«عملية حلب» قلبت الوضع الميداني لصالح تركيا بمواجهة روسيا وإيران

المعارضة حذرت من خطوات الفصائل المسلحة ودعت للتطبيع مع دمشق

مقاتل من الفصائل يجلس على مدفع دبابة تركتها القوات السورية خلفها على الطريق بين حماة ودمشق (أ.ف.ب)
مقاتل من الفصائل يجلس على مدفع دبابة تركتها القوات السورية خلفها على الطريق بين حماة ودمشق (أ.ف.ب)
TT

«عملية حلب» قلبت الوضع الميداني لصالح تركيا بمواجهة روسيا وإيران

مقاتل من الفصائل يجلس على مدفع دبابة تركتها القوات السورية خلفها على الطريق بين حماة ودمشق (أ.ف.ب)
مقاتل من الفصائل يجلس على مدفع دبابة تركتها القوات السورية خلفها على الطريق بين حماة ودمشق (أ.ف.ب)

يتفق خبراء ومحللون على أن تركيا تبدو الآن، ومع التغير في الوضع الميداني نتيجة عملية المعارضة المسلحة في حلب، هي اللاعب الرئيسي في سوريا، وأنه سيتعين على روسيا وإيران التفاوض معها على حل سياسي للأزمة، كما أصبحت يدها أقوى فيما يخص عملية التطبيع مع دمشق.

وعبرت الأحزاب التركية عن رفضها الانخراط مع المعارضة المسلحة في عمليات تؤدي إلى هدم استقرار سوريا. ورأت أيضاً أن الفرصة لا تزال قائمة أمام الرئيس السوري بشار الأسد لقبول دعوة الرئيس رجب طيب إردوغان للقاء والحوار حول التطبيع.

الفصائل وأولويات تركيا

وحددت مصادر دبلوماسية وعسكرية تركية 3 أولويات لتركيا في ظل الأزمة الحالية في سوريا، وهي: منع موجة جديدة من الهجرة إلى داخل الأراضي التركية، ومنع وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، من الحصول على مواقع جديدة في غرب الفرات، وأخيراً إخماد الأزمة قدر الإمكان عبر الطرق الدبلوماسية.

دبابات تخلت عنها القوات السورية عند بلدة صوران على الطريق بين حماة ودمشق مع هجوم الفصائل (أ.ف.ب)

وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن العملية التي أطلقتها فصائل «الجيش الوطني السوري» في شمال سوريا، وسيطرت خلالها على مدينة تل رفعت (عملية فجر الحرية)، قد تمتد إلى منبج، موضحة أنها تخدم أهداف تركيا في التخلص من وجود الوحدات الكردية على حدودها، وتقضي على جيوبها في غرب الفرات.

وأضافت المصادر أنه في ظل هذه الأولويات، تسير أنقرة في عملية عسكرية سياسية شاملة تركز على إغلاق حدودها الجنوبية مع سوريا والعراق أمام الوحدات الكردية وحزب «العمال الكردستاني»، في إطار ما أعلنه الرئيس رجب طيب إردوغان مؤخراً عن استكمال حلقات الحزام الأمني بعمق 30 إلى 40 كيلومتراً.

عائلات تغادر حلب بعد سيطرة الفصائل عليها (أ.ف.ب)

فكرة الحزام الأمني تقوم بالأساس على إقامة منطقة آمنة في عمق الأراضي السورية؛ لمنع تهديدات المسلحين الأكراد من ناحية، ومن الناحية الأخرى استيعاب القسم الأكبر من اللاجئين السوريين في تركيا الذين تقترب أعدادهم الآن من 3 ملايين لاجئ.

ويسعى الرئيس رجب طيب إردوغان، الذي تدعم حكومته فصائل معارِضة منضوية تحت لواء «الجيش الوطني السوري»، بينما تبدو علاقتها مع «هيئة تحرير الشام» معقدة بالقدر الذي لا يسمح لأنقرة بإملاء الأوامر عليها، إلى لقاء الأسد منذ عام 2022. وكرر دعواته مراراً في هذا الشأن، دون استجابة حقيقية من الطرف الآخر الذي ربط ذلك بانسحاب القوات التركية من سوريا.

لقاء بين إردوغان والأسد في إسطنبول قبل 2011 (أرشيفية)

وأبرز أهداف إردوغان من هذه الدعوات هو تسهيل عودة قسم من اللاجئين السوريين إلى بلادهم، بعدما أصبحوا ورقة ضغط سياسي عليه من جانب المعارضة، فضلاً عن حالة التذمر في المجتمع التركي من طول بقائهم، إلى أن أصبح وجودهم قضية سياسية ملحة، على حكومته التعامل معها.

ضوء أخضر

الباحث المشارك في المجلس الأطلسي في أنقرة، عمر أوزكيزيلجيك، يعتقد أن تغير الوضع الميداني في سوريا مع عملية الفصائل المسلحة في حلب، جعل تركيا تبدو هي اللاعب الرئيسي في سوريا في الوقت الحالي، وسيتعيّن على روسيا وإيران التفاوض معها على حلّ سياسي للنزاع.

وأوضح أن هجوم الفصائل على حلب كان متوقعاً قبل 7 أسابيع، وكانت الخطط العسكرية له جاهزة، لكن تركيا منعتها من التقدم بالاتفاق مع روسيا، لكن قيام روسيا، حليف دمشق، بقصف مواقعهم في إدلب بقوة، واستمرار الاستهدافات التي شارك فيها الجيش السوري دفعا إلى إطلاق العملية، وهو الرأي الذي تعتنقه أنقرة وعبّرت عنه وزارة خارجيتها.

وأيد الخبير في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، تشارلز ليستر، في تعليق لـ«رويترز»، وجهة نظر أوزكيزيلجيك، مشيراً إلى أن هجوم الفصائل كان من المفترض أن يُنفّذ في منتصف أكتوبر (تشرين الأول).

وقال أوزكيزيلجيك إن أنقرة لم تعطِ الضوء الأخضر إلا بعد فشل محاولات تطبيع العلاقات مع دمشق، والبحث عن حل سياسي وفق عملية آستانة التي ترعاها تركيا وروسيا وإيران منذ عام 2017، والتي عقدت اجتماعها الـ22 في 11 و12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، دون أي جديد تقدم يذكر.

الأسد ودعوات إردوغان

رئيس حزب «المستقبل» المعارض رئيس وزراء تركيا الأسبق، أحمد داود أوغلو، علّق على التطورات الأخيرة في سوريا وتقدم فصائل المعارضة على حساب القوات السورية، لافتاً إلى أن الأسد قدم ردوداً «متغطرسة» على دعوات إردوغان للقائه، من قبيل الانسحاب التركي من سوريا شرطاً لبدء المحادثات، وهو الآن يدفع ثمن هذه الغطرسة.

وأضاف داود أوغلو، الذي كان وزيراً للخارجية التركية وقت اندلاع الحرب الأهلية في سوريا في 2011، أنه لو كان الأسد لجأ إلى حل عبر التفاهم مع تركيا، لكان قد حافظ الآن على مكانته الفعالة في دمشق.

وتابع أنه «لو استجاب الأسد لمقترحاتنا الصادقة والخالية من أي إملاءات، خلال المباحثات التي أجريناها في آخر زيارة لي إلى سوريا عام 2016، لكانت سوريا الآن نجماً صاعداً في الشرق الأوسط، لكنه فضّل خوض الحرب ضد شعبه».

لقاء بين داود أوغلو عندما كان رئيساً لوزراء تركيا والأسد في دمشق عام 2016 (أرشيفية)

في السياق ذاته، رأى رئيس حزب «الحركة القومية» شريك حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في «تحالف الشعب»، دولت باهشلي، أن الأوان لم يفت بعد أمام الأسد لبدء الحوار مع تركيا، وأن هذا الحوار سيكون لمصلحته؛ لأن تركيا لا تريد تقسيم سوريا، وليست لها أطماع في أراضيها.

وقال بهشلي، أمام اجتماع المجموعة البرلمانية لحزبه، الثلاثاء: «لم يمسك الأسد بيد تركيا الممدودة إليه وصم أذنيه، ولم يستطع أن يتحمل حرب الجيش التركي ضد الإرهاب في شمال بلاده... إن سوريا دولة مثيرة للجدل».

تحذير المعارضة التركية

وحذرت أحزاب المعارضة التركية من تحالف تركيا مع الجماعات المسلحة المتشددة في شمال سوريا، ورأى زعيم المعارضة رئيس حزب «الشعب الجمهوري»، أن حكومة إردوغان عليها أن تسعى إلى تصحيح الأخطاء التي وقعت فيها منذ بدء الأزمة السورية، وأن تتعامل مع الأسد لحل مشكلة اللاجئين، وأن تبتعد عن الفصائل المسلحة؛ لأن هذه السياسة أثبتت فشلها حتى الآن.

وحذر حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المؤيد للأكراد، والذي يعد ثالث أكبر أحزاب البرلمان التركي، من أن الأكراد والعرب والمكونات الأخرى في تل رفعت وحلب، لا يبايعون «العصابات المعتدية» (فصائل المعارضة).

يغادر حلب مع أطفاله على دراجة نارية بعد سيطرة الفصائل عليها (أ.ف.ب)

ودعا الحزب، في بيان، الأوساط السياسية والقوى الديمقراطية والمناهضة للحرب والمدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية والمجتمع الدولي، إلى التحرك لوقف ما يجري في شمال سوريا.

بدوره، قال رئيس حزب «الجيد» القومي المعارض، موساوات درويش أوغلو، إن التنظيمات والجماعات المتشددة قامت في حلب بخطوة يمكن أن تقضي على سلامة الأراضي السورية، وطالب بالابتعاد عن أي مبادرة من شأنها ضمان ارتباط تركيا بهذه الجماعات.


مقالات ذات صلة

المشرق العربي من صور متداولة لزيارة زعيم «هيئة تحرير الشام» لقلعة حلب

«الأزمات الدولية» عن الجولاني: حلب ستحكمها هيئة انتقالية

نشرت الباحثة «مجموعة حل الأزمات الدولية» تصريحات قائد «هيئة تحرير الشام» الجولاني للمجموعة، قال فيها إن حلب «ستحكمها هيئة انتقالية».

خاص نازحون فروا من ريف حلب يركبون سيارة تحمل أمتعتهم بجوار إشارة طريق في حلب (رويترز)

خاص ما حدود الدعم العربي لسوريا بمواجهة الفصائل المسلحة؟

اتصالات عربية مع دمشق تتواصل بشأن التطورات الميدانية في شمال سوريا، كان أحدثها مناقشات وزيري الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره السوري بسام صباغ.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
أوروبا كييف ترفض اتهامات روسيا حول ضلوعها بتفاقم الوضع الأمني في سوريا (أ.ف.ب)

أوكرانيا ترفض اتهامات روسية «لا أساس لها» بضلوعها بالنزاع في سوريا

نفت أوكرانيا، اليوم (الأربعاء)، أنها تقدم دعماً عسكرياً لمقاتلي «هيئة تحرير الشام» التي تشن هجوماً على الجيش السوري شمال غربي سوريا، كما اتهمتها موسكو.

«الشرق الأوسط» (كييف)
تحليل إخباري جثمان المصور الصحفي السوري أنس الخربوطلي خلال جنازته في إدلب بعد مقتله بغارة جوية على مدينة مورك بريف حماة (إ.ب.أ)

تحليل إخباري هل هناك تنسيق تركي أميركي روسي لإبعاد الأسد عن إيران؟

رغم ما يراه معلقون أن تركيا قد تكون هي التي تقف وراء اندلاع هجوم المعارضة المسلحة في سوريا، فإنهم يلاحظون وجود «غض نظر» من إدارة بايدن على الحدث.

إيلي يوسف (واشنطن)

«الأزمات الدولية» عن الجولاني: حلب ستحكمها هيئة انتقالية

من صور متداولة لزيارة زعيم «هيئة تحرير الشام» لقلعة حلب
من صور متداولة لزيارة زعيم «هيئة تحرير الشام» لقلعة حلب
TT

«الأزمات الدولية» عن الجولاني: حلب ستحكمها هيئة انتقالية

من صور متداولة لزيارة زعيم «هيئة تحرير الشام» لقلعة حلب
من صور متداولة لزيارة زعيم «هيئة تحرير الشام» لقلعة حلب

نشرت الباحثة المكلفة بالملف السوري في «مجموعة حل الأزمات الدولية»، دارين خليفة، تصريحات قائد «هيئة تحرير الشام» الجولاني للمجموعة، قال فيها إن حلب «ستحكمها هيئة انتقالية».

وقالت دارين خليفة، على حسابها في «إكس»، إنه على الرغم من أنه من السابق لأوانه أن نقول كيف ستتعامل «هيئة تحرير الشام» والفصائل المعارضة مع تحديات الحكم في حلب، فإنه يبدو أن المناقشات الداخلية جارية بالفعل، داخل تلك التنظيمات.

ونقلت دارين خليفة عن الجولاني، قوله إنه سيتم توجيه المقاتلين، بمَن فيهم المنتمون إلى «هيئة تحرير الشام»، لمغادرة المناطق المدنية في الأسابيع المقبلة، وإنه ستجري دعوة البيروقراطيين لاستئناف وظائفهم. وسيكون هناك احترام للمعايير الاجتماعية والثقافية المتميزة للمدينة، المسلمين والمسيحيين بكل تنوعهم».

ونقلت دارين خليفة عنه قوله إن «هيئة تحرير الشام تفكر حتى في حل نفسها من أجل تمكين ترسيخ البنى المدنية والعسكرية بشكل كامل، في مؤسسات جديدة تعكس اتساع المجتمع السوري».

وأضافت أنه علينا الانتظار لنرى إن كانت «هيئة تحرير الشام»، ستنفذ هذه الأفكار أم ستضغط على فصائل أخرى لتطبيقها. «لا يزال يتعين علينا أن نرى ما إذا كان سيتم الامتثال له أم لا». الباحثة المكلفة بالملف السوري في «مجموعة حل الأزمات الدولية»، شددت على أنه نظراً لتاريخهم وجذورهم الجهادية، فسوف يواجهون تحدياً هائلاً في معالجة المخاوف المفهومة التي يشعر بها العديد من السوريين فيما يتصل بتوسع هيمنة «هيئة تحرير الشام»، وتداعياتها على حرياتهم الشخصية والدينية.

وكان زعيم «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني فد زار قلعة مدينة حلب في شمال سوريا، وفق ما أظهرت لقطات على تطبيق للتنظيم نشرها على «تلغرام»، الأربعاء، حساب للفصائل المعارضة التي تشن هجوماً منذ أسبوع ضد القوات الحكومية في شمال سوريا.

وبثّ الحساب مجموعة لقطات يظهر فيها الجولاني، المقلّ في إطلالاته العامة، وهو يقف على درج أمام قلعة المدينة التاريخية، وأخرى يحيي فيها عدداً من مناصريه اجتمعوا حوله.

وأكد مصدر من الهيئة لوكالة الصحافة الفرنسية أن الزيارة جرت الأربعاء، بعد أيام من خروج المدينة بالكامل عن سيطرة القوات الحكومية للمرة الأولى منذ اندلاع النزاع عام 2011.