بعد فراره إلى روسيا وإسقاط نظامه... ما سيناريوهات محاكمة الأسد؟

«الجنائية الدولية» هي الجهة المعنية بمحاسبة الرؤساء... واللجوء إلى موسكو قد «يعقد المسألة»

صورة للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد تعرضت لضرر طفيف في دمشق (إ.ب.أ)
صورة للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد تعرضت لضرر طفيف في دمشق (إ.ب.أ)
TT

بعد فراره إلى روسيا وإسقاط نظامه... ما سيناريوهات محاكمة الأسد؟

صورة للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد تعرضت لضرر طفيف في دمشق (إ.ب.أ)
صورة للرئيس السوري المخلوع بشار الأسد تعرضت لضرر طفيف في دمشق (إ.ب.أ)

يعيش الشعبان السوري واللبناني في الأيام الأخيرة حالة من الصدمة وعدم التصديق في ظل الأحداث المفاجئة التي أدت إلى سقوط نظام بشار الأسد، بعد 24 سنة من حكمه.

وتختلط لدى الكثيرين دموع الفرح بمشاعر الفقد والحسرة على الأشخاص الذين وقعوا ضحية للنظام، إما عبر تعرضهم للخطف والسجن وإما التعذيب والقتل، وإما القمع.

ويطالب الشعبان اليوم بضرورة محاكمة بشار الأسد بعد فراره إلى روسيا، حيث لا يكتفي السوريون بتغيير السلطة وطي صفحة الرئيس السابق السياسية، بل يطمحون إلى ما هو أبعد من ذلك، أي تحقيق العدالة أمام المحاكم الدولية.

وبعد إعلان قوى المعارضة نيتها محاسبة كل المتواطئين مع نظام الأسد الذين ساعدوه في تنفيذ جرائمه، من ضباط أمن إلى موظفين في الدولة، وغيرهم، تبرز فكرة محاسبة الأسد نفسه، وما إذا كانت قابلة للتحقيق فعلياً.

ويؤكد البروفيسور في القانون الدولي والمحاضر في الجامعة اللبنانية، خليل حسين، لـ«الشرق الأوسط»، أن الأسد متهم اليوم من قِبَل شعبه بجرائم ضد الإنسانية، وتنفيذ جرائم حرب، وغيرها من الممارسات التي قد تعرضه للملاحقة القانونية.

رجل يحمل علم المعارضة السورية في سوق الحميدية بالجزء القديم من دمشق (أ.ف.ب)

ما الجهة التي تتمتع بصلاحية محاكمة الرؤساء المخلوعين؟

يوضح العميد الركن الدكتور حسن جوني، خبير استراتيجي وأستاذ جامعي في العلوم السياسية، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن «السبل القانونية لمحاكمة الرؤساء هي المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي، لأنها متخصصة في محاسبة القادة السياسيين والعسكريين عند تنفيذهم جرائم حرب، ومن اختصاصها الأفراد وليس الدول، حيث إن محكمة العدل الدولية هي التي تنظر في قضايا الدول».

وتبدأ الإجراءات القانونية، بحسب جوني، عبر قيام أشخاص وجهات متضررة بالادعاء على الرئيس بتهم جرائم الحرب مثل الإبادة، وغيرها، ويتابع: «طبعاً اليوم في حالة الأسد هناك ملف يتم تحضيره من قِبَل السوريين والمتضررين لتقديمه إلى المحاكم، والادعاء على الرئيس السابق، وتكون مدعومة بالوقائع والأدلة التي تثبت تورطه بارتكاب جرائم».

ويضيف جوني: «بعد ذلك، يصدر المدعي العام الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية أمراً لبدء التحقيق ودراسة القضية، ومن ثم يقوم باستدعاء المتهم للمثول أمامها، وفي حالة حضوره يحاكم مباشرة، وعند تغيبه يحاكم غيابياً».

صورة لبشار الأسد تظهر ضمن الهدايا التذكارية الشخصية للرئيس السوري السابق في إحدى غرف القصر الرئاسي (رويترز)

وأشار العميد الركن الدكتور جوني إلى أن هناك الكثير من الرؤساء السابقين الذين تمت محاكمتهم أمام «الجنائية الدولية»، وآخرهم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي اتهمته المحكمة بارتكاب جرائم حرب في غزة.

من جهته، يؤكد البروفيسور في القانون الدولي، خليل حسين، أن المحكمة الجنائية الدولية هي الجهة الرسمية المخولة في النظر في مجرمي الحرب، ولكن لذلك شروط، ويشرح لـ«الشرق الأوسط»: «يجب أن تكون المحاكم المحلية داخل الدولة غير قادرة على محاكمة هؤلاء الأشخاص... وفي حالة الأسد سيكون لدى هذه المحاكم بالطبع رغبة في إخضاعه للقضاء لكنه فار من بلاده وليس موجوداً داخلها».

ويتابع: «المشكلة هنا تكمن في كيفية تقديم الدعاوى ومتابعتها والوصول إلى أحكام مبرمة خصوصاً فيما يرتبط بالرؤساء السابقين المخلوعين».

وقال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، لشبكة «إن بي سي نيوز» في مقابلة بثت أمس (الثلاثاء)، إن روسيا نقلت الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد إلى موسكو بشكل آمن للغاية. وعندما سئل عما إذا كانت موسكو ستسلم الأسد للمحاكمة قال ريابكوف: «روسيا ليست طرفاً في الاتفاقية التي أسست المحكمة الجنائية الدولية».

ويؤكد حسين أن الحكومة السورية الجديدة يمكنها الانضمام إلى اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي تسليمها ملف محاكمة الرئيس السابق، والبدء في العمل على القضية ضده.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يظهر إلى جانب بشار الأسد (أ.ب)

ما العقبات الخاصة بإمكانية تقديم الأسد إلى العدالة؟

يشرح حسين أن العقبة الأولى هي أن سوريا غير موقعة على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية التي تسمح بمحاكمة مجرمي الحرب. وبما أن الأسد أصبح خارج البلاد، وفرّ إلى روسيا بالتحديد التي أعطته حق اللجوء لدواعٍ إنسانية، بات الأمر يرتبط بموسكو أيضاً.

ويضيف: «يمكن لمتضررين من الأسد تقديم طلبات ورفع شكاوى لمحاكمته، ولكن نظراً لأن سوريا غير موقعة على الاتفاقية، يصبح الأمر أصعب، ويحتاج إلى جهود جهات أخرى لتقديم طلبات يمكن النظر بها».

على سبيل المثال، يقول حسين إنه يمكن لمواطن سوري يحمل جنسية بلد موقع على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية، مثل فرنسا، أن يتقدم بطلب لمحاكمة الأسد، وبذلك يمكن للمحكمة النظر في القضية لأنها تأتي من جهة مشروعة.

وحتى ضمن هذه الحالة، تبرز عقبات أخرى ترتبط بمحاسبة الرؤساء السابقين، بسبب طول المدة التي تستغرقها المحاكم الدولية للبت في القضايا، وإمكانية تنفيذ الأحكام واستدعاء الأشخاص وتسليمهم للمثول أمامها أيضاً.

ويشرح البروفيسور حسين لـ«الشرق الأوسط»: «في حال وصلت المحاكم الجنائية إلى إجراءات تنفيذية، يمكن لمجلس الأمن بحد ذاته أن يتدخل لعرقلة القضية ومنع تسليم الرئيس المطلوب، حيث يمكن لأحد الدول الكبرى استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع تسليم المتهم».

وفي حالة الأسد، يؤكد حسين أن روسيا والصين، نظراً للعلاقات السياسية التي جمعتهما بنظام الأسد، قد تستخدمان حق النقض لمنع تسليمه إلى المحكمة، حال مطالبتها به.

ويستبعد حسين وصول الأمر إلى هذا الحد على أرض الواقع في حالة الأسد، ويقول: «يمكن لمجلس الأمن تأخير البحث في القضية لمدة عام، وحتى لو لم يعترض أحد على تسليم الأسد، تبقى الإجراءات التنفيذية صعبة ومعقدة».

ويرى حسين أن من أهم العوائق التي قد تقف بوجه محاكمة الأسد هي وجوده في موسكو، حيث إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحد ذاته يواجه قضايا ترتبط بجرائم فيما يخص الحرب الأوكرانية.

ماذا عن المحاكم الدولية الخاصة؟

تختلف المحكمة الدولية الخاصة عن «الجنائية الدولية»، حيث إنها عبارة عن محكمة خاصة تؤلف بغية تحقيق هدف محدد، فمثلاً تظهر عند حدوث جريمة في دولة ما، وينتهي عملها عند انقضاء أعمالها والبت بقرارها مع بروز نتائج مفصلة، بحسب حسين.

وهذه المحاكم الخاصة لا علاقة لها بالمحكمة الجنائية الدولية، وعادة ما تصدر بقرار من مجلس الأمن.

وعن إمكانية اللجوء إلى محاكم دولية خاصة مثل المحكمة الدولية الخاصة في لبنان التي نظرت في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، رفيق الحريري، أو محكمة رواندا، أو محكمة يوغوسلافيا السابقة، لمحاكمة رؤساء سابقين، يشرح البروفيسور حسين: «هناك العديد من المحاكم الدولية الخاصة التي ظهرت ضمن محاولات لمحاكمة رؤساء دول، مثل تلك الخاصة برئيس يوغوسلافيا السابق... لكنها مقعدة تتطلب قرارات من مجلس الأمن... وهنا طبعاً تلعب السياسة الدولية دورها ونعود لفكرة إمكانية استخدام دولة كبرى حق النقض».

استثناء وفق «الفصل السابع»

يوضح العميد الركن الدكتور جوني أنه يمكن تسليم الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية في حالة واحدة، خصوصاً إذا كان لا يزال موجوداً في دولة غير موقعة على المحكمة الجنائية الدولية مثل روسيا، وهي «حال تقرير مجلس الأمن الدولي إحالة القضية إلى المحكمة بموجب الفصل السابع، وصدور الحكم انطلاقاً من هذه الإحالة، عندها تكون كل الدول ملزمة بتنفيذ هذا القرار، لأن الفصل السابع يعد أمراً ملزماً لجميع الدول دون استثناء».


مقالات ذات صلة

وزير الرياضة السوري: قريباً سنستعيد أموالنا المجمدة بسبب العقوبات

خاص وزير الرياضة السوري لحظة أدائه القسم أمام الرئيس أحمد الشرع (الشرق الأوسط)

وزير الرياضة السوري: قريباً سنستعيد أموالنا المجمدة بسبب العقوبات

أكّد محمد سامح الحامض، وزير الرياضة السوري الجديد، أن إجراءات عملية فكّ تجميد الأموال بدأت رسميّاً بعد رفع بعض القيود الدولية مؤخراً.

فاتن أبي فرج (بيروت)
المشرق العربي وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ومفوض المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي خلال لقائهما الجمعة بدمشق (أ.ف.ب)

سويسرا ترفع العقوبات الاقتصادية عن دمشق

أعلنت سويسرا، اليوم الجمعة، أنها سترفع مجموعة من العقوبات الاقتصادية عن سوريا، ومنها المفروضة على البنك المركزي.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي سوري يلتقط صوراً بهاتفه الجوال لصاروخ أطلقته إيران باتجاه إسرائيل الأربعاء الماضي (أ.ب)

تصاعد المواجهة الإسرائيلية - الإيرانية في أجواء جنوب سوريا

تتصاعد وتيرة المواجهة الإسرائيلية - الإيرانية في أجواء جنوب سوريا، بين مسيّرات وصواريخ إيران وطائرات وأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية التي تُحاول إسقاطها.

موفق محمد (دمشق)
المشرق العربي بقايا طائرة مسيّرة سقطت في الحقول الشمالية لمدينة جاسم قرب درعا جنوب غرب سوريا، 14 يونيو 2025 (أ.ف.ب)

سقوط طائرتين مسيّرتين في درعا جراء تبادل القصف بين إسرائيل وإيران

أفادت وكالة سانا السورية الرسمية إلى سقوط مسيّرتين في محيط تل الجابية شمال غربي مدينة نوى وشمال مدينة جاسم في محافظة درعا السورية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
خاص طلال ناجي الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة (سانا)

خاص مصدر فلسطيني: دمشق أغلقت كل مكاتب «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة»

كشف مصدر فلسطيني عن أن السلطات السورية أغلقت كل مكاتب «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة»، بينما غادر أمينها العام، طلال ناجي، البلاد.

بندر الشريدة (دمشق)

تل أبيب تحذر «حزب الله»: صبرنا نفد

صورة لقصف إسرائيلي سابق في جنوب لبنان (رويترز)
صورة لقصف إسرائيلي سابق في جنوب لبنان (رويترز)
TT

تل أبيب تحذر «حزب الله»: صبرنا نفد

صورة لقصف إسرائيلي سابق في جنوب لبنان (رويترز)
صورة لقصف إسرائيلي سابق في جنوب لبنان (رويترز)

حذرت إسرائيل «حزب الله» اللبناني من مغبة المشاركة في الصراع مع إيران، مهددة بضرب «من يهددونها»، وذلك بعدما صرح أمين عام الحزب نعيم قاسم في بيان، الخميس، بأن الحزب «سيتصرف بما يراه مناسباً». وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن صبر إسرائيل نفد مع «الإرهابيين» الذين يهددونها.

ورفضت القوى السياسية اللبنانية اصطفاف الحزب مع إيران، ودعت إلى حياد لبنان في ظل الحرب الإيرانية - الإسرائيلية، وشددت على أن قرار السلم والحرب بيد الدولة وحدها، وهو موقف أكدته الحكومة التي بحثت الشق الأمني والسياسي خلال اجتماعها مساء أمس، وأعادت التشديد على مضمون البيان الوزاري، وخطاب القسم للرئيس جوزيف عون.

إلى ذلك، كثّفت إسرائيل من وتيرة ملاحقة عناصر «حزب الله» في جنوب لبنان خلال الساعات الـ48 الأخيرة، على إيقاع الحرب الإسرائيلية - الإيرانية. وأسفرت 5 استهدافات عن مقتل 5 أشخاص، في حين شنت مساءً غارات جوية عنيفة استهدفت مواقع جبلية وأودية في جنوب لبنان.