مصادر: إسرائيل توقف فحص طلبات استيراد الأغذية إلى قطاع غزة

أطفال فلسطينيون يتزاحمون للحصول على الطعام في خان يونس بقطاع غزة (رويترز)
أطفال فلسطينيون يتزاحمون للحصول على الطعام في خان يونس بقطاع غزة (رويترز)
TT

مصادر: إسرائيل توقف فحص طلبات استيراد الأغذية إلى قطاع غزة

أطفال فلسطينيون يتزاحمون للحصول على الطعام في خان يونس بقطاع غزة (رويترز)
أطفال فلسطينيون يتزاحمون للحصول على الطعام في خان يونس بقطاع غزة (رويترز)

قال 12 مصدراً إن إسرائيل أوقفت النظر في طلبات يقدمها تجار لاستيراد أغذية إلى قطاع غزة، ما أدى إلى تعطل عمليات وفّرت خلال الأشهر الستة الماضية أكثر من نصف الإمدادات للقطاع الفلسطيني المحاصر.

ووفقاً لمصادر مشاركة في التجارة، فإنه منذ 11 أكتوبر (تشرين الأول) لم يتمكن التجار في غزة، الذين كانوا يستوردون المواد الغذائية من إسرائيل ومن الضفة الغربية المحتلة، من الوصول إلى منظومة أتاحتها وحدة «تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق» في الربيع، ولم يتلقوا أي ردّ على محاولات للاتصال. وتتولى وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الإشراف على شحنات المساعدات والشحنات التجارية لقطاع غزة.

وأظهر تحليل، أجرته وكالة «رويترز» لبيانات إسرائيلية رسمية، أن هذا التحول أدى إلى انخفاض تدفق السلع إلى غزة إلى أدنى مستوى منذ بداية الحرب. ولم ترد أي تقارير قبل ذلك عن تفاصيل توقف دخول السلع التجارية إلى غزة من قبل.

ولم ترد وحدة «تنسيق أعمال الحكومة في المناطق» على أسئلة «رويترز» حول واردات الغذاء التجارية والمساعدات إلى غزة.

وتقول الوحدة إنها تفعل كل ما في وسعها لضمان دخول مساعدات كافية إلى الجيب الساحلي، وإن إسرائيل لا تمنع دخول المساعدات الإنسانية. وترفض الاتهامات بأن إسرائيل تمنع الإمدادات.

وفي الفترة من الأول إلى 16 أكتوبر، انخفض إجمالي تدفق الشحنات إلى غزة، سواء المساعدات أو السلع التجارية، إلى 29 شاحنة يومياً في المتوسط، وفقاً لإحصاءات وحدة «تنسيق أعمال الحكومة في المناطق».

وتظهر البيانات أن هذا جاء مقارنة مع 175 شاحنة يومياً في المتوسط في الفترة من مايو (أيار) إلى سبتمبر (أيلول).

وشكّلت الشحنات التجارية، وهي السلع التي يشتريها تجار محليون، ويتم نقلها بالشاحنات بعد موافقة مباشرة من وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، ثم بيعها في الأسواق في غزة، نحو 55 بالمائة من الإجمالي خلال تلك الفترة.

فلسطينيون يصطفون للحصول على الطعام في دير البلح بقطاع غزة (أ.ب)

وقال مصدران مطلعان بشأن إمدادات الغذاء إن سبب وقف الشحنات التجارية هو قلق إسرائيل من حصول حركة «حماس» على عائدات من الواردات.

ونفى متحدث باسم «حماس» أن تكون الحركة قد سرقت الأغذية أو استغلتها للحصول على إيرادات، وقال إن الحركة تحاول ضمان توزيع المساعدات في غزة.

وجاء التوقف فيما يبدو في المنظومة التجارية، في الوقت الذي شنّت فيه إسرائيل عملية عسكرية جديدة ضد «حماس» في شمال غزة، وهو تطور آخر أعاق تسليم المساعدات الإنسانية.

وقال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، في بيان، الأحد، إن العملية العسكرية عرقلت تسليم المساعدات من خلال المعابر الموجودة في الشمال لمدة أسبوعين على الأقل هذا الشهر. وأدّت سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها إدارات حكومية إسرائيلية والجيش إلى خفض شحنات الأغذية إلى غزة.

وفي أغسطس (آب)، أدخلت السلطات الإسرائيلية قاعدة جمركية جديدة على إحدى قنوات المساعدات وبدأت في تقليص المسار المنفصل للسلع التجارية.

ودفع الانخفاض الكبير في حجم المساعدات التي تصل إلى غزة الولايات المتحدة إلى التهديد بوقف الدعم العسكري لإسرائيل ودق ناقوس الخطر بشأن احتمال حدوث مجاعة في غزة.

وأصدر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي تحذيراً جديداً، اليوم (الخميس). وقال إن تصاعد الأعمال القتالية في الفترة الأخيرة قد يؤدي إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع بشكل «كارثي» في غزة بواقع المثلين.

وأصبح توفير ما يكفي من الغذاء لسكان غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، الذين نزحوا كلهم تقريباً، أحد أكثر القضايا إثارة للجدل في الحرب.

وطلب ممثلو الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية، في مايو، من المحكمة إصدار مذكرة اعتقال بحقّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقالوا إنهم يشتبهون في أن السلطات الإسرائيلية تستخدم «تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب».

وتنفي السلطات الإسرائيلية ذلك، وتقول إنها تسهل تسليم المواد الغذائية رغم الظروف الصعبة. وطعنت مرتين بشكل رسمي أمام المحكمة على شرعية طلب الادعاء واختصاص المحكمة.

وفي أعقاب الانتقادات الدولية، قالت وحدة «تنسيق أعمال الحكومة في المناطق»، هذا الأسبوع، إن إسرائيل سمحت لعشرات الشاحنات المحملة بالمساعدات بالدخول إلى غزة، بما في ذلك العشرات من خلال معابر في الشمال.

وقبل الحرب كان يدخل إلى غزة نحو 500 شاحنة يومياً محملة بمزيج من المساعدات والواردات التجارية، مثل الأغذية ومواد البناء والإمدادات الزراعية.

وتحدثت «رويترز» إلى 5 مستوردين مقيمين في غزة، ورجلي أعمال يصدران السلع من الضفة الغربية، ومسؤول تجاري في غزة، و3 أشخاص يشاركون في توصيل المساعدات.

وقال إبراهيم بركة، أحد سكان جنوب غزة: «الوضع المعيشي عنا (عندنا) سيئ جداً جداً. لا توجد أي مقومات للحياة. الخضار شبه انقطع، ولا توجد معلبات أو بقوليات. الناس تموت». وذكر أن سعر كيلو البصل يبلغ 15 دولاراً تقريباً في جنوب غزة.

وأكد 5 سكان آخرين و7 تجار و5 أفراد من الفرق الإنسانية كلامه.

الواردات التجارية تتقلص بشدة

عطّلت إسرائيل إلى حد كبير الواردات التجارية في بداية الحرب، لكنها سمحت باستئنافها من الأراضي الخاضعة لسيطرتها في مايو.

وأصبح بوسع رجال الأعمال في غزة تقديم طلبات الاستيراد إلى وحدة «تنسيق أعمال الحكومة في المناطق»، والحصول على المواد الغذائية عن طريق معبر البضائع الرئيسي في جنوب غزة.

وقال مسؤولون في الأمم المتحدة وسكان إن وصول السلع التجارية ساهم في تعزيز إمدادات المنتجات الغذائية الطازجة غير الموجودة في شحنات المساعدات.

وبعد أن غزت إسرائيل مدينة رفح الجنوبية في مايو، تعطل الطريق الرئيسي لتوصيل مساعدات الأمم المتحدة، ومن ثم زاد نصيب السلع التجارية لتمثل نسبة كبيرة من الإمدادات الغذائية.

خلال توزيع مساعدات إنسانية بقطاع غزة في 28 سبتمبر 2024 (د.ب.أ)

وتشير قائمة وحدة «تنسيق أعمال الحكومة في المناطق» إلى أن هذه البضائع من القطاع الخاص تشكل نحو 98 شاحنة من أصل 175 شاحنة دخلت غزة يومياً في المتوسط من مايو إلى سبتمبر.

لكن هذا الطريق كان محفوفاً بالمشكلات منذ البداية، وفقاً لـ8 رجال أعمال فلسطينيين تحدثوا إلى «رويترز».

وبحسب كل من أجريت معهم المقابلات في هذا التقرير، تتعرض القوافل التي تحمل البضائع غالباً للنهب من عصابات مسلحة أو سكان غزة اليائسين. ورفع المستوردون الأسعار لتغطية التكاليف الكبيرة لنقل وحماية شحناتهم.

وقال رجال الأعمال إن السلع المستوردة أصبحت باهظة الثمن بالنسبة لكثيرين من سكان غزة.

وقال رجال الأعمال ومصادر المساعدات الثلاثة إن مجموعة من نحو 20 تاجراً حظيت بأفضلية وكان يجري إقرار طلباتهم للاستيراد قبل الآخرين.

وقالت عشرات المصادر من الأوساط التجارية في غزة والضفة الغربية ومنظمات إغاثة دولية، لوكالة «رويترز»، إن بعض هؤلاء التجار ممن تمتعوا بالأفضلية أعادوا بيع تصاريح الاستيراد إلى شركات أصغر، ما كلّفهم آلاف الدولارات لإدخال الشاحنات.

فلسطينيون يتجمعون لتلقي المساعدات بما في ذلك الإمدادات الغذائية التي يقدمها برنامج الغذاء العالمي خارج مركز توزيع تابع للأمم المتحدة وسط الصراع بين إسرائيل و«حماس» في جباليا شمال قطاع غزة في 24 أغسطس 2024 (رويترز)

وقال التجار إن وحدة «تنسيق أعمال الحكومة في المناطق» غيّرت أيضاً طريقة تقديم الطلبات عدة مرات، إذ تحولت من نموذج عبر الإنترنت إلى رقم «واتساب»، ثم مرة أخرى إلى نموذج عبر الإنترنت، لكنه تطلب كلمة مرور لا يعرفها سوى التجار الموثوق بهم.

وبحسب رسالة بعثت بها الوحدة إلى التجار، واطلعت عليها وكالة «رويترز»، أضيفت قاعدة جديدة في سبتمبر تطلب من التجار تقديم سجلات مصرفية تثبت أن أعمالهم حقّقت مبيعات لا تقل عن 15 مليون شيكل (4 ملايين دولار) سنوياً.

وقال جميع التجار إن أحدث نموذج إلكتروني توقف عن العمل بالنسبة لأي مستورد. وأضافوا أن الرسائل إلى ما يصل إلى 5 أرقام مختلفة على تطبيق «واتساب» لوحدة «تنسيق أعمال الحكومة» لم يتم الرد عليها.

وتشير بيانات الوحدة إلى أن عدد شاحنات القطاع الخاص التي تدخل غزة تقلص بشدة. ففي الأول من أكتوبر، دخل 54 شاحنة من شحنات «القطاع الخاص»، وهي آخر شحنة كبيرة من السلع التجارية. وبين 8 و10 أكتوبر، دخل 17 شاحنة أخرى، ليبلغ المتوسط في أكتوبر 5 شاحنات يومياً.

تسوية بين إسرائيل والأمم المتحدة

يقول مسؤولون في الأمم المتحدة وإسرائيل إن المساعدات إلى غزة تُسلم خلال الحرب عبر عدة طرق مختلفة تُستخدم لبعض الوقت ثم يتوقف استخدامها.

والمصدر الرئيسي للغذاء بالنسبة لسكان غزة الذين لا يستطيعون الشراء من أسواق محلية هو المساعدات الإنسانية الدولية التي تنظمها الأمم المتحدة وتخضع لموافقة أمنية من وحدة «تنسيق أعمال الحكومة في المناطق» على كل شحنة. وقبل الحرب، كان الطريق الرئيسي إلى جنوب غزة عبر مصر بعد تحويلة لفحص الشحنات من جانب إسرائيل.

وتقول وكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة إنه بعد الهجوم العسكري الإسرائيلي على رفح في مايو، تراجعت شحنات المساعدات التي تقدمها المنظمة الدولية عبر هذا الطريق، لأن انعدام الأمن جعل تنظيمها أكثر صعوبة.

واعتمدت الأمم المتحدة بعد ذلك بشكل كبير على طريق يجلب الإمدادات عبر الأردن وإسرائيل إلى معبر عند الطرف الشمالي لغزة. لكن الشحنات توقفت بعد أن فرضت إسرائيل قاعدة جمركية على بعض المساعدات. وتوصلت إسرائيل والأمم المتحدة إلى تسوية بشأن النقطة الشائكة الرئيسية في تلك القاعدة الجديدة، بحسب شخصين على دراية بالموضوع.

لكن عمليات التسليم من الأردن لا تزال منخفضة بعد تجدد القتال في شمال غزة، بحسب مقابلات مع 5 أشخاص مشاركين في توصيل المساعدات إلى غزة وبيانات وحدة «تنسيق أعمال الحكومة في المناطق».

ووفقاً لقاعدة بيانات الوحدة على الإنترنت، دخلت شاحنتان للمساعدات في المتوسط يومياً من الأردن إلى غزة خلال الأسبوعين الأولين من أكتوبر، انخفاضاً من نحو 18 شاحنة في اليوم في الشهور السابقة.


مقالات ذات صلة

طائرات عسكرية أردنية تسقط مساعدات على شمال قطاع غزة

المشرق العربي أفراد من القوات المسلحة الأردنية يسقطون مساعدات جوية على غزة 9 أبريل 2024 (رويترز)

طائرات عسكرية أردنية تسقط مساعدات على شمال قطاع غزة

قال مصدر رسمي إن طائرات عسكرية أردنية أسقطت، الثلاثاء، مساعدات على شمال غزة لأول مرة في خمسة أشهر للمساعدة في تخفيف وطأة الوضع الإنساني المتردي في القطاع.

«الشرق الأوسط» (عمّان)
الاقتصاد جانب من الاستعدادات في العاصمة السعودية قبل استقبال مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر (صفحة «كوب 16» على منصة «إكس»)

«فاو»: نطمح إلى مخرجات مهمة من «كوب 16» بالسعودية

قال الدكتور عبد الحكيم الواعر، المدير العام المساعد لمنظمة الفاو، إنه يتوقع مخرجات مهمة من مؤتمر «كوب 16» لمواجهة التصحر الذي ينعقد في السعودية.

لمياء نبيل (القاهرة)
يوميات الشرق النظام الغذائي النباتي يعتمد بشكل أساسي على الأطعمة النباتية (جامعة كولومبيا)

التحول للنظام النباتي يوفر 650 دولاراً للفرد سنوياً

أظهرت دراسة أميركية أن اتباع نظام غذائي نباتي منخفض الدهون يمكن أن يخفض تكاليف الطعام للفرد بنسبة 19%، أي ما يعادل 1.80 دولار يومياً أو نحو 650 دولاراً سنويا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي نزوح سكان شمال غزة في ظل تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية (أ.ف.ب)

المنسق الأممي للسلام: الوضع في غزة «كارثي» مع بداية الشتاء ونزوح سكان الشمال

قال منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند اليوم الاثنين إن الوضع في قطاع غزة «كارثي» مع بداية فصل الشتاء.

«الشرق الأوسط» (غزة)
أفريقيا لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أن نحو 7.7 مليون شخص في جنوب السودان، معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

التمديد لقائد الجيش اللبناني... «حزب الله» يدرس تعديل موقفه بتأييده

العماد جوزف عون (رويترز)
العماد جوزف عون (رويترز)
TT

التمديد لقائد الجيش اللبناني... «حزب الله» يدرس تعديل موقفه بتأييده

العماد جوزف عون (رويترز)
العماد جوزف عون (رويترز)

يطوي لبنان صفحة الحرب ويستعد للدخول في مرحلة سياسية جديدة مع بدء سريان مفعول وقف النار في الجنوب برعاية دولية تتيح للجيش اللبناني، بمؤازرة قوات الطوارئ الدولية (يونيفيل)، الانتشار في عمقه وصولاً إلى الحدود الدولية للبنان مع إسرائيل لتطبيق القرار 1701 للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 من دون شريك محلي أو إقليمي؛ وهذا ما يعبّد الطريق لإعادة الانتظام للمؤسسات الدستورية بانتخاب رئيس للجمهورية يأخذ على عاتقه، بالتعاون مع حكومة فاعلة، مواكبة تنفيذه بكل مندرجاته.

تطبيق الـ«1701»

فانتشار الجيش يشكّل خطوة لتطبيق الـ«1701»، ويمهد لإعادة إنقاذ مشروع الدولة وتفعيله بوصفه ممراً إلزامياً للعبور بلبنان إلى مرحلة التعافي وإخراجه من أزماته المتراكمة التي تسببت بانهياره على المستويات كافة، شرط أن تبادر القوى السياسية إلى التلاقي في منتصف الطريق ومراجعة حساباتها والتدقيق فيها، وهذا يتطلب من «حزب الله» عدم استقوائه بفائض القوة على شركائه في الوطن، في مقابل عدم استضعافه؛ لأنه من غير الجائز لبعض خصومه بأن يوظف لمصلحته ما آلت إليه الحرب في الجنوب بدلاً من إعادة تركيب البلد تحت سقف الالتزام باتفاق الطائف واستكمال تطبيقه بعد تنقيته من الشوائب التي أصابته في تنفيذ بعض بنوده.

ومع بدء انتشار الجيش، فإن المرجعية الأمنية في الجنوب محصورة بقيادته لتطبيق الإجراءات التنفيذية التي نص عليها الـ«1701» بغطاء سياسي من السلطة التنفيذية؛ لأنه لم يعد ممكناً، كما يقول مصدر نيابي لـ«الشرق الأوسط»، الحفاظ على الأمن وحماية السلم الأهلي بالتراضي، على غرار ما كان يحصل طوال المرحلة السابقة التي حالت دون تطبيقه.

ورأى المصدر أن هناك ضرورة إلى الالتزام بخريطة الطريق التي كانت ثمرة تفاهم بين الوسيط الأميركي آموس هوكستين وبين رئيس المجلس النيابي نبيه بري بتفويضٍ من قيادة «حزب الله» للتوصل لوقف النار في الجنوب، وبالتالي لا يمكن الالتفاف عليها؛ كونها تحظى بدعم دولي غير مسبوق قادته الولايات المتحدة الأميركية بالتنسيق مع فرنسا، ولا يمكن للبنان الرسمي التفلُّت من الالتزامات التي قطعها على نفسه بعدم عودة الوضع في الجنوب إلى المربع الأول.

مرحلة سياسية جديدة

لذلك؛ يقف لبنان، مع استعداده للدخول في مرحلة سياسية جديدة، أمام جدول أعمال يجب التقيد به ويتصدّره التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية بناءً لاقتراح قانون تقدم به عدد من النواب لإقراره في الجلسة التشريعية المقررة، الخميس، على أن يتفرغ النواب لاحقاً للانخراط في مشاورات تؤدي إلى التوافق على رئيس للجمهورية لا يشكّل تحدياً لأي فريق ويقف على مسافة واحدة من الجميع، على حد قول بري الذي أخذ على عاتقه تحريك الملف الرئاسي فور التوصل إلى وقف النار.

ويؤكد المصدر النيابي بأن لا مشكلة في التمديد للعماد عون، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري. ويقول بأن الطريق سالكة نيابياً للتصويت على اقتراح القانون بغياب نيابي يقتصر، بشكل أساسي، على النواب المنتمين إلى «التيار الوطني الحر» برئاسة النائب جبران باسيل، مع فارق يعود إلى أن النواب الذين خرجوا أو أخرجوا من التيار سيحضرون الجلسة، ويميلون بأكثريتهم الساحقة مع حلفائهم في «اللقاء التشاوري» لتأييد التمديد.

ويلفت إلى أن غياب نواب «التيار الوطني» ليس بجديد، ويأتي تكراراً لموقفهم السابق بمقاطعتهم الجلسة التشريعية التي أقرَّت التمديد الأول للعماد عون وقادة الأجهزة الأمنية، ويقول بأنهم يقودون المعركة ضد التمديد لقائد الجيش، الذي من شأنه أن يرفع من حظوظه في السباق إلى رئاسة الجمهورية، بخلاف إحالته إلى التقاعد الذي يبعده عن المنافسة.

تبدل بموقف «حزب الله»

ويرى بأن الجديد في الجلسة التشريعية يكمن في موقف «حزب الله» الذي نأى نوابه في جلسة التمديد الأولى عن التصويت على اقتراح القانون الرامي للتمديد لقادة الأجهزة الأمنية، مع أنهم لم يقاطعوا الجلسة وأمنوا النصاب لانعقادها؛ ما تسبب بتعميق الخلاف بين الحزب وحليفه اللدود باسيل. في حين يكشف المصدر عن أن النواب المنتمين لكتلة «الوفاء للمقاومة» يدرسون حالياً إعادة النظر في موقفهم بتأييد التمديد.

ويضيف بأن الظروف السياسية التي أملت على الحزب في جلسة التمديد الأولى تأمين النصاب لانعقادها، من دون تصويت نوابه على التمديد، بدأت تتغير مع استعداد لبنان للدخول في مرحلة سياسية جديدة تتطلب تحصين المؤسسة العسكرية وتوفير كل الدعم لها لتسهيل الدور الذي أنيط بها بإجماع دولي لنشر الجيش في الجنوب بمؤازرة «يونيفيل» لإنهاء الحرب» إفساحاً في المجال أمام تطبيق الـ«1701» الذي بقي عالقاً منذ صدوره في أغسطس (آب) 2006، تحت ضغط تبادل الخروق بين «حزب الله» وإسرائيل.

ويؤكد بأن لا مصلحة لـ«حزب الله» بامتناعه عن التمديد للعماد عون؛ لتفادي تمرير رسالة سلبية إلى المجتمع الدولي الذي يولي أهمية لدور الجيش في تثبيت وقف النار بالانتشار في جنوب الليطاني مع انكفاء الحزب بترسانته العسكرية إلى شماله. ويقول بأن الحزب مضطر إلى مراعاة المزاج الشعبي للجنوبيين المؤيد حضور الجيش الفاعل في بلداتهم لإعادة الاستقرار إليها، خصوصاً وأن الحزب لن يكون محرجاً لأن التمديد لن يدخل في الحسابات الرئاسية على حد مطالبة حليفه الرئيس بري بالفصل بينه وبين انتخاب رئيس للجمهورية، وبذلك يكون الحزب قد قطع الطريق على ما يتردد بأن علاقته به تمرّ في حالة من الفتور على خلفية مساءلة أمينه العام الشيخ نعيم قاسم قيادة الجيش، مستوضحاً إياها الظروف التي أدت إلى خطف إسرائيل القبطان البحري عماد أمهز في البترون.

ويبقى السؤال: هل يترك «حزب الله» حليفه السابق جبران باسيل وحيداً في معارضته التمديد، خصوصاً وأنه ليس مضطراً إلى مراعاته بعد أن افترق عنه باعتراضه ونوابه على إسناده غزة واتهامه إيران بأنها تقاتل باللبنانيين وبالحزب، وأن دوره يجب أن يقتصر على الدفاع عن لبنان ضد الاعتداءات الإسرائيلية، ولا يرى من مبرر لوحدة الساحات بالربط بين جبهتي الجنوب وغزة؟