لم يستمر طويلاً الهدوء الحذر الذي شهدته الضاحية الجنوبية لبيروت؛ إذ استأنفت إسرائيل غاراتها على هذه المنطقة، التي تعدّ معقل «حزب الله» ومقرّ قياداته السياسية والعسكرية والأمنية، بعد تحذيرات وجهها الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، للسكان بضرورة إخلاء مبانٍ في منطقة حارة حريك، ثم استهدافها بـ3 غارات عنيفة عند الساعات الأولى من صباح الأربعاء.
وفي حين لم تُعرف الأسباب التي حيّدت الضاحية عن القصف لمدّة 6 أيام متواصلة، وعزا مراقبون الأمر إلى «ضغوط أميركية مورست على الإسرائيليين لإبقاء الضاحية وبيروت بمنأى عن الاستهداف»، جاء تجديد الغارات مع إعلان الجيش الإسرائيلي أنه ضرب أهدافاً عسكرية لـ«حزب الله».
ورأى الباحث في الشؤون الأمنية والعسكرية العميد خالد حمادة، أن «تجميد الغارات خلال الأيام الماضية على الضاحية كان رهن ظهور أهداف جديدة ونضوج ظروف مهاجمتها، وبالتالي فعندما يحدد العدو الإسرائيلي هدفاً معيناً، فسيسارع إلى قصفه، سواء في الضاحية وبيروت وأي منطقة لبنانية أخرى». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن وقف الغارات على الضاحية أياماً عدة، ومن ثم استئنافها، أمر ليس مرتبطاً بتغييرات في الاستراتيجية الإسرائيلية؛ «بل بعناصر ميدانية يجب التركيز عليها».
ضمانات أميركية
وتزامن الوقف المؤقت للغارات على الضاحية الجنوبية مع موقف من قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أعلن فيه أن «المساعي السياسية التي يبذلها خفّفت من حدّة الغارات على الضاحية الجنوبية، وتراجعت معها وتيرة التصعيد». كما أكد «متابعة هذه المساعي لوقف ضرب المدنيين وإلحاق الأذى بهم وسقوط مزيد من الشهداء».
وقدّر العميد حمادة أن موقف رئيس الحكومة «مبني على نتائج اتصالات أجراها مع الأميركيين لتحييد بيروت والضاحية الجنوبية، لكن للأسف لا يوجد طرف قادر على ردع عدوانية رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وبالتالي أي رهان على التزام الأخير بتوصية أميركية أو بتجنّب قصف المدنيين، هو كلام خارج عن الواقعية؛ لأن تجربة غزّة شاهدة على كل الارتكابات والجرائم الإسرائيلية».
وأوضح أن «رئيس حكومة لبنان قادر على أن يطلب من الأميركيين تحييد البنى التحتية للدولة اللبنانية والمرافق العامة، لكن عندما يبلّغ نتنياهو الأميركيين بوجود هدف متعلق بالبنية التحتية لـ(حزب الله)، فسيتم قصفه، سواء أكان في الضاحية الجنوبية أم في بيروت. وبالتالي؛ فإن الرهان على هذه الاتصالات في هذه المرحلة الحرجة، وفي ظلّ احتدام المعركة، وفي ظلّ غياب منطق الدبلوماسية، يبقى رهاناً خارج المنطق وخارج الواقعية».
تمديد رقعة القصف
وسبق استئنافَ الغارات على الضاحية تهديدٌ مباشر من نتنياهو بأن العمليات العسكرية ستطال كلّ لبنان؛ بما فيه العاصمة بيروت.
ورأى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس، الدكتور خطار أبو دياب، أن «عودة التصعيد الإسرائيلي متوقف على انتقاء الأهداف الاستراتيجية، بدليل أن الجيش الإسرائيلي أعلن أنه قصف مخزناً للأسلحة الحساسة في الضاحية الجنوبية».
وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «بعد أن استهدف (حزب الله) قاعدة التدريب الإسرائيلية، أعلن نتنياهو أنه سيذهب بعيداً في عملياته وأنه لن يستثني بيروت، وهو بصدد تمديد رقعة القصف لتشمل كلّ لبنان». وأضاف: «في ضوء المأزق السياسي الذي يقع فيه الجميع، تبدو المواجهة طويلة، وستكون أكثر عنفاً ودموية من الآن حتى موعد الانتخابات الأميركية في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل».
التأثير الأميركي
ويبدو التأثير الأميركي على لجم العملية العسكرية في لبنان محدوداً للغاية، ورأى أبو دياب أن «الترتيب الأميركي لا يزال يحمي مطار بيروت الدولي، ويحمي البنية التحتية للدولة، لكنه غير قادر على حماية المدن؛ بما فيها العاصمة اللبنانية»، مبدياً أسفه لأن «التعليمات الإيرانية واضحة، وقد أعطت الأمر لـ(حزب الله) بأن يستمرّ في المواجهة، لكن من يدفع الثمن هم المدنيون»، مشيراً إلى أنه «من أجل استهداف شخص واحد في البسطة والنويري في بيروت (القيادي في الحزب وفيق صفا) قُتل أكثر من 20 مدنياً، وكذلك الأمر في الغارة التي استهدفت بلدة أيطو في قضاء زغرتا شمال لبنان». ودعا إلى «ترقّب ما ينتج عن الردّ الإسرائيلي على إيران، وعندها قد يصبح لبنان تفصيلاً في حرب إقليمية واسعة».