«صدمة جيل»... كيف خلّفت حرب لبنان أطفالاً بجروح جسدية ونفسية؟

الطفلة إيفانا وعمرها عامان تعاني من حروق من الدرجة الثالثة لأكثر من 40 % من جسدها بعد إصابتها في غارة إسرائيلية على منزلها حيت تتلقى العلاج في مستشفى الجعيتاوي في بيروت (أ.ب)
الطفلة إيفانا وعمرها عامان تعاني من حروق من الدرجة الثالثة لأكثر من 40 % من جسدها بعد إصابتها في غارة إسرائيلية على منزلها حيت تتلقى العلاج في مستشفى الجعيتاوي في بيروت (أ.ب)
TT

«صدمة جيل»... كيف خلّفت حرب لبنان أطفالاً بجروح جسدية ونفسية؟

الطفلة إيفانا وعمرها عامان تعاني من حروق من الدرجة الثالثة لأكثر من 40 % من جسدها بعد إصابتها في غارة إسرائيلية على منزلها حيت تتلقى العلاج في مستشفى الجعيتاوي في بيروت (أ.ب)
الطفلة إيفانا وعمرها عامان تعاني من حروق من الدرجة الثالثة لأكثر من 40 % من جسدها بعد إصابتها في غارة إسرائيلية على منزلها حيت تتلقى العلاج في مستشفى الجعيتاوي في بيروت (أ.ب)

كان الطفل حسين مقداد يبكي بحرقة وهو متكئ على صدر والده. ركل الطفل البالغ من العمر أربع سنوات طبيبه بقدمه السليمة ودفعه بعيداً بذراعه التي لم تكن في الجبس. وقال حسين: «أبي أبي اجعله يتركني وحدي!»، وبينما كانت عيناه تدمعان من الألم، طمأن الأب ابنه وجذبه إليه.

حسين ووالده حسن هما الناجيان الوحيدان من عائلتهما بعد غارة جوية إسرائيلية الشهر الماضي على منزلهم في بيروت. وأسفرت الغارة عن مقتل 18 شخصاً، بما في ذلك والدته وثلاثة أشقاء وستة أقارب.

وبعد عشرة أيام من الجراحة، قال الأطباء الذين فحصوا جروح حسين إن الصبي يتعافى بشكل صحيح. ولدى الطفل قطع معدنية في فخذه الأيمن المكسور وغرز جمعت أوتاره الممزقة في مكانها على ذراعه اليمنى. ويتوقع الأطباء أن يتمكن حسين من المشي مرة أخرى خلال شهرين - وإن كان مع العرج.

حسن مقداد يحمل ابنه حسين مقداد الذي أصيب في غارة إسرائيلية في 2 أكتوبر جنوب بيروت خلال الوجود في المركز الطبي التابع للجامعة الأميركية (أ.ب)

ويعد تشخيص الجروح غير المرئية التي أصيب بها حسين أصعب كثيراً. فقد عاد إلى ارتداء الحفاضات وبدأ يبلل فراشه. وهو بالكاد يتكلم ولم يقل كلمة واحدة عن والدته وشقيقتيه وشقيقه.

 

14 ألف جريح

 

وقال عماد نحلة، أحد جراحي العظام الذين يعالجون حسين: «إن الصدمة ليست فقط على الجانب العضلي الهيكلي. بل إنه يعاني أيضاً من إصابة نفسية».

وأفادت إسرائيل، دون الخوض في التفاصيل، إن الضربة على حي المقداد أصابت هدفاً لـ«حزب الله». وفي الحرب التي تصاعدت منذ سبتمبر (أيلول)، وفق وكالة «أسوشييتد برس»، إذ ضربت الغارات الجوية الإسرائيلية بشكل متزايد المناطق السكنية في أنحاء لبنان. وتتهم إسرائيل الجماعة المسلحة اللبنانية بإخفاء قدراتها ومقاتليها بين المدنيين. وتتعهد بشل حركة «حزب الله»، الذي بدأ إطلاق النار على شمال إسرائيل بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) واندلاع الحرب في غزة.

ولكن الأطفال وقعوا ضحايا في وسط هذه الحرب. ومع تزايد الضربات على المنازل والمناطق السكنية، يرى الأطباء المزيد من الأطفال المتأثرين بالعنف.

حسين مقداد ينظر لوالده خلال الحديث لوكالة «أسوشييتد برس» بالمركز الطبي التابع للجامعة الأميركية في بيروت (أ.ب)

وقُتل أكثر من 100 طفل في لبنان خلال الأسابيع الستة الماضية وأصيب المئات. ومن بين 14 ألف جريح منذ العام الماضي، نحو 10 في المائة منهم أطفال. وقد ترك هذا الأمر العديد منهم بأطراف مبتورة وأجساد محترقة وأسر مفككة ــ وندوب قد تستمر مدى الحياة.

ويرى غسان أبو ستة، وهو جراح بريطاني فلسطيني مشهور يعالج حسين أيضاً، أن الطريق أمامه طويل. وهذا هو مصدر قلقه: «إن هذه (الحرب) تتركنا مع جيل من الأطفال الجرحى جسدياً، والأطفال الجرحى نفسياً وعاطفياً».

في المركز الطبي التابع للجامعة الأميركية في بيروت، والذي يستقبل حالات محدودة من ضحايا الحرب، قال نحلة إنه أجرى عمليات جراحية لخمسة أطفال في الأسابيع الخمسة الماضية - بعد أن كان لا يستقبل أي حالات من قبل. وقد تم تحويل معظمهم من جنوب وشرق لبنان.

وعلى بعد أميال قليلة، في مستشفى الجعيتاوي اللبناني، أحد أكبر مراكز الحروق في البلاد، زاد من قدرته الاستيعابية بنحو 180 في المائة منذ سبتمبر حتى يتمكن من استيعاب المزيد من جرحى الحرب، كما قال مديره الطبي ناجي أبي راشد، مضيفاً أن نحو خُمس المرضى الذين تم قبولهم حديثاً هم من الأطفال.

 

مخاوف من العدوى في الملاجئ الجماعية

 

بعد ستة أسابيع، لا تزال إيفانا الصغيرة ملفوفة بشاش أبيض من رأسها إلى أخمص قدميها باستثناء جذعها. أصيبت بحروق من الدرجة الثالثة في أكثر من 40 في المائة من جسدها. احترق شعرها ورأسها وجانبها الأيسر حتى ساقيها وذراعيها وصدرها. تضرر منزل عائلتها، واشتعلت النيران في سقفه. كما احترقت الأشياء الثمينة للعائلة، التي كانت معبأة في سيارتهم أثناء استعدادهم للمغادرة. وحسب وكالة «أسوشييتد برس»، تعافت شقيقة إيفانا الكبرى، رهف، البالغة من العمر 7 سنوات، بشكل أسرع من الحروق في وجهها ويديها.

وكانت فاطمة زيون، والدة إيفانا، في المطبخ عندما وقع الانفجار. قفزت زيون لالتقاط الفتاتين اللتين كانتا تلعبان على الشرفة، وتقول زيون من وحدة الحروق في العناية المركزة: «كان الأمر وكأن شيئاً رفعني حتى أتمكن من الإمساك بأطفالي. ليس لدي أي فكرة كيف تمكنت من سحبهما وإلقائهما من النافذة»، وتابعت: «لم يكونوا مشتعلين، لكنهم احترقوا. غطاهم الرماد الأسود ... (إيفانا) كانت بلا شعر. قلت لنفسي، هذه ليست هي».

فاطمة زيون تجلس بجانب ابنتها إيفانا المصابة في مستشفى الجعيتاوي حيث تتلقى العلاج في بيروت (أ.ب)

ووفق طبيبها، زياد سليمان، فيتم تغيير ضمادات جروح إيفانا كل يومين. وتابع إنها يمكن أن تخرج من المستشفى في غضون أيام قليلة. لقد عادت مرة أخرى إلى قول «ماما» و«باي» - اختصاراً للرغبة في الخروج.

وكلا الطفلين، حسين وإيفانا، ليس لديهما منزل يعودا إليه، ويخشى أهاليهم العدوى خلال الإقامة في الملاجئ الجماعية.

 

ماذا يريدون منا؟

 

بعد رؤية أطفالها «يحترقون على الأرض»، قالت زيون (35 عاماً) إنها حتى لو تم إصلاح منزلهم، فلن ترغب في العودة. قالت: «رأيت الموت بعيني».

كانت زيون تبلغ من العمر 17 عاماً عندما اندلعت الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» في عام 2006. وبعد نزوحها مع عائلتها في ذلك الوقت، قالت إنها خرجت من قريتهم في شاحنة مليئة بأمتعتهم، واختلطوا بأشخاص جدد، وتعلموا أشياء جديدة. عادوا إلى ديارهم عندما انتهت الحرب، لكن تقول: «هذه المرة الحرب صعبة. إنهم يضربون في كل مكان، ماذا يريدون منا؟ هل يريدون إيذاء أطفالنا؟ نحن لسنا ما يبحثون عنه».

صورة قدمتها الأم فاطمة زيون لابنتيها رهف وإيفانا التقطت في وقت سابق من هذا العام قبل أن تصاب الفتاتان بحروق شديدة في منزلهما في جنوب لبنان بعد غارة جوية إسرائيلية في سبتمبر الماضي بالقرب من منزلهما في قرية دير قانون النهر جنوب لبنان (أ.ب)

قد يكون من الصعب على الأطفال التعامل مع الهجمات في المنزل. وفي هذا الصدد، يقول الجراح أبو ستة إن معظم إصابات الأطفال ناجمة عن الانفجارات أو الأنقاض المنهارة، إن ذلك الهجوم على منطقة من المفترض أنها آمنة وغير قابلة للانتهاك قد تكون له آثار طويلة الأمد.

ويفسر الجراح أن معنى البيت يختلف لدى الأطفال: «يشعر الأطفال بالأمان في المنزل. تجعلهم الإصابة يفقدون لأول مرة ذلك الشعور بالأمان - أن والديهم يحافظون عليهم بأمان، وأن منازلهم لا تقهر، وفجأة تصبح منازلهم غير ذلك».

في أحد الأيام الأخيرة، كان الأطفال يلعبون في ساحة مدرسة مهنية تحولت إلى مأوى في الدكوانة، شمال بيروت، حيث يعيش الآن ما يقرب من 3 آلاف شخص نازح من الجنوب. فيما يجتمع الأطفال وقت اللعب، إذ يتوافد أطفال من قرى مختلفة في الجنوب. وقد تم تقسيمهم إلى فريقين، تتراوح أعمارهم بين 6 و12 عاماً، ويتنافسون على الحصول على المنديل أولاً. عانقت فتاة صغيرة غرباء زاروا الملجأ وأمسكت بأيديهم. همست في آذانهم: «أنا من لبنان. لا تخبروا أحداً». وزاد الصخب في اللعبة عندما دخلت فتاتان في سن المراهقة المبكرة في قتال بالأيدي. بدأ الدفع والدفع. تلا ذلك الدموع ونوبات الغضب. ابتعدت الفتاة الصغيرة في ذهول.

 

صدمة جيل

 

وتقول ماريا إليزابيث حداد، مديرة برامج الدعم النفسي والاجتماعي في بيروت والمناطق المجاورة للهيئة الطبية الدولية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها، إن الآباء في الملاجئ أبلغوا عن علامات زيادة القلق والعداء والعدوان بين الأطفال، كما أصيب البعض بإعاقات في الكلام والتشبث بالوالدين، وتظهر على واحدة علامات مبكرة على مرض الذهان.

حسين مقداد (يسار) مع ابنة عمه زهراء اللذان أصيبا في 2 أكتوبر في غارة جوية إسرائيلية على حي مكتظ بالسكان جنوب بيروت (أ.ب)

وتتابع ماريا حداد: «ستكون هناك أعراض متبقية عندما يكبرون، وخاصة فيما يتعلق بروابط التعلق والشعور بالأمان. إنها صدمة جيل. لقد شهدناها من قبل مع والديّنا... ليس لديهم استقرار أو يبحثون عن استقرار (إضافي). لن يكون من السهل التغلب على هذا».

 

ثلث النازحين... أطفال

 

ويمثل الأطفال أكثر من ثلث عدد النازحين، والمقدر عددهم أكثر من مليون نازح في لبنان بعد الحرب الإسرائيلية، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة والحكومة. وهذا يترك مئات الآلاف في لبنان دون تعليم، إما لأن مدارسهم كانت غير قابلة للوصول أو تم تحويلها إلى ملاجئ.

ويقول والد حسين إنه وابنه يجب أن يبدآ معاً من الصفر. وبمساعدة من الأقارب، وجد الاثنان مأوى مؤقتاً في منزل، ويقول الأب البالغ من العمر 40 عاماً: «أشكر الله أنه لا يسأل عن والدته وإخوته»، فليس لدي الأب أي تفسير لابنه، الذي شاهد عائلته تموت في منزلهم، إذ تم انتشال شقيقتيه - سيلين (10 سنوات) وسيلا (14 عاماً) من تحت الأنقاض في اليوم التالي. تم انتشال والدته، منى، بعد ثلاثة أيام، والتي كانت محتضنة ابنها علي البالغ من العمر 6 سنوات.

حسن مقداد يحمل ابنه حسين خلال الكشف الطبي عليه بالمركز الطبي التابع للجامعة الأميركية في بيروت (أ.ب)

كما تسببت الضربة في 21 أكتوبر في أضرار عبر الشارع، في أحد المستشفيات العامة الرئيسية في بيروت، حيث تحطمت الألواح الشمسية والنوافذ في الصيدلية ووحدة غسيل الكلى. نجا الأب لأنه خرج لتناول القهوة. شاهد مبناه ينهار في الغارة الجوية في وقت متأخر من الليل. كما فقد متجره ودراجاته النارية وسيارته - وكل ما تملكه الأسرة التي استمرت 16 عاماً.

ووصل صديقه حسين حمودة إلى مكان الحادث للمساعدة في البحث في الأنقاض. ورصد حمودة أصابع حسين مقداد الصغير في الظلام في زقاق خلف منزلهم. في البداية ظن أنها أطراف مبتورة، إلى أن سمع صراخ الصبي. وأخرج حسين وقد استقر الزجاج في ساقه وقضيب معدني في كتفه. وقال حمودة إنه لم يتعرف على الصبي. وأمسك بمعصم الطفل المقطوع تقريباً في مكانه.

ويرقد حسين الآن في المستشفى، يشرب عصيراً وهو يستمع إلى والده وصديقه. والتفت والده إليه، وسأله عما إذا كان يريد لعبة سبايدر مان - في محاولة لمنع الدموع. وقال إنه يشتري لحسين لعبة كل يوم. وقال: «يبدو ما أعيشه وكأنه كذبة كبيرة... لا يستطيع العقل أن يستوعبها. الحمد لله على نعمة حسين».


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يصل إلى مشارف نهر الليطاني في جنوب لبنان

المشرق العربي دبابة إسرائيلية محملة على شاحنة خلال نقلها إلى الحدود مع جنوب لبنان في الجليل الأعلى (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يصل إلى مشارف نهر الليطاني في جنوب لبنان

نفّذت القوات الأسرائيلية أوسع اختراق بري داخل العمق اللبناني، منذ بدء الحرب، بوصولها إلى مشارف نهر الليطاني من جهة ديرميماس، وفصل النبطية عن مرجعيون.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)

إسرائيل تستهدف أحياء مسيحية ملاصقة للضاحية الجنوبية لبيروت

تجدّدت الغارات الإسرائيلية، الجمعة، على الأحياء المسيحية المقابلة لضاحية بيروت الجنوبية، عقب إنذارات وجّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء خمسة أبنية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية تصاعد الدخان من مبنى انهار على أثر غارة جوية إسرائيلية على الشياح (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يشن غارات متتالية على ضاحية بيروت

شن الطيران الحربي الإسرائيلي، عصر الجمعة، سلسلة من الغارات العنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت، مستهدفاً مناطق جديدة على تخوم الضاحية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رجل يحمل كلبه بينما يهرب الناس على الدراجات النارية بجوار المباني المتضررة في أعقاب غارة إسرائيلية على منطقة الشياح في الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

مفوضية اللاجئين في لبنان: الأسابيع الماضية الأكثر دموية وفداحة منذ عقود

حذّر ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين في لبنان إيفو فرايسن، اليوم (الجمعة)، من أن الأسابيع الماضية هي «الأكثر دموية وفداحة منذ عقود» على لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
أوروبا القمر المكتمل يرتفع فوق المباني المدمرة في منطقة الزوايدة في وسط قطاع غزة (د.ب.أ)

لدعمها إسرائيل... منظمات مؤيدة للفلسطينيين تقيم دعوى ضد حكومة هولندا

أقامت منظمات مؤيدة للفلسطينيين دعوى قضائية على الدولة الهولندية اليوم (الجمعة)، متّهمة الحكومة بالفشل في منع ما وصفته بالإبادة الجماعية في غزة.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)

إسرائيل تستهدف أحياء مسيحية ملاصقة للضاحية الجنوبية لبيروت

الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تستهدف أحياء مسيحية ملاصقة للضاحية الجنوبية لبيروت

الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)
الدخان والنيران يتصاعدان من مبنى لحظة استهدافه بصاروخ اسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)

تجدّدت الغارات الإسرائيلية، الجمعة، على الأحياء المسيحية المقابلة لضاحية بيروت الجنوبية، عقب إنذارات وجّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء خمسة أبنية، يقع أحدها في شارع مكتظ.

وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام بشن الطيران الحربي الإسرائيلي غارتين، بعد ظهر الجمعة، على مبنيين يقعان على أطراف ضاحية بيروت الجنوبية في منطقة الشياح المعروفة باسم «طريق صيدا القديمة»، التي تفصل الشياح عن عين الرمانة، وهي خطوط التماس القديمة، خلال الحرب اللبنانية. كما قصف، مساء، مبنى يقع خلف خط بولفار كميل شمعون، الذي يفصل الضاحية الجنوبية عن المناطق ذات الغالبية المسيحية التي يقع فيها المبنى المستهدف.

صورة لأمين عام «حزب الله» السابق حسن نصر الله قرب موقع الاستهداف في الشياح (أ.ف.ب)

ويضمّ المبنى، في طوابقه الأربعة الأولى، مؤسسات تجارية عدة ونادياً رياضياً ومختبراً، بينما الطوابق السبعة الأخرى سكنية. واستهدف الصاروخ القسم السكني من المبنى، ما أدى إلى انهياره، بينما صمدت الطوابق الأولى. وجاء استهداف المبنيين بعد إنذار إسرائيلي لسكانهما ومحيطهما بالإخلاء، قالت الوكالة الوطنية إنه أسفر عن «حركة نزوح ملحوظة» من منطقة عين الرمانة المتاخمة للشياح، والتي تقطنها غالبية مسيحية. وجاءت الضربات بعد غارات مماثلة استهدفت، صباح الجمعة، ثلاثة أبنية في منطقتي الحدث وحارة حريك، بعد إنذار إسرائيلي.

وأظهر البث المباشر لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، سحب دخان وغبار تتصاعد على أثر الغارات الثلاث على المنطقة. وأفادت الوكالة بأن غارتين شنّهما «الطيران الحربي المُعادي» استهدفتا منطقة الكفاءات في الحدث، مشيرة إلى «تصاعد الدخان بشكل كثيف من محيط الجامعة اللبنانية». وأعلن الجيش الإسرائيلي، في وقت لاحق، أن مقاتلاته الحربية «أتمّت جولة جديدة من الضربات» على ضاحية بيروت الجنوبية.

امرأة وأطفال ينزحون من موقع قريب لمبنى دمرته غارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية (أ.ف.ب)

وجاءت غارات الجمعة، غداة شنّ إسرائيل سلسلة غارات كثيفة استهدفت ضاحية بيروت الجنوبية وجنوب لبنان وشرقه. وشنت إسرائيل ضربات على مناطق عدة في جنوب لبنان، بعد أوامر إخلاء للسكان شملت مبنى في مدينة صور الساحلية، وبلدتين في محيطها. وارتفعت وتيرة الغارات الإسرائيلية على مناطق عدة في لبنان، منذ إنهاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين زيارته إلى بيروت، الأربعاء، في إطار وساطة يتولاها للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل. وللمرة الأولى منذ بدء عملياتها البرية، توغّلت القوات الإسرائيلية إلى داخل بلدة دير ميماس، وفق ما أوردت الوكالة الوطنية، مشيرة إلى أن «طائرة استطلاع معادية» حلقت فوق البلدة، وهي «تطلب من المواطنين عدم الخروج من منازلهم». وأعلن «حزب الله»، الجمعة، استهدافه، مرتين، جنوداً إسرائيليين عند أطراف كفركلا، «بقذائف المدفعية».