تحولت الاشتباكات المسلحة في مخيم جنين شمال الضفة الغربية بين السلطة الفلسطينية ومسلحين، إلى مصدر قلق للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، والسبب: سلاح «آر بي جي» ظهر خلال الاشتباكات بحوزة عناصر السلطة.
وقالت وسائل اعلام إسرائيلية إن أجهزة الأمن الإسرائيلية فوجئت من استخدام السلطة قذائف «آر بي جي»، وبدأت بفحص كل شيء: من أين جاء السلاح ومساره وكميته وبيد من؟ وقال مسؤولون لـ«هيئة البث الرسمية» إنه ليس من المفترض أن تمتلك الأجهزة الأمنية «آر بي جي» بوصفه «سلاحاً دقيقاً وقاتلاً».
وتخوض السلطة منذ أكثر من أسبوعين قتالاً ضارياً ضد مسلحين في مخيم جنين الشهير شمال الضفة الغربية، في بداية تحرُّك هو الأقوى والأوسع منذ سنوات طويلة، ويُفترض أن يطول مناطق أخرى، في محاولة لاستعادة المبادرة وفرض السيادة.
وأظهر توثيق من قلب جنين استخدام أحد عناصر السلطة سلاح «آر بي جي». وأكدت مصادر إسرائيلية أن المسؤولين الأمنيين توجهوا إلى قيادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية للحصول على إجابات، وقال الفلسطينيون إن أسلحة «آر بي جي» كانت تستخدمها الفصائل المسلحة في مخيم جنين، وتمت مصادرتها من هناك، لكن في إسرائيل أرادوا إجابة عن سؤال: لماذا قامت الأجهزة الأمنية باستخدام السلاح؟
وتحاول إسرائيل الاستيضاح وفهم إن كانت هذه الأسلحة الاستثنائية تم تهريبها إلى شمال الضفة الغربية من الحدود مع الأردن أو من منظمات إجرامية في إسرائيل. وقالت «القناة 12»، إن صاروخ «آر بي جي» أثار أسئلة مثيرة للقلق، حول كيفية وصول الذخائر إلى مناطق السلطة الفلسطينية؟ وهل هناك مزيد من الأسلحة؟ وكيف ستتعامل إسرائيل مع المشكلة؟ وبحسب القناة، فإن الـ «آر بي جي» التي استولت عليها السلطة الفلسطينية وقواتها الأمنية في جنين، ليست الوحيدة ولا الأخيرة. وتعترف إسرائيل بأنه خلال العمليات التي شهدتها جنين مؤخراً، تم توثيق قدرة لعناصر «حماس» والجهاد الفلسطيني لم تكن متوفرة من قبل. ويقولون في إسرائيل، إنه باستخدام الـ«آر بي جي» تستطيع المنظمات تعزيز قدراتها، واستهداف أي مركبة. وأكدت القناة الإسرائيلية أنه على خلفية الخوف من استخدام هذا السلاح في إسرائيل ضد الجيش وضد المدنيين، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو، ما إذا كان الجيش، من أجل العثور على أسلحة إضافية وتدميرها، سيدخل هناك بالدبابات وناقلات الجنود المدرعة؟
وعلى الرغم من نجاح السلطة الفلسطينية بمصادرة «آر بي جي» لكنهم في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية منزعجون، وبدأوا جمع المعلومات الاستخبارية في محاولة لإحباط استخدام السلاح في المستقبل. وقالت: «القناة «12 إن النظام الأمني يحاول على سبيل المثال، الوصول إلى مستودعات الأسلحة من أجل وضع يديه عليها.
وقد استولت إسرائيل في الماضي على مكونات إنتاج الصواريخ وقذائف «الهاون» التي حاولت التنظيمات تهريبها إلى الضفة. وفيما لا تريد إسرائيل التدخل بما يجري في جنين، وأعطت مساحة للسلطة بالعمل هناك، وقد يكون ذلك بطلب أميركي مباشر، هاجمت القوات الإسرائيلية في منطقة قريبة، في طولكرم، وقتلت فلسطينيين، واعتقلت 18، وصادرت أسلحة.
وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي «مصادرة أسلحة، بما في ذلك بنادق ومسدسات، واعتقال مطلوبين». وظاهرة تهريب الأسلحة إلى الضفة تقلق إسرائيل على نحو خاص، وقد بدأت منذ فترة بالعمل على زيادة النشاط على الحدود مع الأردن.
وتتهم إسرائيل إيران بمحاولة إحداث تصعيد في المنطقة، وتقول إنه «مع الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمحور الإيراني الشيعي، أصبحت الحدود مع الأردن النقطة الأكثر أهمية بالنسبة للإيرانيين في محاولاتهم لإشعال الضفة، وإضعاف إسرائيل».
واتهام إيران بمحاولة إشعال الضفة ليست تهمة إسرائيلية فقط، بل فلسطينية أيضاً. ويقول المسؤولون في الأجهزة الأمنية الفلسطينية إن المسلحين في جنين هم «خارجون عن القانون»، ويعملون لصالح «أجندات خارجية»، وهي تهم ينفيها المسلحون الذين يقولون إنهم مقاتلون ضد إسرائيل.
وقال الناطق الرسمي باسم قوى الأمن الفلسطيني العميد أنور رجب، إن العملية «مستمرة ولا تسويات ولا مفاوضات ولا حلول»، مؤكداً «أن يد العدالة ستطول كل من تسوِّل له نفسه المساس بأمن شعبنا، ولن يكون هناك أي تساهل مع هذه الفئة الضالة الخارجة عن القانون»... وجاءت تصريحاته هذه بعد إعلان مقتل عنصر أمن آخر في جنين على يد المسلحين. وقُتل حتى الآن 6 في الاشتباكات، 2 من عناصر الأمن و4 مسلحين، وهو رقم مرشح للارتفاع مع استمرار الاشتباكات، ورفع مستوى التهديد.
وتؤكد السلطة أنها ستسيطر على المخيم، ويقول المسلحون إن «ما فشلت فيه إسرائيل ستفشل فيه السلطة». ووسط الاشتباكات العنيفة، ظهر شبان يرتدون ملابس بيضاء وأحزمة ناسفة يهددون السلطة إذا تقدمت أكثر داخل المخيم، وهي مشاهد أججت الاتهامات بين الطرفين، وقادت إلى اتهامات متبادلة بين حركتي «فتح» و«حماس».
وقالت حركة «فتح» إنّ من يُشرعن الفوضى والفلتان الأمنيّ والاعتداء على الممتلكات العامّة والخاصّة وتفخيخ أجساد الأطفال والشبّان وغيرها من المظاهر التشويهيّة لنضال شعبنا وتضحياته، لا يتمايز بأهدافه ومساعيه عن مخططات الاحتلال الإباديّة». وأكّدت «أنّ الذين أهدوا لمنظومة الاحتلال الاستعماريّة الذرائع لكي تشنّ حرب الإبادة الممنهجة على شعبنا في قطاع غزّة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هم من يحاولون بدعمهم وشرعنتهم ممارسات مجموعات الخارجين عن القانون، إعادة إنتاجها في الضفة الغربيّة»، ودعت حركة «حماس» إلى «مراجعة موقفها، وإيلاء مصالح شعبنا العليا الأولويّة بدلاً من التماهي مع أجندات إقليميّة مُعادية لمشروع شعبنا الوطنيّ».
وأخرجت «فتح» جماهيرها، الثلاثاء، في مناطق في الضفة الغربية دعماً للمؤسسة الأمنية في عمليتها ضد جنين. وكانت ترد على بيان لـ«حماس»، هاجمت فيه السلطة بشدة، محذرة «من المخاطر الكبيرة التي ترتكبها في الضفة الغربية على صعيد ملاحقة المقاومين وتبريرها لذلك عبر أكاذيب وادعاءات واهية، ما يضرب وحدة صفنا في مواجهة جرائم الاحتلال والمستوطنين، ويساعد الاحتلال في تصفية قضيتنا بثمنٍ بخس وبأيدٍ محلية».
وبدأت الحملة الفلسطينية في جنين بعد أيام من تحذيرات إسرائيلية من احتمال تدهور الأوضاع في الضفة الغربية، تحت تأثير التطورات الحاصلة في سوريا (انهيار نظام الأسد) وعلى طريقة «تدحرج حجارة الدومينو». وقالت وسائل إعلام إسرائيلية، إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) «أمر شخصياً بتنفيذ العملية الواسعة، بعد سقوط النظام في سوريا». وترى إسرائيل ما يحدث في جنين «اختباراً مهماً لعباس»، ويقولون إنه يعكس كذلك قدرة السلطة على حكم قطاع غزة المعقد في وقت لاحق.