ما أهداف إسرائيل من استهداف المدن اللبنانية ذات الثقل الشيعي؟

أهالي مدينة بعلبك يغادرونها بعد إنذار إسرائيلي

سكان مدينة بعلبك يغادرونها بعد الإنذار الإسرائيلي بإخلائها تمهيداً لقصفها (أ.ف.ب)
سكان مدينة بعلبك يغادرونها بعد الإنذار الإسرائيلي بإخلائها تمهيداً لقصفها (أ.ف.ب)
TT

ما أهداف إسرائيل من استهداف المدن اللبنانية ذات الثقل الشيعي؟

سكان مدينة بعلبك يغادرونها بعد الإنذار الإسرائيلي بإخلائها تمهيداً لقصفها (أ.ف.ب)
سكان مدينة بعلبك يغادرونها بعد الإنذار الإسرائيلي بإخلائها تمهيداً لقصفها (أ.ف.ب)

بدا واضحاً أن إسرائيل انتقلت في الأسابيع القليلة الماضية من تركيز عملياتها على القرى الحدودية جنوب لبنان، كما على الضاحية الجنوبية لبيروت، لتركز على استهداف المدن، حيث الثقل الاجتماعي والاقتصادي الشيعي، وبالتحديد في مدن النبطية، وبنت جبيل، وصور، ومؤخراً بعلبك.

وبينما تردّ تل أبيب استهدافاتها هذه لوجود مصالح ونشاط لـ«حزب الله» فيها، يَعدّ كثيرون أن ما تهدف إليه هو زيادة الشرخ بين الحزب والبيئة الشيعية، من خلال مزيد من عمليات التدمير والتهجير الممنهجة.

قصف بعلبك بعد دعوة سكانها للإخلاء

ويوم الخميس، كثّف الجيش الإسرائيلي قصفه لمدينة بعلبك التي تُعدّ من كبرى مدن البقاع، وبعدما بقيت طوال نحو عام بمنأى عن التصعيد بين «حزب الله» وإسرائيل، استهدفتها ومحيطها غارات خلال الأسابيع القليلة الماضية، وغادر المدينة أكثر من نصف سكانها البالغ عددهم 250 ألفاً، ويوم الثلاثاء وبعد إصدار إسرائيل إنذاراً بالإخلاء لسكان مدينة بعلبك وقريتين تابعتين للمحافظة الواقعة في شرق لبنان، محذّرةً من ضرب أهداف تابعة لـ«حزب الله» في المنطقة، سُجّلت حركة نزوح هائلة.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن مدينة بعلبك وبلدتَي دورس وعين بورضاي المجاورتَين تشهد حركة نزوح كثيفة باتجاه طريقَي «بعلبك - زحلة»، و«بعلبك - دير الأحمر - عيناتا - الأرز» باتجاه الشمال، وحسب الوكالة، فإن «هناك أيضاً مَن قرّر الصمود في بيته، غير آبِه بالإنذار، ومتشبّثاً بأرضه، وهناك أيضاً من لا قدرة له على المغادرة؛ لأنه لا يمتلك الوسيلة ولا القدرة المادية».

الدخان يتصاعد من بلدة دورس في البقاع إثر القصف الإسرائيلي الذي استهدفها الأربعاء (أ.ف.ب)

استعجال التدمير قبل التسوية

وتستبعد الناشطة السياسية والدكتورة في علم النفس بالجامعة اللبنانية في بيروت، منى فياض، أن يكون هناك وجود فعلي لمستودعات سلاح أو بنى تحتية في مدن، كصور وسوق النبطية، مشيرةً إلى أن «إسرائيل ترى أمامها فرصة للهدم وتحقيق الدمار الكبير، خصوصاً إذا كان في الأفق نوع من تسوية، فهي تستعجل بذلك وتُصعِّد العمل عليه»، وترجّح فياض، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن يكون ما يحصل يندرج في إطار «التهديد والضغط على المجتمع اللبناني ككل، وليس حصراً على المجتمع الشيعي وبيئة (حزب الله)»، لافتةً إلى أن الهدف من ذلك «زيادة الفُرقة والانقسام بين اللبنانيين». وتضيف: «يبدو واضحاً أن إسرائيل تلجأ لهذا التصعيد بشكل تدريجي».

بنك الأهداف نضب

من جهته، يرى العميد المتقاعد محمد رمال أنه «لم يبقَ لإسرائيل أهداف عسكرية في الداخل، وهي تعرف أن بنك الأهداف قد نضب، لذلك هي أمام أمرَين؛ إما التركيز على الجبهة الجنوبية فقط، وهذا ليس في صالحها بسبب الخسائر التي يُمنَى بها جيشها، وبسبب عدم تحقيق إنجازات ميدانية تتناسب مع حجم القوى التي حشدتها للدخول البرّي، وبالتالي سيكون المجتمع الإسرائيلي والدولي أمام تطورات ليست دائماً لصالح إسرائيل، أما الخيار الثاني فهو إيهام الرأي العام الإسرائيلي أنه ما زال بحوزة الجيش أهداف عسكرية لـ(حزب الله) في الداخل اللبناني، ويتم التعامل معها، مما يرفع من معنويات الشعب والجيش معاً، ويؤدي إلى صرف الأنظار عما يحصل على الجبهة الجنوبية».

ويَعدّ رمال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «إسرائيل تُراهن على ردّات فعل، سواءً ضمن البيئة الواحدة التي ينتمي إليها النازحون، أم ضمن المناطق التي نزحوا إليها، بهدف زعزعة الاستقرار الداخلي التي تعمل عليها منذ فترة، وآخرها ما تم تناقله من دعوات لبعض الأفرقاء الداخليين لتحضير الأجواء للضغط على (حزب الله)، مما قد يؤثر سلباً على احتواء أزمة النزوح».

ويستبعد رمال أن يكون هناك «توجّه دولي لزعزعة الاستقرار الداخلي؛ لأن ذلك لو حصل يتعارض مع الجهود الدولية الهادفة إلى تعزيز دور الجيش جنوباً، فعدم الاستقرار سوف يُحوّل جهد الجيش إلى الداخل، خصوصاً مع وجود أكثر من مليون نازح لبناني، ومليونَي نازح سوري».

ومنتصف الشهر الحالي استهدفت إسرائيل سوق مدينة النبطية، ومبنى البلدية، وأحدثت دماراً هائلاً فيها، كما كثّفت مؤخراً قصف مدينة بعلبك، واقتربت من قلعتها التاريخية.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تقصف الضاحية الجنوبية لبيروت

المشرق العربي دخان يتصاعد نتيجة غارات جوية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

إسرائيل تقصف الضاحية الجنوبية لبيروت

نفذت إسرائيل، في ساعة مبكرة من صباح اليوم (الجمعة)، ضربات جوية على الضاحية الجنوبية لبيروت، وذلك في أول قصف تشنه على المنطقة منذ ما يقرب من أسبوع.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (يسار) ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت (وزارة الدفاع الأميركية)

أوستن يبحث خفض «التصعيد الإقليمي» مع نظيره الإسرائيلي

قالت وزارة الدفاع الأميركية، اليوم، إن وزير الدفاع لويد أوستن، ناقش «فرص خفض التصعيد الإقليمي» مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، خلال اتصال هاتفي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي نتنياهو يحبط آمال وقف النار في لبنان وغزة

نتنياهو يحبط آمال وقف النار في لبنان وغزة

أحبط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الآمال بالتوصل إلى اتفاقين لوقف إطلاق النار في لبنان وقطاع غزة، إذ قال إن «هناك حاجة لمزيد من القتال حتى تستطيع

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي لمياء فرحات إلى جانب خيمتها في منطقة الرملة البيضاء في بيروت (الشرق الأوسط)

لمياء فرحات... تكنس كورنيش بيروت الذي بات منزلها

تعلق اللبنانية لمياء فرحات، النازحة من الضاحية الجنوبية إلى الكورنيش البحري في بيروت، خيمتها التي صنعتها من شراشف هشة ببضعة حبال رفيعة، وتثبت مقعدين خشبيين مع

حنان حمدان (بيروت)
المشرق العربي سحابة من الدخان الكثيف ناتجة عن الغارات الإسرائيلية تعلو قلعة بعلبك الأثرية في شرق لبنان (الشرق الأوسط)

الإنذارات والغارات الإسرائيلية تحوّل بعلبك إلى مدينة أشباح

أكد رئيس بلدية بعلبك أن المدينة «تتعرض لتهجير منظّم»، معلناً أن «نسبة النزوح تخطّت 80 في المائة».

حسين درويش (شرق لبنان)

«توافق نادر» بين المالكي والحلبوسي يسهّل انتخاب رئيس البرلمان العراقي

نواب عراقيون يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس البرلمان يوم 31 أكتوبر 2024 (إعلام المجلس)
نواب عراقيون يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس البرلمان يوم 31 أكتوبر 2024 (إعلام المجلس)
TT

«توافق نادر» بين المالكي والحلبوسي يسهّل انتخاب رئيس البرلمان العراقي

نواب عراقيون يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس البرلمان يوم 31 أكتوبر 2024 (إعلام المجلس)
نواب عراقيون يدلون بأصواتهم لاختيار رئيس البرلمان يوم 31 أكتوبر 2024 (إعلام المجلس)

بعد جولتي اقتراع امتدتا لساعات، انتخب أعضاء البرلمان العراقي السياسي المخضرم محمود المشهداني، رئيساً جديداً للمجلس، بعد عامين من شغور المنصب.

وعقد البرلمان جلسة الانتخاب، الخميس، وكان قد عرض قائمة مرشحين لمنصب الرئيس، وهم محمود المشهداني، وسالم العيساوي، وطلال الزوبعي، وعامر عبد الجبار.

وقال البرلمان في بيان صحافي، إن «عدد المصوتين لانتخاب رئيس البرلمان في الجولة الأولى بلغ 271 نائباً». وحصل فيها المشهداني على 153 صوتاً، والعيساوي على 95 صوتاً.

وبحسب الدستور العراقي، فإن الفوز بمنصب رئيس البرلمان يحتاج إلى تصويت الأغلبية المطلقة (النصف زائد واحداً) من أعضاء البرلمان العراقي البالغ عددهم 329 نائباً.

وفرضت النتيجة الأولى على البرلمان الذهاب إلى جولة ثانية، صوّت فيها 269 نائباً، وانتهت بفوز المشهداني بـ182 صوتاً، وبمنصب رئيس البرلمان.

رئيس البرلمان بالوكالة يدلي بصوته في جلسة 31 أكتوبر 2024 (إعلام المجلس)

وقالت مصادر سياسية، لـ«الشرق الأوسط»، إن نواب ائتلاف «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، صوتوا لصالح المشهداني، في توافق نادر مع رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي.

وكان الحلبوسي، رئيس حزب «تقدم» الذي يصنف نفسه ممثلاً للأغلبية السنية، عقد ليلة الأربعاء - الخميس مشاورات مطولة مع قادة أحزاب سنية، قالت مصادر مطلعة إنها انتهت على توافق بشأن ترشيح المشهداني.

وأفادت مصادر، بأن الاتحاد الوطني الكردستاني عارض في البداية انتخاب المشهداني، إلا أن الأخير أجرى مشاورات مع نواب الحزب في البرلمان قبل ساعات من انعقاد جلسة انتخابه.

موظفان في البرلمان خلال عملية احتساب أصوات انتخاب رئيس المجلس (إكس)

وقبل الجلسة بساعات، دعا المشهداني «الكتل السياسية إلى دعم ترشيحه لإنهاء أزمة استغرقت وقتاً طويلاً»، في حين دعا منافسه سالم العيساوي النواب إلى «المحافظة على العملية الديمقراطية من خلال رفض فرض الإرادات على مواقفهم السياسية».

وقالت مصادر برلمانية، لـ«الشرق الأوسط»، إن المالكي والحلبوسي وصلا إلى مقر البرلمان قبل بدء الجولة الثانية، لإقناع النواب بدعم ترشيح المشهداني، وكان من بينهم نواب من المكون السني الذين كانوا يرغبون بترشيح العيساوي للمنصب.

وفشل النواب مراراً في انتخاب رئيس للبرلمان، في ظل انقسام سياسي حاد بين القوى السنية، ومحاولات القوى الشيعية فرض مرشح سني دون غيره.

ويسيطر تحالف «الإطار التنسيقي» الشيعي على البرلمان الذي يضم 329 نائباً، رغم وجود تباينات سياسية بين أقطاب هذا التحالف.

محمود المشهداني (أرشيفية - البرلمان العراقي)

مَن المشهداني؟

وعاد محمود المشهداني، الطبيب ذو الخلفية الإسلامية، إلى الواجهة بعد مرور نحو 16 عاماً على إقالته من منصب رئيس البرلمان العراقي. وُلد الرجل ببغداد عام 1948، وأكمل دراسته الابتدائية والثانوية فيها، ثم التحق بكلية الطب عام 1966 وحصل فيها على شهادة البكالوريوس، ثم تخرج برتبة ملازم أول طبيب عام 1972، ليعمل طبيباً في الجيش العراقي.

والمشهداني الذي انتُخب اليوم (الخميس) رئيساً للبرلمان، أول رئيس تشريعي في العراق بعد عام 2003، كما كان رئيساً للاتحاد البرلماني العربي عام 2008.