الجيش الإسرائيلي يفشل في التوغّل داخل الخيام

غارات عنيفة على بعلبك... واستهداف حارة صيدا للمرة الثانية خلال أسبوع

المبنى الذي استهدفه القصف الإسرائيلي في حارة صيدا جنوب لبنان (أ.ف.ب)
المبنى الذي استهدفه القصف الإسرائيلي في حارة صيدا جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

الجيش الإسرائيلي يفشل في التوغّل داخل الخيام

المبنى الذي استهدفه القصف الإسرائيلي في حارة صيدا جنوب لبنان (أ.ف.ب)
المبنى الذي استهدفه القصف الإسرائيلي في حارة صيدا جنوب لبنان (أ.ف.ب)

فشل الجيش الإسرائيلي في التوغل داخل مدينة الخيام الحدودية اللبنانية، بعد نحو أسبوع من المواجهات العنيفة مع «حزب الله»، وانسحبت القوة الإسرائيلية التي هاجمت الحي الشرقي، مما أتاح بدء عملية إجلاء عائلتين من منزل في وطى الخيام كان استُهدف بغارة منذ أسبوع، في وقت استمر فيه القصف على البقاع، لا سيما بعلبك، والجنوب، فيما ساد الهدوء الحذر الضاحية الجنوبية لبيروت لليوم الثاني على التوالي.

وبعد تراجع الاشتباكات بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله» في الساعات الماضية على جبهة الخيام التي تعدّ «أم المعارك البرية»، أفادت قناة «المنار» التابعة لـ«حزب الله بأن مدينة الخيام «باتت خالية بأكملها من أي جندي إسرائيلي؛ بما في ذلك منطقة الوطى شرق المدينة»، وذلك بعدما كانت القوات الإسرائيلية شنت عشرات الغارات على المنطقة، تركزت عند شمال ما يُعرف بـ«معتقل الخيام» وشرق البلدية، حيث سُجّلت مواجهات عنيفة.

مقتل قياديين في «حزب الله»

هذا في وقت أعلن فيه الجيش الإسرائيلي عن مقتل قياديين اثنين من «حزب الله» في الخيام. وأشار المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي عبر حسابه على منصة «إكس» إلى مقتل فاروق أمين الآسي، قائد «حزب الله» بمنطقة الخيام، ويوسف أحمد نون، وهو قائد سرية في «قوات الرضوان» بمنطقة الخيام.

وقال المتحدث إن «الآسي كان مسؤولاً عن تنفيذ كثير من الهجمات الصاروخية المضادة للدبابات والهجمات الصاروخية، على الجليل والمطلة... ونون هو قائد سرية في (قوات الرضوان) بمنطقة الخيام، وكان مسؤولاً عن هجمات صاروخية ومضادة للدبابات على المجتمعات الإسرائيلية بمنطقة الجليل وجنود القوات الإسرائيلية التي تعمل في المنطقة».

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية بأن عناصر من الصليب الأحمر الدولي والصليب الأحمر اللبناني «بدأوا عملية إنقاذ وإجلاء عائلتين مؤلفتين من زهاء 20 شخصاً، بينهم نساء وأطفال، كان قد استهدف العدو الإسرائيلي المنزل الذي كانوا فيه بغارة في وطى الخيام، منذ نحو الأسبوع، ولم تستطع فرق الإسعاف والإنقاذ الوصول إلى المكان من قبل بسبب الوضع الأمني، وسط مساعٍ كثيرة ومناشدات عدة للمعنيين، والجمعيات الإنسانية الدولية، للتواصل مع العدو من أجل إجلائهم»، وبعد ساعات من عمليات البحث، أشارت المعلومات إلى أن جميع أفراد العائلتين قضوا تحت الأنقاض وعددهم 20 شخصاً.

انتشال ضحايا

وقالت «الوطنية» إن الصليب الأحمر اللبناني نقل الأحد 5 جثث من وطى الخيام، على أن يستكمل مهمته لانتشال الجثامين الباقية يوم الاثنين، و«الشهداء الذين انتُشلوا اليوم في وطى الخيام هم: روان علي المحمد (19 عاماً)، ونادين شادي المحمد (5 أعوام)، وخالد شادي المحمد (سنتان)، والطفل آدم شادي المحمد (6 أشهر)، وديمة وليد الإبراهيم (28 عاماً). ولا يزال هناك 15 شهيداً لبنانياً، وشهيد سوري الجنسية، تحت الأنقاض».

فشل المناورة

ويؤكد النائب السابق لرئيس أركان الجيش اللبناني، العميد المتقاعد الدكتور حسن جوني، «فشل المناورة العسكرية والتوغل في الخيام». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حتى الآن محاولة التوغل فشلت، ولا نعرف ما الخطوة الإسرائيلية التالية، ومن الواضح أن الإسرائيلي لا يريد أن يخوض اشتباكات عنيفة ويتكبّد خسائر كبيرة، لا سيما في ظل الدفاع والمقاومة التي يبديها (حزب الله) لحماية المدينة التي تتمتّع برمزية نضالية وجغرافية».

وتطرق جوني إلى ما نقل عن الجيش الإسرائيلي لناحية قوله إن المرحلة الأولى من العملية البرية في لبنان شارفت على الانتهاء، عادّاً أن «الهدف من ذلك لا يزال غير واضح، وكذلك المراحل التالية التي يشيرون إليها بعدما كانوا يتحدثون عن عملية برية ومناورة ستنتهي خلال أسابيع».

تدمير القرى

من هنا، يلفت جوني إلى أنه يمكن توصيف هذه المرحلة بـ«مرحلة تدمير القرى الأمامية وجعلها مكشوفة، وبالتالي لا نعلم ما إذا كانت ستنتهي بعودة الجيش الإسرائيلي إلى الداخل، علماً بأن قواته كانت تدخل وتخرج من البلدات الجنوبية وهي لم تؤسس للتمركز داخلها».

ويتوقع جوني الإعلان الإسرائيلي بأنهم يحصنون المستوطنات المحاذية للحدود اللبنانية، سائلاً: «هل هذا يعني أن نظرية حماية المستوطنات ستكون بالتحصين وليس بالتوغل؟ المشهد غير واضح، لكن الحديث عن المرحلة الأولى هو إما لإرباك (حزب الله)، وإما لترك الأمور مفتوحة أمام الجيش الإسرائيلي».

ولم يعلن «حزب الله» الأحد عن مواجهات برية مع الجيش الإسرائيلي، بينما قال الجيش الإسرائيلي، على لسان المتحدث باسمه، إن «أفراد (الوحدة13) من الكوماندوز البحري قضوا على عناصر (حزب الله)، ودمروا مجمع قتال تابعاً لـ(حزب الله) في جنوب لبنان». وأضاف: «في إطار العملية البرية المركزة لـ(الفرقة36) وقوات (الوحدة13) من الكوماندوز البحري، داهمت القوات مجمع قتال تابعاً لـ(حزب الله) كان يستخدم للتخطيط وتنفيذ خطط للتوغل إلى أراضي البلاد والعمل ضد قوات جيش الدفاع».

في المقابل، استمر «حزب الله» في إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل، وأعلن في بيانات متفرقة عن استهدافه بصليات صاروخية تجمعات للجيش الإسرائيلي في مستعمرات المطلة وزرعيت وشوميرا وإيفن مناحم ومتسوفا وبرعام وشلومي وروش هانيكرا وشامير وكتسرين وخلة البردوشة قرب المنارة، إضافة إلى قاعدة «زوفولون» للصناعات العسكرية ‏شمال مدينة حيفا، وتجمع في موقع «البغدادي»، وآخر في مستعمرة «نطوفا نيمرا»، كما استهدف بصاروخ موجّه دبابة «ميركافا» عند بوابة المطلة، ما «أدى إلى احتراقها ومقتل وجرح طاقمها»، وفق بيان له.

ونعت «سرايا القدس» (الجناح العسكري لـ«حركة الجهاد الإسلامي»)، الأحد، في بيان لها، 3 من مقاتليها قالت إنهم «استشهدوا أثناء مشاركتهم في التصدي للعدوان على لبنان».

بعلبك: غارات بعد إنذارات

وتعرضت بعلبك لسلسلة من الغارات العنيفة بعد ظهر الأحد، عقب ساعات من إصدار الجيش الإسرائيلي إنذاراً لإخلائها. وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن الطيران استهدف مبنى في بلدة دورس، بالقرب من المبنى القديم للبلدية، وأحد المباني في محلة الكيال عند أطراف مدينة بعلبك، فيما دمّرت غارة ثالثة مقهى ومطعماً على بعد عشرات الأمتار من «مستشفى بعلبك الحكومي»، واستهدفت رابعة حياً داخل مدينة بعلبك.

جانب من الدمار الذي خلفه القصف الإسرائيلي على شرق مدينة بعلبك (أ.ف.ب)

وطمأن مدير «مستشفى بعلبك الحكومي»، الدكتور عباس شكر، بأن المستشفى لا يزال في أتم الجاهزية.

وقال في تصريح له من أمام المستشفى بعد دقائق قليلة من الغارة الإسرائيلية التي وقعت على مقربة منه: «أطمئن أهلنا في بعلبك الهرمل بأن الأضرار التي أصابت المستشفى بسيطة، وخلال 24 ساعة سيُستبدل الزجاج الذي تحطم، ولا يوجد أي إعاقة لعملنا»، مؤكداً: «لا نزال على أتم الجاهزية».

وكان الجيش الإسرائيلي قد أصدر صباحاً تعليمات إخلاء جديدة لسكان محافظة بعلبك اللبنانية، محذراً بضربها لوجود مصالح تابعة لـ«حزب الله» فيها.

وتزامنت أوامر الإخلاء مع تفعيل قيادة الجبهة الداخلية للجيش الإسرائيلي صفارات الإنذار بشكل منتظم على طول الحدود بعد رصد عشرات المقذوفات التي عبرت من لبنان نحو شمال إسرائيل صباح الأحد.

وحذر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عبر حسابه على منصة «إكس» سكان محافظة بعلبك وقرية دورس (جنوبي غرب) من الوجود بالقرب من منشآت تابعة لـ«حزب الله» حيث «سيعمل ضدها جيش الدفاع».

وأرفق منشوراته بخرائط تتضمن مباني وطالب بإخلائها «والابتعاد عنها لمسافة لا تقل عن 500 متر، وذلك خلال الساعات الأربع المقبلة».

وقال الجيش الإسرائيلي، في بيان، إن سلاح الجو اعترض قذائف عدة أُطلقت من لبنان نحو إسرائيل، وإن بعضها سقط في مناطق مفتوحة.

وطال القصف البقاع الغربي، حيث أفادت «الوطنية» باستهداف المنطقة الواقعة بين لبايا والنبي صفا.

فتاة تلتقط صورة للدمار الذي طال بعلبك نتيجة القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

حارة صيدا ومستشفى تبنين

وتواصل القصف الإسرائيلي، الأحد، على عدد من البلدات الجنوبية من دون أن يُصدر الجيش الإسرائيلي أي إنذارات قبل تنفيذ الغارات.

وشنّ غارة على حارة صيدا، بعد أقل من أسبوع على استهدافها بغارة أدت إلى مقتل 5 أشخاص.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن غارة إسرائيلية استهدفت مبنى في تعمير حارة صيدا، حيث شوهدت سحب الدخان تغطي سماء المنطقة، وهرعت فرق الإسعاف إليها، لتعود وتعلن وزارة الصحة عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 9 آخرين بجروح.

كذلك استهدف القصف الإسرائيلي بلدة الغازية؛ حيث أصابت الغارة مبنى سكنياً وأُنقذ طفل من تحت الأنقاض، كما استهدف محيط المستشفى الحكومي في بلدة تبنين التابعة لقضاء بنت جبيل في الجنوب 3 مرات. وأشار رئيس بلدية تبنين، نبيل فواز، في حديث لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إلى احتمال خروج المستشفى عن الخدمة في الساعات المقبلة جراء الأضرار البالغة التي تعرّض لها.

وقتل شخصان في غارة استهدفت منزلاً ببلدة جويا، وشن الطيران الإسرائيلي غارات على أطراف مدينة صور.

رجل يقف على أنقاض أحد المباني في بلدة الغازية جنوب لبنان (أ.ف.ب)

كما أغار الطيران الإسرائيلي على أطراف بلدة برج الشمالي، وقرية البازورية، وعلى حي شارنية في قضاء صور. وأغار كذلك على صديقين ورشكنانيه وضهور البياض وحاريص والمنطقة الواقعة بين قانا والرمادية.

وأفادت «الوطنية» بأن مسيّرة إسرائيلية شنّت بعد الظهر غارة بصاروخ موجه مستهدفة سيارة بالقرب من حاجز الجيش اللبناني ببلدة ياحون في قضاء بنت جبيل، وأشارت في الوقت عينه إلى مقتل شخصين في غارة استهدفت بلدة جبال البطم.


مقالات ذات صلة

المشرق العربي صورة ملتقطة خلال جولة إعلامية نظمها المكتب الإعلامي لجماعة «حزب الله» في 5 نوفمبر 2024 تظهر سيارة متضررة وسط أنقاض مبنى مدمر في موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت الأسبوع الماضي حي الجاموس في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

غارات إسرائيلية تستهدف مناطق في جنوب لبنان وشرقه

أغار الطيران الحربي الإسرائيلي، ظهر وعصر الثلاثاء، على عدد من المناطق في جنوب لبنان وعلى بلدة حوش الرافقة في البقاع شرق لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي قافلة لـ«الصليب الأحمر» و«اليونيفيل» في أثناء توجهها إلى وطى الخيام (متداول)

انتشال جثامين 12 مدنياً قتلوا قبل أسبوع في بلدة الخيام اللبنانية

انتشل مسعفون ينتمون لـ«الصليب الأحمر الدولي» و«اللبناني»، بمؤازرة قوات «اليونيفيل»، جثث اللبنانيين العالقة تحت ركام مبنى في منطقة وطى الخيام.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جندي إسرائيلي يشير إلى منزل تعرض لأضرار نتيجة صواريخ «حزب الله» في المطلة (أ.ف.ب)

إشارات إسرائيلية متضاربة حول تقليص العملية العسكرية البرية في جنوب لبنان

ترسل إسرائيل إشارات متناقضة حول العمليات العسكرية في جنوب لبنان؛ إذ تتحدث وسائل إعلام إسرائيلية عن تقليص العمليات في الأسبوعين الأخيرين وسحب فرقتين من أصل أربع.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي مواطن يصوّر بيته في أحد المباني الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

عائدون إلى الضاحية: ملجأنا الشاطئ ونفضل الموت في بيوتنا

بعد شهر على إقامة عائلة حمود في منزل مستأجر بجبل لبنان، قررت العودة إلى الضاحية التي يسودها الهدوء الحذر في الأيام الأخيرة، بعدما كانت قد تعرضت للقصف قبل أيام.

كارولين عاكوم (بيروت)

لبنانيون يعودون إلى الضاحية... مع حقائب موضبة للرحيل السريع

مواطن يصوّر بيته في أحد المباني الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
مواطن يصوّر بيته في أحد المباني الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
TT

لبنانيون يعودون إلى الضاحية... مع حقائب موضبة للرحيل السريع

مواطن يصوّر بيته في أحد المباني الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)
مواطن يصوّر بيته في أحد المباني الذي تعرض للقصف في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

تعيش ن. حمود وعائلتها على وقع الإنذارات التي تطلقها إسرائيل إلى سكان الضاحية الجنوبية لبيروت، بعدما قرّرت العودة إلى منزلها في منطقة الغبيري التي تتعرض للقصف الإسرائيلي بين الحين والآخر، «نفضّل أن نموت في بيتنا ولا نتعرض للذل خارجه».

بهذه الكلمات تعبّر الفتاة العشرينية عن وضعها ووضع عائلاتها التي باتت حياتها وحياة من قرّر العودة إلى الضاحية رغم الخطر، مبرمجة على وقع حساب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي الذي اعتاد أن ينذر الضاحية عبر منصة «إكس»، ويحدد الأبنية المستهدفة قبل قصفها بوقت قصير، مؤكدة أن هناك الكثير من العائلات التي أجبرتها الظروف على اتخاذ هذا القرار بحيث تهرب بعد الإنذارات ومن ثم تعود إلى منازلها.

وإذا كان البعض عاد إلى الضاحية لأسباب مرتبطة بالأوضاع المادية، وعدم القدرة على دفع بدل الإيجار المرتفع أو توفر مكان آمن له، فإن عائلة حمود عادت «لأسباب مرتبطة بالتضييق علينا ولا سيما على إخوتي الشباب، في المنطقة التي لجأنا إليها، في جبل لبنان حيث باتوا يدققون في هوية الأشخاص الذين يأتون إلينا، كما عند خروج إخوتي ودخولهم».

وأتى هذا التضييق بعد التفجيرات التي استهدفت أشخاصاً محسوبين على «حزب الله» في مناطق خارج الضاحية والجنوب والبقاع، والتي تعدّ في معظمها مناطق آمنة، وهو ما أدى إلى حالة من القلق والخوف في أوساط المجتمعات المضيفة انعكست سلباً على وجود النازحين.

وفي ظل هذا الواقع، وبعد شهر على إقامة عائلة حمود في منزل مستأجر في جبل لبنان، قررت العودة إلى الضاحية التي يسود فيها الهدوء الحذر في الأيام الأخيرة، بعدما كانت قد تعرضت للقصف قبل خمسة أيام.

تتحدث نور عبر الهاتف وصوت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية لا يغادر أجواء الضاحية، وتقول: «عدنا قبل عشرة أيام. نظفنا منزلنا بعدما أحضرنا ما تيسّر من السوق؛ كي لا نضطر للدخول والخروج كثيراً، وجهّزنا حقائب صغيرة تحتوي على بعض الأغراض الأساسية، وننتظر الإنذارات الإسرائيلية كي نخرج من الضاحية». المكان الآمن بالنسبة إلى نور وعائلتها اليوم بات شاطئ البحر، «بعد الإنذارات الإسرائيلية نذهب إلى الشاطئ، ننتظر انتهاء القصف، ومن ثم نعود إلى بيتنا على أمل أن يبقى صامداً ليبقى ملجأنا».

وعند سؤال نور عن الشعور بالخوف الذي يعيشونه اليوم في منطقة باتت شبه مدمرة وهدفاً دائماً للقصف الإسرائيلي، تقول: «نحن شعب لا نخاف، نؤمن أنه من الأفضل أن نموت في بيوتنا ولا نتعرض للذل... وما كتب لنا سيحصل... إما أن ننتصر ونحن على يقين بذلك، وإما أن تنتهي الحرب ونكون من الشهداء».

وبانتظار توقف آلة الحرب وانكشاف الصورة الحقيقية للحرب المدمرة، تشير التقديرات وفق الباحث في «الدولية للمعلومات»، محمد شمس الدين، إلى أن هناك 240 مبنى مدمراً في الضاحية الجنوبية لبيروت، و360 مبنى تعرضت لدمار جزئي أي نحو 12 ألف وحدة سكنية، كعدد إجمالي، وهي تتوزع بشكل أساسي بين حارة حريك والليلكي والجاموس والغبيري.

وإذا كانت عائلة حمود قادرة على دفع إيجار منزل، فإن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تحول دون قدرة الكثير من العائلات على إيجاد أماكن آمنة للجوء إليها، أدت أيضاً إلى عودة بعض العائلات، فيما تفكّر عائلات أخرى بالعودة كذلك إذا لم تجد مأوى.

وهذا ما تعبّر عنه، أم محمد، التي طلب منها وعدد من العائلات الخروج من مدرسة في بيروت كانت قد لجأت إليها مع عائلتها، بعدما اتُّخذ قرار بإعادة فتح المدارس للتعليم، وطلب منهم المغادرة يوم الخميس كحد أقصى. وفي حين تؤكد أن مدير المدرسة الخاصة الذي استقبلهم في منطقة عين الرمانة، منذ بدء الحرب قام بكل ما يلزم لمساعدتهم وقدم لهم كل التسهيلات اللازمة، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «لكن اليوم اتخذ القرار وفرضت علينا المغادرة، والمشكلة أننا لا نجد مكاناً نذهب إليه، وإذا بقي الوضع كذلك، فسنعود أنا وولدي وزوجي المريض إلى الشياح، في ضاحية بيروت الجنوبية، كما فعل الكثير من العائلات».

مواطن وعائلته على متن «توك توك» في ضاحية بيروت الجنوبية بعد وقت قصير من تعرضها لقصف إسرائيلي في بداية شهر نوفمبر (أ.ب)

والأسباب نفسها، جعلت من فاطمة تتخذ قرار العودة أيضاً إلى الضاحية الجنوبية، مع أطفالها الثلاثة، رغم خطر القصف الدائم، وذلك بعدما ضاق البيت الذي كانت تسكن فيه مع أقارب لها بسكانه، ونشأت الخلافات فيما بينهم، فما كان لها إلا حمل أغراضها والعودة إلى منزلها وما تبقى من المنطقة التي نشأ أولادها فيها، «على أمل أن ينتهي هذا الكابوس قريباً».

أما من لا يزال صامداً في أماكن النزوح التي لجأ إليها، وبقيت جدران منزله في الضاحية بعيدة عن القصف، فهو يزورها بين اليوم والآخر في فترة الهدوء، ليطمئن عليه ويحمل ما تيسّر له من الأغراض له ولعائلته، لا سيما مع اقتراب فصل الشتاء والمؤشرات التي تجعل الجميع شبه مقتنع أن أيام الحرب ستكون طويلة.

مع العلم أن معظم سكان الضاحية الجنوبية لبيروت، يتحدرون من منطقتي الجنوب والبقاع، اللتين تتعرضان بدورهما إلى قصف إسرائيلي متواصل وتدمير ممنهج، ما يمنع العودة إليهما أيضاً، وهو ما عاد وحذّر منه أدرعي، الثلاثاء، متوجهاً إلى أهالي الجنوب مذكراً إياهم بأن الحرب لا تزال مستمرة: «نناشدكم بالامتناع عن السفر جنوباً والعودة إلى منازلكم أو إلى حقول الزيتون الخاصة بكم».

مناصر لـ«حزب الله» يجول بين ركام ناتج من الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية (أ.ب)