ماذا كشف سقوط الأسد عن تجارة «الكبتاغون» في سوريا؟

TT

ماذا كشف سقوط الأسد عن تجارة «الكبتاغون» في سوريا؟

أقراص من «الكبتاغون» مبعثرة بعد العثور عليها قرب العاصمة السورية دمشق الأسبوع الماضي (رويترز)
أقراص من «الكبتاغون» مبعثرة بعد العثور عليها قرب العاصمة السورية دمشق الأسبوع الماضي (رويترز)

منذ سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، تم الكشف عن منشآت تصنيع مخدر «الكبتاغون» على نطاق واسع في جميع أنحاء سوريا، والتي يقول الخبراء إنها ساعدت في ازدهار تجارة عالمية سنوية بقيمة 10 مليارات دولار.

ووفق تقرير نشرته وكالة «أسوشييتد برس»، من بين المواقع المستخدمة لتصنيع المخدرات قاعدة المزة الجوية في دمشق، وشركة تجارة سيارات في اللاذقية، ومصنع سابق لرقائق البطاطس على مشارف دمشق. وقد تم الاستيلاء على المصنع الذي كان ينتج البطاطس في ضاحية دوما تحت اسم «كابتن كورن»، من قبل القوات الحكومية في عام 2018.

وقال فراس التوت، المالك الأصلي للمصنع، للوكالة: «سيطر المتعاونون مع الأسد على هذا المكان. بعد سقوط النظام جئت إلى هنا ووجدته مشتعلاً. لقد جاءوا ليلاً وأشعلوا النار في المخدرات لكنهم لم يتمكنوا من حرق كل شيء».

وقال أبو زهاب، أحد الناشطين في «هيئة تحرير الشام»: «من هنا خرجت حبوب الكبتاغون لتقتل شعبنا».

أدت الحرب الأهلية السورية التي دامت قرابة 14 عاماً إلى تفتيت البلاد، وانهيار الاقتصاد، وخلق أرض خصبة لإنتاج المخدرات. حول كل من الميليشيات وأمراء الحرب وحكومة الأسد «الكبتاغون» من عملية صغيرة النطاق تديرها مجموعات صغيرة إلى مصدر دخل صناعي بمليارات الدولارات. وأدى سقوط الأسد إلى تعطيل هذه الشبكات، والكشف عن عملها الذي دعم سلطة الأسد في سوريا.

يقول الخبراء إن التغيير في سوريا قد يخلق فرصة لتفكيك صناعة «الكبتاغون».

كيف بنت سوريا إمبراطورية «الكبتاغون»؟

تم تطوير «الكبتاغون» لأول مرة في ألمانيا في الستينات بوصفه منشطاً طبياً لحالات مثل الخدار. تم حظره لاحقاً بسبب مشاكل القلب وخصائصه المسببة للإدمان. أدت تأثيراته الشبيهة بالأمفيتامين إلى شعبيته في الشرق الأوسط بين المقاتلين، حيث عزّز التركيز وقلّل من التعب. أدركت حكومة الأسد فرصة في المخدر الرخيص الصنع وسط الاضطرابات الاقتصادية في سوريا والعقوبات الثقيلة المفروضة عليها.

يتم إنتاج «الكبتاغون» من خلال عملية كيميائية بسيطة تتضمن خلط مشتقات الأمفيتامين مع المواد المساعدة لتشكيل أقراص، عادة في مختبرات مؤقتة. بدأ تصنيع «الكبتاغون» بين عامي 2018 - 2019، حيث استثمر نظام الأسد - والجماعات المسلحة الأخرى في سوريا - في مرافق الإنتاج والمستودعات وشبكات الاتجار.

سمح هذا لسوريا بالظهور بوصفها أكبر منتج لـ«الكبتاغون» على مستوى العالم، مع حدوث بعض الإنتاج أيضاً في لبنان. وفقاً لبيانات معهد «نيو لاينز» للأبحاث، فإن معظم شحنات «الكبتاغون» المضبوطة جاءت من سوريا. وقال التقرير الذي نشر في مايو (أيار) إن الأدلة على رعاية نظام الأسد لصناعة «الكبتاغون» قوية. وأضاف التقرير أن مكتب أمن الفرقة المدرعة الرابعة في الجيش السوري، برئاسة ماهر الأسد (شقيق بشار الأسد)، أشرف على العمليات، وأنشأ نظام إنتاج منسق.

أين وكيف تم تهريب «الكبتاغون»؟

تم تهريب «الكبتاغون» عبر الحدود باستخدام طرق مختلفة، حيث تم إخفاء الحبوب في شحنات البضائع والسلع. ويتم إخفاء بعض الشحنات في المواد الغذائية والإلكترونيات ومواد البناء لتجنب الكشف عنها. كانت طرق التهريب الأساسية هي الحدود السورية مع لبنان والأردن والعراق، ويتم توزيع المخدرات منها في جميع أنحاء المنطقة. كما تم شحن بعضها من ميناء اللاذقية.

في لبنان، ازدهرت تجارة «الكبتاغون»، وخاصة بالقرب من الحدود السورية وفي وادي البقاع. كافحت السلطات اللبنانية للحد من تدفق الحبوب من سوريا، ويقول محللون إن «حزب الله» هو الذي سهل دخولها. وبعد اكتشاف صناديق الفاكهة المعبأة بالمخدرات المخبأة بين الرمان والبرتقال، فرضت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حظراً على المنتجات الزراعية اللبنانية.

كما وجد «الكبتاغون» طريقه إلى الأسواق العالمية، حيث وصل إلى جنوب شرقي آسيا وأجزاء من أوروبا.

ما مقدار الإيرادات التي حققها لنظام الأسد؟

تقدر قيمة التجارة العالمية السنوية في «الكبتاغون» بنحو 10 مليارات دولار، حيث بلغ الربح السنوي لعائلة الأسد نحو 2.4 مليار دولار، وفقاً لكارولين روز، مديرة مشروع «تجارة الكبتاغون» في معهد «نيو لاينز» للأبحاث. وقالت روز، التي تتعقب منظمتها جميع عمليات ضبط «الكبتاغون» المسجلة علناً ومداهمات المعامل: «كان اكتشاف كثير من المرافق الصناعية التابعة للنظام صادماً ولكنه ليس مفاجئاً. كانت هناك أدلة واسعة النطاق تربط بين المقربين للنظام وأفراد عائلة الأسد بالتجارة»، مشيرة إلى أن اكتشاف المرافق أكد «العلاقة الملموسة بين تجارة الكبتاغون والنظام السابق».

لا يزال العدد الدقيق للمصانع في سوريا غير واضح، لكن الخبراء وأعضاء في «هيئة تحرير الشام» يقدرون أن هناك على الأرجح مئات المصانع المنتشرة في جميع أنحاء البلاد.

«الكبتاغون» بوصفه أداة دبلوماسية

في حين سعت الدول المجاورة منذ فترة طويلة إلى الحد من الاتجار بالمخدرات، كان تأثير ذلك على الأسد محدوداً. وفرضت المملكة العربية السعودية عقوبات صارمة على الاتجار بـ«الكبتاغون»، وعزّزت أمن حدودها، وتعاونت مع دول الخليج الأخرى لمراقبة طرق التهريب. ومع ذلك، واجهت هذه الجهود تحديات من الشبكات المعقدة العاملة في جميع أنحاء سوريا ولبنان والأردن.

وفّر «الكبتاغون» للأسد نفوذاً لإنهاء عزلته السياسية في السنوات الأخيرة، مع إعادة كثير من الدول العربية العلاقات معه، وكانت مكافحة المخدرات مطلباً رئيساً في المحادثات الرامية إلى تطبيع العلاقات.

في مايو 2023 أعيد قبول سوريا في جامعة الدول العربية، التي تم تعليق عضويتها منذ عام 2011، وتعهدت سوريا بمكافحة التهريب، مما أدى إلى تشكيل لجنة تنسيق أمنية إقليمية. وبعد وقت قصير من القمة كثف الأردن عمليات المراقبة على طول الحدود السورية.

في خطاب النصر الذي ألقاه زعيم «هيئة تحرير الشام» أحمد الشرع في الجامع الأموي بدمشق في الثامن من ديسمبر (كانون الأول)، قال: «حوّل الأسد سوريا إلى أكبر مصنع للكبتاغون في العالم. واليوم يتم تطهير سوريا». وفي حين أن الأسد ودائرته ربما كانوا المستفيدين الأساسيين، فإن هناك أيضاً أدلة على أن جماعات المعارضة السورية كانت متورطة في تهريب المخدرات، حيث قامت الجماعات المتمردة والميليشيات المحلية وشبكات الجريمة المنظمة بتصنيع وتهريب المخدرات لتمويل عملياتها، كما يقول المحللون.

وقالت روز: «من المرجح أن نشهد انخفاضاً قصير الأمد في العرض. ومع ذلك، فإن الجهات الإجرامية مبتكرة، ومن المرجح أن تسعى إلى مواقع جديدة للمشاركة في الإنتاج والتهريب، خاصة مع بقاء مستويات الطلب مستقرة». وأشارت روز إلى أن الحكومة الانتقالية في البلاد يجب أن «تنشئ برامج للتنمية الاقتصادية من شأنها أن تحفز السوريين على المشاركة في المجال الاقتصادي الرسمي والمشروع في البلاد».


مقالات ذات صلة

محافظ دمشق الجديد: مشكلتنا ليست مع إسرائيل ونتفهم قلقها

المشرق العربي أشخاص يسيرون بالقرب من ملصق لبشار الأسد في دمشق (رويترز)

محافظ دمشق الجديد: مشكلتنا ليست مع إسرائيل ونتفهم قلقها

نقلت الإذاعة العامة الأميركية «NPR» عن محافظ دمشق الجديد ماهر مروان قوله إن الحكومة السورية الجديدة تريد تسهيل العلاقات الودية بين إسرائيل وسوريا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي من موقع غارة إسرائيلية عند معبر المصنع الحدودي بين لبنان وسوريا... 4 أكتوبر 2024 (رويترز)

إسرائيل تعلن استهداف «بنى تحتية» على الحدود السورية اللبنانية

أعلن الجيش الإسرائيلي أنه أغار الجمعة على «بنى تحتية» عند نقطة جنتا الحدودية بين سوريا ولبنان، قال إنها تستخدم لتمرير أسلحة إلى «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عامل يفحص صمامات الأنابيب المرتبطة بخزانات النفط في ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط، 19 فبراير 2014 (رويترز)

تركيا تسعى لتزويد سوريا بالطاقة والتعاون في مجال النفط والغاز

قال وزير الطاقة التركي إن بلاده تسعى لتزويد سوريا بالكهرباء وتعزيز بنيتها التحتية للطاقة، وإنها قد تتعاون أيضاً مع سوريا في مشاريع النفط والغاز.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
خاص قائد «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي (الشرق الأوسط)

خاص قائد «قسد» لـ«الشرق الأوسط»: مستعدون للاندماج في الجيش بصيغة مناسبة

حذر قائد «قسد»، الفصيل الكردي السوري المتمركز شمال شرقي البلاد، من «كارثة» نتيجة التحشيد التركي، وقال إن أنقرة «لا تستجيب لأي وساطة حتى الآن».

علي السراي (لندن)
أوروبا لاجئون يظهرون مهاراتهم في أعمال معالجة المعادن في أحد المعامل الصناعية الألمانية في برلين ألمانيا 2016 (رويترز)

قطاع الحرف اليدوية في ألمانيا يأمل بقاء عامليه السوريين

أعرب أرباب عمل قطاع الحرف اليدوية في ألمانيا عن أملهم في بقاء موظفيهم السوريين، وذلك في ضوء مطالبة سياسيين ألمان بإعادة سريعة للاجئين السوريين إلى بلادهم.

«الشرق الأوسط» (برلين)

إعلان مقتل خمسة من طاقم مستشفى في غزة بغارة إسرائيلية

بقايا سيارة بعد غارة إسرائيلية بالقرب من مستشفى «العودة» في قطاع غزة (رويترز)
بقايا سيارة بعد غارة إسرائيلية بالقرب من مستشفى «العودة» في قطاع غزة (رويترز)
TT

إعلان مقتل خمسة من طاقم مستشفى في غزة بغارة إسرائيلية

بقايا سيارة بعد غارة إسرائيلية بالقرب من مستشفى «العودة» في قطاع غزة (رويترز)
بقايا سيارة بعد غارة إسرائيلية بالقرب من مستشفى «العودة» في قطاع غزة (رويترز)

قال مدير مستشفى «كمال عدوان» في شمال غزة، الخميس، إن خمسة من أفراد طاقم المرفق، بينهم طبيب، قُتلوا بغارة إسرائيلية.

عناصر الدفاع المدني يخمدون حريقاً في سيارة بث تلفزيوني إثر قصف إسرائيلي في محيط مستشفى «العودة» في النصيرات بقطاع غزة في 26 ديسمبر 2024 (رويترز)

وأفاد مدير مستشفى «كمال عدوان» الطبيب حسام أبو صفية في بيان بـ«استشهاد 5 من كوادر الطاقم الطبي في المستشفى جراء عدوان الاحتلال المتواصل».