بعد سقوط الأسد... فلسطينيون يزورون مقابر أحبائهم بمخيم اليرموك لأول مرة

أشخاص يرفعون علم سوريا الجديد في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)
أشخاص يرفعون علم سوريا الجديد في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)
TT

بعد سقوط الأسد... فلسطينيون يزورون مقابر أحبائهم بمخيم اليرموك لأول مرة

أشخاص يرفعون علم سوريا الجديد في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)
أشخاص يرفعون علم سوريا الجديد في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

في مقبرة في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق، يحمل رضوان عدوان أحجاراً بيدَيه ويكدّسها في محاولة منه لإصلاح قبر والده المدمّر الذي يزوره للمرة الأولى منذ سبع سنوات.

ومنذ استعاد الجيش السوري السيطرة على مخيم اليرموك في عام 2018، إثر معارك مع عناصر المعارضة وتنظيم «داعش»، منع الاقتراب من المقبرة التي تعرف بـ«مقبرة الشهداء» أو مقبرة المغاربة في المخيم، ويقول السكان إنها تحوي رفات إسرائيليين.

وعلى غرار كثر، استغلّ الفلسطيني عدوان (45 عاماً) سقوط بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول) ليدخل المقبرة. ويقول الرجل المقيم حالياً في بلدة قدسيا قرب دمشق: «لولا سقوط النظام، لما تمكنا من زيارة قبر والدي مرة أخرى».

ويُضيف فيما لملم أحجاراً كبيرة من المقبرة ووضعها بشكل مستطيل لإعادة القبر إلى ما كان عليه: «وصلنا ولم يكن هناك أثر للقبر، ونعيد تأسيسه الآن»، وفقاً لما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

إلى جانب رضوان، جلست زينة (70 عاماً) والدته على كرسي معدني صغير، تتلو القرآن على روح زوجها، وتبكي بحرقة على «كل الأيام التي مرت من دون أن تتمكن من زيارته».

وتقول: «هذه المرة الأولى التي أزور فيها قبر زوجي منذ سبع سنوات وقد جفت دموعي لهذه اللحظة (كل شيء تغيّر هنا)، لكن لا أزال أحفظ جيداً مكان قبره».

فرّ آلاف الفلسطينيين من مخيم اليرموك في عام 2012 (رويترز)

وفرّ آلاف الفلسطينيين من مخيم اليرموك في عام 2012 مع وصول المعارك إليه إثر سيطرة المعارضة عليه ثمّ حصاره من القوات الحكومية.

وكان يسكنه قبل اندلاع النزاع 160 ألف لاجئ فلسطيني، بالإضافة إلى آلاف السوريين. وفي عام 2015، تمكّن تنظيم «داعش» من التسلّل إليه.

«لم يسلم أحد»

وتسببت المعارك بأزمة إنسانية خانقة وفي فرار العدد الأكبر من سكانه وسقوط ضحايا، قبل طرد التنظيم منه في مايو (أيار) 2018.

وعاد عدد محدود من سكان المخيم إلى منازلهم التي لا تزال صالحة للسكن وسط منطقة مدمرة بشكل كامل وتعاني نقصاً شديداً في الخدمات.

إلا أن العدد الأكبر ما زال خارج المنطقة التي شهدت أعنف المعارك خلال السنوات الأولى للنزاع، وطالها قصف جوي ومدفعي عنيف خلال معارك دارت بين الجيش السوري والمعارضة وعناصر تابعين لتنظيم «داعش».

في الطريق إلى مقبرة المخيم اليرموك، يلعب أطفال حفاة وبملابس رثة ببقايا أراجيح معدنية، فيما يلفّ الدمار ساحة كانت فيما مضى حديقة تضمّ ألعاباً.

من أمامها، عبر رجال وشباب متوجهين نحو المقبرة بحثاً عما تبقى من قبور أحبائهم بين الدمار.

من بينهم محمود بدوان (60 عاماً) الذي اتسخت يداه بالتراب وهو ينبش بين الأنقاض ويُشير بيده ويقول: «هنا كان قبر والدي، وهناك قبر عمي، وهنا خالي».

وتبدو معظم القبور من دون شواهد أو بعضها بشواهد مكسرة، وقبور نادرة احتفظت بشواهدها التي كتبت عليها أسماء الموتى وتاريخ وفاتهم.

ويُضيف بدوان: «لم يسلم من نظام الأسد الأحياء ولا الأموات، انظر إلى الركام كيف غطى كل المقابر، لم يسلم أحد».

فرحة ناقصة

ويعتقد السكان أن مقبرة مخيم اليرموك قد تضمّ رفات إسرائيليين، في وقت تحاول إسرائيل عبر وسطاء تحديد مكان رفات الجاسوس إيلي كوهين وجندي إسرائيلي اعتبر في عداد المفقودين بعد اختفائه في عام 1982 في سوريا، كما أفاد مسؤول فلسطيني لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، مفضلاً عدم الكشف عن هويته.

رجل يجلس في أحد شوارع مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق (رويترز)

وأكّد المسؤول الفلسطيني: «تم التواصل معنا عبر وسطاء من أجل المساعدة في العثور على رفات جندي إسرائيلي ثالث فقد عام 1982».

وأضاف المسؤول المقيم حالياً في دمشق: «هناك اتصالات أخرى لمعرفة مكان رفات العميل الإسرائيلي المعروف إيلي كوهين».

وقال مسؤول فلسطيني آخر، فضّل كذلك عدم الكشف عن هويته، إن الوساطة تتم عبر روسيا ومع مسؤولين فلسطينيين خارج سوريا.

اتكأت أمينة منوّر (48 عاماً) على جدار متشقق من بقايا منزلها المدمر الذي جاءت لتفقده بعد نحو أسبوع على سقوط بشار الأسد، وهي تطيل النظر في الأشخاص الذين يبحثون عن أقاربهم. وتقول: «لدي أمل كبير بإعادة إعمار المخيم بعد سقوط النظام، لدي أمل بمستقبل أفضل».

وتشرب أمينة الماء من قارورة جلبتها معها، وتقدم الماء لأولئك الذين يصلون بعد عناء إلى المقبرة ويلهثون عطشاً.

ومن بين هؤلاء من ينظر في هاتفه إلى صورة القبر الذي يبحث عنه ويحاول أن يطابق الصورة مع الواقع في أرض تحولت إلى ركام.

وتقول السيدة أمينة: «فرحنا كثيراً بسقوط النظام، لكن فرحتنا ناقصة لأن لدينا معتقلين لم نعرف عنهم شيئاً بعد».


مقالات ذات صلة

توقعات أممية بعودة مليون سوري إلى بلادهم في النصف الأول من 2025

المشرق العربي أم سورية مع أطفالها عند معبر المصنع الحدودي بين لبنان وسوريا (د.ب.أ)

توقعات أممية بعودة مليون سوري إلى بلادهم في النصف الأول من 2025

قدّرت الأمم المتحدة، اليوم (الثلاثاء)، أن مليون لاجئ سوري قد يعودون إلى بلدهم بين يناير (كانون الثاني) ويونيو (حزيران)2025، بعد إطاحة بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي عناصر أمنية فرنسية خارج مبنى السفارة الفرنسية في دمشق اليوم (أ.ف.ب) play-circle 00:28

حراك دبلوماسي أوروبي في دمشق... واتجاه لـ«تكثيف» العلاقات مع السلطات الجديدة

تشهد العاصمة السورية دمشق في الساعات الأخيرة، حراكاً دبلوماسياً أوروبياً غاب لأكثر من عقد، وذلك في أعقاب سقوط نظام الرئيس بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي سوريون يحتفلون بسقوط نظام بشار الأسد في الجولان (رويترز)

فرحة بسقوط الأسد حتى في المناطق العلوية في سوريا

في معقل الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد في غرب سوريا، يحتفل السوريون من هذه الأقلية بسقوط النظام، لكنهم يخشون من التهميش.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
العالم العربي شخص يتجول داخل قصر الأسد في اللاذقية (أ.ف.ب)

فيلّات الأسد الفخمة في اللاذقية تثير غضب السوريين المحرومين «حتى من الكهرباء»

تثير مقار السكن الصيفية الثلاثة المملوكة للرئيس السوري المخلوع بشّار الأسد في ضواحي مدينة اللاذقية الواقعة على البحر الأبيض المتوسط غضب مواطنيه.

«الشرق الأوسط» (اللاذقية)
الاقتصاد مصرف سوريا المركزي (رويترز)

مصادر: سوريا تحتفظ بـ26 طناً من الذهب واحتياطيات الدولار مستنفدة تقريباً

قالت مصادر إن خزائن مصرف سوريا المركزي بها نحو 26 طناً من الذهب، وهي الكمية نفسها التي كانت موجودة بها عند اندلاع الحرب الأهلية في 2011.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

سقوط «جمهورية الكبتاغون» التي موَّلت دولة الأسد (صور)

مقاتل من المعارضة السورية يعرض حبوب الكبتاغون -وهي منشط صناعي من نوع الأمفيتامين- مخبأة في فاكهة مزيفة داخل مصنع في مدينة دوما شرق العاصمة دمشق (إ.ب.أ)
مقاتل من المعارضة السورية يعرض حبوب الكبتاغون -وهي منشط صناعي من نوع الأمفيتامين- مخبأة في فاكهة مزيفة داخل مصنع في مدينة دوما شرق العاصمة دمشق (إ.ب.أ)
TT

سقوط «جمهورية الكبتاغون» التي موَّلت دولة الأسد (صور)

مقاتل من المعارضة السورية يعرض حبوب الكبتاغون -وهي منشط صناعي من نوع الأمفيتامين- مخبأة في فاكهة مزيفة داخل مصنع في مدينة دوما شرق العاصمة دمشق (إ.ب.أ)
مقاتل من المعارضة السورية يعرض حبوب الكبتاغون -وهي منشط صناعي من نوع الأمفيتامين- مخبأة في فاكهة مزيفة داخل مصنع في مدينة دوما شرق العاصمة دمشق (إ.ب.أ)

منذ الانهيار السريع لحكم الأسد، عُثر في مناطق مختلفة من سوريا على كميات كبيرة من أقراص الكبتاغون المكدَّسة في مستودعات أو قواعد عسكرية، لتؤكد التقارير حول دور النظام السوري في صناعة هذه المادة المخدرة المحظورة، وتهريبها إلى دول العالم.

وأفادت شبكة «سكاي نيوز» البريطانية بأن هناك موقعين رئيسيين: أحدهما فيلا خاصة بالقرب من الحدود اللبنانية، والآخر مصنع للكبتاغون في ضاحية خارج دمشق. وأفادت مراسلة الشبكة بأن «ما يلفت انتباهك هو الرائحة. إنها لاذعة ومعدنية وتلتصق بأنفك».

ويقول الحراس في الفيلا بالقرب من الحدود اللبنانية، إن رائحة الكبتاغون تسبب لهم الصداع. وأحرقوا مخزون حبوب الكبتاغون الذي اكتشفوه؛ لكنهم احتفظوا بالمواد الخام، من براميل الكافيين، والأكياس المكدسة مما يشبه الطحين قليلاً، والكحول؛ وقالوا إنهم تلقوا نصيحة بأنها قد تكون مفيدة للأدوية.

حبوب الأمفيتامين -المعروفة باسم كبتاغون- التي كانت معدة للإخفاء داخل مكونات كهربائية شوهدت في المستودع حيث تم تصنيع المخدرات قبل سقوط حكومة بشار الأسد في منشأة بمدينة دوما (أ.ب)

واستولى مقاتلو الفصائل على قواعد عسكرية ومراكز توزيع منشطات يدخل في تركيبها الأمفيتامين. وفي هذا الصدد، يقول «أبو بكر»، وهو جندي من «هيئة تحرير الشام» للشبكة البريطانية: «في إدلب، أي شخص يشارك في مثل هذه الأنشطة يتم طرده من المدينة». وتقول المعارضة السورية بقيادة «هيئة تحرير الشام» إنهم عثروا على كمية هائلة من المخدرات وتعهدوا بإتلافها. ويقول «أبو بكر»: «لكننا كنا نعلم بطبيعة الحال ما كان يحدث في بقية أنحاء سوريا ومع النظام. كان النظام مفلساً والاقتصاد ميتاً. لذا فقد موَّلوا أنفسهم بأموال المخدرات».

فيلَّا «الرجل الكبير»

وأفادت الشبكة البريطانية اليوم (الثلاثاء) بأن هذه الفيلا كانت مملوكة لضباط من الفرقة المدرعة الرابعة في سوريا، والتي كان يديرها شقيق الأسد، ماهر. ويقول حراس «هيئة تحرير الشام» إن الفيلا كان يديرها «العقيد باسم». يقول «أبو بلال» وهو مزارع يعيش في الجوار: «كان (باسم) الرجل الكبير هنا في هذه المنطقة، وكان يزرع الخوف في كل من يعيش هنا، وكان كل شيء محظوراً».

حبوب الكبتاغون مخبأة في فاكهة مزيفة داخل مصنع بمدينة دوما شرق العاصمة دمشق (إ.ب.أ)

كما سقط مستودع في مقلع على مشارف دمشق؛ حيث تم إخفاء حبوب الكبتاغون داخل مكونات كهربائية للتصدير. وقال «أبو مالك الشامي» وهو من «هيئة تحرير الشام» وقد ارتدى قناعاً أسود، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنه «بعد أن دخلنا وأجرينا عملية تمشيط، وجدنا أن المصنع لماهر الأسد وشريكه عامر خيتي».

وكان ماهر الأسد قائداً عسكرياً، وشقيق رئيس النظام المخلوع، ويُفترض الآن أنه هارب. ويُتهم على نطاق واسع بأنه المسؤول عن تجارة الكبتاغون المربحة. أما عضو مجلس الشعب سابقاً عامر خيتي، ففرضت عليه الحكومة البريطانية عقوبات، وقالت إنه «يسيطر على كثير من الشركات في سوريا التي تسهل إنتاج وتهريب المخدرات»، كما فرضت الولايات المتحدة عليه عقوبات عام 2020 بسبب علاقته بنظام الأسد، وفق صحيفة «الغارديان».

في أجهزة منزلية... وعبوات شوكولاتة

وفي مرأب أسفل المستودع ومناطق التحميل، تم تعبئة آلاف حبوب الكبتاغون ذات اللون البيج، وتخبئتها في ملفات نحاسية لمحولات كهربائية منزلية جديدة. وقال الشامي: «وجدنا كمية كبيرة من الأدوات (الكهربائية) التي وضعت بداخلها أكياس من حبوب الكبتاغون المعدة للتهريب إلى خارج البلد». وأضاف لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن هناك «كمية كبيرة منها لا يمكن عدها».

وفي المستودع في الأعلى، كانت صناديق من الورق المقوى جاهزة لإخفاء الحبوب المخدرة على أنها حمولة من بضائع اعتيادية، إلى جانب كمية كبيرة من «الصودا الكاوية» المعبأة في أكياس بيضاء.

أحد أفراد المعارضة السورية يحرس منطقة داخل مصنع لتصنيع حبوب الكبتاغون في مدينة دوما شرق العاصمة دمشق (إ.ب.أ)

وكان أحد المصانع ينتج الشوكولاتة ورقائق البطاطس فوق الأرض، والمخدرات تحتها، وكانت الحبوب مخبأة داخل أنظمة التبديل الكهربائية، وحتى الفاكهة البلاستيكية، وكانت تغطي الأرضيات أكوام ضخمة من حبوب الكبتاغون، بقيمة تتراوح بين دولارين و20 دولاراً لكل منها، حسب المكان الذي تباع فيه، وفق «سكاي نيوز» البريطانية.

وفي سياق متصل، أشار المحامي السوري حسن أنور لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إلى أن حبوب الكبتاغون كانت تُصدَّر من اللاذقية ضمن ملصقات الملابس الصينية الصنع.

حرق وتدمير

وتمت عملية حرق لحبوب الكبتاغون هذا الأسبوع في قاعدة المزة الجوية، التي أصبحت الآن في أيدي مقاتلي «هيئة تحرير الشام». وخلف الكومة المشتعلة، في مبنى للقوات الجوية تعرض للنهب، كانت هناك كميات أخرى من الكبتاغون، إلى جانب صادرات أخرى غير مشروعة.

حبوب الكبتاغون مخبأة في فاكهة مزيفة داخل مصنع بمدينة دوما شرق العاصمة دمشق (إ.ب.أ)

وقال أحد أعضاء «هيئة تحرير الشام» الذي يستخدم الاسم الحركي «خطاب» في مطار المزة العسكري: «عندما دخلنا إلى هنا وجدنا كمية كبيرة من الكبتاغون. لذا قمنا بإتلافها وحرقها. إنها كمية ضخمة يا أخي». وأضاف لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «قمنا بإتلافها لأنها ضارة بالناس. تضر الصحة، وتضر الطبيعة والبشر».

وأكد خطاب أن «هيئة تحرير الشام» التي شكَّلت حكومة انتقالية لا تريد إلحاق الأذى بجيرانها من خلال تصدير المخدرات التي يمكن أن تدر مليارات الدولارات.

ما هو الكبتاغون؟

الكبتاغون هو أحد الأسماء التجارية العديدة لفينيثيلين الهيدروكلوريد، وهو مركب كيميائي ينتمي إلى عائلة الأمفيتامينات التي تنشط الجهاز العصبي المركزي. والصودا الكاوية -أو هيدروكسيد الصوديوم- هي عنصر أساسي في إنتاج الميثامفيتامين، وهي مادة أقوى من الأمفيتامين وأخطر.

في الأصل، كان هذا العقار المضاد للخَدَر يُنتَج في أوروبا الوسطى، وسرعان ما اكتسب سمعة سيئة في الشرق الأوسط؛ حيث بدأ النظام السوري والميليشيات المدعومة من إيران في إنتاجه بكميات كبيرة أثناء الحرب الأهلية السورية، وفق صحيفة «الغارديان» البريطانية.

أحد أفراد المعارضة السورية خلال عرض مادة سائلة لتصنيع حبوب الأمفيتامين المعروفة باسم الكبتاغون في مدينة دوما على مشارف دمشق (أ.ب)

ويتكون الدواء من مادة «أمفيتامين» التي تُحدث تأثيرات نفسية أقوى وأسرع بكثير من الأمفيتامين وحده، وهي تعطي شعوراً بالحيوية والنشاط والسعادة، ومادة «الثيوفيلين» وهي تشبه في تأثيرها تأثير الكافيين في تنشيط المخ.

وبحلول الثمانينات، قررت منظمة الصحة العالمية حظر إنتاج الكبتاغون وتداوله، بعدما ثبت أنه يؤدي للإدمان؛ حيث أشارت إلى أن مضار إدمان هذا الدواء تفوق فوائده الإكلينيكية، وفق تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي».

ويقول خبراء الصحة إن إدمان الكبتاغون يتسبب في زيادة ضغط الدم ومعدل نبضات القلب، وإنه على المدى الطويل قد يصيب الأشخاص بأمراض القلب واختلال الدورة الدموية.

عائد اقتصادي ضخم

دعمت عائدات بيع الكبتاغون طوال سنوات الحرب المستمرة منذ 13 عاماً حكومة الأسد التي سقطت في هجوم خاطف من فصائل مسلحة، بقيادة «هيئة تحرير الشام». وحوَّل الكبتاغون سوريا إلى أكبر دولة في العالم تعتمد على عائدات المخدرات، وأصبح أكبر صادرات سوريا متجاوزاً جميع صادراتها القانونية مجتمعة، وفقاً لتقديرات مستمدة من بيانات رسمية، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ووفقاً للبنك الدولي، كان الكبتاغون القطاع الأكثر قيمة في الاقتصاد السوري المدمَّر بسبب الحرب؛ حيث تبلغ قيمته ما بين 1.9 مليار دولار أميركي (1.5 مليار جنيه إسترليني) و5.6 مليار دولار أميركي (4.4 مليار جنيه إسترليني)، مع تقدير الناتج المحلي الإجمالي السوري بما لا يزيد عن ذلك بكثير؛ 6.2 مليار دولار أميركي (4.9 مليار جنيه إسترليني) في عام 2023، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز» البريطانية.

وقدر المحللون أن نظام الأسد حقق ربحاً صافياً قدره 5 مليارات دولار سنوياً من التجارة، وهي قيمة أكبر بعدة مرات من الميزانية الرسمية، وشريان حياة حيوي للدولة المفلسة.

وكثيراً ما عُرضت مبالغ كبيرة من المال على الشباب الفقراء من الجنوب للعمل في تهريب المخدرات، ونقل الكبتاغون عبر الحدود الأردنية، وهو ما قد يؤدي إلى حكم الإعدام إذا تم القبض عليهم من قبل حرس الحدود الأردنيين، وفق «الغارديان».

وقال «أبو حمزة»، أحد زعماء الفصائل المعارضة في درعا، جنوب سوريا، للصحيفة البريطانية: «كانت الميليشيات تستغل الفقراء للتهريب، وقد جلبت كثيراً من المخدرات إلى مجتمعنا. والآن نحتاج إلى وضع خطة لإصلاح هذه الأمور».