مسؤولية تأمين المنطقة الحدودية في شمال سوريا.

وأضافت أحمد في حديث إلى قناة «تي في5 موند» مساء الأربعاء: «نطلب من فرنسا إرسال قوات إلى هذه الحدود لتأمين المنطقة منزوعة السلاح، لمساعدتنا في حماية المنطقة وإقامة علاقات جيدة مع تركيا، بمجرد أن تتمكن فرنسا من إقناع تركيا بقبول وجودها على الحدود، عندها يمكننا أن نبدأ عملية السلام، نأمل أن تتم تسوية كل شيء في الأسابيع المقبلة».

وأكد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، منذ أيام أن بلاده لن تتخلى عن «قسد»، وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، أثناء زيارته لدمشق، الجمعة الماضي، حيث التقى قائد الإدارة السورية أحمد الشرع، إنه يجب أن يكون للأكراد دور في بناء سوريا الجديدة.

عودة اللاجئين

على صعيد عودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم، قال وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، إن 52 ألفاً و622 سورياً عادوا إلى بلادهم خلال شهر من سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا خلال مؤتمر صحافي أمام معبر جليوا غوزو (باب الهوى) (حسابه في إكس)

وقال يرلي كايا، خلال زيارته معبر جيلوا غوزو في بلدية الريحانية في ولاية هطاي جنوب تركيا (يقابله باب الهوى في الجانب السوري) إنهم بدأوا تطبيق نظام «المهاجر الرائد» منذ الأول من يناير (كانون الثاني) الحالي، لأولئك الذين يريدون التحقق من أراضيهم ومنازلهم وحالة عملهم في سوريا قبل اتخاذ القرار النهائي بالعودة».

وشرح أن نظام «المهاجر الرائد» يعني «السماح لأحد أفراد العائلة بالدخول والخروج 3 مرات خلال 6 أشهر»، وأفاد بأنه تم «إرسال 1766 مهاجراً رائداً منذ بداية الشهر الحالي».

وقال كايا: «رغبتنا هي إرساء بيئة آمنة في سوريا في أقرب وقت ممكن، وسنقدم الدعم اللازم للإدارة السورية الجديدة في دمشق من أجل تحقيق هذا الهدف».

من جانبه، قال وزير النقل والبنية التحتية، عبد القادر أورال أوغلو، إن تركيا إن أنقرة تعتزم بدء تسيير رحلات طيران إلى مطار دمشق الدولي في الأيام المقبلة بعد تشغيل أنظمة الرادار.

وأضاف، في مقابلة تلفزيونية، الخميس: «عندما يتم الربط بين دمشق وإسطنبول، سنكون قد لبّينا احتياجاً كبيراً».