ضغوط أميركية تلجم مؤقتاً استباحة قتل المدنيين في لبنان

إسرائيل بدأت توجيه الإنذارات قبل قصف المباني السكنية

رجل يعبر سوق مدينة النبطية المدمّرة بالقصف الإسرائيلي (أ.ب)
رجل يعبر سوق مدينة النبطية المدمّرة بالقصف الإسرائيلي (أ.ب)
TT

ضغوط أميركية تلجم مؤقتاً استباحة قتل المدنيين في لبنان

رجل يعبر سوق مدينة النبطية المدمّرة بالقصف الإسرائيلي (أ.ب)
رجل يعبر سوق مدينة النبطية المدمّرة بالقصف الإسرائيلي (أ.ب)

بدّلت إسرائيل من سلوكها، ولو بشكل محدود، في تنفيذ أهدافها العسكرية في لبنان، وبدأت بتوجيه إنذارات وتحذيرات لسكان المباني التي تستعدّ لقصفها بضرورة إخلائها. وهذا ما فعلته قبل الغارات التي شنّتها على بلدات تمنين وسرعين والسفري في البقاع اللبناني، وقبلها على مبانٍ سكنية في أحياء حارة حريك وبرج البراجنة والليلكي، في ضاحية بيروت الجنوبية، وذلك تجنباً لسقوط ضحايا من المدنيين أو للحدّ من أعدادهم.

وتعددت القراءات حيال التغيير في النهج الإسرائيلي الذي لم يحرص على أرواح المدنيين منذ بدء الحرب الواسعة على لبنان، بدليل الغارات العنيفة على مناطق النويري والبسطة والباشورة والكولا في قلب العاصمة بيروت، والتي أوقعت عشرات القتلى والجرحى، وكذلك الغارة التي استهدفت منزلاً يقطنه نازحون في بلدة أيطو في قضاء زغرتا (شمال لبنان)، والتي أوقعت 23 قتيلاً من المدنيين، غالبيتهم من النساء والأطفال، وأكثر من 120 جريحاً.

صورة متداولة لأحد التحذيرات التي تنشرها إسرائيل قبل الاستهداف

وبحسب المعطيات، فإن هذا التراجع مردّه إلى ضغوط أميركية كبيرة مورست على إسرائيل في الأيام القليلة الماضية. وأوضح مصدر وزاري لبناني أن «الاتصال المطوّل بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الذي أعقب الغارة الإسرائيلية على منطقتي النويري والبسطة في بيروت، ساهم في تغيير السلوك الإسرائيلي».

وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن الجانب الأميركي «قطع وعداً لرئيس الحكومة بتجنيب المدنيين الاستهدافات الإسرائيلية، والحفاظ على أرواحهم»، مشيراً إلى أن ميقاتي «عبّر باسم الدولة وكلّ الشعب اللبناني عن غضبه حيال استباحة إسرائيل أرواح المدنيين في بيروت وكلّ المناطق، وإمعانها في تدمير المباني السكنية فوق رؤوس ساكنيها وتحويلها إلى ركام».

الدخان يتصاعد جراء غارات جوية استهدفت مدينة النبطية جنوب لبنان (أ.ف.ب)

وشدد المصدر الوزاري على أن «الاتصال الذي جرى بين الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، تمحور في معظمه حول الضربة الإسرائيلية المزمعة ضدّ إيران، لكنّه تطرق إلى العمليات الإسرائيلية في لبنان وغزّة التي يذهب ضحيتها الأبرياء من دون مبرر، وركّز على ضرورة إبعاد المدنيين عن الأهداف العسكرية التابعة لـ(حزب الله)، لكن رغم ذلك ليس ثمة ضمانات حقيقية بأن يلتزم نتنياهو لوقت طويل بهذه المطالب، بدليل استهداف سرايا النبطية وتدمير المبنى البلدي للمدينة وقتل عشرات المدنيين داخله، بمن فيهم رئيس البلدية وأعضاء في المجلس البلدي».

وكان الجيش الإسرائيلي وجّه إنذارات عند ساعات الصباح الأولى من يوم الخميس، إلى أهالي بلدات تمنين وسرعين والسفري في البقاع اللبناني، ودعاهم إلى إخلاء عدد من المباني في البلدات المذكورة. ولم تمضِ بضع دقائق على هذه الإنذارات حتى نفّذ الطيران الإسرائيلي غارات عليها ودمرها بالكامل.

صورة متداولة لأحد التحذيرات التي تنشرها إسرائيل قبل الاستهداف

ورأى مصدر دبلوماسي أن العمليات الإسرائيلية في لبنان «بدأت تشكل قلقاً للأميركيين، جرّاء سقوط مئات القتلى والجرحى، ولا سيما أن أغلب الغارات كانت خالية من أي هدف عسكري». وأشار لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «تراجع الغارات على الضاحية الجنوبية في الأسبوع الأخير، مردّه إلى الضغوط الأميركية الهائلة على تلّ أبيب، وخصوصاً أن إدارة الرئيس جو بايدن اكتشفت أن الضربات على الضاحية أضحت بلا هدف؛ أي إنه لم يعد هناك قادة لـ(حزب الله) في الضاحية يمكن اغتيالهم، ولا وجود لسلاح استراتيجي مثل الصواريخ الثقيلة والمسيّرات».

خشية دولية

وبعد أن فقدت تلّ أبيب الحجة التي تبرر إصرارها على قصف المناطق السكنية المأهولة وترويع الآمنين ومطاردة النازحين من منطقة لأخرى، يسود اعتقاد لدى جهات دولية بأن هذه الحرب بدأت تخرج عن أهدافها، وهو ما تُرجم بالسجال الذي دار بين نتنياهو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أيام.

وأكد المصدر الدبلوماسي أن «سقوط أعداد هائلة من القتلى والجرحى والتدمير الذي تنفذه إسرائيل، عمّم الخوف لدى الشارع المسيحي والشارع السنّي في لبنان، وهذا أمر بدأ يزعج الأميركيين إلى حدّ كبير»، مشيراً إلى أن «الإدارة الأميركية ينتابها القلق من موجة الاستياء التي تسود الرأي العام الدولي حيال تمادي إسرائيل في جرائمها».

رجل يعبر سوق مدينة النبطية المدمّرة بالقصف الإسرائيلي (أ.ب)

وأوضح أن «مسلسل قتل المدنيين في بيروت والبقاع والشمال، وآخره جريمة قتل رئيس بلدية النبطية وأعضاء المجلس خلال توزيع المساعدات على النازحين، بات عبئاً على الأميركيين لا يمكن تحمّله»، مشيراً إلى أن «تراجع العمليات في الضاحية الجنوبية وبيروت وإعطاء الإنذارات بإخلاء المباني قبل استهدافها، يؤشر إلى أن الضغوط الأميركية بدأت تؤتي أكلها، لكن لا ضمانات بالتزام إسرائيل بشكل دائم».


مقالات ذات صلة

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال زيارته وزارة الدفاع (حسابه عبر منصة إكس)

ميقاتي: اللبنانيون مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي مسيّرة إسرائيليّة من نوع (هرمز 450)

«حزب الله» يعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450» فوق الطيبة

أعلنت جماعة حزب الله اللبنانية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، أنها أسقطت مسيرة إسرائيلية بصاروخ أرض-جو في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (هرمز 450)
المشرق العربي عناصر من خدمة الطوارئ الإسرائيلية في مكان سقوط مقذوف في حيفا أطلق من لبنان (رويترز)

الجيش الإسرائيلي: سقوط صواريخ أطلقها «حزب الله» على حيفا وتضرر كنيس

أعلن الجيش الإسرائيلي تضرر كنيس في «هجوم صاروخي كبير» شنه «حزب الله» اللبناني على مدينة حيفا (شمال غرب)؛ ما أسفر عن إصابة شخصين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

هل يدوم تضامن الإسرائيليين مع نتنياهو بشأن مذكرة الاعتقال؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)
TT

هل يدوم تضامن الإسرائيليين مع نتنياهو بشأن مذكرة الاعتقال؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، إن مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ بسبب الحرب في غزة، أثارت غضباً عارماً بين مختلف أطياف الساحة السياسية في إسرائيل، ولكن على المدى البعيد، لا يبدو هذا الأمر جيداً بالنسبة لرئيس الوزراء.

وأضافت أنه كلما تم تصوير نتنياهو على أنه منبوذ دولياً، بدا أن كثيراً من الإسرائيليين يحتضنونه على الرغم من الاستقطاب الداخلي العميق.

وقال المحللون إنه من المرجح أن يتجمع معظم الإسرائيليين حول رفض نتنياهو قرار المحكمة، الذي ندد به بوصفه «معادياً للسامية».

وذكر ميتشل باراك، وهو خبير استطلاعات رأي عمل مساعداً لنتنياهو في التسعينات: «هذا يساعده». ووصفه بأنه «الرجل الوحيد الذي يقف ضد كل الشر في العالم».

وقال باراك: «إن هذا يحوله إلى الضحية التي يحب أن يكونها، والشخص الذي يقاتل من أجل حقوق إسرائيل»، مضيفاً أن الإسرائيليين كانوا موحَّدين إلى حد كبير في دعمهم للحرب.

وجاءت مذكرة الاعتقال في الوقت الذي تآكلت فيه صورة نتنياهو المحلية في الأشهر الأخيرة، ومع ازدياد اللوم الدولي على الأزمة الإنسانية في غزة، حيث قُتل أكثر من 44 ألف فلسطيني، وفقاً لمسؤولي الصحة المحليين.

وانخفضت ثقة الإسرائيليين في قيادة نتنياهو، بعد الهجوم المفاجئ الذي شنَّته حرك «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، واتهمه كثير من الإسرائيليين بإطالة أمد الحرب في غزة لأسباب سياسية: للحفاظ على ائتلافه الحاكم اليميني، والبقاء في السلطة حتى مع معركته ضد اتهامات الفساد.

ووفقاً لمسؤول حكومي إسرائيلي متقاعد، أخيراً، عمل على قضايا تتعلق بالشؤون الدولية لإسرائيل لسنوات، وطلب عدم الكشف عن هويته، فمن المحتمل أيضاً أن نتنياهو لا يقلق بسبب أوامر الاعتقال، لأمر واحد، لأن الولايات المتحدة، حليف إسرائيل الأكثر أهمية، رفضت القضية ضد القادة الإسرائيليين. ومن ناحية أخرى، إسرائيل ليست عضواً في المحكمة الدولية ولا تعترف بولايتها القضائية في إسرائيل أو غزة.

وقالت الصحيفة إن عدداً قليلاً من الإسرائيليين أعربوا علناً عن تعاطفهم مع المدنيين في غزة، وألقوا باللوم على «حماس» في معاناتهم. ومع تجنيد معظم الشباب، يجد معظم الإسرائيليين صعوبة في تصور الجنود مجرمي حرب.

ويدرك الإسرائيليون أنه لا يزال من الممكن إصدار مذكرات اعتقال دولية ضد الضباط والجنود، مما يزيد من عدائهم للمحكمة، ولكن في الوقت نفسه فإنهم معزولون، إلى حد كبير، عن العداء لإسرائيل في الخارج.

وحتى خصوم نتنياهو السياسيين يقولون ما يبدو أن معظم الإسرائيليين يفكرون فيه، حيث كتب يائير لبيد، زعيم المعارضة، على وسائل التواصل الاجتماعي يوم الخميس: «تدافع إسرائيل عن حياتها ضد المنظمات الإرهابية التي هاجمت وقتلت واغتصبت مواطنينا»، مضيفاً: «أوامر الاعتقال مكافأة للإرهاب».

وتأتي أوامر الاعتقال في وقت مضطرب، يعيشه نتنياهو وإسرائيل، التي على وشك التوصل إلى اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار بشأن الصراع مع «حزب الله» في لبنان، في حين لا يزال نحو 100 رهينة، من المفترض أن يكون ثلثهم على الأقل قد لقوا حتفهم، في غزة.

وأقال نتنياهو، أخيراً، يوآف غالانت من منصب وزير الدفاع؛ بسبب الخلافات حول استمرار الحرب في غزة والسياسات الداخلية؛ مما أدى إلى تقويض الثقة في الحكومة.

كما تعرَّض مكتب نتنياهو للتدقيق بشكل متزايد بشأن سلسلة من التحقيقات التي ركزت على سوء التعامل مع المواد الاستخباراتية.

ويوم الخميس، اتهم المدعون الإسرائيليون أحد مساعديه بتسريب معلومات سرية عن «حماس» بطريقة يقول المدعون إنها من المرجح أن تضر بالأمن القومي، وتضع الناس في خطر يهدد حياتهم في وقت الحرب.

وفي الشهر المقبل، من المتوقع أن يقف نتنياهو في محاكمة بعدما وُجِّهت إليه اتهامات بالرشوة والاحتيال وانتهاك الثقة، في 3 قضايا منفصلة ولكنها مترابطة يتم الاستماع إليها بالتوازي.

وقد نفى ارتكاب أي مخالفات في القضايا التي تركز على اتهامات بأنه رتب خدمات لرجال أعمال مقابل هدايا، وتغطية إخبارية متعاطفة له ولأسرته.

وحرصاً على تجنب أي لوم شخصي تجاه نتنياهو على تلك الإخفاقات، ومع اقتراب الوقت المناسب للإدلاء بشهادته في قضايا الفساد، ضاعف أنصاره هجماتهم ضد النظام القضائي الإسرائيلي وربما شجعهم فوز الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب على ذلك، فقد تغذوا على فكرة أن نتنياهو يتعرَّض للاضطهاد من قبل القوى الليبرالية في الداخل والخارج.

ويتوقع الإسرائيليون أن تكون إدارة ترمب الجديدة أكثر استيعاباً للحكومة الإسرائيلية، الأكثر يمينية ومحافظة دينياً في تاريخ البلاد.

وعلى الرغم من الرفض الإسرائيلي الواسع النطاق لقرار إصدار أوامر الاعتقال، فإن التعاطف مع نتنياهو قد يتضاءل في الأمد البعيد، كما يقول بعض المحللين.

نتنياهو وغالانت خلال مؤتمر صحافي سابق في قاعدة «كيريا» العسكرية في تل أبيب (رويترز)

وقال باراك، خبير استطلاعات الرأي، إن كون المرء «شخصية دبلوماسية غير مرغوب فيها» ليس مظهراً جيداً لرئيس الوزراء، خصوصاً أن مكانة نتنياهو الدولية الضخمة كانت ذات يوم واحدة من دعاياته الانتخابية.

ولا يواجه نتنياهو وغالانت أي خطر للاعتقال في إسرائيل بسبب أوامر الاعتقال. ومع ذلك، يمكن احتجازهما إذا سافرا إلى إحدى الدول الأعضاء في المحكمة، البالغ عددها 124 دولة، والتي تشمل معظم الدول الأوروبية ولكن ليس الولايات المتحدة.

وحتى السفر جواً إلى الولايات المتحدة قد يكون محفوفاً بالمخاطر إذا احتاج شخص ما على متن الطائرة، على سبيل المثال، إلى علاج طبي عاجل، مما يضطره إلى الهبوط اضطرارياً في الطريق.

وفي إشارة إلى القيود الجديدة على قدرة نتنياهو على السفر إلى الخارج، قال باراك: «لا يمكنك أن تكون رئيس وزراء على تطبيق زووم».