توقيف رياض سلامة أبرز حدث قضائي في 2024

وكيل الحاكم السابق لـ«مصرف لبنان» عدَّه «معتقلاً سياسياً»

حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة (أرشيفية)
حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة (أرشيفية)
TT

توقيف رياض سلامة أبرز حدث قضائي في 2024

حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة (أرشيفية)
حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة (أرشيفية)

كاد عام 2024 يعبر من دون أي حدث قضائي بارز في لبنان، لو لم يأتِ توقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة من خارج التوقعات، ليُسقط كلَّ الرهانات القائلة إن سلامة «يتمتّع بحماية سياسية واسعة، منعت حتى القضاء الأوروبي من النيل منه وتوقيفه»، رغم الملاحقات القضائية التي فُتحت في سبع دول، ومذكرات التوقيف الفرنسية والألمانية التي تحوّلت إلى مذكرات توقيف دولية عُممت عبر الإنتربول، كما تمنع القضاء اللبناني من استكمال ملاحقته أو حتى التفكير بوضعه خلف القضبان.

توقيف رياض سلامة جاء في توقيت حسّاس جداً، أي في خضمّ الحرب الإسرائيلية على لبنان وانصراف الاهتمام عن كلّ القضايا الداخلية، وهو ما حمل وكيله القانوني المحامي مارك حبقة، على اعتبار أن موكله «بات معتقلاً سياسياً وليس موقوفاً بملفّ قضائي جنائي كما ورد في الادعاء».

خلفيتان للتوقيف

بغضّ النظر عن دوافع توقيف الحاكم السابق للبنك المركزي بقرار من النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، إلّا أن هذا الأمر جاء بخلفيتين: الأولى تراكم الدعاوى القضائية ضدّه في لبنان والخارج، وجلسات الاستجواب التي خضع لها أمام الوفود القضائية الأوروبية، وأدت إلى رفع عشرات الدعاوى في أوروبا، وصدور مذكرات توقيف في فرنسا وألمانيا جرى تعميمها عبر الإنتربول الدولي، فأحرجت القضاء اللبناني. والأخرى أن التوقيف استند إلى تقرير جديد تسلّمه القاضي الحجار من هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان يتهم الحاكم بـ«اختلاس أموال عامة مقدّرة بـ44 مليون دولار أميركي من حساب المصرف المركزي». ومن ثم ألحق هذا التقرير بادعاء شخصي ضدّه من مجلس إدارة المصرف.

«الصندوق الأسود»

حين خرج رياض سلامة من مكتب القاضي جمال الحجار مكبّل اليدين، وجرى سوقه إلى سجن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، تدافعت الأسئلة عن النتائج التي ستترتّب على هذا التوقيف، وهل بدأت معه مرحلة سقوط الطبقة السياسية التي أوصلت البلد إلى الإفلاس؟ خصوصاً أن سلامة الذي يسمّي «الصندوق الأسود» لمنظومة الحكم الفاسدة في لبنان ويختزن أسرارها، يعرف الكثير من ملفات هذه المنظومة التي أثرت على حساب الناس وأوصلت لبنان إلى الانهيار الشامل مع ديون تقارب الـ100 مليار دولار، أُنفقت على مشاريع بلا حسيب ولا رقيب، لا سيما على وزارة الطاقة التي أهدرت أكثر من 40 مليار دولار، وأبقت لبنان غارقاً في الظلمة.

غير أن مصادر قانونية متابعة لهذا الملفّ عن كثب، أكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن «السلطة السياسية أخذت علماً مسبقاً بما يحضّر لسلامة، وكانت مطمئنة إلى أنها ستبقى بمنأى عن تداعيات توقيفه، لأن الملفّ الجديد الذي فُتح بوجهه يرتبط بشخصه، ومنفصل كلياً عن الصفقات التي أجرتها قوى السلطة».

وأوضحت أن الحاكم السابق «ليس بمقدوره أن يفتح ملفات الهدر والفساد التي يعرف عنها الكثير، لأن القضاء لن يمنحه فرصة التوسّع بإفاداته وفتح ملفات أخرى»، مشيرة إلى أنه «لو كان ثمة إمكانية لتوسُّع سلامة إلى قضايا أخرى لَمَا أخذ النائب العام التمييزي الضوء الأخضر بتوقيفه».

حسابات سياسية

هذه الفرضية قريبة جداً إلى الواقع، باعتبار أن كلّ شيء في لبنان خاضع للحسابات السياسية، حتى الملفات القضائية الحساسة، بدليل تجميد التحقيق في ملفّ تفجير مرفأ بيروت منذ نحو ثلاث سنوات، لكنّ مصدراً قضائياً بارزاً أكد لـ«الشرق الأوسط»، أنه «لا خلفية سياسية لتوقيف سلامة، وأن قرار النائب العام التمييزي استند إلى تحقيقات أولية أجراها بهذا الصدد، وإلى تقارير تلقاها من هيئة التحقيق الخاصة في المصرف المركزي، تفيد بأن سلامة استفاد من مبالغ مالية عائدة لحساب البنك المركزي بقيمة 44 مليون دولار»، مشيراً إلى أن «الملف بات في عهدة قاضي التحقيق الأول (في بيروت بلال حلاوي) صاحب القرار في إبقاء سلامة موقوفاً أو الإفراج عنه»، معتبراً أن «استمرار التوقيف يعني صوابية قرار الحجار».

خديعة الاستدراج

ودحض المصدر كل ما تردد عن «خديعة تعرض لها سلامة وعملية استدراج للتحقيق واستجوابه من دون محامٍ»، مشيراً إلى أن «مذكرة استدعائه حصلت قبل أسبوع من الجلسة، وأن الأخير حضر بملء إرادته، وأعلن استعداده للخضوع للاستجواب في غياب وكيله القانوني». لكنَّ المصدر استدرك وأقرَّ بأن الحاكم السابق «استُدعي للتحقيق بصفته شاهداً، وخلال الجلسة أُبلغ أنه بات مدَّعى عليه واتُّخذ القرار بتوقيفه».

متظاهر يقف إلى جانب قصر العدل بانتظار قرار توقيف رياض سلامة (أ.ب)

لم تمضِ ساعات على قرار الاحتجاز على ذمة التحقيق، حتى ادَّعى النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم على سلامة وكلّ من يُظهره التحقيق بجرائم «اختلاس أموال عامة والتزوير وصرف النفوذ»، وهي مواد جنائية تنص على عقوبة السجن ما بين ثلاث وعشر سنوات.

تكدُّس العراقيل

وكان منتظراً أن تتبع توقيف سلامة إجراءات قضائية متلاحقة، وربما توقيفات لأشخاص لهم علاقة بهذه القضية، لكن ما إنْ أدخل رياض سلامة السجن وصدرت مذكرة توقيف وجاهية بحقه عن قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة بلال حلاوي، حتى توقفت آليات التحقيق وبدأت العراقيل تتكدّس أمام استكمال الإجراءات القضائية، وهو ما حدا بوكيل سلامة المحامي مارك حبقة، إلى الحديث عن «أخطاء كبيرة تشوب إدارة هذا الملفّ من قاضي التحقيق»، معتبراً أن سلامة «تحوّل إلى معتقل سياسي وليس موقوفاً بقرار قضائي».

وذكّر حبقة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن استجواب موكله أمام قاضي التحقيق في اتهامات بهذه الخطورة «استغرق 45 دقيقة في الجلسة الأولى و30 دقيقة فقط في جلسة خُصصت لمواجهته مع أحد الشهود، وبعدها أسدل الستار على الإجراءات القضائية، كأن المطلوب وضع سلامة بالسجن لا أكثر ولا أقلّ». وكشف حبقة عن «تقديم أربع استشارات قضائية صدرت عن مراجع عليا في القانون، تؤكد عدم وجود مال عام وكلّ الأدلة تفيد بأنه غير مرتكب وهذا دليل على أن سلامة مجرد معتقل سياسي».

جمود الملف

ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر لم يتحرّك ملفّ سلامة، ولا يزال الأمر ينتظر قرار الهيئة الاتهامية في بيروت لبتّ الدفوع الشكلية المقدمة من المحاميين مروان عيسى الخوري وميشال تويني المدعى عليهما في القضية نفسها، وأشار المصدر القضائي إلى أن «مصير سلامة رُهن باستجواب المدعى عليهما المذكورين، وبعدها قد يختم القاضي حلاوي التحقيق ويُصدر قراره الظني، علماً أن الأخير يرفض بشكل قاطع إخلاء سبيل سلامه قبل إنجاز هذه الخطوات».

حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة خلال لقائه موظفي «المركزي» في اليوم الأخير من ولايته 31 يوليو 2023 (إ.ب.أ)

وقال حبقة: «قدمنا عدداً من طلبات إخلاء السبيل، وكلما تقدمنا بطلب فوجئنا بصدور قرار ردّه بعد أقلّ من نصف ساعة، بحجة أن قاضي التحقيق ينتظر تلقي أذونات لاستجواب أشخاص مدعى عليهم، وللأسف مع مرور هذه الأشهر لم تأتِ الأذونات بعد، فهل يُعقل أن يبقى موكلي موقوفاً؟». ورأى أن «كل السياسيين مرتاحون لأنهم ألبسوا رياض سلامة تهمة انهيار الوضع المالي والاقتصادي، لأن سلامة ليس لديه حزب ولا ينتمي إلى حزب سياسي للمطالبة بتحريره، مما يجعل توقيفه احتياطياً ولهذه الفترة الطويلة موضع ريبة، علماً أننا أبدينا استعدادنا لدفع كفالة تعادل قيمة المبلغ المدعى باختلاسه».

ولم تكتفِ النيابة العامة المالية بالادعاء على سلامة بـ«اختلاس المال العام»، بل استتبعته بادعاء بتهمة «الإثراء غير المشروع»، واستغرب المحامي حبقة كيف أن قاضي التحقيق بلال حلاوي «لم يحدد جلسة لاستجواب سلامة رغم مضي 60 يوماً على الدعوى الجديدة».

الاستجواب الأوروبي

وسلكت ملفات رياض سلامة محطات، إذ إن وفوداً قضائية أوروبية، استجوبته لمرتين داخل قصر العدل في بيروت، وكان لا يزال على رأس حاكمية مصرف لبنان، وبعد انتهاء مهامها في بيروت جرى الادعاء عليه في فرنسا وألمانيا، وطالت الإجراءات الأوروبية رجا سلامة، شقيق رياض، ومساعدة الأخير وأحد أبنائه، كما أن المحامي العام الاستئنافي في بيروت القاضي رجا حاموش، ادعى على رياض سلامة وشقيقه رجا سلامة ومساعدته ماريان الحويك بجرائم، وكل من يُظهره التحقيق، بجرائم «اختلاس الأموال العامة والتزوير واستعمال المزور والإثراء غير المشروع وتبييض الأموال، ومخالفة القانون الضريبي».

الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة وسط سبائك الذهب المحفوظة في خزائن المصرف نوفمبر 2022 (رويترز)

وأحالهم على قاضي التحقيق الأول في بيروت (السابق) شربل أبو سمرا، الذي استجوب سلامة ثلاث مرات وتركه رهن التحقيق بانتظار استجواب باقي المدعى عليهم، إلّا أن رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر استأنفت قرار تركه أمام الهيئة الاتهامية في بيروت، وطلبت فسخ قرار قاضي التحقيق وإصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقّه، غير أن هذا الملف لا يزال عالقاً أمام الهيئة منذ عام ونصف العام بسبب دعاوى المخاصمة التي أقامها سلامة بوجه الهيئة الأصيلة وكل الهيئات التي عُيِّنت للنظر في هذا الملف.


مقالات ذات صلة

ميقاتي يلتقي عون: نحن أمام مرحلة جديدة لسحب السلاح من جنوب الليطاني

المشرق العربي الرئيس عون مستقبلاً ميقاتي في بعبدا (الوكالة الوطنية للإعلام)

ميقاتي يلتقي عون: نحن أمام مرحلة جديدة لسحب السلاح من جنوب الليطاني

في أوّل لقاء رسمي له كرئيس لجمهورية لبنان، استقبل جوزيف عون، رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي، في قصر بعبدا.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي سفراء الدول والدبلوماسيون حاضرون في جلسة انتخاب الرئيس اللبناني (رويترز)

ترحيب عربي ودولي واسع بانتخاب عون رئيساً للبنان

لاقى انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للبنان ردود فعل دولية وعربية مرحبّة ومشددة على أهمية أن تستعيد البلاد الأمن والاستقرار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي قائد الجيش اللبناني جوزيف عون يسير في القصر الرئاسي بعد انتخابه رئيساً (رويترز) play-circle 01:12

البرلمان اللبناني ينتخب عون رئيساً... و«تعديل ضمني» للدستور

انتخب البرلمان اللبناني قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً بـ99 صوتاً، وذلك بعد أكثر من عامين من الفراغ في سدة الرئاسة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي خلال عملية فرز أصوات النواب في جلسة انتخاب رئيس للجمهورية (د.ب.أ)

مفاوضات ما بين الجولتين تضم «الثنائي الشيعي» إلى التوافق النيابي

لم يكن إخراج انتخاب الرئيس جوزيف عون سهلاً، بسبب العائق الدستوري المتمثل في نص «المادة 49»، الذي يمنع انتخاب موظفي الفئة الأولى قبل مرور سنتين على استقالتهم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس اللبناني المنتخب جوزيف عون يسير أمام حرس الشرف بعد أدائه اليمين الدستورية في البرلمان اللبناني (رويترز) play-circle 01:32

خطاب القسم لرئيس لبنان الجديد: حياد إيجابي... وحق الدولة باحتكار السلاح

تعهّد الرئيس اللبناني جوزيف عون بأن تبدأ مع انتخابه «مرحلة جديدة من تاريخ لبنان»، والعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للبنان

«الشرق الأوسط» (بيروت)

تركيا متمسكة بالتحرك ضد «قسد»... ومحاولات أميركية لمنعها

عناصر من الفصائل الموالية لتركية تشارك في الاشتباكات مع «قسد» بشرق حلب (أ.ف.ب)
عناصر من الفصائل الموالية لتركية تشارك في الاشتباكات مع «قسد» بشرق حلب (أ.ف.ب)
TT

تركيا متمسكة بالتحرك ضد «قسد»... ومحاولات أميركية لمنعها

عناصر من الفصائل الموالية لتركية تشارك في الاشتباكات مع «قسد» بشرق حلب (أ.ف.ب)
عناصر من الفصائل الموالية لتركية تشارك في الاشتباكات مع «قسد» بشرق حلب (أ.ف.ب)

أظهرت تركيا عبر تصريحات لمسؤولين سياسيين وعسكريين تمسكاً بعملية عسكرية شمال سوريا ضد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) وأكبر مكوناتها «وحدات حماية الشعب الكردية» التي تصنفها أنقرة إرهابية، وفي المقابل كثفت واشنطن من مساعيها لإقناع أنقرة بالعدول عن التصعيد، وأوفدت مبعوثاً للتباحث مع المسؤولين الأتراك حول الأمر.

واتهمت تركيا «قسد» باستخدام المدنيين دروعاً بشرية في المعارك الدائرة على محور «سد تشرين» (شرق حلب)، وقال مسؤول بوزارة الدفاع التركية إن تنظيم «وحدات حماية الشعب الكردية» (أكبر مكونات «قسد») يستخدم «المدنيين الأبرياء دروعاً بشرية في منطقة (سد تشرين)، ويرسل مجموعات إرهابية إلى المنطقة».

خط الدفاع الأخير

وشدد المسؤول العسكري التركي، خلال إفادة صحافية أسبوعية لوزارة الدفاع، الخميس، على أنه «مع مراعاة احترام وحدة أراضي سوريا، فإن القوات المسلحة التركية عازمة على مواصلة عملياتها عبر الحدود ما لم تلقِ المجموعات الإرهابية (الوحدات الكردية - «قسد») أسلحتها».

وقال إن سد تشرين على نهر الفرات، الذي يعدّ نقطة استراتيجية مهمة من حيث موارد المياه وإنتاج الطاقة والأمن الإقليمي في سوريا، تعدّه «قسد» خط الدفاع الأخير بالنسبة لها، مؤكداً أن القوات التركية عازمة على منع جهود «التنظيم الإرهابي» الرامية لزعزعة استقرار المنطقة باستخدام مثل هذه البنى التحتية الاستراتيجية.

قصف تركي على محور سد تشرين في شرق حلب (المرصد السوري)

وأفاد «المرصد السوري» بمقتل ما لا يقل عن 322 شخصاً على مدى 29 يوماً من القتال بين الفصائل و«قسد».

وقال «المرصد» في بيان، إن «5 مدنيين بينهم امرأة قُتلوا، وأُصيب 14 آخرون، جراء قصف نفذته طائرات مسيّرة تركية استهدف سيارة إسعاف وسيارة مدنية ضمن قافلة شعبية قرب سد تشرين، حيث يعتصم مدنيون جاءوا من عين العرب (كوباني) ومناطق أخرى احتجاجاً على تصعيد القوات التركية والفصائل».

وفي الوقت ذاته، قُتل جندي من القوات التركية وأصيب آخر بجروح متفاوتة، جراء استهداف مسيرة تابعة لـ«قسد» قاعدة «العريشة» الواقعة ضمن منطقة «نبع السلام» بريف رأس العين جنوب شرقي الحسكة.

ووقعت اشتباكات بين الجانبين بالأسلحة الثقيلة في عين عيسى وتل أبيض، وقرى في شمال غربي الحسكة.

عملية عسكرية تركية

ومع استمرار الاشتباكات الجارية على محوري «سد تشرين»، و«قره قوزاق»، وكذلك جنوب وجنوب شرقي منبج، التي سيطرت عليها الفصائل في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ظهرت مؤشرات قوية على استعداد تركيا لشن عملية عسكرية جديدة ضد مناطق سيطرة «قسد» في شمال وشمال شرقي سوريا.

مستشار العلاقات العامة والإعلام بوزارة الدفاع التركية زكي أكتورك خلال إفادة صحافية الخميس على إحدى السفن الحربية المشاركة في مناورة «الوطن الأزرق» في تركيا (الدفاع التركية)

وقال مستشار العلاقات العامة والإعلام بوزارة الدفاع التركية وكي أكتورك، خلال الإفادة الأسبوعية للوزارة، الخميس، إننا «نرحب بالعملية الجديدة التي نشأت في جارتنا سوريا، سنستمر في الوقوف إلى جانب الشعب السوري وسنعمل على إرساء الأمن والاستقرار الدائمين في المنطقة، بالتعاون الوثيق مع الإدارة الجديدة وبصورة أقوى».

وأضاف: «نؤكد مرة أخرى أننا لن نسمح مطلقاً لأي تنظيم إرهابي سواء (داعش) أو (الوحدات الكردية) بفرض أمر واقع في المنطقة».

وشدد على أن «القوات المسلحة التركية عازمة على مواصلة عملياتها عبر الحدود، بحزم، من أجل ضمان أمن بلدنا وحدودنا، مع احترام وحدة أراضي سوريا، وستواصل قواتنا المسلحة حربها ضد الإرهاب في مصدره عبر عمليات متواصلة وشاملة، وإجراءات وقائية وتدميرية وهدامة، بتصميم لا يتزعزع وإصرار متزايد ما دام لم يلق الإرهابيون أسلحتهم».

استعدادات مكثفة

ونقلت صحيفة «حرييت» القريبة من الحكومة التركية عن مصادر عسكرية أن القوات المسلحة التركية، وُضعت في حالة تأهب قتالي تحسباً لعملية محتملة ضد المسلحين الأكراد في سوريا، لافتة إلى أن الدبلوماسية نجحت حتى الآن في كسب الوقت، لكن العد العكسي للعملية العسكرية قد بدأ.

وأشارت الصحيفة إلى أن قيادات «حزب العمال الكردستاني»، وكذلك «وحدات حماية الشعب» تسعى للمفاوضات. لكن الإدارة السورية الجديدة، وتركيا «ترفضان إجراء أي مفاوضات».

وكان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أكد، الأحد الماضي، أن القيادة السورية الجديدة عاقدة العزم على اجتثاث «الانفصاليين»، وتظهر موقفاً حازماً للغاية في الحفاظ على وحدة أراضي البلاد وهيكلها الموحد.

قوات تركية عقب دخولها مناطق في شمال شرقي سوريا خلال عملية «نبع السلام» العسكرية عام 2019 (أرشيفية - الدفاع التركية)

وأرسلت أنقرة إلى «الجيش الوطني السوري» (الموالي لتركيا)، أسلحة ثقيلة إلى خطوط الجبهة مع «قسد» في منطقة عملية «نبع السلام» في شمال شرقي سوريا.

كما توجه مقاتلون مع عربات ودبابات أرسلتها «القوة المشتركة» للجيش الوطني السوري، إلى الخطوط الأمامية المطلة على مدينة عين العرب (كوباني) بمحافظة حلب، وبلدة عين عيسى بالرقة، وبلدة تل تمر بالحسكة.

ونقلت وكالة «الأناضول» التركية عن قائد «القوة المشتركة» للجيش الوطني السوري في مدينة رأس العين بمنطقة عملية نبع السلام، أبو عبد الله محمد، أنهم رفعوا الجاهزية الكاملة، وأرسلوا تعزيزات إلى جميع الجبهات.

مساعٍ أميركية

في المقابل، تسعى الولايات المتحدة، التي ترى القوات الكردية حليفاً أساسياً في الحرب على «داعش» في سوريا، إلى إقناع تركيا بالعدول عن العملية العسكرية.

وبدأ نائب وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية، جون باس، الخميس، مباحثات تستمر على مدار يومين، مع نائبي وزير الخارجية التركي، نوح يلماظ، وبرهان الدين دوران، تركز بشكل خاص على التطورات في سوريا والمنطقة، إلى جانب العلاقات التركية - الأميركية.

نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماظ خلال استقبال نظيره الأميركي جون باسا بأنقرة في سبتمبر الماضي لمباحثات حول سوريا (الخارجية التركية)

وقالت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» إن باس «سيعرض خلال المباحثات وجهة نظر أميركا بشأن سوريا، وستركز المباحثات على تقييم متعدد الأوجه للوضع في سوريا، وعلى الخطوات التي يمكن اتخاذها لضمان الاستقرار والأمن في سوريا ودعم إنشاء حكومة وحدة وطنية وإدارة شاملة».

وقدّرت المصادر أن «الجانب التركي سيؤكد، مرة أخرى بقوة، على ضرورة تطهير سوريا من التنظيمات الإرهابية التي تهدد استقرارها واستقرار المنطقة، ووقف الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب الكردية بدعوى دورها في الحرب على تنظيم (داعش)».

ولفتت إلى أن «المباحثات تركز أيضاً على توسيع نطاق الإعفاءات المقدمة لتسهيل بعض المعاملات التجارية لدمشق، وضمان تقديم الخدمات العامة الأساسية عبر تخفيف العقوبات على سوريا».

وذكر بيان للخارجية الأميركية، أن باس سيؤكد على أهمية الانتقال السياسي السلمي والشامل بقيادة وملكية سورية، استناداً إلى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وأهمية الاستقرار الإقليمي، ومنع استخدام سوريا قاعدةً للإرهاب، وضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم «داعش».

وطالبت تركيا، مراراً، أميركا، حليفتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، بوقف دعمها «وحدات حماية الشعب الكردية» التي تسيطر على مساحات شاسعة في شمال سوريا، وشنَّت ضدها عدداً من العمليات العسكرية.

جنود أميركيون يتجولون في القامشلي بمحافظة الحسكة (أ.ف.ب)

«دور فرنسي»

بدورها، قالت الرئيس المشارك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية (الكردية) بشمال شرقي سوريا، إلهام أحمد، إننا مستعدون لأن تتولى أميركا وفرنسا مسؤولية تأمين المنطقة الحدودية في شمال سوريا.

وأضافت أحمد في حديث إلى قناة «تي في5 موند» مساء الأربعاء: «نطلب من فرنسا إرسال قوات إلى هذه الحدود لتأمين المنطقة منزوعة السلاح، لمساعدتنا في حماية المنطقة وإقامة علاقات جيدة مع تركيا، بمجرد أن تتمكن فرنسا من إقناع تركيا بقبول وجودها على الحدود، عندها يمكننا أن نبدأ عملية السلام، نأمل أن تتم تسوية كل شيء في الأسابيع المقبلة».

وأكد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، منذ أيام أن بلاده لن تتخلى عن «قسد»، وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، أثناء زيارته لدمشق، الجمعة الماضي، حيث التقى قائد الإدارة السورية أحمد الشرع، إنه يجب أن يكون للأكراد دور في بناء سوريا الجديدة.

عودة اللاجئين

على صعيد عودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم، قال وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، إن 52 ألفاً و622 سورياً عادوا إلى بلادهم خلال شهر من سقوط نظام بشار الأسد في سوريا.

وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا خلال مؤتمر صحافي أمام معبر جليوا غوزو (باب الهوى) (حسابه في إكس)

وقال يرلي كايا، خلال زيارته معبر جيلوا غوزو في بلدية الريحانية في ولاية هطاي جنوب تركيا (يقابله باب الهوى في الجانب السوري) إنهم بدأوا تطبيق نظام «المهاجر الرائد» منذ الأول من يناير (كانون الثاني) الحالي، لأولئك الذين يريدون التحقق من أراضيهم ومنازلهم وحالة عملهم في سوريا قبل اتخاذ القرار النهائي بالعودة».

وشرح أن نظام «المهاجر الرائد» يعني «السماح لأحد أفراد العائلة بالدخول والخروج 3 مرات خلال 6 أشهر»، وأفاد بأنه تم «إرسال 1766 مهاجراً رائداً منذ بداية الشهر الحالي».

وقال كايا: «رغبتنا هي إرساء بيئة آمنة في سوريا في أقرب وقت ممكن، وسنقدم الدعم اللازم للإدارة السورية الجديدة في دمشق من أجل تحقيق هذا الهدف».

من جانبه، قال وزير النقل والبنية التحتية، عبد القادر أورال أوغلو، إن تركيا إن أنقرة تعتزم بدء تسيير رحلات طيران إلى مطار دمشق الدولي في الأيام المقبلة بعد تشغيل أنظمة الرادار.

وأضاف، في مقابلة تلفزيونية، الخميس: «عندما يتم الربط بين دمشق وإسطنبول، سنكون قد لبّينا احتياجاً كبيراً».