«حرب التسريبات» الصوتية تفاقم مخاوف الأوساط السياسية في العراق

القضاء طالب المتضررين باللجوء إليه

القضاء العراقي طالب الأشخاص الذين يشعرون أنهم عرضة لعملية «تنصت» باللجوء إلى القضاء لإنصافهم (أ.ف.ب)
القضاء العراقي طالب الأشخاص الذين يشعرون أنهم عرضة لعملية «تنصت» باللجوء إلى القضاء لإنصافهم (أ.ف.ب)
TT

«حرب التسريبات» الصوتية تفاقم مخاوف الأوساط السياسية في العراق

القضاء العراقي طالب الأشخاص الذين يشعرون أنهم عرضة لعملية «تنصت» باللجوء إلى القضاء لإنصافهم (أ.ف.ب)
القضاء العراقي طالب الأشخاص الذين يشعرون أنهم عرضة لعملية «تنصت» باللجوء إلى القضاء لإنصافهم (أ.ف.ب)

أكدت مصادر نيابية متطابقة قيام القضاء العراقي بإرسال كتب رسمية إلى البرلمان، وجميع مؤسسات الدولة، تشجع وتطالب الأشخاص، الذين يشعرون أنهم عرضة لعملية «تنصت» على اتصالاتهم الخاصة، باللجوء إلى القضاء ورفع شكوى ضد الجهات والأشخاص المتورطين في ذلك.

ومنذ التسريب الصوتي الشهير لزعيم ائتلاف «دولة القانون»، نوري المالكي، منتصف يوليو (تموز) 2020، والقضية تثير مزيداً من القلق ومخاوف جدية لدى الشخصيات والأحزاب السياسية. ووقتذاك وصف المالكي في التسريب المنسوب إليه الحشد الشعبي بـ«أمة الجبناء»، ومقتدى الصدر بـ«الخائن»، وهدد بقتاله بالسلاح.

التسريب الصوتي لنوري المالكي أثار مزيداً من القلق ومخاوف السياسيين (غيتي)

ومع أن التحقيق المزعوم الذي أعلنته السلطات حينها لم يثبت، أو ينفي صحة التسجيل الصوتي للمالكي، أو الجهة التي قامت به، ولم يعلن أيضاً عن أي نتيجة تذكر، فإنه ومنذ ذلك الوقت بات المتخاصمون، سواء على المستوى السياسي أو الوظيفي، ينظرون إلى التسجيلات الصوتية بوصفها سلاحاً فتاكاً للإيقاع بالخصوم، وأداة لإخراجهم من حلبة العمل السياسي والإداري.

وينظر معظم المراقبين إلى العام الحالي، بوصفه أكثر الأعوام التي اشتعلت فيها «حرب التسريبات» الصوتية، خاصة بعد أن بدأ بفضيحة «التنصت»، التي يديرها مسؤول كبير في مكتب رئيس الوزراء، محمد السوداني، وشملت التنصت على معظم زعماء ورؤساء الكتل السياسية، لا سيما داخل قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، وهو ما أحدث فجوة كبيرة في العلاقة بين السوداني وبعض قيادات الإطار، ما زالت قائمة بحسب مصادر مطلعة.

اشتعلت «حرب التسريبات» الصوتية بعد فضيحة «التنصت» التي يديرها مسؤول كبير في مكتب محمد السوداني (د.ب.أ)

والأسبوع الماضي، تحدثت مصادر قضائية عن ارتفاع عدد الدعاوى المقدمة للقضاء بشأن فضيحة «التنصت»، ضد المتورطين فيها بالمكتب الحكومي، وأكدت ارتفاع عدد الشكاوى إلى 80 دعوى، قدمت للقضاء من قبل نواب وسياسيين وشخصيات مختلفة.

ويعتقد مصدر مسؤول في قوى «الإطار التنسيقي» أن معظم التسريبات الصوتية، التي ظهرت للعلن، تستند إلى «أساس لا أخلاقي وغير مدفوعة بالرغبة في إحقاق الحق، أو بناء حكم رشيد».

ويقول المصدر، الذي فضل عدم الإشارة إلى اسمه لـ«الشرق الأوسط»، إن معظم التسريبات الصوتية، التي ظهرت للعلن خلال السنوات والشهور الأخيرة «صحيحة تقريباً، لكن الجهات التي قامت بذلك تستهدف الإطاحة بهذا السياسي، أو ذلك الموظف المسؤول للحلول محله، أو ابتزازه وإخراجه من مكانته الوظيفية».

في المقابل، والكلام للمصدر ذاته، فإن «الاستهتار وعدم الخشية من المساءلة يدفعان كثيراً من المسؤولين والسياسيين إلى عدم توخي الحذر في الاتصالات الهاتفية، التي يقومون بإجرائها، وقد وصل الأمر ببعض المسؤولين إلى طلب دفع الرشوة عبر الجوال».

ويؤكد المصدر ذاته أن «الكثير من القيادات السياسية أوشكت على التخلي عن هواتفها الخاصة، خشية عمليات التنصت، ولا تستخدمها إلا في نطاق ضيق جداً، ومن جوالات بديلة في بعض الأحيان». مضيفاً: «المؤسف هو أن غياب الردع والمحاسبة يؤدي غالباً إلى تنامي فضائح التسجيلات الصوتية، التي قد تؤدي في مرحلة من المراحل إلى تقويض العملية السياسية برمتها».

بدوره، حذر القيادي في «ائتلاف النصر»، عقيل الرديني، الجمعة، من افتعال أزمات مختلفة في العراق خلال المرحلة المقبلة مع قرب انتخابات مجلس النواب. وقال في تصريحات صحافية: «هناك من يفتعل الأزمات السياسية بهدف الإساءة، ولهذا برزت قضية ما تسمى التسريبات، التي تقف خلفها جهات سياسية داخلية تريد الابتزاز». مضيفاً أن «هناك خوفاً من تزايد هذه الأزمات بشكل كبير خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً مع قرب انتخابات مجلس النواب».

وخلال الشهرين الأخيرين تفجرت ثلاث فضائح «تسريب» رئيسية، أدت الأولى إلى اعتقال عضو مجلس محافظة ذي قار الجنوبية، على خلفية عمليات ابتزاز قام بها عبر تسجيلات صوتية. وقبل أسبوعين انتشر تسريب صوتي لرئيس هيئة الضرائب، علي علاوي، وهو يتحدث عن رغبته في الحصول على مبالغ مالية ضخمة من أحد الأشخاص، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء إلى سحب يده من المنصب وإحالته إلى التحقيق.

وما زال التسريب الصوتي المنسوب لرئيس هيئة المستشارين في مجلس الوزراء، عبد الكريم الفيصل، يحظى بمزيد من الاهتمام الشعبي والرسمي، ويعرض حكومة رئيس الوزراء لانتقادات شديدة، رغم نفيها صحة التسجيل الصوتي المنسوب إليه.


مقالات ذات صلة

طعون عراقية تلاحق قانوني «العفو» و«الأحوال»

المشرق العربي يتخوّف ناشطون من أن يشمل قانون العفو العام في العراق مدانين بجرائم فساد وقتل (أ.ف.ب)

طعون عراقية تلاحق قانوني «العفو» و«الأحوال»

تُلاحق طعون واعتراضات قانونين أقرهما البرلمان العراقي، وأثارا الانقسام السياسي والاجتماعي على مدار الأيام الماضية.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي البرلمان العراقي خلال إحدى جلساته في بغداد (إعلام البرلمان)

غضب عراقي من تشريع 3 قوانين بـ«سلة واحدة»

موجة غضب تعم الأوساط الشعبية في العراق بعد إقرار 3 قوانين إشكالية، وهي «العفو العام» و«الأحوال الشخصية» وإعادة عقارات مصادرة.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي البرلمان العراقي خلال إحدى جلساته في بغداد (إعلام البرلمان)

جدل في العراق بعد إقرار 3 قوانين إشكالية

صوّت البرلمان العراقي على 3 قوانين إشكالية دفعة واحدة، الثلاثاء، رغم أن نواباً قالوا إن الجلسة لم تشهد تصويتاً كافياً عليها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي المشهداني في إحدى جلسات البرلمان (موقع البرلمان العراقي)

البرلمان العراقي في فصله الأخير بين «مدونة السلوك» و«كسر النصاب»

يسعى رئيس البرلمان العراقي، محمود المشهداني، إلى إعادة ترتيب جدول أعماله لما تبقى من عمره التشريعي؛ إذ بات في فصله الأخير.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني (موقع المجلس)

المشهداني يحمّل الأحزاب العراقية تعطيل عمل البرلمان

حمّل رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني الكتل السياسية مسؤولية تعطيل الجلسات وإقرار القوانين، وحذر من تداعيات ذلك على استقرار البلاد واحتياجات العراقيين.

حمزة مصطفى (بغداد)

وزير الخارجية السعودي من بيروت: المملكة ستقف إلى جانب لبنان... والإصلاحات تعزز ثقة العالم فيه

وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في القصر الرئاسي اللبناني (أ.ب)
وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في القصر الرئاسي اللبناني (أ.ب)
TT

وزير الخارجية السعودي من بيروت: المملكة ستقف إلى جانب لبنان... والإصلاحات تعزز ثقة العالم فيه

وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في القصر الرئاسي اللبناني (أ.ب)
وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في القصر الرئاسي اللبناني (أ.ب)

حمل وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، رسالة أمل إلى لبنان، حيث أكد تفاؤل المملكة بمستقبل لبنان، مؤكداً لدى زيارته الرئيس اللبناني جوزيف عون، أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منفتح على الاقتراحات التي تنقل لبنان إلى مستقبل زاهر، فيما أمل عون أن تتعزز العلاقات الثنائية وتزداد قوة في المجالات كافة، وأن يعود الإخوة السعوديون إلى لبنان من جديد.

وتشكّل الزيارة التي التقى خلالها الأمير فيصل بن فرحان، إلى جانب عون، رئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ورئيس الحكومة المكلف نواف سلام، ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، مؤشراً إيجابياً؛ كونها الزيارة الأولى لوزير خارجية سعودي إلى لبنان منذ 15 عاماً، وجاءت بعد مشاركة المملكة في اللجنة الخماسية التي ساهمت في إنهاء الشغور الرئاسي، في وقت يمر لبنان بمرحلة انتقالية يحتاج فيها إلى دعم جدي لتثبيت ركائز الالتزامات الدولية التي سبق وقطعتها الحكومة اللبنانية في تطبيق القرار 1701، وتمكين الجيش اللبناني لتعزيز انتشاره في الجنوب، وإعادة الإعمار، والمضي قدماً بورشة الإصلاحات.

من مقرّ الرئاسة اللبنانية كان اللقاء الأول للأمير فيصل بن فرحان الذي أكد حرص القيادة السعودية على أن يعود لبنان كما كان نبراساً في المنطقة ونموذجاً للتعايش والازدهار، منوهاً بقيادة الرئيس عون وبخطاب القسم الذي وضع البوصلة في الطريق الصحيح. وشدد على أن «المملكة ستكون إلى جانب لبنان وستتابع مسيرته الجديدة خطوة بخطوة، وستعمل مع شركائها في هذا الاتجاه».

جانب من اللقاء بين الرئيس جوزيف عون والأمير فيصل بن فرحان (إ.ب.أ)

في سياق متصل، أثنى الوزير السعودي على أهمية الإصلاحات التي تعتزم الحكومة الجديدة القيام بها بعد تشكيلها، لافتاً إلى أن «ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منفتح على الاقتراحات التي تنقل لبنان إلى مستقبل زاهر»، مشيراً إلى أن القيادة السعودية تتطلع إلى لقاء قريب مع الرئيس عون لوضع أسس التعاون بين البلدين، معتبراً أنه «رغم التحديات المشتركة التي تواجهنا في المنطقة فإن المملكة تنظر بتفاؤل لمستقبل لبنان، في ظل النهج الإصلاحي الذي جاء في خطاب فخامة الرئيس بعد تنصيبه، حيث إن تطبيق هذه الإصلاحات من شأنه تعزيز ثقة شركاء لبنان به، وفسح المجال لاستعادة مكانته الطبيعية في محيطيه العربي والدولي». وقال: «نحن متفائلون بتكاتف القيادة اللبنانية لاغتنام الفرصة والعمل بجدية لتعزيز أمن لبنان وسيادته والحفاظ على مؤسساته ومكتسباته».

وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نواف سلام (رويترز)

عون

بدوره، شكر الرئيس اللبناني جوزيف عون الجهود التي بذلتها السعودية لمساعدة لبنان، لا سيما لجهة إنهاء الفراغ الرئاسي، معتبراً زيارة الأمير فيصل بن فرحان للبنان رسالة أمل. وإذ رحب بوزير الخارجية السعودي في لبنان، فإنه استذكر الروابط التاريخية بين لبنان والمملكة، معرباً عن أمله في أن تتعزز العلاقات الثنائية بين البلدين، وتزداد قوة في المجالات كافة.

الرئيس اللبناني جوزيف عون يرحب بالأمير فيصل بن فرحان (أ.ب)

وقبيل مغادرته، قال الأمير فيصل بن فرحان إنه نقل إلى الرئيس عون «تهنئة وتحيات خادم الحرمين الشريفين وصاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لمناسبة انتخاب فخامته رئيساً للجمهورية، وتمنياتهما له بالتوفيق في قيادة لبنان، لتحقيق ما يتطلع إليه شعبه من استقرار وتقدم ورخاء».

وقال: «لقد بحثت مع فخامته مستجدات الأوضاع في لبنان والمنطقة، وأكدت له باستمرار وقوف المملكة إلى جانب لبنان وشعبه الشقيق. كما أعربت له عن إيماننا بأهمية الإصلاحات التي تحدث عنها فخامته في سبيل تجاوز لبنان لأزماته. وثقتنا كبيرة بقدرة فخامة الرئيس ودولة رئيس الوزراء المكلف بالشروع في الإصلاحات اللازمة لتعزيز أمن واستقرار ووحدة لبنان».

وأشار إلى أنه تطرق خلال حديثه مع عون إلى «أهمية الالتزام باتفاقية وقف إطلاق النار، بما يشمل الانسحاب الكامل لقوات الاحتلال الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية»، كما أكد أهمية «تطبيق قرار مجلس الأمن 1701 والقرارات الدولية ذات الصلة».

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري يستقبل الأمير فيصل بن فرحان (إ.ب.أ)

اللقاء مع بري

واستقبل رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة الأمير فيصل بن فرحان والوفد المرافق، حيث جرى عرض للأوضاع في لبنان والمنطقة والمستجدات السياسية والعلاقات الثنائية بين لبنان والسعودية.

رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يرحب بالأمير فيصل بن فرحان (أ.ب)

السرايا الحكومي

في الإطار، استقبل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وزير الخارجية السعودي. وأفادت رئاسة الحكومة اللبنانية بأنه خلال الاجتماع، تمنى ميقاتي «أن تكون زيارة معالي الوزير فاتحة لعودة جميع الإخوة السعوديين إلى لبنان». وقال: «نتطلع بأمل إلى احتضان المملكة لبنان ودعمه في كل المجالات في مرحلة النهوض والتعافي»، مؤكداً أنّ «العلاقة الأخوية المتينة التي تجمع بين لبنان والمملكة العربية السعودية الشقيقة، زادتها السنوات عمقاً ورسوخاً وكانت فيها المملكة إلى جانب لبنان دائماً، السند والعضد في الملمات، وصمام الأمان الذي حفظ وحدة اللبنانيين، إلى أي طائفة أو مذهب أو فريق سياسي انتموا».

والجدير ذكره أنّ انتخاب عون رئيساً للبنان، حظي بدعم لجنة دولية خماسية ضمّت إلى جانب السعودية، كلّاً من الولايات المتحدة، وفرنسا، وقطر ومصر، فيما كان للمملكة الدور الأبرز في حل الأزمة الرئاسية اللبنانية.