«حزب الله» يكثف إطلاق الصواريخ نحو مدن ومستعمرات شمال إسرائيل

تجدد الغارات العنيفة على الضاحية الجنوبية بعد مسيّرة «قيسارية»

عصافير في سماء الضاحية الجنوبية لبيروت إثر استهدافها بالغارات الإسرائيلية (رويترز)
عصافير في سماء الضاحية الجنوبية لبيروت إثر استهدافها بالغارات الإسرائيلية (رويترز)
TT

«حزب الله» يكثف إطلاق الصواريخ نحو مدن ومستعمرات شمال إسرائيل

عصافير في سماء الضاحية الجنوبية لبيروت إثر استهدافها بالغارات الإسرائيلية (رويترز)
عصافير في سماء الضاحية الجنوبية لبيروت إثر استهدافها بالغارات الإسرائيلية (رويترز)

شهدت المواجهات بين «حزب الله» وإسرائيل تصعيداً نوعياً، مع نجاح «حزب الله» في استهداف منزل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في قيسارية، وإطلاق كثيف للصواريخ باتجاه شمال إسرائيل، فيما عاد القصف إلى الضاحية الجنوبية للمرة الأولى بعد أربعة أيام.

وفي حين نقلت «القناة الـ12» الإسرائيلية عن مسؤول في الحكومة الإسرائيلية قوله إن إيران حاولت اغتيال نتنياهو، أعلن مكتب الأخير أن مسيرة أطلقت من لبنان استهدفت مقر إقامة بنيامين نتنياهو في قيسارية، بعدما أفاد الجيش الإسرائيلي بـ«إصابة منشأة» في هذه المدينة الساحلية الواقعة بوسط إسرائيل بنيران مسيرة. وأعلن الجيش الإسرائيلي إطلاق ثلاث مسيرات من لبنان، السبت، مشيراً إلى اعتراض اثنتين منها. ويأتي هذا الاستهداف بعد يومين على إعلان «حزب الله» عن إطلاق مرحلة جديدة من التصعيد في المواجهات مع إسرائيل.

الغارات تعود إلى الضاحية بعد توقفها لأربعة أيام

وعادت الغارات الإسرائيلية لتستهدف ضاحية بيروت الجنوبية بعد أربعة أيام من توقفها. وشنّ الطيران الإسرائيلي سلسلة غارات عنيفة بعد الظهر على الضاحية الجنوبية بعد أقل من ساعة على إصدار الجيش الإسرائيلي إنذاراً جديداً بالإخلاء لسكان مناطق برج البراجنة والشويفات وحارة حريك.

وبعد دقائق قليلة على استهداف الطيران الإسرائيلي بغارةٍ أحدَ المباني في حارة حريك، استهدفت مسيرة المكان نفسه بغارة ثانية، ما أدى إلى تدمير المبنى بشكل كامل وتضرر مبانٍ محيطة به، وشوهدت أعمدة الدخان الأسود تتصاعد من المكان، كما استهدفت غارة أخرى حي الأمراء في منطقة الشويفات، وبعد أقل من ساعة عادت الغارات واستهدفت برج البراجنة ومحيط «سانت تيريز».

وقبيل بدء الغارات، كتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي عبر منصة «إكس»: «إنذار عاجل إلى سكان الضاحية الجنوبية، وتحديداً الموجودين في المباني المحددة في الخريطتيْن، والواقعة في حارة حريك. أنتم موجودون بالقرب من منشآت ومصالح تابعة لـ(حزب الله)، حيث سيعمل ضدها» الجيش قريباً. وأصدر في أعقاب ذلك تحذيرات مماثلة لحيي برج البراجنة والشويفات.

وقال العميد المتقاعد الخبير العسكري حسن جوني، لـ«الشرق الأوسط»، إن عودة الغارات إلى الضاحية قد تكون مرتبطة بالتصعيد العسكري من قبل «حزب الله»، ومحاولة اغتيال نتنياهو، وهذا أمر متوقع، لكنه يؤكد في المقابل أن استهداف الضاحية لم يتوقف بناء على تفاهمات أو وعود، وإنما هو توقف عملاني تفرضه الظروف التي ترتبط باستراتيجية العمليات الإسرائيلية، وبالتالي هذه العودة وردة الفعل متوقعتان».

إسرائيل تعلن اغتيال نائب قائد منطقة في «حزب الله»

وأعلن الجيش الإسرائيلي على لسان المتحدث باسمه أفيخاي أدرعي، عبر حسابه على منصة «إكس»، عن اغتيال ناصر عبد العزيز رشيد، نائب قائد منطقة بنت جبيل في «حزب الله». وقال: «طائرات سلاح الجو قامت بتوجيه من القيادة الشمالية بالقضاء على الإرهابي المدعو ناصر عبد العزيز رشيد، نائب قائد منطقة بنت جبيل في منظمة (حزب الله) الإرهابية، الجمعة. وكان الإرهابي قد روّج وأشرف على تنفيذ عمليات إرهابية من منطقة بنت جبيل ضد مواطني دولة إسرائيل».

ولفت إلى أن القوات الإسرائيلية تواصل عملياتها المحددة في جنوب لبنان، «حيث عثرت الفرقة الـ36 على/ودمرت العديد من الوسائل القتالية، بما في ذلك منصة متعددة القذائف الصاروخية ومنصة إطلاق صواريخ كورنيت كانت جاهزة للإطلاق نحو بلدات الشمال، بالإضافة إلى صواريخ ومعدات قتالية أخرى. كما وجهت قوات اللواء 188 طائرات لمهاجمة منصة إطلاق قذائف استخدمت في وقت سابق لاستهداف القوات»، مشيراً كذلك إلى «تدمير مستودعات أسلحة في أثناء العمليات في جنوب لبنان خلال الساعات الماضية، بما في ذلك أسلحة وصواريخ مضادة للدبابات ومنصات إطلاق صواريخ عديدة تابعة لـ(حزب الله)، والتي كانت موجهة نحو الأراضي الإسرائيلية».

وقال إنه تم تدمير مجمع قتالي «كان يقع في منطقة مدرسة في قلب قرية لبنانية، حيث تمركز (حزب الله) هناك وأقام داخلها بنى تحتية إرهابية في وسط البيئة المدنية».

أكثر من مائة صاروخ على شمال إسرائيل

ومنذ صباح السبت، تم إطلاق مجموعة من الصواريخ على شمال إسرائيل، حيث دوّت صفارات الإنذار في عدة بلدات، وأعلن «حزب الله» عن قصف قاعدة عسكرية قرب حيفا، في عملية قال إنها نفذت تحت شعار «لبيك يا نصر الله»، في إشارة إلى أمينه العام الذي قُتل قبل ثلاثة أسابيع بغارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية. وقال الحزب، في بيان، إنه قصف «السبت (...) قاعدة (ناشر) العسكرية شرق حيفا بصلية صاروخية نوعية كبيرة»، وذلك «رداً على استهداف المدنيين والمجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني».

وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي برصد إطلاق أكثر من مائة صاروخ على الجليل وخليج حيفا، حيث أصيب عدد من المباني، فيما قال الجيش الإسرائيلي إنه تصدى لـ60 صاروخاً أطلقت باتجاه الشمال. وأفاد موقع (والا) الإخباري الإسرائيلي، السبت، بوقوع أضرار بالممتلكات جراء صواريخ أُطلقت من لبنان على حيفا وخليجها بشمال إسرائيل. وذكر الموقع أنه في أعقاب إطلاق الإنذارات في حيفا والكريوت، تم الكشف عن سقوط صاروخ في كريات آتا أدى إلى إلحاق أضرار بالممتلكات ومركبة كانت متوقفة بالقرب من مبنى سكني.

وذكرت «القناة الـ13» الإسرائيلية أن هناك إصابة مباشرة في مبنى في كريات آتا، مما أدى إلى إصابة شخص بجروح. وأعلن «حزب الله» في سلسلة بيانات أن مقاتليه قصفوا الكريوت شمال مدينة حيفا بِصلية صاروخية كبيرة، كما استهدفوا مستعمرة كريات شمونة برشقة صاروخية. كما استهدف «الحزب» ‏دبابة ميركافا في مستعمرة زرعيت بصاروخ موجّه «ما أدى إلى احتراقها». واستهدف أيضاً تجمعاً لجنود الجيش الإسرائيلي في موقع المالكية بِصلية صاروخية، وقصف مدينة صفد ومستعمرة روش بينا جنوب شرقي صفد بِصلية صاروخية. واستهدف «الحزب» كذلك تجمعاً لجنود الجيش الإسرائيلي في مستعمرة أفيفيم بِصلية صاروخية.

وفي سياق العملية البرية ومحاولة الجيش الإسرائيلي التوغل باتجاه لبنان، أعلن استهدافه بعد، ظهر السبت، تجمعاً لجنود العدو الإسرائيلي في محيط بلدة عيتا الشعب بِصلية صاروخية.

قصف متواصل على الجنوب والبقاع

وتعرض الجنوب والبقاع لقصف متواصل، حيث سقط عدد من القتلى والجرحى. وأغار الطيران الإسرائيلي على محيط مبنى منظمة ماغ لنزع الألغام سابقاً في كفرجوز - النبطية وشقيف والخيام وكفركلا وصريفا، فيما تعرضت كفرشوبا والخيام وسهل مرجعيون لقصف مدفعي إسرائيلي.

كما استهدفت الغارات بلدات النبطية الفوقا، وكفررمان، والمنصوري في قضاء صور، والطيري وصفد البطيخ وبرعشيت في قضاء بنت جبيل، وأطراف بلدة أنصار، بالإضافة إلى قانا وكفرا ورشكنانية، وعلى معروب ووادي السلوقي، والمنطقة الواقعة بين صديقين وكفرا ورشكنانيه شرق مدينة صور، والمنطقة الواقعة بين بلدتي الزرارية وعبا لجهة قلعة ميس، والمنطقة بين بلدتي أنصار وبريقع، وكذلك استهدفت الغارات قانا، ودير قانون - رأس العين، والطيري والجميجمة.

وأغار الطيران الحربي الإسرائيلي على بلدة مجدل سلم، ما أدى إلى تدمير مسجد البلدة. وشن سلسلة غارات جوية استهدف خلالها بلدة ياطر بغارة جوية، كما استهدف أطراف بلدة الجميجمة في قضاء بنت جبيل بغارة جوية، وتعرضت بلدة بيت ليف لغارة جوية.

وتعرضت محلة الأحمدية - برغز في منطقة حاصبيا لغارة جوية. وشن الطيران الحربي غارات على وادي الحجير، وأطراف بلدتي القصير والقنطرة.

وأصدرت وزارة الصحة بياناً أشارت فيه إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة شخص في غارة استهدفت بلدة زفتا في الجنوب.

وبعد الظهر شن الطيران غارتين على بنت جبيل وعيتا الشعب، واستهدف القصف الفوسفوري أطراف كفرشوبا، ما تسبب باشتعال الحرائق في الأحراج.

وفي البقاع، استهدفت غارة إسرائيلية بلدة زلايا في البقاع الغربي. كما أغار الطيران الحربي على محيط بلدة بعلول في البقاع الغربي، مستهدفاً شقة سكنية، ما أدى إلى سقوط أربعة قتلى، بينهم رئيس بلدية سحمر حيدر شهلا، وعدد من الجرحى، فيما لا يزال البحث جارياً عن مفقودين.

وصباحاً كانت قد استهدفت مسيرةٌ بصاروخٍ شقةً سكنية في مبنى في شتورا، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة اثنين.

كما أغار الطيران الإسرائيلي على بلدة الأنصار في قضاء بعلبك، وعلى بلدة الخضر شرقي بعلبك وبلدة المشرفة عند الحدود الشمالية الشرقية لمدينة الهرمل. وصدر عن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة بيان أعلن «أن غارة العدو الإسرائيلي على بعلول في البقاع الغربي أدت إلى استشهاد أربعة أشخاص وإصابة ثلاثة عشر شخصاً بجروح، فيما يتم العمل على تحديد هويات أشلاء تم رفعها من مكان الغارة».

مواطنون يتجمعون في الموقع الذي استهدفه القصف الإسرائيلي في بلدة بعلول في البقاع الغربي (رويترز)


مقالات ذات صلة

«حزب الله» يوسع رقعة استهدافات صواريخه إلى تل أبيب

المشرق العربي أبنية مدمرة في منطقة الرويس في ضاحية بيروت الجنوبية نتيجة القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب) play-circle 00:42

«حزب الله» يوسع رقعة استهدافات صواريخه إلى تل أبيب

أعاد «حزب الله» تفعيل معادلة «بيروت مقابل تل أبيب» التي كثيراً ما رفعها، عبر استهداف قلب إسرائيل.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)

​تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت

تجددت الغارة الإسرائيلية (الأحد) على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات وجهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء موقعين

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي طفل يراقب ماذا يحصل حوله بينما تحاول عناصر أمنية طرد النازحين من فندق قديم بمنطقة الحمرا في بيروت (رويترز)

أطفال لبنان عرضة للقتل والصدمات النفسية

أصبح خبر مقتل أطفال في لبنان بشكل يومي، بغارات تنفذها إسرائيل بحجة أنها تستهدف عناصر ومقرات وأماكن وجود «حزب الله»، خبراً عادياً يمر مرور الكرام.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي جانب من الأضرار التي أصابت مركز الجيش اللبناني في منطقة العامرية في قضاء صور إثر استهدافه بقصف إسرائيلي مباشر (أ.ف.ب) play-circle 00:37

ميقاتي: استهداف إسرائيل الجيش اللبناني رسالة دموية

رأى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن استهداف إسرائيل مركزاً للجيش اللبناني بالجنوب يمثل رسالة دموية مباشرة برفض مساعي التوصل إلى وقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر من الدفاع المدني يعملون على رفع الأنقاض والبحث عن الضحايا إثر القصف الذي استهدفت مبنى بمنطقة البسطة في بيروت (رويترز)

هكذا بدّلت سطوة «حزب الله» هويّة البسطة تراثياً وثقافياً وديموغرافياً

لم تكن الغارة الإسرائيلية الثالثة التي استهدفت منطقة البسطة وسط بيروت ذات طابع عسكري فقط؛ بل كان لها بُعدٌ رمزي يتمثل في ضرب منطقة أضحت بيئة مؤيدة لـ«حزب الله».

يوسف دياب (بيروت)

أطفال لبنان عرضة للقتل والصدمات النفسية

طفل يراقب ماذا يحصل حوله بينما تحاول عناصر أمنية طرد النازحين من فندق قديم بمنطقة الحمرا في بيروت (رويترز)
طفل يراقب ماذا يحصل حوله بينما تحاول عناصر أمنية طرد النازحين من فندق قديم بمنطقة الحمرا في بيروت (رويترز)
TT

أطفال لبنان عرضة للقتل والصدمات النفسية

طفل يراقب ماذا يحصل حوله بينما تحاول عناصر أمنية طرد النازحين من فندق قديم بمنطقة الحمرا في بيروت (رويترز)
طفل يراقب ماذا يحصل حوله بينما تحاول عناصر أمنية طرد النازحين من فندق قديم بمنطقة الحمرا في بيروت (رويترز)

أصبح خبر مقتل أطفال في لبنان بشكل يومي في غارات تنفذها إسرائيل بحجة أنها تستهدف عناصر ومقرات وأماكن وجود «حزب الله»، خبراً عادياً يمر مرور الكرام، حتى بعد تحذير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) من أن أكثر من ثلاثة أطفال يقتلون يومياً، ومن أن أكثر من 200 طفل قُتلوا في لبنان، في غضون شهرين نتيجة الحرب المستمرة منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.

وتتعاطى إسرائيل مع مقتل الأطفال والمدنيين على أنه «خسائر جانبية»، فتراها في حال حصلت على معلومات عن وجود شخصية معينة من «حزب الله»، في مبنى معين، تُقدم على نسف المبنى كله، غير آبهة بالمدنيين والأطفال الموجودين فيه.

اضطرابات نفسية

وفي مواقف أدلى بها مؤخراً، استهجن المتحدث باسم «اليونيسف»، جيمس إلدر، من أنه «رغم مقتل أكثر من 200 طفل في لبنان في أقل من شهرين، فإن اتجاهاً مقلقاً يبرز ويظهر أنه يجري التعامل دون مبالاة مع هذه الوفيات من جانب هؤلاء القادرين على وقف هذا العنف».

وبحسب المنظمة الدولية فإن «مئات الآلاف من الأطفال أصبحوا بلا مأوى في لبنان، كما أن علامات الاضطراب النفسي أصبحت مقلقة وواضحة بشكل متزايد».

وتشير الدكتورة باسكال مراد، اختصاصية علم النفس والاجتماع، إلى أن «مغادرة مئات الآلاف من الأطفال منازلهم، وتهجير وتشريد قسم كبير منهم؛ يجعلهم يفتقدون للأمان. كما أن فقدانهم أفراداً من عائلاتهم أمام أعينهم، ومعايشتهم الخطر والدمار والقتل اليومي؛ يترك لا شك تداعيات نفسية كبيرة عليهم يفترض الالتفات لمعالجتها بأقرب وقت».

رجل يخلي طفله من مكان قريب من موقع استهداف إسرائيلي لمنطقة رأس النبع في بيروت (رويترز)

وتشدد باسكال مراد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «من أبرز التحديات عند الأطفال راهناً هي تعليمهم كيفية إدارة انفعالاتهم الصعبة، مثل الخوف والقلق والغضب. فهذه الإدارة إذا لم تتحقق، فسيعاني الأطفال في المستقبل من مشاكل نفسية إذا لم تعالج الصدمات التي يعايشونها»، لافتة إلى أنه «لا يجب أن ننسى أيضاً الآثار الصحية للحرب على الأطفال، خصوصاً التلوث الناتج عن التفجيرات والأسلحة المستعملة، إضافة إلى أنهم سيكونون أكثر عرضة للأمراض والفيروسات في مراكز الإيواء».

ويعاني آلاف النازحين الموجودون في مراكز الإيواء، والعدد الأكبر منهم من الأطفال، من البرد وغياب مستلزمات التدفئة مع حلول فصل الشتاء، كما يفتقرون للملابس الملائمة بعد هربهم من منازلهم من دون التمكن من جمع أغراضهم.

التعليم بطعم الحرب

كما أنه رغم الخطة التي وضعتها وزارة التربية بدعم من «اليونيسف» لإعادة نحو 387 ألف طفل في لبنان تدريجياً إلى 326 مدرسة رسمية، لم يتم استخدامها لإيواء النازحين ابتداء من مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فإن العام الدراسي لا يسير بشكل طبيعي عند كل طلاب لبنان، بحيث يدرس قسم كبير منهم على وقع الغارات وخرق الطيران الإسرائيلي لجدار الصوت في كل المحافظات كما يجري التدريس على وقع هدير الطائرات المسيرة التي تملأ الأجواء اللبنانية.

وتقول إحدى معلمات صفوف الروضة في مدرسة تقع بمنطقة الحازمية المتاخمة للضاحية الجنوبية لبيروت، التي تتعرض لقصف دائم: «نقول للأطفال إن دوي الانفجارات هو صوت رعد نتيجة حلول فصل الشتاء، ونعمد لوضع أغانٍ تهدئ من روعهم. القسم الأكبر منهم اعتاد الوضع، في حين بعضهم الآخر يجهش بالبكاء كل مرة».

وتشير المعلمة الأربعينية في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «المشكلة الأكبر نواجهها مع الأهالي الذين يتهافتون عند كل غارة لسحب أبنائهم من الصفوف، ما يجعل الوضع التعليمي غير طبيعي على الإطلاق».

وتشدد الناشطة السياسية والدكتورة في علم النفس بالجامعة اللبنانية في بيروت، منى فياض، على أنه «أياً كانت الظروف، لا يمكن وقف التعليم ويفترض على وزارة التربية أن تؤمن التعليم للجميع حتى ولو في خيم».

وعدّت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض التلاميذ الذين لا يستطيعون التوجه إلى المدرسة نتيجة الحرب لا شك سيتأثرون نفسياً إذا رأوا تلاميذ آخرين يداومون بشكل يومي، لكن هذه التأثيرات محصورة بأعمار كبيرة معينة بحيث سيشعر هؤلاء بعقدة نقص وإهمال، وانعدام العناية، لكن الخطورة الحقيقية هي على مستقبل الأجيال، ففي العالم العربي نحو 75 مليون أمّي نتيجة الحروب واللجوء، وكل حرب جديدة ترفع الأعداد مئات الآلاف. من هنا الخطورة على مستقبل العالم العربي ومستقبل لبنان الذي كانت لديه نسبة كبيرة من المتعلمين منتشرة في كل أنحاء العالم بمستويات وخبرات ممتازة».

أطفال فروا من القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان يحضرون ورشة رسم داخل أحد مراكز الإيواء في بيروت (أ.ف.ب)

وتتحدث منى فياض عن «خشية حقيقية من أن يؤدي التسرب المدرسي إلى الانحراف»، مشددة على وجوب القيام بـ«حملات على المؤثرين للضغط والتصدي لسيناريو مثل هذا، وتأمين التعليم للجميع أياً كانت الظروف القائمة».