بين الكوليرا والجـرَب... أمراض عدة تهدّد النازحين اللبنانيين في مراكز الإيواء المكتظة

نقيب أطباء لبنان لـ«الشرق الأوسط»: مخاوف من تفشي الإنفلونزا و«كورونا» مع اقتراب الشتاء

أطفال نازحون بسبب الحرب يلعبون في ساحة مُجمّع تحول مركز إيواء وسط بيروت (أ.ف.ب)
أطفال نازحون بسبب الحرب يلعبون في ساحة مُجمّع تحول مركز إيواء وسط بيروت (أ.ف.ب)
TT

بين الكوليرا والجـرَب... أمراض عدة تهدّد النازحين اللبنانيين في مراكز الإيواء المكتظة

أطفال نازحون بسبب الحرب يلعبون في ساحة مُجمّع تحول مركز إيواء وسط بيروت (أ.ف.ب)
أطفال نازحون بسبب الحرب يلعبون في ساحة مُجمّع تحول مركز إيواء وسط بيروت (أ.ف.ب)

يعيش لبنان تحت وطأة موجة هائلة من النزوح، مع انتقال أكثر من مليون شخص في البلاد من منازلهم ومدنهم إلى أماكن أخرى جراء تصاعد حملة القصف الإسرائيلي منذ أكثر من 3 أسابيع.

وتعج المدارس التي فتحت أبوابها لتصبح مراكز إيواء بأعداد ضخمة من النازحين، حيث يكثُر الحديث عن إمكانية تحولها بؤراً للأوبئة والأمراض حال غياب خطة حكومية وإجراءات أساسية لمواجهة التحديات.

«خطر الكوليرا المرتفع»

حذَّرت منظمة الصحة العالمية، الأربعاء، من أن خطر تفشي الكوليرا في لبنان «مرتفع جداً»، بعد تأكيد إصابة أولى بالعدوى البكتيرية الحادة في ظل الحرب بين إسرائيل و«حزب الله». وأشارت المنظمة إلى خطر انتشار الكوليرا بين مئات الآلاف من الذين نزحوا منذ صعّدت إسرائيل حملتها العسكرية الجوية في البلاد، وبدأت عمليات برية في الجنوب.

وقال عبد الناصر أبو بكر، ممثل منظمة الصحة العالمية في لبنان، خلال مؤتمر صحافي عبر الفيديو: «في حال وصلت فاشية الكوليرا إلى النازحين الجدد، قد يكون انتشارها سريعاً».

وأفادت وزارة الصحة اللبنانية عن التثبت من حالة محتملة للكوليرا لدى مواطنة لبنانية قصدت المستشفى، الاثنين، وهي تعاني إسهالاً حاداً. وأضافت الوزارة أن المريضة من بلدة السمونية في شمال لبنان.

والكوليرا عدوى حادة تسبب الإسهال وتنجم عن تناول أطعمة أو شرب مياه ملوثة ببكتيريا ضمات الكوليرا، وفق منظمة الصحة. أضاف أبو بكر أن المنظمة التابعة للأمم المتحدة حذَّرت من أن المرض قد يعاود الظهور في ظل «تدهور حالة المياه والنظافة» بين النازحين ومجتمعاتهم المضيفة.

وإلى جانب الكوليرا، كانت وزارة الصحة اللبنانية قد رصدت بعض حالات مرض الجرب بين النازحين داخل مراكز إيواء في بيروت، ومحافظة الشمال أيضاً.

وفي هذا السياق، يؤكد نقيب أطباء لبنان، الدكتور يوسف بخاش، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن «رصد أول حالة كوليرا في لبنان لا تُنذر بالخير، ولكن المريضة التي دخلت المستشفى خضعت لكل الفحوص المطلوبة، وتم عزلها برفقة كل الأشخاص الذين كانت على اتصال وثيق معهم في الأيام الماضية».

ويتابع: «تحقق وزارة الصحة اليوم في ظهور الكوليرا لدى السيدة اللبنانية في الشمال، وتم أخذ عينة من المياه داخل منزلها لفحصها؛ بهدف تحديد مصدر المرض».

وعن انتشار «الكوليرا»، يشرح بخاش: «ينتقل المرض عبر المياه الملوثة أو الخضراوات والفاكهة الملوثة بحد ذاتها من مياه الري... كما أن المرض سريع الانتقال بدرجة عالية، ويحتاج إلى فترة حضانة تتراوح بين 5 و15 يوماً، أي قد لا يظهر على المصابين أعراض قبل ذلك».

نساء يفرزن البقدونس في أحد ممرات مدرسة تستضيف عائلات نازحة في منطقة الشوف (رويترز)

وفي حين يرتبط بمرض الجرب، وهو غزو طفيلي تسببه حشرات دقيقة تخترق الجلد وتضع البيض؛ مما يسبب حكة شديدة وطفحاً جلدياً، بحسب منظمة الصحة العالمية، يوضح نقيب الأطباء لـ«الشرق الأوسط»: «تم رصد بعض البؤر في مراكز الإيواء في بيروت بالفعل، لكن الوضع أصبح تحت السيطرة، حيث تمكنت وزارة الصحة من معالجة التفشي عبر توزيع الأدوية اللازمة على النازحين، ومتابعة الحالات بدقة».

طفل نازح يعيش في مأوى مؤقت مع عائلته في بيروت (رويترز)

خطة لمواجهة الأمراض

وضعت وزارة الصحة العامة في لبنان، بالتعاون مع المرافق الصحية والهيئات المتخصصة، خطة لمواجهة تفشي الأمراض وسط الاكتظاظ الذي سببه النزوح إلى المناطق الآمنة في البلاد، مثل بلدات في جبل لبنان وشماله، حيث يشرح بخاش «عملنا منذ بداية التصعيد على خطة تضمن تنقل فرق من الأطباء والممرضين بين مراكز الإيواء لفحص النازحين وتحديد أي أمراض قد تكون منتشرة بينهم».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هناك فِرق متخصصة تقوم بزيارات دورية إلى المدارس ومراكز الإيواء لضمان سلامة النازحين، وفحص المرضى منهم، ومحاولة عزل الأشخاص الذين تظهر عليهم أي أعراض غريبة».

ويشير نقيب الأطباء إلى أن حملة التطعيم ضد مرض الكوليرا من المفترض أن تنطلق مجدداً، كما أن الوزارة تدرس القيام بحملات تطعيم ضد فيروسات الجهاز التنفسي، مثل الإنفلونزا و«كورونا».

مراهقة تقبع في مدرسة تستضيف عائلات نازحة في منطقة الشوف بجبل لبنان (رويترز)

تحذيرات من أمراض محتملة أخرى

يشدد نقيب الأطباء في لبنان على أن الأمراض الرئيسية التي قد تنتقل بين النازحين قريباً هي تلك المرتبطة بفيروسات الجهاز التنفسي، مثل الإنفلونزا و«كورونا»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الخوف الأكبر في المستقبل القريب، وهو برأيي أمر مؤكد، إننا سنشهد موجات من تفشي الإنفلونزا الحادة و(كورونا)، بسبب الاكتظاظ الهائل في مراكز الإيواء وغياب سبل التهوية اللازمة أو مستلزمات النظافة الشخصية».

ويتابع: «تحتوي بعض مراكز الإيواء في لبنان على أكثر من ألف شخص، يعيشون معاً تقريباً؛ فالأمر قد يخرج عن السيطرة من دون حملات التطعيم اللازمة مع اقتراب فصل الشتاء».

من جهته، يشرح الدكتور مارسيل الأشقر، اختصاصي علوم مخبرية سريرية، ومدير مختبر مستشفى النيني في طرابلس بشمال لبنان، حيث يقبع أعداد ضخمة من النازحين، ان الأمراض المعدية التي تهدد الهاربين من الحرب قد تنتشر نتيجة لغياب إجراءات النظافة الشخصية، ويقول: «رصدنا نحو 86 حالة جرب بين النازحين في 66 مركز إيواء، أغلبيتها في عكار، والمرض ينتشر بسرعة عالية».

ويضيف: «إن غياب التهوية الصحية وعدم الحفاظ على النظافة الشخصية وغياب القدرة على تعقيم الملابس والأغطية التي تُستخدم داخل المدارس على درجة حرارة تصل إلى 55 درجة مئوية، وعدم توافر المياه الساخنة في الحمامات بمراكز الإيواء، كلها عوامل تساهم في انتشار الجرب وغيره من الأمراض الجلدية».

امرأة وشاب يسيران إلى جانب ملابس معلقة على حبل في ساحة مركز إيواء وسط بيروت (أ.ف.ب)

ومثل بخاش، يحذّر الأشقر أيضاً من أمراض وفيروسات أخرى قد تظهر قريباً، مثل الـ«كورونا» والإنفلونزا، والسل.

ويشدد الدكتور بشكل خاص على خطورة انتشار مرض السل؛ بسبب صعوبة الشفاء منه، والأعراض الحادة التي ترافقه، بالإضافة إلى سهولة انتقاله بين الناس.

ويشرح لـ«الشرق الأوسط»: «السل عبارة عن مرض معدٍ يصيب الرئتين ويسببه في الغالب أحد أنواع البكتيريا - Mycobacterium tuberculosis - وينتقل عن طريق الهواء عندما يسعل المصابون به أو يعطسون أو يبصقون. من أبرز أعراضه الحرارة المرتفعة والسعال مع ملاحظة بقع من الدم، تعب وضعف شديد في الجسم، وخسارة الوزن بشكل حاد».

ومن بين الأمراض الأخرى التي قد تنتشر في ظل اكتظاظ النزوح، بحسب الأشقر، حمى التيفوئيد، والتهابات المعدة والأمعاء، والتهابات المسالك البولية.

حملات محلية لرصد الأوبئة

يتحدث الدكتور مارسيل الأشقر عن حملات محلية مخصصة للعناية الصحية بالنازحين، في محاولة لكشف أي أمراض قد تكون معدية أو خطرة.

ويوضح: «يقوم فريق من مستشفى النيني في طرابلس، جنباً إلى جنب مع جمعية (أجيالنا)، بزيارة النازحين عبر عيادات متنقلة؛ بهدف معاينتهم والاهتمام بوضعهم الصحي».

ويشير الأشقر إلى أن مستشفى النيني يساهم في الحملة عبر مشاركة أطبائه وممرضيه في الجولات، أما جمعية «أجيالنا»، فتتولى توزيع الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية على النازحين بهدف تفادي أي أوبئة محتملة في الشمال اللبناني.


مقالات ذات صلة

ماكرون يدعو لاغتنام «فرصة» مقتل السنوار لوقف الحرب في غزة ولبنان

المشرق العربي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (المصدر: الحكومة القبرصية)

ماكرون يدعو لاغتنام «فرصة» مقتل السنوار لوقف الحرب في غزة ولبنان

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس إلى اغتنام «فرصة» مقتل زعيم حركة «حماس» يحيى السنوار لوقف الحرب في غزة.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
المشرق العربي تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت صباح اليوم (إ.ب.أ)

الحكومة الألمانية تخصص دعماً إضافياً للمهجرين بسبب القتال في لبنان

أعلنت وزارة التنمية الألمانية تعزيز المساعدات للأشخاص الذين تم تهجيرهم بسبب القتال في لبنان.

«الشرق الأوسط» (برلين )
المشرق العربي عناصر أمنية قرب مبنى تتواجد فيه السفارة النرويجية في وسط بيروت (رويترز)

إنذارات كاذبة تخلي مرافق حكومية ودبلوماسية في لبنان

أثارت إنذارات كاذبة بالإخلاء، بلبلة على الساحة اللبنانية، بموازاة الإنذارات التي يصدرها الجيش الإسرائيلي لإخلاء منازل وأبنية في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي قوة مشتركة من «اليونيفيل» والجيش اللبناني في الناقورة قرب الحدود الإسرائيلية (أرشيفية - أ.ف.ب)

سفينة ألمانية تابعة لـ«اليونيفيل» اعترضت طائرة مسيّرة قبالة سواحل لبنان

قامت سفينة عسكرية ألمانية تعمل في إطار القوة البحرية لقوات الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل) بإسقاط طائرة مسيّرة قبالة السواحل اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق تحوّل رمزاً للتضحية وهو يتنقّل فوق الركام ويُنقذ ما تبقّى (حسابه الشخصي)

يوسف الملاح... عمرٌ من العمل الجبّار

لا يُصادر يوسف الملاح الجهود لنَسْبها حصراً إلى نفسه، وإنما يُشدّد على أنها جماعية؛ وبشيء أقرب إلى الإفراط في التواضع، يضيف أنه أقل مستحقّي التقدير بين الآلاف.

فاطمة عبد الله (بيروت)

الشرطة الإسرائيلية تنقل جثمان السنوار إلى مشرحة بتل أبيب

السنوار خلال مسيرة بمناسبة «يوم القدس» في غزة يوم 14 أبريل 2023 (رويترز)
السنوار خلال مسيرة بمناسبة «يوم القدس» في غزة يوم 14 أبريل 2023 (رويترز)
TT

الشرطة الإسرائيلية تنقل جثمان السنوار إلى مشرحة بتل أبيب

السنوار خلال مسيرة بمناسبة «يوم القدس» في غزة يوم 14 أبريل 2023 (رويترز)
السنوار خلال مسيرة بمناسبة «يوم القدس» في غزة يوم 14 أبريل 2023 (رويترز)

أعلنت الشرطة الإسرائيلية، الخميس، أن جثمان زعيم «حركة حماس» يحيى السنوار نقل إلى مشرحة في تل أبيب لإجراء «فحوص إضافية» بعد إعلان الجيش مقتله في غزة.

وقالت الشرطة: «وصل جثمان زعيم (حماس) يحيى السنوار قبل وقت وجيز إلى المركز الوطني للطب الشرعي لإجراء فحوص إضافية».

والسنوار (61 عاماً) المكنّى «أبو إبراهيم» كان بمثابة «الرجل الحي الميت» وهدفاً رئيسياً لإسرائيل منذ الهجوم غير المسبوق الذي شنّته الحركة على جنوب الدولة العبرية، وأشعل شرارة حرب في غزة، تمددت إلى لبنان، ويُخشى أن تتحول إلى نزاع إقليمي.