استمرار الخلافات السياسية يحُول دون انعقاد البرلمان العراقي

رغم انتخاب رئيسه وتمديد فصله التشريعي

جلسة سابقة للبرلمان العراقي (رويترز)
جلسة سابقة للبرلمان العراقي (رويترز)
TT

استمرار الخلافات السياسية يحُول دون انعقاد البرلمان العراقي

جلسة سابقة للبرلمان العراقي (رويترز)
جلسة سابقة للبرلمان العراقي (رويترز)

رغم انتخاب رئيس جديد له بعد شغور المنصب لمدة سنة وتمديد الفصل التشريعي لمدة شهر، لم يتمكن البرلمان العراقي من عقد جلساته لاستكمال النظر في مشاريع القوانين المدرجة على جدول أعماله منذ أشهر.

في الأسبوع الماضي، تمكن البرلمان بعد توافق بين القوى السياسية على انتخاب السياسي السني والرئيس الأسبق للبرلمان محمود المشهداني لرئاسة البرلمان بعد منافسة شرسة مع النائب سالم العيساوي. وعلى أثر انتخاب الرئيس واكتمال هيئة الرئاسة المكونة من الرئيس ونائبين أول وثانٍ عقد البرلمان جلسة واحدة مدد خلالها فصله التشريعي لمدة شهر؛ على أمل استكمال تمرير القوانين التي باتت تسمى «جدلية» والموزعة على المكونات الرئيسية الثلاثة في البلاد، وهي الشيعة والسنة والكرد. ففي حين يطالب الشيعة بتمرير قانون الأحوال الشخصية الذي يعدّ بمثابة تعديل جذري على القانون رقم 188 والذي تم تشريعه عام 1959 على عهد عبد الكريم قاسم، فإن السنة يطالبون بتمرير قانون العفو العام، بينما الكرد يطالبون بتمرير قانون إعادة العقارات إلى أصحابها والتي أُخذت منهم على عهد النظام السابق. وحيث إن هناك خلافات جوهرية حول كل قانون من هذه القوانين فقد سميت «القوانين الجدلية» بحيث يحتاج تمرير أي قانون منها إلى تمرير القوانين الأخرى.

الرئيس الجديد للبرلمان العراقي محمود المشهداني (رويترز)

في السابق، كان العائق الرئيس هو عدم وجود رئيس أصيل للبرلمان بعد إقالة رئيسه السابق محمد الحلبوسي العام الماضي بقرار من المحكمة الاتحادية العليا، لكن بعد انتخاب المشهداني رئيساً بأغلبية كبيرة بدت من خلال البيانات والتصريحات التي صدرت عن غالبية الكتل السياسية بداية حل الاختناق السياسي؛ الأمر الذي جعل رئاسة البرلمان تمدد الفصل التشريعي لتمرير القوانين الجدلية الثلاث، بالإضافة إلى مشاريع قوانين أخرى.

تشريعي بلا تشريع

يقول عضو البرلمان العراقي جواد اليساري إن «مجلس النواب مدَّد عمر فصله التشريعي بهدف تمرير القوانين التي عليها خلافات والمؤجلة من جلسات سابقة بسبب الصراع السياسي بشأنها وعلى رأسها (قانون إعادة العقارات إلى أصحابها المشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة «المنحل»)، وقانون الأحوال الشخصية، وقانون العفو العام». وأضاف اليساري في تصريح صحافي، الاثنين، أنه «لغاية الآن الخلافات ما زالت مستمرة وقائمة بشأن تلك القوانين؛ ولهذا رئاسة مجلس النواب لم تحدد أي جلسة لغاية الآن، فهي تريد الاتفاق والتوافق ما بين الكتل والأحزاب بشأن تلك القوانين قبل تحديد موعد الجلسة وإعلان جدول الأعمال، ونعتقد هذا الأمر يتطلب مزيداً من الوقت للوصول إلى تفاهمات».

وفي حين لا تزال الخلافات مستمرة بشأن مشروع قانون العفو العام، خصوصاً لجهة تحديد صفة الإرهاب المختلف عليها فضلاً عن اعتراض القوى السنية على الكثير من الفقرات الخاصة بهذا المشروع، ومن بينها قضية المغيبين قسراً، فإن قانون الأحوال الشخصية، طبقاً لما أعلنته اللجنة القانونية في البرلمان، بات جاهزاً بعد حل الكثير من العقد والقضايا الخلافية بشأنه. ويقول عضو اللجنة القانونية البرلمانية رائد المالكي في تصريح له إن «تمديد الفصل التشريعي جاء لغرض إقرار بعض القوانين خصوصاً التي حصل عليها خلاف»، مبيناً أن «القوانين التي سيكون عليها اتفاق يتم تمريرها». وأضاف: «نحرص على تمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية، حيث لا توجد عليه خلافات»، مبيناً أن «الخلافات على قانون العفو العام قليلة جداً، ويمكن حسمها باجتماع واحد». وتابع إن «هناك قوانين أخرى ربما تدرج تابعة للتعليم والصحة وربما تدرج على جدول العمال، كما أن قانون حق الحصول على المعلومة نسعى لإدراجه على جدول الأعمال وقانون تنظيم حق التظاهر والاجتماع السلمي».

وفيما يتعلق بقانون إعادة العقارات إلى أصحابها، وهو القانون الذي يطالب به الكرد، فإنه وطبقا للخبير القانوني علي التميمي «جاء مقتضباً ويحتاج إلى الكثير من التفاصيل، وعليه الكثير من الملاحظات التي يجب على المشرع العراقي أن ينتبه لها». وأضاف التميمي أن «القانون الجديد لم ينص على إلغاء قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، حيث منح المشرع استثناءات من هذه القرارات، وهذا الأمر عليه علامات استفهام حول عدم إلغائها، خصوصاً أنها قرارات مجحفة زالت بزوال المؤثر». وأوضح أن «هناك حاجة إلى تعويض المتضررين من قرارات المجلس المذكور، خصوصا أن هناك الكثير من المواطنين قد تضرروا وسُلبت أراضيهم من دون وجه حق، وهو ما لم يفصله القانون الجديد».


مقالات ذات صلة

البرلمان العراقي يستأنف فصله التشريعي بمناقشة التهديدات الإسرائيلية

المشرق العربي صورة نشرها موقع البرلمان العراقي من جلسة انتخاب رئيسه محمود المشهداني الشهر الماضي

البرلمان العراقي يستأنف فصله التشريعي بمناقشة التهديدات الإسرائيلية

على الرغم من خلو جدول أعمال جلسة البرلمان العراقي (الاثنين) من بند يتعلق بالضربة الإسرائيلية، ستتم مناقشة الموضوع في جلسة سرية.

حمزة مصطفى (بغداد )
المشرق العربي القضاء العراقي طالب الأشخاص الذين يشعرون أنهم عرضة لعملية «تنصت» باللجوء إلى القضاء لإنصافهم (أ.ف.ب)

«حرب التسريبات» الصوتية تفاقم مخاوف الأوساط السياسية في العراق

تؤكد مصادر نيابية متطابقة قيام القضاء العراقي بإرسال كتب رسمية إلى البرلمان وجميع مؤسسات الدولة لملاحقة المتورطين بالتنصت والتسريبات الصوتية.

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني (أرشيفية - رويترز) play-circle 02:01

العراق: رئيس برلمان «سُني» بأجندة «الإطار التنسيقي»

بعد انتخابه رئيساً للبرلمان العراقي، تعهد محمود المشهداني بإكمال ما تبقى من الدورة التشريعية والتمهيد للانتخابات المقبلة، نهاية عام 2025.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي نواب عراقيون يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس البرلمان يوم 31 أكتوبر 2024 (إعلام المجلس)

«توافق نادر» بين المالكي والحلبوسي يسهّل انتخاب رئيس البرلمان العراقي

بعد جولتي اقتراع امتدتا لساعات، انتخب أعضاء البرلمان العراقي السياسي المخضرم محمود المشهداني، رئيساً جديداً للمجلس.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
خاص محمود المشهداني (أرشيفية - البرلمان العراقي)

خاص من هو محمود المشهداني الرئيس الجديد للبرلمان العراقي؟

عاد محمود المشهداني، الطبيب ذو الخلفية الإسلامية، إلى الواجهة بعد مرور نحو 16 عاماً على إقالته من منصب رئيس البرلمان العراقي.

حمزة مصطفى (بغداد)

التمديد لقائد الجيش اللبناني ورؤساء الأجهزة «محسوم»

النواب في جلسة تشريعية سابقة للبرلمان اللبناني (الوكالة الوطنية للإعلام)
النواب في جلسة تشريعية سابقة للبرلمان اللبناني (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

التمديد لقائد الجيش اللبناني ورؤساء الأجهزة «محسوم»

النواب في جلسة تشريعية سابقة للبرلمان اللبناني (الوكالة الوطنية للإعلام)
النواب في جلسة تشريعية سابقة للبرلمان اللبناني (الوكالة الوطنية للإعلام)

يعقد البرلمان اللبناني جلسة تشريعية الخميس المقبل لإقرار عدد من اقتراحات القوانين التي تكتسب صفة «تشريع الضرورة»؛ أبرزها اقتراح القانون الذي تقدّمت به كتلة «الاعتدال الوطني» للتمديد مرّة ثانية لقائد الجيش العماد جوزف عون، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، والمدير العام للأمن العام اللواء الياس البيسري.

ورغم تحفّظ بعض الكتل على اقتراح التمديد لقادة المؤسسات العسكرية والأمنية، لأسباب سياسية أو قانونية، فإن القانون سيأخذ طريقه للإقرار، وفق تقدير عضو كتلة «التحرير والتنمية» النائب أيوب حميّد.

وأوضح حميد لـ«الشرق الأوسط» أن «الصورة شبه محسومة لجهة إقرار قانون التمديد لقادة الأجهزة الأمنية، وهناك أيضاً اقتراحات قوانين ضرورية وتستدعي إقرارها؛ لأنها تتعلّق بحقوق الناس، منها ما يتعلّق بعمل الإدارات والقضاء والمصارف». ولم يخفِ حميّد «وجود تحفّظ لدى بعض الكتل حول التمديد لقائد الجيش، وهذا حقّها، لكن ذلك لن يهدد بتطيير الجلسة؛ لأن النصاب القانوني لانعقادها، أي (النصف زائداً واحداً - 65 نائباً)، مؤمن».

الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين خلال اجتماعه مع قائد الجيش اللبناني جوزف عون في زيارته الأخيرة إلى بيروت (أ.ف.ب)

وهل يشارك نواب «حزب الله» في الجلسة؟ رجّح حميّد أن «تكون هناك مشاركة متواضعة لهم؛ إذ لديهم ظروفهم التي نقدرها». وعمّا إذا كانت ظروف تغيّب نواب «الحزب» أو أغلبهم ذات طابع أمني أم سياسي، أي اعتراضاً على التمديد لقائد الجيش، رفض النائب حميّد الخوض في التفاصيل، داعياً إلى «تفهّم ظروف الزملاء في هذه المرحلة الدقيقة».

وإلى جانب اقتراح كتلة «الاعتدال الوطني»، الذي يحظى بتأييد غالبية نيابية، كانت كتلة «الجمهورية القوية» قدّمت اقتراح قانون للتمديد لقائد الجيش وحده من دون قادة الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى اقتراح القانون الذي قدّمه عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب بلال عبد الله، للتمديد لجميع الضبّاط من رتبة عميد حتى لا يُحرم هؤلاء من حقّهم في تبوّؤ مركز القيادة، إلّا إن التوافق اقتصر على اقتراح قانون التمديد للعماد جوزف عون واللواءين عثمان والبيسري.

ورأى عضو كتلة «الاعتدال الوطني» النائب وليد البعريني أن اقتراح كتلته «يكتسب طابع الشمولية، والتمديد لقائد الجيش وحده يفقد القانون شموليته ويعرضه للطعن أمام المجلس الدستوري». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الكتلة آثرت التمديد لقائد الجيش والأجهزة الأمنية ليس حبّاً في الأشخاص والأسماء، رغم احترامنا وتقديرنا لدورهم الوطني، بل حفاظاً على المؤسسات العسكرية والأمنية». وعن سبب استبعاد اقتراح النائب بلال عبد الله الأكثر شمولية، لفت البعريني إلى أن «هناك رهاناً على انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت، وعندها تأخذ المؤسسات دورها وينتظم عملها بشكل قانوني ودستوري».

وفي حين لم يعرف موقف نواب «حزب الله» من التمديد لقائد الجيش، فإن هذا الأمر يلقى معارضة قويّة من تكتل «لبنان القوي» برئاسة النائب جبران باسيل.

وأشار عضو التكتل النائب جيمي جبّور، إلى أن «اجتماع الكتلة الذي سيعقد في الساعات المقبلة سيحدد الموقف من المشاركة في الجلسة النيابية ومسألة التمديد»، لكنه أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «(التيار الوطني الحرّ) لديه موقف مبدئي عبّر عنه في المرّة السابقة، وهو أنه ضدّ التمديد لقائد الجيش؛ لأن انتظام عمل المؤسسات العسكرية والأمنية يتطلب إفساح المجال أمام ضباط آخرين لتسلّم هذا المنصب». وعدّ أن «الإصرار على التمديد لقائد الجيش الحالي مرتبط بترشيحه لرئاسة الجمهورية، ويفترض تحييد الجيش عن الاستخدام السياسي؛ لأن الجيش يلعب دوراً وطنياً، خصوصاً في المرحلة المقبلة، وبالتالي يجب إبعاده عن الحسابات السياسية»، عادّاً أنه «لا خوف من الفراغ في مركز القيادة ما دام الضابط الأعلى رتبة يتسلّم هذا المنصب».

وعمّا إذا كان «التيار الوطني الحرّ» يقبل أن يشغل ضابط غير مسيحي هذا الموقع ولو بالوكالة، خصوصاً أن اللواء بيار صعب، الذي كان يزكيه «التيار الوطني الحرّ» لشغل المنصب، أحيل على التقاعد، اتهم جبور بعض القوى بـ«إفراغ المجلس العسكري من أعضائه جراء الطعن في قرار وزير الدفاع الوطني (موريس سليم) الذي مدّد بموجبه لعضو المجلس العسكري اللواء بيار صعب والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد مصطفى استناداً إلى القانون الذي أقرّه مجلس النواب للتمديد لقادة الأجهزة الأمنيّة، لكن مجلس شورى الدولة أبطل هذا القرار».

وقال: «هناك استهداف لكل من يمتّ إلى (التيار الوطني الحرّ) بصلة سواء بالتعيين والحملات السياسية». وعمّا إذا كان ذلك اعترافاً بأن عضو المجلس العسكري اللواء بيار صعب ينتمي إلى «التيار الوطني الحرّ»، أجاب النائب جبّور: «ليس خافياً على أحد أن تعيين اللواء صعب في المجلس العسكري جاء بناء على اقتراح من الرئيس ميشال عون، وهناك رغبة في اجتثاث كل من يمتّ بصلة إلى الرئيس عون و(التيار)». ودعا إلى «اعتماد آلية جديدة، هي تعيين قائد جيش جديد وقادة للأجهزة الأمنية، لكن القيادات والكتل السياسية خضعت للأسف لقوى خارجية فرضت هذا التمديد، بدليل جولات بعض السفراء على قيادات ومطالبتها بحتمية التمديد لقائد الجيش».