سوريو تركيا يترقبون الأوضاع للعودة إلى بلدهم

تركيا تجري اتصالات مكثفة حول تطورات عملية حلب... وتركيز على محور تل رفعت ومنبج

الطيران الروسي كثف من هجماته في إدلب مع تقدم المعارضة (رويترز)
الطيران الروسي كثف من هجماته في إدلب مع تقدم المعارضة (رويترز)
TT

سوريو تركيا يترقبون الأوضاع للعودة إلى بلدهم

الطيران الروسي كثف من هجماته في إدلب مع تقدم المعارضة (رويترز)
الطيران الروسي كثف من هجماته في إدلب مع تقدم المعارضة (رويترز)

برز ملف اللاجئين السوريين في تركيا مع تطور المعارك في حلب وسيطرة فصائل المعارضة عليها، وبدأت مناقشات واسعة في وسائل الإعلام التركية حول إمكانية عودتهم بأعداد كبيرة إلى بلادهم.

وكذلك شهدت الساعات الأخيرة اتصالات مكثفة من جانب تركيا بشأن التطورات في سوريا وتقدم قوات «هيئة تحرير الشام» والفصائل الداعمة لها وبينها فصائل موالية لأنقرة.

كما واصلت فصائل «الجيش الوطني السوري»، الموالية لتركيا، معاركها على محور تل رفعت منعاً لتقدم «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، واستغلال التطورات في حلب للسيطرة على المدينة التي تشكل مع منبج وعين العرب «كوباني» أولوية استراتيجية لتركيا.

وتحدثت «الشرق الأوسط» مع عدد من السوريين في إسطنبول حول ما إذا كانوا يفكرون بالعودة إلى بلادهم، لا سيما أن هناك أعداداً كبيرة ممن قدموا إلى سوريا، فروا من حلب، ثاني أكبر المدن السورية، بسبب حملة الجيش السوري عليها في 2016.

ترقب عودة اللاجئين

وقال محمد الصباحي، وهو صاحب محل للبقالة يبيع فيه البضائع السورية: «نترقب الأوضاع وإذا استقرت الأحوال في حلب فسنعود إلى ديارنا. أهلي هناك ولنا بيت وأرض، إذا استقرت الأوضاع فسأصطحب أسرتي ونعود، الوضع في تركيا في العامين الأخيرين أصبح صعباً بالنسبة لنا».

نساء وأطفال في مخيم للاجئين في سوريا (إعلام تركي)

لم تجرِ حتى الآن حركة نزوح كبيرة من داخل تركيا باتجاه حلب، لكن بدأت تظهر حالات فردية تفاعلت بشكل كبير مع تقدم فصائل المعارضة ووصولها إلى قلب المدينة، وبدأ بعض السوريين ممن يقيم ذووهم هناك في التوجه إلى مناطق الحدود، استعداداً للعودة.

على الجانب التركي، بدا أن هناك تفاؤلاً ببدء عودة واسعة للسوريين إلى بلادهم، كما عبَّر عن ذلك المستشار السابق للرئيس التركي القيادي بحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، ياسين أكطاي، وذلك أن سيطرة المعارضة السورية على حلب ستمكِّن جزءاً كبيراً من السوريين في تركيا من العودة إلى بلدهم من دون التعرض لأي ضغوط.

وأشار أكطاي، في مقال بصحيفة «يني شفق» القريبة من الحكومة التركية، الأحد، إلى إمكانية تشجيع السوريين على العودة إلى ديارهم للدفاع عن أرضهم في وجه العمليات الديموغرافية التي جرى تنفيذها في المدينة على مدار الـ11 عاماً الماضية.

ولفت إلى أن الشعب السوري المحاصَر في شمال البلاد ما زال يملك أراضي وممتلكات في حلب وحمص وحماة، أُجبر على التخلي عنها، إضافة إلى أقارب مفقودين في سجون» النظام» لا يُعرف عنهم شيء.

مقاتلون من فصائل المعارضة يعتلون دبابة للجيش السوري في معرة النعمان في إدلب (أ.ف.ب)

وأضاف: «كما أن الاتفاقيات المؤقتة التي أُبرمت خلال اجتماعات سوتشي أو أستانة بين تركيا وروسيا وإيران بعد سنوات من الصراع لم تقدم أي وعود بتحسين أوضاع السوريين أو استعادة حقوقهم المسلوبة، بل على العكس، كانت الأراضي المصادَرة في حلب، على وجه الخصوص، تخضع لعمليات تغيير ديموغرافي منظَّمة من قبل إيران، حيث قامت بجلب مجموعات شيعية من داخل إيران وآسيا الوسطى، وتوطينها في تلك المناطق؛ ما جعل الاحتلال أمراً واقعاً». وتابع: «في المقابل، استمر (النظام) في انتهاك الاتفاقيات المؤقتة التي تم التوصل إليها في سوتشي، حيث شنّ هجمات متكررة على مناطق سيطرة المعارضة، محاولاً فرض أوضاع جديدة في هذه المناطق».

وأشار إلى أنه في الآونة الأخيرة، ترددت أنباء عن عفو أعلن عنه الرئيس بشار الأسد، لكن لم يكن هناك أي تأكيد حول محتواه أو حقيقته من أي مصدر رسمي أو من الأسد نفسه، وظل مجرد أقوال لا تحمل أي ضمانات حقيقية، ولم تكن هذه الادعاءات إلا وقوداً لبعض الممارسات العنصرية في تركيا، حيث استخدمها بعض العنصريين ذرائع جديدة لمهاجمة السوريين، فلم يسبق لأي سوري أن وثِق بوعود الأسد وعاد إلى بلده ليعيش بأمان دون أن يُعتقل أو يُقْتل مباشرة.

مقاتل من المعارضة السورية يتجول في حلب (أ.ف.ب)

وذكر أكطاي، أنه في ظل العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة ولبنان قام الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بخطوة «جريئة وصعبة جداً» من خلال تقييم جميع الاحتمالات، وتقديم ما يُعدّ بمثابة غصن الزيتون إلى الأسد للقاء وتطبيع العلاقات، إلا أن الرد «المتعجرف» من الأسد أظهر بوضوح أنه ليس له أي مكان في أي خطوة إيجابية من شأنها أن تفيد الشعب السوري أو شعوب المنطقة، وكان من الممكن أن يرى الأسد في ذلك فرصة تاريخية له، إلا أنه لم يحاول استغلالها والاستفادة منها» رغم أنه في الأساس غير جدير بها بأي حال»، والأعجب من ذلك هو أنه لم يعد يمتلك أي قوة أو قيمة استراتيجية سوى قدرته على ارتكاب المجازر وتعذيب المحتجزين في سجونه حتى الموت.

اتصالات مكثفة

وفي إطار متابعة تركيا للتطورات في حلب وشمال سوريا، أجرى وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، الأحد، اتصالاً هاتفياً مع نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، ضمن سلسلة اتصالات مكثفة بدأت، مساء السبت، لبحث التطورات في إدلب.

وتلقى فيدان، مساء السبت، اتصالاً هاتفياً من نظيره الروسي، سيرغي لافروف، لبحث التطورات في سوريا، ومسار أستانة، بحسب ما ذكرت وزارة الخارجية التركية.

وبدورها ذكرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان لها، أن فيدان ولافروف أعربا خلال محادثتهما الهاتفية عن قلقهما الشديد إزاء التطورات التي وصفاها بـ«الخطيرة» على خلفية التصعيد العسكري في محافظتي حلب وإدلب الواقعتين ضمن مناطق خفض التصعيد في شمال غربي سوريا المعروفة باسم «بوتين - إردوغان».

وأضاف البيان أن الجانبين أكدا ضرورة تنسيق الجهود المشتركة لتحقيق الاستقرار في سوريا مع الأخذ في الحسبان إمكانات صيغة أستانة.

وأشار البيان إلى أن لافروف أجرى اتصالاً مماثلاً مع وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي.

طفل يقف بين حطام المنازل بعد قصف للطيران الروسي على إدلب (رويترز)

وبحسب بيان لـ«الخارجية الإيرانية» أكد عراقجي خلال الاتصال الحاجة إلى اليقظة والتنسيق بين إيران وروسيا لمواجهة تصرفات من وصفهم بـ«الإرهابيين» في سوريا.

وسيزور عراقجي أنقرة، الاثنين، لإجراء مباحثات مع نظيره التركي هاكان فيدان، تأتي بعد زيارته لدمشق، الأحد.

وروسيا وتركيا وإيران هي الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانة، الذي انطلق عام 2017، في مسعى لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، بعد تعثر مسار جنيف.

وفي إطار الاتصالات التركية حول التطورات في شمال سوريا، أجرى فيدان اتصالاً هاتفيا، مساء السبت، مع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، تناول أيضاً سير وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني.

كما بحث فيدان في اتصال مع نظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، التطورات في سوريا وقطاع غزة.

وفي الوقت نفسه، نفت مصادر تركية ما ذكرته بعض وسائل الإعلام المحسوبة على المعارضة السورية، عن توجُّه وفد أمني سوري إلى أنطاليا لإجراء مباحثات مع الجانب التركي حول التطورات في حلب.

قصف للجيش السوري على حلب (أ.ف.ب)

وكانت تقارير في وسائل إعلام معارضة تحدثت عن مغادرة وفد من دمشق إلى أنطاليا في جنوب تركيا لمناقشة التطورات، وأن مصر رفضت طلباً من الحكومة السورية لإجراء وساطة بين دمشق وأنقرة.

مواجهات مع «قسد»

وعلى الصعيد الميداني، قالت مصادر أمنية تركية إن «الجيش الوطني السوري»، منع محاولة لـ«قسد» لاستغلال التطورات في حلب، وطلب الجيش السوري المساعَدة من القوات الكردية، ومنع إقامة ممر يربط منطقة تل رفعت بشمال شرقي سوريا، وقام بقطع الطريق بين المدينة الواقعة في شمال غربي حلب ومحافظة الرقة في شمال شرقي سوريا.

ونقلت وسائل إعلام تركية عن المصادر، قولها في بيان الأحد، إن «حزب العمال الكردستاني»، وذراعه السورية «وحدات حماية الشعب» الكردية، أكبر مكونات «قسد»، سعياً لاستغلال انسحاب الجيش السوري من بعض المناطق للسيطرة عليها.

وذكرت المصادر أن المنطقة التي كان سيقيم فيها المسلحون الأكراد ممراً كانت ستربط مناطق في شمال شرقي سوريا تسيطر عليها «قسد» مع تل رفعت، وهي منطقة استراتيجية، تقع في شمال غربي حلب.

وجاء في البيان أن المجال فُتح أمام الوحدات الكردية بسبب طلب الجيش السوري، الذي خسر سريعاً المناطق الخاضعة لسيطرته في حلب، الدعم من «التنظيمات الإرهابية» (العمال الكردستاني- الوحدات الكردية) ضد المعارضة، وأنه بدأ بنقل الأراضي الخاضعة لسيطرته إلى «وحدات حماية الشعب» الكردية.

وأضاف: «ولهذا السبب، ذُكر أن كثيراً من عناصر (حزب العمال الكردستاني) و(وحدات حماية الشعب) قدِموا إلى منطقة حلب من شرق الفرات، وبدأ شحن الأسلحة الثقيلة التابعة للوحدات الكردية».

اشتباكات بين الفصائل الموالية لتركيا و«قسد» على محور تل رفعت (المرصد السوري)

وتابع البيان أن فصائل الجيش الوطني لاحظت هذه الخطوة من جانب الوحدات الكردية، ودخلت الميدان بإطلاق عملية «فجر الحرية»، ومن خلال إغلاق الطريق بين الرقة وحلب، منع الجيش الوطني السوري «حزب العمال الكردستاني» و«وحدات حماية الشعب» من إنشاء «ممر إرهابي» بين تل رفعت وشمال شرقي سوريا».

كان المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، أونجو كيتشالي، أكد، في بيان الجمعة، أن تركيا تراقب بعناية ازدياد هجمات التنظيمات الإرهابية (العمال الكردستاني - وحدات حماية الشعب الكردية)، في مدينتي تل رفعت ومنبج السوريتين على المدنيين وتركيا في محاولة لاستغلال بيئة عدم الاستقرار الراهنة.

الأسد والتطبيع

وعلق المحلل السياسي، بولنت إرانداش، على التطورات في شمال سوريا، قائلاً إن رفض الأسد قبول دعوة تركيا للتطبيع يفتح الباب أمام تغيير الخرائط في سوريا.

وقال إن تركيا تتابع التطورات من كثب، وتم تجهيز النقاط العسكرية تحسباً لأي هجوم محتمل، مع الوضع في الحسبان أنه إذا تعمقت بيئة الصراع الحالية، فإن تكلفة الأزمة الإنسانية ستضر بتركيا.

معارك بين فصائل الجيش الوطني الموالي لتركيا و«قسد» على الطريق بين تل رفعت والرقة (المرصد السوري)

وأضاف أنه في سياق أستانة، تستمر الاتصالات الدبلوماسية مع روسيا وإيران، وأولوية تركيا هي حماية المنطقة الخالية من الصراع في إدلب، ومنع موجة جديدة من الهجرة.

وذهب إرانداش إلى أن ما وصفه بـ«المكائد الخطيرة» للأجهزة الأميركية والإسرائيلية العميقة مع «حزب العمال الكردستاني» و«وحدات حماية الشعب»، قد تعيد تشكيل مسار الصراعات والتوازنات الإقليمية في سوريا، وستجري متابعة دور تركيا في هذه العملية وميل الأسد إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع تركيا، بعناية.

وأضاف أن وجود «حزب العمال الكردستاني» و«وحدات حماية الشعب» في تل رفعت هو محور التطورات الجديدة، وأن تركيا عازمة على طردهم من تل رفعت ومنبج.


مقالات ذات صلة

جنبلاط يلتقي الشرع في «قصر الشعب»: عاشت سوريا حرة أبية

المشرق العربي رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)

جنبلاط يلتقي الشرع في «قصر الشعب»: عاشت سوريا حرة أبية

في زيارة هي الأولى لزعيم ومسؤول لبناني إلى دمشق بعد سقوط النظام، التقى رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط القائد العام للإدارة الجديدة أحمد الشرع.

«الشرق الأوسط» (بيروت - دمشق)
المشرق العربي القائد العام للإدارة السورية أحمد الشرع مستقبلاً فيدان في مستهل زيارته لدمشق (رويترز) play-circle 00:32

تركيا تدعم دمشق سياسياً... وتتأهب عسكرياً ضد «الوحدات الكردية»

زار وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، دمشق، والتقى قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، وبالتزامن أجرى وزير الدفاع التركي جولة تفقدية على الحدود.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
خاص مخيم اليرموك... دمار يحاكي غزة وغموض لا تبدده قرارات ظرفية play-circle 06:14

خاص مخيم اليرموك... دمار يحاكي غزة وغموض لا تبدده قرارات ظرفية

«هذه ليست غزة. إنه مخيم اليرموك»... لا تكفي قراءة اللافتة مراراً عند مدخل المخيم الفلسطيني المحاذي لدمشق لترسخ هذه الحقيقة في ذهن الزائر.

بيسان الشيخ (مخيم اليرموك (دمشق))
شؤون إقليمية صورة نشرها موقع المرشد الإيراني علي خامنئي من لقاء مع أنصاره اليوم

خامنئي: ليس لدينا «وكلاء» في المنطقة

قال المرشد الإيراني، علي خامنئي، إن بلاده ليس لديها «وكلاء» في المنطقة، مشدداً على أنها «ستتخذ أي إجراء بنفسها دون الحاجة إلى قوات تعمل بالنيابة».

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
المشرق العربي أحمد الشرع خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في دمشق (رويترز)

الشرع: سوريا لن تكون حالة تدخل سلبي في لبنان

تعهد القائد العام للإدارة الجديدة بسوريا أحمد الشرع الأحد بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذاً «سلبياً» في لبنان وستحترم سيادة هذا البلد المجاور

«الشرق الأوسط» (دمشق)

تركيا تدعم دمشق سياسياً... وتتأهب عسكرياً ضد «الوحدات الكردية»

TT

تركيا تدعم دمشق سياسياً... وتتأهب عسكرياً ضد «الوحدات الكردية»

القائد العام للإدارة السورية أحمد الشرع مستقبلاً فيدان في مستهل زيارته لدمشق (رويترز)
القائد العام للإدارة السورية أحمد الشرع مستقبلاً فيدان في مستهل زيارته لدمشق (رويترز)

زار وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، دمشق، والتقى قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، وبالتزامن أجرى وزير الدفاع التركي، يشار غولر، جولة تفقدية لمنطقة الحدود مع سوريا، وعقد اجتماعاً مع قادة الوحدات العسكرية المنتشرة هناك.

والتقى فيدان الذي يعد أول وزير خارجية يزور دمشق عقب سقوط نظام بشار الأسد، الشرع بحضور وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة، أسعد حسن الشيباني، ومن الجانب التركي نائب وزير الخارجية التركي، نوح يلماظ، والقائم بالأعمال التركي في دمشق، السفير برهان كور أوغلو.

وجاءت زيارة فيدان بعد الزيارة التي قام بها رئيس المخابرات التركي، إبراهيم كالين، لدمشق، الذي كان أول مسؤول أجنبي يزورها ويجتمع مع إدارتها الجديدة، قبل أسبوعين تقريباً، وأعقب ذلك بيومين إعادة فتح السفارة التركية بعد 12 عاماً من إغلاقها، وهي أول سفارة أجنبية تفتح أبوابها بعد سقوط الأسد.

دعم تركي

وقالت مصادر دبلوماسية تركية لـ«الشرق الأوسط» إن مباحثات فيدان والشرع تناولت «هيكلة الإدارة الجديدة في سوريا، وخطوات المرحلة الانتقالية، ووضع دستور جديد للبلاد يعبر عن المرحلة الجديدة، ويتضمن مشاركة جميع مكونات الشعب السوري في العملية السياسية».

جانب من لقاء الشرع وفيدان في دمشق (الخارجية التركية)

وأضافت المصادر أن فيدان أكد «دعم تركيا للإدارة السورية الجديدة في هذه المرحلة، واستعدادها لتقديم كل ما يلزم من أجل اجتيازها بنجاح، ودعم مرحلة إعادة الإعمار وتلبية احتياجات الشعب السوري».

وبحسب المصادر، تطرقت المباحثات أيضاً إلى «تهيئة الظروف لعودة طوعية آمنة وكريمة للاجئين السوريين، وتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة في هذه المرحلة».

كما تم التطرق إلى «مكافحة التنظيمات الإرهابية» وتصدي الإدارة السورية الجديدة للمجموعات التي تعمل على تقسيم البلاد، في إشارة إلى «وحدات حماية الشعب الكردية»، أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، التي تخوض القوات التركية وفصائل الجيش الوطني السوري الموالي لأنقرة حرباً ضدها في شمال وشرق سوريا بالمناطق المحاذية لحدود تركيا الجنوبية.

وتوقفت وسائل إعلام تركية عند بعض النقاط اللافتة في اللقاء بين فيدان والشرع، منها وضع ظهور العلمين السوري والتركي خلال اللقاء بعدما كان يتم وضع العلم السوري فقط في اللقاءات السابقة للشرع مع الوفود الأجنبية.

كما لفتت إلى أن الشرع ظهر للمرة الأولى وهو يرتدي رابطة عنق (كرافتة) خلال لقائه فيدان. وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أعلن في طريق عودته من مصر، حيث شارك في قمة مجموعة الثماني في القاهرة، أن فيدان سيزور دمشق، وسيبحث مع إدارتها الجديدة هيكلة المرحلة المقبلة في سوريا.

تعاون مع «تحرير الشام»

وأكد فيدان، في تصريحات السبت، أن تركيا لم ترصد انخراط «هيئة تحرير الشام»، التي يقودها الشرع، في أي أنشطة إرهابية خلال السنوات الـ10 الأخيرة، مضيفاً: «هذا ليس تقييمنا فحسب، بل هذا ما خلُصت إليه أجهزة الاستخبارات الغربية أيضاً».

وعدّ فيدان الذي تولّى رئاسة المخابرات التركية لمدة 13 عاماً قبل توليه وزارة الخارجية، في يونيو (حزيران) 2023، في مقابلة مع قناة «فرانس 24»، أن «هيئة تحرير الشام» لعبت دوراً في «مكافحة التنظيمات الإرهابية مثل (داعش) و(القاعدة)»، وقال إن «(تحرير الشام) أظهرت تعاوناً جيداً، خصوصاً في تبادل المعلومات الاستخبارية المتعلقة بمكافحة (داعش)، وأسهمت بشكل كبير في هذا الصدد».

ولفت إلى أن «تحرير الشام» تعاونت أيضاً مع تركيا حول أهداف معينة، مثل القضاء على زعيم «داعش» السابق، أبو بكر البغدادي، وأنهم لم يعلنوا عن ذلك من قبل؛ «نظراً لحساسية الأمر».

الشرع خلال استقباله فيدان بقصر الشعب في دمشق (إعلام تركي)

وعما إذا كانت تركيا ستتدخل عسكرياً ضد «الوحدات الكردية» في شمال شرقي سوريا، قال فيدان: «(وحدات حماية الشعب) منظمة إرهابية، تم إنشاؤها بشكل مصطنع من أشخاص من تركيا والعراق وسوريا وبعض دول أوروبا، ويجب حلها على الفور، هناك إدارة جديدة في سوريا الآن، ولم تعد روسيا وإيران ونظام الأسد يدعمون (وحدات حماية الشعب) و(حزب العمال الكردستاني)، وأعتقد أن عليهم التعامل مع هذا الأمر من خلال وحدة أراضي سوريا وسيادتها، لكن إذا لم يحدث ذلك؛ فبالطبع علينا حماية أمننا القومي»، وأضاف: «علينا أن نتوصل إلى تفاهم مع الولايات المتحدة أيضاً حول هذا الأمر».

وزير الدفاع يتفقد الحدود

وبالتزامن مع زيارة فيدان لدمشق، تفقد وزير الدفاع التركي، يشار غولر، مناطق الحدود مع سوريا، وعقد لقاء مع قادة الوحدات العسكرية التركية المتمركزة على الحدود.

وقال غولر إن تركيا تعتقد أن الإدارة الجديدة في سوريا، بما في ذلك «الجيش الوطني السوري»، المدعوم من أنقرة، سيطردون مسلحي «وحدات حماية الشعب الكردية» من جميع الأراضي التي تحتلها في شمال شرقي سوريا.

وتدعم الولايات المتحدة «وحدات حماية الشعب»، التي تعدها تركيا ذراعاً في سوريا لحزب العمال الكردستاني المصنف لدى تركيا وحلفائها الغربيين منظمة إرهابية، بوصفها حليفاً في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي.

وتخوض تركيا والفصائل السورية الموالية لها قتالاً ضد «الوحدات الكردية» في مناطق سيطرة «قسد»، منذ سقوط حكم بشار الأسد، وسيطرت على تل رفعت ومنبج، وتواصل القتال حول عين العرب كوباني والرقة مع استمرار الاستهدافات في الحسكة.

وزير الدفاع التركي مع جنود من الوحدات العسكرية على الحدود التركية السورية الأحد (الدفاع التركية)

وقال غولر، الذي رافقه رئيس الأركان التركي وقادة القوات البرية والبحرية والجوية بالجيش التركي خلال زيارته لقيادة الجيش الثاني في غازي عنتاب: «نعتقد أن القيادة الجديدة في سوريا والجيش الوطني السوري، الذي يشكل جزءاً مهماً من جيشها، إلى جانب الشعب السوري، سيحررون جميع الأراضي التي احتلتها المنظمات الإرهابية».

وأضاف: «سنتخذ أيضاً كل الإجراءات اللازمة بالعزم نفسه حتى يتم القضاء على جميع العناصر الإرهابية خارج حدودنا».

وتابع: «الأزمة التي بدأت في سوريا عام 2011 إضافة إلى البيئة غير المستقرة اللاحقة، أعطت تنظيمات (حزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب، وداعش الإرهابي) الفرصة لكسب مساحة في سوريا، وهددت أمن حدودنا».

ولفت إلى أن تركيا دفعت ثمناً باهظاً قبل دخولها سوريا، ونفذت عمليات عبر الحدود، بدءاً بعملية «درع الفرات» عام 2016، لجعل التنظيمات الإرهابية تدفع الثمن ولضمان أمن حدودها وشعبها.

وقال إنه في هذا السياق، يعد الجيش التركي الجيش الوحيد سواء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) أو خارجه الذي يقاتل تنظيم «داعش» ميدانياً، وتحدث عن ثقته بأن «(الجيش الوطني السوري) سينقذ الأرض بأكملها».

وزير الدفاع التركي يشار غولر وقادة القوات المسلحة خلال اتصال بالفيديو مع الوحدات العسكرية المنتشرة على الحدود السورية (الدفاع التركية)

وأضاف غولر خلال لقاء عبر «الفيديو كونفرس» مع قادة الوحدات العسكرية المنتشرين على الحدود التركية - السورية من مقر القيادة العسكرية في كليس جنوب، أنه بعد الإطاحة بنظام الأسد الدموي في سوريا، بدأت حقبة جديدة الكلمة الحقيقية فيها للشعب السوري، ومن الآن فصاعداً، سنواصل الوقوف إلى جانب الشعب السوري، كما فعلنا حتى الآن، وسنكون على تعاون وتنسيق وثيق مع الإدارة الجديدة لضمان سلامة أراضي سوريا ووحدتها السياسية وأمنها واستقرارها.

وأشار إلى أنه نتيجة للعملية التي بدأت في 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، في إشارة إلى عملية «فجر الحرية» للجيش الوطني السوري، تم تطهير تل رفعت في 2 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، ومنبج في 9 ديسمبر من العناصر الإرهابية.

وتابع: «أود أن ألفت الانتباه إلى نقطة مهمة وهي أن ما يحدث في سوريا اليوم لا ينبغي النظر إليه فقط على أنه (تطورات الشهر الماضي)، فتصرفات النظام، الذي اضطهد شعبه لسنوات، والجهود الكبيرة التي بذلها أصحاب سوريا الحقيقيون، الذين قالوا للنظام (توقف الآن)، جلبت أياماً جيدة».

تركيا وفصائل الجيش الوطني تواصلان القصف على محاور منبج وعين العرب (المرصد السوري)

وذكر أن «النجاح الذي تحقق هو أيضاً نتيجة للكفاح البطولي لقواتنا المسلحة التركية، وخصوصاً شهدائنا وقدامى المحاربين، الذي بدأ في أغسطس (آب) 2016 في عملية (درع الفرات) في حلب شمال غربي سوريا، لحماية وطننا من وراء الحدود، وتضامن وتضحيات شعبنا النبيل».

وعد غولر أنه ينبغي على جميع الأطراف الفاعلة في الميدان أن تأخذ بعين الاعتبار «التضحيات التي قدمتها تركيا والمبادرات التي قامت بها في الخطوات التي يجب اتخاذها في المستقبل؛ ومن أجل التوصل إلى حل عادل ودائم ومستدام، يجب احترام حساسيات تركيا التي ستواصل القيام بدورها لتحقيق الاستقرار في سوريا وضمان العودة الكريمة لملايين اللاجئين الذين استقبلتهم من سوريا».

هجمات ضد «قسد»

في الوقت ذاته، أعلنت وزارة الدفاع التركية مقتل 6 من عناصر الوحدات الكردية في عملية نفذتها القوات التركية في منطقة «نبع السلام» ضد عناصر كانوا يستعدون لتنفيذ هجوم في المنطقة.

وقصفت القوات التركية والفصائل الموالية لها ضمن منطقة «نبع السلام»، في شمال شرقي سوريا، بالمدفعية الثقيلة، محطة للوقود ومدرسة في بلدة أبو راسين شمال غربي الحسكة، ما أدى إلى تدميرهما، كما استهدفت مناطق في ريف تل تمر شمال غربي الحسكة.

ويشهد محور جسر قرة قوزاق بريف حلب الشرقي، اشتباكات عنيفة بين فصائل «الجيش الوطني» وقوات «قسد»، بالأسلحة الثقيلة، مع قصف مدفعي عنيف استهدف أطراف الجسر الاستراتيجي الذي يربط ضفتي نهر الفرات غرباً وشرقاً، في محاولة لتمهيد الطريق أمام تقدم الفصائل، بحسب ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.