القصير «تخلصت من كابوس» النظام و«حزب الله»

«الشرق الأوسط» في المعقل السابق للحزب اللبناني الذي تعامل مع سكان المنطقة وكأنهم «ضيوف ثقلاء»

موقع مبنى الأعلاف الذي استخدمه «حزب الله» مخزناً للسلاح وتعرَّض لضربة إسرائيلية في نوفمبر الماضي (الشرق الأوسط)
موقع مبنى الأعلاف الذي استخدمه «حزب الله» مخزناً للسلاح وتعرَّض لضربة إسرائيلية في نوفمبر الماضي (الشرق الأوسط)
TT

القصير «تخلصت من كابوس» النظام و«حزب الله»

موقع مبنى الأعلاف الذي استخدمه «حزب الله» مخزناً للسلاح وتعرَّض لضربة إسرائيلية في نوفمبر الماضي (الشرق الأوسط)
موقع مبنى الأعلاف الذي استخدمه «حزب الله» مخزناً للسلاح وتعرَّض لضربة إسرائيلية في نوفمبر الماضي (الشرق الأوسط)

عند مفترق بلدة شنشار، على الطريق الدولية حمص - دمشق، كان يقع أحد أكبر الحواجز المشتركة لقوات النظام السابق. كان الحاجز تحت إشراف مكتب أمن الفرقة الرابعة والأمن العسكري. لم يبق منه اليوم سوى غرف صغيرة شرّعت أبوابها للرياح. اختفى عناصره المدججون بالسلاح وكأنهم لم يربضوا هنا لأكثر من 12 عاماً، يحصون الأنفاس ويفرضون الإتاوات ويبثون الرعب، بحسب ما يقول سكان من هذه المنطقة بريف حمص.

يقول مكرم، وهو من أهالي القصير، إن منطقتهم «ارتاحت من كابوس رهيب اسمه حاجز شنشار... حاجز الرعب والإذلال». يضيف أن مئات الشبان اعتُقلوا خلال السنوات الماضية عند هذا الحاجز الواقع على بعد 10 كلم من القصير و15 كلم عن مدينة حمص.

أعلام سوريا و«حزب الله» في القصير خلال يونيو 2013 (أ.ف.ب)

مع سقوط النظام، الشهر الماضي، سقطت معه جميع الحواجز التي قطعت أوصال مدينة القصير، منذ بسط «حزب الله» سيطرته عليها عام 2012 لتكون بوابته لمد نفوذه نحو مناطق أخرى.

قالت السيدة فاهمة ميخائيل (85 عاماً): «وأخيراً القصير بلا (حزب الله) وبلا بشار... لقد تخلصنا من كابوس ثقيل كان يجثم على صدورنا». أضافت هذه السيدة التي نزحت عن المدينة بين عامي 2012 و2015: «عندما عدنا إلى القصير لم نجد أهلنا وأصحابنا وسكان الحي الذين عشنا معهم. كل الوجوه حولنا كانت لغرباء تعاملوا معنا بتكبر، وكأننا ضيوف ثقلاء».

توجّه السيدة ميخائيل انتقاداتها لـ«حزب الله» الذي اتخذ لسنوات من القصير قاعدة أساسية لنشاطه في سوريا، متسائلة: «الله للجميع، فكيف يشكّلون له حزباً يسمح أفراده لأنفسهم بقطع أشجار بساتين القصير واحتلال بيوت ومحال بناها أصحابها بكدّهم وتعبهم، وسوّروها وحرموا مالكيها من الاقتراب منها؟». وتابعت قائلة: «لم نكن نعرف أنهم حوّلوا المنطقة مخزنَ سلاح. جاءت إسرائيل وقصفتها وزادت الدمار دماراً أكبر». ومعلوم أن المنطقة كانت مُدمَّرة إلى حد كبير نتيجة القتال الضاري الذي شهدته عندما تمكن «حزب الله» من طرد فصائل المعارضة السورية المسلحة منها لدى تدخلها لدعم نظام حكم الرئيس بشار الأسد بعد الثورة ضده عام 2011.

دمار في القصير (الشرق الأوسط)

تستذكر فاهمة ميخائيل لحظات القصف الإسرائيلي على منطقة الصناعة بالقصير، قائلة إن القصف كان مروعاً، وإن بعض الغارات وقعت قرب مدارس الأطفال أثناء الدوام المدرسي. تضيف: «جاءوا (حزب الله) إلينا بالخراب».

وعن حواجز قوات النظام السابق، قالت السورية المسنّة إن الأهالي «عانوا الأمرّين منها. أفقروا (أي عناصر الحاجز) الناس وجوعوهم وأذلوهم. كانوا يفرضون إتاوة على كل شيء. حتى لو جاء فقير بِـلتر من زيت القلي تهريباً من لبنان لإطعام أولاده، كانوا يفرضون عليه إتاوة. الخبز كنا نحصل عليه بالذل. حرمونا الكهرباء والماء. مياه (نهر) العاصي أعطاها بشار لزارعي الحشيشة الذين قطعوا أشجار المشمش والتفاح ليزرعوا بدلاً منها سموم المخدرات».

لبنانيون وسوريون دخلوا سوريا من معبر جوسية إلى القصير (أرشيفية - أ.ف.ب)

وتجزم السيدة التي عاصرت عهد الانتداب الفرنسي وكل الحروب التي مرت على سوريا، بأن عهد بشار الأسد كان «الأشد قسوة». وتختم قائلة: «الحمد لله ما خيّبنا ربنا وأسقطهم كلهم بيوم واحد وطوى صفحتهم. رجع أهل القصير الذين نعرفهم ويعرفوننا»، في إشارة إلى سكان المنطقة الأصليين الذين نزحوا منها خلال سيطرة «حزب الله» عليها.

مع اجتياز عملية «ردع العدوان» مدينة حماة والتقدم نحو حمص واشتداد المعارك في تلبيسة في السادس من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تزايدت المخاوف من احتمال حصول مجازر في القصير. إذ سارعت الميليشيات الرديفة (كتائب البعث) في ربع الساعة الأخير إلى التحشيد وتوزيع السلاح، مع أنباء عن وصول «قوات الرضوان»، قوات النخبة التابعة لـ«حزب الله»، إلى حمص، في حين نزحت عائلات الموالين للنظام السابق و«حزب الله» إلى لبنان. إلا أن ما حصل خالف التوقعات. فعند الساعة التاسعة مساء السبت (7 ديسمبر) فرغت منطقة القصير من قوات النظام ومعها عناصر «حزب الله» الذين اتجهوا نحو الحدود مع لبنان. وبعد نحو ساعة فقط، وصلت فصائل إدارة العمليات العسكرية للمعارضة وأعلنت تحرير القصير دون اشتباكات. وتم نشر عناصر من مقاتلي الفصائل من أبناء القصير فيها، لتتابع بعدها قوات المعارضة السير نحو العاصمة دمشق.

الطفلة رهف منصور مع شقيقها وأقاربها العائدين من لبنان إلى القصير (الشرق الأوسط)

في القصير المدمرة وأمام بيت تصدّعت جدرانه وسُرقت أبوابه ونوافذه، انشغلت عائلة عائدة من لبنان بتفريغ خزّان ماء كبير من أدوات منزلية وقطع أثاث بسيطة. قالت الأم: «كنا نريد العودة فور تحرير القصير، لكننا انتظرنا عشرين يوماً لأننا خفنا عبور الحدود ونحن لا نملك أوراقاً ثبوتية». ومع أن المنزل «مهدم بنسبة 70 في المائة، إلا أنه أفضل من خيمة اللجوء»، بحسب تعبيرها. ابنتها رهف منصور (11 عاماً) بدت سعيدة رغم بؤس المشهد حولها. فهناك دمار واسع حول المنزل، خلّفته ضربة إسرائيلية لمبنى أعلاف استخدمه «حزب الله» مخزناً للسلاح وسوّته الضربة الإسرائيلية بالأرض. بأمل كبير، قالت رهف: «عدنا إلى وطننا وصار بإمكاني أن أدخل مدرسة وأتعلم. في لبنان لم يكن لديّ أوراق وحُرمت أنا وأخوتي من الدراسة».

كان شقيق رهف البالغ عشر سنوات، يتبادل الحديث مع طفلة من أقاربهم الذين عادوا إلى القصير أثناء الضربات الإسرائيلية على «حزب الله» في لبنان في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. تمحور حديثهما حول القصف الإسرائيلي. قال الطفل لقريبته: «كنا نخرج من الخيمة (خلال الغارات الإسرائيلية) وننبطح على الأرض بينما الشظايا تتطاير والدخان كثيف». ردّت الطفلة: «نحن هربنا من القصف في لبنان، لكنه لحقنا إلى القصير. صار القصف ونحن في المدرسة. تكسّر زجاج النوافذ. كنا نركض ولا نعرف إلى أين نذهب، لأن الدخان كان كثيفاً». أكد الطفل والطفلة أنهما ما زالا يسمعان أصوات القصف أثناء النوم ويصحوان مذعورَين. تدخلت رهف وطمأنتهما قائلة: «القصير تحررت وانتهى القصف».

ماهر منصور رب أسرة عائد من لبنان إلى القصير بعد سقوط النظام (الشرق الأوسط)

الأب، وهو من آل منصور، بدا سعيداً جداً بعودته إلى القصير. قال لـ«الشرق الأوسط»: «عدنا لأننا لم نعد نطيق حياة اللجوء. دخلنا إلى لبنان خلسة من دون أوراق، وعدنا خلسة، على أمل تصحيح أوضاعنا. المهم أننا عدنا».

ومن المفارقات، أن الكثير من المارة في الطريق كانوا يبادرون إلى إلقاء التحية على العائلة وتهنئتهم بـ«السلامة والنصر». «عرفوهم من ملامح الوجه»، بحسب ما قالت الأم. ولعل هذا ما يعزّي العائدين إلى مناطقهم ويجنّبهم مذلة إثبات هويتهم.

طفل يعلّق ستارة على باب داره المدمَّر في القصير (الشرق الأوسط)

في الحارة الغربية للقصير التي تعرَّضت لأكبر حجم من الدمار، جلس قصي (22 عاماً) يراقب جاره الصغير وهو يثبّت ستارة من قماش على باب دارهم. قال: «الحمد لله ارتحنا من بشار الأسد، وأهل القصير عادوا، والأمور الأمنية جيدة، لكن المعيشة سيئة جداً. أغلب العائدين من المخيمات في إدلب ولبنان ليس لديهم مصدر رزق». وعن وضعه الشخصي، تحدث قصي عن فقدانه الأمل بالتعليم فقد ضاعت فرصته منذ لجأ مع أمه إلى لبنان قبل 12 عاماً، وما يتمناه الآن الحصول على «أي عمل مهما كان شاقاً؛ لأتمكن من العيش في بيت مع أمي».

أمام «مديرية منطقة القصير» وقف شاب غاضب مع والدته المصابة بكدمات. كان يطالب عناصر الأمن في إدارة العمليات بالتدخل لحل إشكال مع عائدين من لبنان حول إشغال بيت فارغ. بهدوء حاول رجل أمن - وهو من أهالي القصير - احتواء غضب الشاب وإقناعه بحل الإشكال بطريقة ودية، موضحاً له أنه لا يوجد حالياً جهة قانونية تتلقى هذا النوع من الشكاوى وتفرض القانون.

ملصق لزعيم «حزب الله» الراحل حسن نصر الله بالقصير السورية قبل انسحاب مقاتلي الحزب منها في ديسمبر (أ.ف.ب)

وتشير تقديرات محلية إلى عودة أكثر من 700 عائلة من مخيمات اللجوء في لبنان وإدلب إلى القصير منذ سقوط نظام الأسد. بعض العائلات العائدة وجدت بيوتها مدمرة، فسكنت في بيوت لنازحين من الموالين للنظام السابق و«حزب الله»، ومنهم من سكن في منزل مدمَّر جزئياً، بينما نصب كثر خياماً إلى جوار ركام بيوتهم. قال أحد رجال الأمن في المنطقة بعدما رفض ذكر اسمه لأنه غير مخوّل التصريح للإعلام، إن بعض العائلات الشيعية وأخرى من العائلات الموالية للنظام السابق ممن نزحوا يوم سقوط الأسد، عادوا الآن إلى القصير ولا أحد يمس بهم، لكنه لم ينف حصول احتكاكات ومشاجرات على خلفية أحقاد وخلافات سابقة يسعى المسؤولون في الحكم الجديد إلى احتوائها. لفت إلى أن بعض تلك الإشكالات لا علاقة لها بالسياسة، إلا أن حساسية الظروف والتوتر الذي تشهده المنطقة يعطيان للإشكالات طابعاً سياسياً أو طائفياً. وتابع رجل الأمن أن «القصير تحررت من نظام الأسد و(حزب الله)، لكنها منطقة متعبة ومنهكة وحجم الاحتياج كبير جداً»، مؤكداً أن أولوية إدارة العمليات هي «إرساء الأمن. وهذه مهمة معقدة وصعبة جداً مع التركة التي خلفها النظام السابق من الأحقاد والدمار». وأشار إلى وجود «حاجة ماسة إلى إقامة نقاط صحية وطبية؛ فكثير من الأهالي يعانون أمراضاً مزمنة كالسكري والضغط، عدا عن الأمراض الأخرى، ولا يوجد في المنطقة كلها طبيب أطفال واحد».

ماهر شمس الدين معتقل من القصير في سجن عدرا تحرَّر يوم سقوط النظام (الشرق الأوسط)

ماهر شمس الدين الذي كان موجوداً في مديرية المنطقة، قال إنه في حاجة إلى التداوي، ولا يعرف إلى أين يتجه، فقد تحرر من سجن عدرا فجر الثامن من ديسمبر، ووصل إلى القصير في اليوم ذاته وما زال بملابس السجن. قال لـ«الشرق الأوسط»: «وصلت ولم أجد بيتي. عائلتي في لبنان وليس لديّ هاتف. نمت في الشوارع لأربعة أيام حتى عثر عليّ أحد أقاربي واستضافني في بيته». اعتُقل ماهر عام 2015 بتهمة التورط بقتل عسكريين في جيش النظام، استناداً إلى اعتراف والدته التي اعتُقلت قبله وأُجبرت، تحت التعذيب الذي أدى إلى بتر ساقها، على الإقرار بمشاركة ابنها مع ثوار القصير، بحسب ما قال. بعد اعتقال ماهر، تمت مساومته على دفع مبلغ ضخم من الدولارات عبر محامية كانت تتواصل مع عائلته في لبنان، لإنقاذه من حكم إعدام أو مؤبد. روى ماهر تفاصيل معاناته، قبل أن يختم حديثه بالتعبير عن فرحة التحرر من المعتقل. قال: «كنت مع أكثر من مائة سجين في المهجع عندما سمعنا أصوات تكسير الأبواب فجراً. ظننا أنه فخ من إدارة السجن، يهدف إلى قتلنا، فتجاهلنا الأصوات ودفنا رؤوسنا تحت الحرامات. وعندما تواصلت الأصوات مع التكبيرات، تأكدنا بحصول استعصاء داخل السجن، فهجمنا على الأبواب وحطمناها وخرجنا وركضنا باتجاه دمشق دون أن نلتفت خلفنا، خشية بزوغ الشمس قبل ابتعادنا عن محيط السجن. ركضنا ووصلنا إلى دمشق خلال ساعتين مع شروق الشمس. فوجئنا بازدحام هائل وشباب يملأون الشوارع، يبحثون عن وسيلة نقل». أضاف: «تبرع صاحب شركة شحن بحمل دفعات (من الشبان) بشاحنات البضائع إلى حمص وحماة. بداية ظننا أنهم سجناء مثلنا، لكنهم كانوا يحملون هواتف وبطاقات شخصية. وبعد السؤال عرفنا أنهم جنود خلعوا ملابسهم العسكرية وأن بشار الأسد هرب... وكانت هذه الفرحة الكبرى».


مقالات ذات صلة

تركيا متمسكة بالتحرك ضد «قسد»... ومحاولات أميركية لمنعها

المشرق العربي عناصر من الفصائل الموالية لتركية تشارك في الاشتباكات مع «قسد» بشرق حلب (أ.ف.ب)

تركيا متمسكة بالتحرك ضد «قسد»... ومحاولات أميركية لمنعها

اتهمت تركيا «قسد» باستخدام المدنيين دروعاً بشرية في «قسد» وأكدت تمسكها بعملية عسكرية في شمال سوريا وسط مساعٍ أميركية لمنعها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
خاص أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)

خاص سوريون اندمجوا في ألمانيا مرتبكون أمام تحدي العودة

يتردد سوريون مقيمون بألمانيا في اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم بعد سقوط نظام الأسد، وعلى وجه خاص بات أبناء جيل اللجوء أمام قرار صعب بعد اندماجهم في المجتمع.

راغدة بهنام (برلين)
خاص مدخل داريا الشمالي وتظهر صورة الأسد  ممزقة إلى اليسار وزُيّن الجدار بالعلم السوري الجديد (الشرق الأوسط)

خاص «داريا»... سُمّيت «أيقونة الثورة» وفيها تشكل أول مجلس عسكري

سُمّيت بـ«أيقونة الثورة»، وفيها تشكَّل أول مجلس عسكري للثورة، مقاتلوها أول مَن استهدف بالصواريخ قصر بشار الأسد رداً على استهدافه المدنيين وحراكهم السلمي.

موفق محمد (دمشق)
الخليج وفد سعودي يتفقد مستشفى الأطفال الجامعي بدمشق للاطلاع على الواقع الصحي وتحديد الاحتياجات (سانا‬⁩)

السعودية: 3 آلاف متطوع مستعدون لدعم القطاع الصحي السوري

أكثر من ثلاثة آلاف متطوع من الكوادر الطبية السعودية أبدوا رغبتهم في الانضمام إلى برنامج «أمل» الذي أتاحه المركز لدعم القطاع الصحي في سوريا.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي رجال مسلحون خلال جنازة عناصر من «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي يقودها الأكراد قُتلوا قبل أيام في معركة مع القوات السورية المدعومة من تركيا في مدينة منبج الشمالية بسوريا... الصورة في القامشلي 2 يناير 2025 (أ.ف.ب)

37 قتيلاً في معارك بين القوات الكردية والفصائل الموالية لتركيا في شمال سوريا

قُتل 37 شخصاً، اليوم (الخميس)، في معارك استخدم فيها الطيران بين القوات الكردية والفصائل السورية الموالية لتركيا في منطقة في شمال سوريا، وفق المرصد السوري.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

سوريون اندمجوا في ألمانيا مرتبكون أمام تحدي العودة

أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)
أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)
TT

سوريون اندمجوا في ألمانيا مرتبكون أمام تحدي العودة

أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)
أنس معضماني ملتقطاً السيلفي الشهير مع المستشارة الألمانية السابقة في برلين عام 2015 (غيتي)

بعد 12 عاماً على صورته بطريقة «السيلفي» مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل، يبدو اللاجئ السوري الأكثر شهرة في ألمانيا، أنس معضماني، مُرتاحاً في وطنه بالتبني.

ورغم أنه لم يكن يعرف من هي ميركل حينما التقط معها الصورة وهي تزور مركز اللجوء الذي كان فيه؛ فإنه بات اليوم معلقاً بألمانيا قدر ارتباطه بوطنه الأم سوريا.

مثل باقي السوريين الذين وصلوا لاجئين إلى ألمانيا بعد شرارة الثورة في بلادهم عام 2011، يواجه أنس وغيره من أبناء جيل اللجوء، قراراً صعباً: هل نعود إلى سوريا أم نبقى في ألمانيا؟

وخلال فترة ما بعد سقوط الأسد، يبدو أن خطط أنس بدأت تتضح معالمها: يريد الشاب المتحدر من داريا في ريف دمشق، العودة إلى سوريا لزيارة أهله، ومساعدتهم على إعادة بناء منزلهم كخطوة أولى.

بعدها، يقول أنس لـ«الشرق الأوسط»، إنه يريد أن يُقسّم وقته بين ألمانيا وسوريا، ويفتح مشاريع في البلدين. وكما لو أنه يبرر ذنباً ارتكبه يستدرك: «دمشق أجمل مدينة على الأرض، ولكني أحب ألمانيا وبرلين أصبحت مدينتي الثانية».

في ألمانيا، بات أنس مثالاً للاجئ السوري المندمج؛ فهو تعلم اللغة، وحصل على الجنسية ودخل سوق العمل، حتى إنه تعرف على فتاة أوكرانية تُدعى آنا، ويخططان لمستقبلهما معاً.

ولعل مسألة حصول أنس على جواز سفر ألماني هي ما يسهل قراره بالعودة وإن كانت جزئية إلى سوريا؛ فهو يعلم أنه يمكنه التحرك بحرّية بين الجانبين من دون أن يخشى خسارة أوراقه أو إقامته.

أنس معضماني (الشرق الأوسط)

وأنس واحد من قرابة 260 ألف لاجئ سوري حصلوا على الجنسية الألمانية، فيما يتبقى أكثر من 700 ألف من مواطنيه يعيشون بإقامات لجوء، أو إقامات حماية مؤقتة يمكن أن تُسحب منهم عندما يستقر الوضع في سوريا.

الارتباك للجميع

غير أن الارتباك لم يكن من نصيب اللاجئين السوريين فقط؛ فالتغيير السريع للوضع في دمشق أربك أيضاً سلطات الهجرة في ألمانيا، ودفعها إلى تعليق البت في 47 ألف طلب لسوريين راغبين في الهجرة... الجميع ينتظر أن تتضح الصورة.

ولقد كان الأساس الذي تعتمد عليه سلطات اللجوء لمنح السوريين الحماية، الخوف من الحرب أو الملاحقة في بلادهم. وبعد انتفاء هذه المخاوف بسبب سقوط النظام، ربما سقط السند القانوني.

وامتد هذا الإرباك بشأن وضع اللاجئين السوريين إلى السياسيين الذين سارعوا بالحديث عن «ترحيل السوريين» إلى بلادهم بعد ساعات قليلة على سقوط الأسد.

ولم تصدر تلك الدعوات من الأحزاب اليمينية فقط، بل أيضاً من الحزب الاشتراكي الذي يقود الحكومة، ووزيرة الداخلية نانسي فيزر المنتمية للحزب، والتي تحدثت عن المساعي لتغيير قواعد اللجوء للسوريين، والعمل على إبقاء «المندمج ومن يعمل» وترحيل المتبقين.

سورية ترتدي علم المعارضة السورية ضمن مظاهرات في شوارع برلين 10 ديسمبر احتفالاً بسقوط نظام الأسد (أ.ب)

ولكن الترحيل ليس بهذه البساطة. والكثير مما يتردد عن ترحيل السوريين قد تكون أسبابه انتخابية قبل أسابيع قليلة عن الانتخابات العامة المبكرة التي ستجري في 23 فبراير (شباط) المقبل.

وصحيح أنه من حيث المبدأ، يمكن سحب الإقامات المؤقتة من حامليها؛ لكن ذلك يتطلب أن تصنف وزارة الخارجية سوريا «دولة آمنة ومستقرة»، وهو ما قد يستغرق سنوات.

نيات البقاء والمغادرة

وحتى مع تأخر التصنيف الألماني لسوريا آمنة ومستقرة، لا يبدو أن الكثير من اللاجئين متشجعون للعودة. وبحسب «المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين» الذي يجمع معلومات دورية حول نيات اللاجئين بالبقاء أو المغادرة، فإن 94 في المائة من السوريين قالوا قبل سقوط الأسد إنهم يريدون البقاء في ألمانيا.

ورغم أنه ليست هناك إحصاءات جديدة منذ سقوط الأسد بعد، فإن المكتب يشير إلى أنه في العادة تزداد نيات البقاء مع زيادة فترة وجود اللاجئ في البلاد. وكلما طالت فترة وجوده، ازدادت إرادة البقاء.

وصل معظم السوريين إلى ألمانيا قبل أكثر من 5 سنوات، جزء كبير منهم قبل عقد من الزمن، وهذا يعني، حسب المركز، أن تعلقهم بألمانيا بات قوياً.

وتنعكس هذه الدراسة فعلاً على وضع اللاجئين السوريين في ألمانيا.

سيامند عثمان مثلاً، لاجئ سوري كردي، وصل إلى ألمانيا قبل 11 عاماً، يتحدر من القامشلي، وهو مثل مواطنه أنس، تعلم اللغة، وحصل على جواز ألماني، وما زالت معظم عائلته في القامشلي. ومع ذلك، لا يفكر بالعودة حالياً.

سيامند عثمان سوري كردي يعيش بألمانيا لا يفكر في العودة حالياً (الشرق الأوسط)

يقول عثمان لـ«الشرق الأوسط» إن الوضع في مناطق الأكراد «صعب في الوقت الحالي، وما زال غير مستقر»، ولكنه يضيف: «أنا أحب العودة وهذه أمنيتي، فأهلي هناك، ولكن أتمنى أولاً أن تتفق كل الأطراف في سوريا، ويصبح هناك أمان في منطقتنا».

أكثر ما يخيف سيامند هو عودة الحرب في سوريا، يقول: «تخيلي أن أترك بيتي هنا وأسلم كل شيء وأبيع ممتلكاتي وأعود إلى سوريا لتعود معي الحرب بعد أشهر وأضطر للنزوح مرة جديدة». ومع ذلك فهو مصرّ على أنه سيعود عندما تستقر الأمور.

ماذا عن الاقتصاد؟

المخاوف من عدم الاستقرار ليست وحدها التي تجعل السوريين مترددين في العودة. فالوضع الاقتصادي يلعب دوراً أساسياً، وفق ما تُقدر آلاء محرز التي وصلت عام 2015 إلى ألمانيا.

تقول لـ«الشرق الأوسط»، إنها «بنت نفسها من الصفر»؛ تعلمت اللغة، وعادت وتدربت على مهنتها (المحاسبة)، وهي الآن تعمل في هذا المجال، وحصلت على الجنسية الألمانية.

آلاء محرز لاجئة سورية تعمل في ألمانيا (الشرق الأوسط)

ورغم تفاؤلها الكبير بمستقبل سوريا، فإن آلاء المتحدرة من حمص ما زالت تحمل تحفظات حول الوضع هناك، والمسار الذي قد تسلكه سوريا في السنوات المقبلة، وتخشى أن تترك وظيفتها ومنزلها في برلين وتعود من دون أن تجد عملاً مناسباً.

مصاعب العائلات

وإذا كان قرار فرد المغادرة أو البقاء صعباً، فإنه قد يكون أكثر صعوبة للعائلات السورية التي وصلت مع أبنائها الذين نسوا اللغة العربية وأضاعوا سنوات لتعلم الألمانية.

يقول أنس فهد، المتحدر من السويداء، الذي وصل إلى ألمانيا قبل 3 أعوام تقريباً مع عائلته وابنه المراهق، إنه «ما زال يحمل إقامة حماية مؤقتة، ويعمل مهندساً كهربائياً».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «الوقت مبكر الآن لاتخاذ قرار بالعودة»، شارحاً أن ابنه أمضى عاماً من الدراسة يتعلم اللغة الألمانية، وهو يحقق نتائج جيدة جداً في المدرسة ببرلين، ومن الصعب إعادته إلى مدارس سوريا حيث سيضطر لإضاعة عام آخر لدراسة اللغة العربية.

«وصلت يوم سقط الأسد»

وحتى الواصلون الجدد لا يخططون للعودة. لعل أحدثهم باسل حسين الذي وصل إلى برلين يوم سقوط الأسد، بعد أن دفع أكثر من 13 ألف يورو ليدخل عن طريق التهريب، والذي يقول إنه لن يعود الآن وقد وصل للتوّ.

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»، أن «الوضع ما زال غير واضح، وهناك قرارات جديدة كل يوم». يفضل باسل أن يستكشف مستقبله في ألمانيا حتى ولو كان ذلك يعني أن عليه البدء من الصفر، على أن يعود إلى مستقبل غير معروف.

باسل حسين لاجئ سوري وصل إلى ألمانيا يوم سقوط الأسد (الشرق الأوسط)

وليس فقط السوريون هم المترددين حيال العودة، بل إن الألمان يخشون خسارة كثير منهم دفعة واحدة، خصوصاً أولئك الذين دخلوا سوق العمل ويملأون فراغاً في مجالات كثيرة.

ويعمل أكثر من 5 آلاف طبيب سوري في مستشفيات ألمانيا، ويشكلون بذلك الشريحة الأكبر من بين الأطباء الأجانب في ألمانيا. ويعمل المتبقون في مهن تعاني من نقص كبير في العمال؛ كالتمريض والبناء وقطاع المطاعم والخدمات.

وبحسب معهد أبحاث التوظيف، فإن معدل دخول السوريين سوق العمل هو 7 سنوات لتعلم اللغة وتعديل الشهادات. ويشير المعهد إلى أن السوريين يملأون شغوراً في وظائف أساسية في ألمانيا، ومع ذلك فإن معدل البطالة مرتفع بينهم، خصوصاً بين النساء اللواتي تعمل نسبة قليلة منهن فقط.

وقد حذرت نقابات الأطباء والعمل من الدعوات لتسريع ترحيل السوريين، لما قد يحمله ذلك من تأثيرات على سوق العمل في ألمانيا.

وحذر كذلك مانفريد لوشا، وزير الصحة في ولاية بادن فورتمبيرغ في غرب ألمانيا التي يعمل بها عدد كبير من الأطباء السوريين، من النقاشات حول تسريع الترحيل، وقال: إذا غادر العاملون السوريون في قطاع الصحة «فستكون هناك ثغرة هائلة».

وقالت نقابة المستشفيات في الولاية نفسها، إن «مغادرة كل طبيب أو عامل صحة سوري ستشكل خسارة لنا».