لبنان يتمسك ببقاء الـ«يونيفيل» ضمانةً دوليّة

بقاؤها يعني الحفاظ على القرار 1701 رغم مهامها المحدودة

قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تراقب حفارات بالقرب من قرية على الحدود اللبنانية (أ.ب)
قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تراقب حفارات بالقرب من قرية على الحدود اللبنانية (أ.ب)
TT

لبنان يتمسك ببقاء الـ«يونيفيل» ضمانةً دوليّة

قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تراقب حفارات بالقرب من قرية على الحدود اللبنانية (أ.ب)
قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تراقب حفارات بالقرب من قرية على الحدود اللبنانية (أ.ب)

يتمسك لبنان ببقاء القوات الدولية العاملة في الجنوب (يونيفيل) والقيام بمهامها، حتى لو كانت محدودة، في ظل تحولها هدفاً للجيش الإسرائيلي الذي استهدف مرات عدّة مواقعها، وتسبب بإصابة عدد من عناصرها، وطالبها بإخلاء مواقعها والابتعاد شمالاً لمسافة تزيد على 6 كلم، وهو ما رفضته بالمطلق قيادة القوات الدولية.

ويجدد مجلس الأمن الدولي ولاية قوات الـ«يونيفيل» سنوياً، وينتشر عناصرها ما بين الخطّ الأزرق الحدودي ومجرى نهر الليطاني، ومركز قيادتها في منطقة الناقورة، وتتولى مهام ضمان استقرار المنطقة وحماية السكان المدنيين والرد على الأعمال العدائية وممارسة حق الدفاع عن النفس.

حماية دولية معنوية

وتتعدد الأسباب التي تقف وراءها إسرائيل لإجلاء هذه القوات عن مراكزها، أو إلغاء دورها بشكل كامل، ويرى سفير لبنان الأسبق لدى واشنطن رياض طبّارة، أن «إصرار الجيش الإسرائيلي على إخراج قوات الطوارئ من مواقعها مرتبط بالعمليات العسكرية وبتطورات الميدان، وهذا قد يتيح له ارتكاب جرائم تتعارض مع القانون الدولي». وذكّر بالمجزرة التي ارتكبتها إسرائيل في منطقة قانا الجنوبية خلال حرب عناقيد الغضب في عام 1996، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «عندما وثّقت صور قوات (يونيفيل) طائرة استطلاع إسرائيلية تصوّر الموقع قبل قصفه، وجرى عرض هذه الصور على مجلس الأمن انقلبت الأمور رأساً على عقب ضدّ إسرائيل، وجرت مقاضاتها دولياً».

جندي إسرائيلي يسير بجوار مدخل نفق بالقرب من نقطة مراقبة تابعة لقوات الـ«يونيفيل» بقرية الناقورة في جنوب لبنان على الحدود مع إسرائيل (د.ب.أ)

أما عن خلفيّة تمسّك لبنان بقوات الـ«يونيفيل» رغم دورها المحدود، فيشدد السفير طبارة على أن «بقاء هذه القوات في الجنوب مسألة بالغة الأهمية لكونها تشكل حماية دولية وإن معنوية أكثر مما هي قتالية»، معتبراً أنه «لا يمكن التسليم بمشيئة إسرائيل، وفتح الحدود أمام عدوانها على لبنان من دون رقيب».

إلغاء دور «يونيفيل»

لا تختلف الآراء حول خلفيات الرغبة الإسرائيلية لإبعاد القوات الدولية عن مسرح عملياتها، وأوضح منسق الحكومة اللبنانية السابق مع قوات الـ«يونيفيل» العميد منير شحادة، أن «إسرائيل تريد إبعاد القوات الدولية عن الحدود أو إلغاء دورها؛ لأنها تعتبر أن القرار 1701 أصبح من الماضي، وتعمل لإصدار قرار جديد عن مجلس الأمن الدولي يفرض وجود قوات متعددة الجنسيات».

وأشار شحادة في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «قوات الـ(يونيفيل) الحالية تضمّ كتائب من 43 دولة وهي متعددة الجنسيات، لكنها قوات لحفظ السلام وليس لها أي دور آخر، أما القوات المتعددة الجنسيات، فيمكنها أن تستخدم القوة لتطبيق القرارات الدولية مثل القوات الموجودة في كوسوفو والصومال والبوسنة والهرسك، وكما كان وضع القوات الأميركية والفرنسية في لبنان في ثمانينات القرن الماضي».

وارتفعت حدّة المواقف ما بين الحكومة الإسرائيلية التي تتمسّك بمطلبها، وما بين الأمم المتحدة الرافضة أي تغيير في تموضع الـ«يونيفيل» ومهامها.

الناطق باسم قوات الـ«يونيفيل» بلبنان أندريا تينيتّي يشير إلى الضاحية الجنوبية لبيروت من مكاتب القوات الدولية في بعبدا (أ.ف.ب)

وأكد العميد شحادة أن «غاية إسرائيل من إبعاد القوات الدولية له على المدى القريب، هدف أساسي، وهو أنها لا تريد للقوات الدولية أن ترصد جرائمها إذا نفذت اجتياحاً برياً واسعاً على لبنان، وعلى المدى البعيد نسف القرار 1701، وإقامة منطقة عازلة بعمق 6 أو 7 كلم لا تكون القوات الدولية ضمنها بل في شمالها».

وقال إن «تمسك لبنان بالقوات الدولية هو للحفاظ على القرار 1701 كما هو من دون تعديل»، مشيراً إلى أن لبنان «يتخوّف من تداعيات انسحاب القوات الدولية من مواقعها، وأن يصبح أمام قرار جديد ستكون له تداعيات سلبية في المستقبل».

دولة ذات شرعية دولية

يأتي التبدّل في الموقف الإسرائيلي من القوات الدولية، بعد أقلّ من شهرين على التمديد لها عاماً جديداً بقرار من مجلس الأمن الدولي، ودون إدخال أي تعديلات على مهامها. واعتبر الباحث في الشؤون السياسية زياد الصائغ أن «قوات الـ(يونيفيل) تشكّل رسالة حاسمة من المجتمع الدولي ومنذ عام 1978، بأن لبنان كيانٌ نهائي ودولة ذات شرعية دولية، وبالتالي ترافق تأسيس القوة الدولية المؤقتة للأمم المتحدة مع استصدار القرار 425 وبعدها ما ورد من القرارات 1559 و1680 و1701».

وقال الصائغ لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذا الترافق يثبت عملياً أن تغيير الهوية الجغرافية للدولة اللبنانية غير مسموح، واستمرار السيطرة الدولة بقوى من خارج الدولة، كما بانتهاكات عدوانية من خارج الحدود غير مسموح».

وعن مطالبة إسرائيل برحيل الـ«يونيفيل»، يشير الصائغ إلى أن «لبنان يواجه حالة جنون إسرائيلية، جعلت اليمين المتطرف في مواجهة العالم كلّه، وبالتالي هذه مطالبة عبثيّة؛ لأن مجلس الأمن الدولي يتّجه لتعزيز دور قوات الـ(يونيفيل)، وإطلاق مسار مساندة الدولة في بسط سيادتها وتطبيق القرارات الدولية».

وقال الصائغ: «قد نشهد ترتيبات جديدة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وهذا سيوسّع دور الـ(يونيفيل) على قاعدة العودة إلى اتفاقية الهدنة 1949»، مشدداً على أن «ما يعنينا بصفتنا لبنانيين هو استرداد الدولة سيادتها، مع تثبيت التزامها الشرعية العربية والدولية، وقوات الـ(يونيفيل) الشاهد الأكبر على العين الدولية الراعية للبنان».


مقالات ذات صلة

أستراليا تحث مواطنيها على مغادرة إسرائيل «طالما لا تزال الرحلات متاحة»

شؤون إقليمية وزيرة الخارجية الأسترالية بيني وانغ (أ.ب)

أستراليا تحث مواطنيها على مغادرة إسرائيل «طالما لا تزال الرحلات متاحة»

حذرت أستراليا مواطنيها من السفر إلى إسرائيل وحثت رعاياها على المغادرة بينما لا تزال الرحلات الجوية التجارية متاحة، وعزت ذلك إلى الصراع بين إسرائيل وحزب الله.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
العالم مجلس الأمن خلال اجتماعه (صور الأمم المتحدة)

«مجلس الأمن» يعرب عن «قلق بالغ» بعد إصابة جنود حفظ سلام في لبنان

أعرب مجلس الأمن الدولي، الاثنين، عن "قلق بالغ" بعد إصابة جنود حفظ سلام في لبنان فيما تواصل إسرائيل حملة عسكرية ضد حزب الله في الأراضي اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (الأمم المتحدة (الولايات المتحدة))
المشرق العربي صورة نشرها الجيش الإسرائيلي لمجمع تحت الأرض يقول إنه تابع لـ«حزب الله» في جنوب لبنان (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن اكتشاف مجمع تحت الأرض لـ«حزب الله» في جنوب لبنان

قال الجيش الإسرائيلي، اليوم (الاثنين)، إن قواته البرية اكتشفت مجمعاً تحت الأرض لـ«حزب الله» في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود إسرائيليون يعبرون منطقة استهدفتها المسيّرات التي أطلقها «حزب الله» على مستعمرة بينامينا (رويترز)

تقرير: هجوم «حزب الله» على القاعدة العسكرية الإسرائيلية يُظهر ضعفاً في مواجهة المسيّرات

سلّطت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية الضوء على الهجوم الذي شنّه «حزب الله» اللبناني بمسيّرة على قاعدة للجيش الإسرائيلي في بنيامينا جنوب مدينة حيفا، الأحد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي مشيعون يرفعون لوحة تضم صور 15 شخصاً قتلوا في غارة إسرائيلية استهدفت بلدة المعصيرة بجبل لبنان الأحد (أ.ف.ب) play-circle 00:37

إسرائيل تضغط عسكرياً بإخلاءات وقصف توسع إلى شمال لبنان

تمضي إسرائيل في ممارسة الضغوط القصوى على «حزب الله» بتوسعة مروحة القصف الجوي إلى بلدة في شمال لبنان، أدت إلى مقتل 21 شخصاً.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

تقرير: هجوم «حزب الله» على القاعدة العسكرية الإسرائيلية يُظهر ضعفاً في مواجهة المسيّرات

جنود إسرائيليون يعبرون منطقة استهدفتها المسيّرات التي أطلقها «حزب الله» على مستعمرة بينامينا (رويترز)
جنود إسرائيليون يعبرون منطقة استهدفتها المسيّرات التي أطلقها «حزب الله» على مستعمرة بينامينا (رويترز)
TT

تقرير: هجوم «حزب الله» على القاعدة العسكرية الإسرائيلية يُظهر ضعفاً في مواجهة المسيّرات

جنود إسرائيليون يعبرون منطقة استهدفتها المسيّرات التي أطلقها «حزب الله» على مستعمرة بينامينا (رويترز)
جنود إسرائيليون يعبرون منطقة استهدفتها المسيّرات التي أطلقها «حزب الله» على مستعمرة بينامينا (رويترز)

سلّطت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية الضوء على الهجوم الذي شنّه «حزب الله» اللبناني بمسيّرة على قاعدة للجيش الإسرائيلي في بنيامينا جنوب مدينة حيفا، الأحد، وقُتل فيه 4 جنود، وأُصيب نحو 90 آخرين.

وذكرت الصحيفة أن خبراء يقولون إن إسرائيل لديها واحداً من أفضل الدفاعات في العالم ضد الصواريخ والقذائف، لكنه ليس فعالاً في كشف الطائرات من دون طيار الأبطأ حركةً.

ولفتت إلى أن الشرطة الإسرائيلية قالت إنه قبل دقائق من الهجوم أخطرت القوات الجوية بتقارير عن طائرة مشبوهة، وقيل لها ألا تقلق؛ لأن الطائرة إسرائيلية، مما دفعها إلى إلغاء البلاغ، ولكن ظهر أن تقييم القوات الجوية كان خاطئاً، فبعد لحظات قُتل 4 جنود، وأُصيب العشرات في الهجوم الذي هو الأحدث من بين العديد من الضربات الأخيرة، بطائرات من دون طيار التي سلّطت الضوء على نقاط الضعف في الطريقة التي تكتشف بها إسرائيل تلك الطائرات.

ففي يوليو (تموز) ضرب الحوثيون مبنى سكنياً في تل أبيب، مما أسفر عن مقتل مدني واحد، وكذلك ضرب «حزب الله» الأسبوع الماضي دار رعاية شمال تل أبيب، مما تسبّب في أضرار، ولكن لم تقع إصابات. وفي وقت سابق من هذا العام، بثّ «حزب الله» لقطات تم التقاطها بواسطة طائرة من دون طيار حلّقت فوق منشآت حساسة في حيفا، دون اكتشافها.

وسلّط الهجوم الأخير على القاعدة جنوب مدينة حيفا الضوءَ على كيفية احتفاظ «حزب الله» بالقدرة على الإضرار بإسرائيل، على الرغم من الهجمات الإسرائيلية المدمّرة على قياداته وبنيته التحتية، كما أشار إلى أوجه القصور الدفاعية الإسرائيلية، مما دفع الجيش إلى فتح تحقيق، واعتراف المتحدث باسمه بأنه «يجب أن نقدم دفاعاً أفضل».

دخان وآثار عبور صواريخ أطلقها «حزب الله» باتجاه حيفا وأسقطتها القبة الحديدية الإسرائيلية (أ.ف.ب)

ولفتت الصحيفة إلى تسبّب هجمات الطائرات من دون طيار في إثارة القلق بإسرائيل، بينما تستعدّ لتصعيد محتمل مع إيران التي أطلقت صواريخ باليستية قبل أسبوعين، ومن المتوقع على نطاق واسع أن ترد إسرائيل، وهو الرد الذي قد يدفع إيران إلى إطلاق المزيد من الصواريخ والطائرات من دون طيار.

وفي حين تمتلك إسرائيل نظاماً رائداً عالمياً لكشف واعتراض الصواريخ بسرعة تزيد عن 1000 ميل في الساعة، فقد وجدت أنظمتها الرادارية صعوبةً في رصد الطائرات من دون طيار التي تتحرك أحياناً بسرعة أبطأ من 100 ميل في الساعة.

ووفقاً للصحيفة، غالباً ما تحتوي الطائرات من دون طيار على معادن أقل، وتنبعث منها حرارة أقل من الصواريخ والقذائف عالية السرعة، مما يعني أنها لا تطلق دائماً تنبيهات، وحتى عندما يتم رصدها فإن الطائرات من دون طيار المعادية تخطئ أحياناً في عَدِّها طائرات إسرائيلية، بما في ذلك الطائرات الخاصة الصغيرة؛ لأنها تحلّق على ارتفاعات وسرعات منخفضة مماثلة.

وقال رئيس قسم الطائرات من دون طيار السابق في سلاح الجو الإسرائيلي، عوفر هاروفي: «كل الأنظمة التي لدينا في العالم الغربي، وليس إسرائيل فقط، مصمّمة للدفاع عن المجال الجوي، أو حمايته من الطائرات المقاتلة والصواريخ العادية، ونحن بحاجة إلى إعادة تصميم جزء من هذه الأنظمة حتى تتمكّن من رؤية وكشف وتتبّع هذا النوع من الأهداف البطيئة الحركة».

وكذلك أكّد الخبراء أن نظام إسرائيل المضاد للطائرات من دون طيار على وجه الخصوص يتطلّب تحسيناً.

وقال رئيس شركة «آر2 وايرليس أون فينج»، التي تصمّم أنظمة كشف الطائرات من دون طيار، وتعمل مع الجيش الإسرائيلي، إن كل هذه الأنظمة لها مزايا وعيوب، وتحتاج إسرائيل إلى الجمع بينها من أجل بناء نظام كشف طائرات من دون طيار أكثر قوةً، و«لا يوجد حل سحري إذا تم تنفيذه من شأنه أن يحل جميع مشاكلك، لكننا بحاجة إلى تغيير كامل في طريقة التفكير».