حرب لبنان وصياغة مفاهيم جديدة للحروب بالوكالة

جنود إسرائيليون يعبرون منطقة استهدفتها المسيّرات التي أطلقها «حزب الله» على مستعمرة بينامينا (رويترز)
جنود إسرائيليون يعبرون منطقة استهدفتها المسيّرات التي أطلقها «حزب الله» على مستعمرة بينامينا (رويترز)
TT

حرب لبنان وصياغة مفاهيم جديدة للحروب بالوكالة

جنود إسرائيليون يعبرون منطقة استهدفتها المسيّرات التي أطلقها «حزب الله» على مستعمرة بينامينا (رويترز)
جنود إسرائيليون يعبرون منطقة استهدفتها المسيّرات التي أطلقها «حزب الله» على مستعمرة بينامينا (رويترز)

تفاجأت إسرائيل استخباراتياً في تاريخها الحديث مرتين؛ الأولى: في حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، والثانية: في 7 أكتوبر 2023، الأولى حصلت على مسافة 200 كيلومتر من الحدود الإسرائيلية، والثانية حصلت على الحدود المباشرة، وضمن أراضيها بعمق 600 كلم مربع تقريباً.

وفي كلتا الحالتين لعبت العجرفة الإسرائيلية والاستخفاف بالأعداء دوراً مهماً، ولكن الأهم كان الاتكال على منظومات دفاعية تعتمد على التكنولوجيا الحديثة، بهدف تعويض النقص البشري، والتي تهدف إلى استنباط الحلول العسكرية للمشاكل العملانية.

خطّط أعداء إسرائيل بطريقة تتجاوز التفوق التكنولوجي الإسرائيلي وتتخطاه، وقد نجحوا في الكثير من المرات، لتعود إسرائيل وتستخدم تكنولوجيا أحدث لضرب أعدائها.

انتظرت إسرائيل هجوماً من «حزب الله» في الشمال واستعدّت له، فجاءها الهجوم من الجنوب من قطاع غزة. وتدخلت إيران عبر «حزب الله» لفتح جبهة إسناد لإنقاذ غزة، وها هي اليوم تخسر أهم لاعب لديها ضمن ما يُسمى بوحدة الساحات.

وإذا كان «حزب الله» الذراع الأقوى المتقدمة لإيران على خط التماسّ مع إسرائيل، فإن سقوطه - على الأقل حتى الآن - قد فتح الجبهة الداخلية الإيرانية، كما أظهر هشاشة الأمن القومي الإيراني.

وعليه قد تُنتج هذه الحرب مفاهيم جديدة فيما يخصّ العلاقة بين الأصيل والوكيل في الحروب التي تجري بالواسطة، وكيف يتعرّى الأصيل في حال سقوط الوكيل، أو كيف يمكن للوكيل جر الأصيل إلى حرب لا يريدها، فهل أرادت إيران من خلال الوكلاء الوصول إلى تحقيق معادلة ردعية فقط وهي لم تستعد لسيناريوهات الحرب؟ وهل أخطأت في الحسابات الكبرى؟

الردع عبر المنع

الأكيد حتى الآن أن وسائل الردع الإيرانية قد جُرّبت، وأعطت أكثر ما يمكنها أن تعطي من مفاعيل - الصواريخ الباليستية، والوكلاء.

وفي المقابل، تعتمد إسرائيل حالياً مبدأين للردع، هما: الردع عبر المنع قدر الإمكان، وذلك عبر إبطال نقاط قوة إيران و«حزب الله»، وخصوصاً الصواريخ والمسيّرات، كما تعتمد مبدأ الردع عبر العقاب، أي التدمير والتهجير.

دخان وآثار عبور صواريخ أطلقها «حزب الله» باتجاه حيفا وأسقطتها القبة الحديدية الإسرائيلية (أ.ف.ب)

اليوم، ضُرب المثلث الاستراتيجي لـ«حزب الله»، المؤلَّف من: الضاحية الجنوبية، والبقاع، وجنوب الليطاني.

وتشكّل منطقة جنوب الليطاني حتى الخط الأزرق حالياً مركز الثقل الوحيد والأهم لـ«حزب الله»، وإسرائيل مستعجلة لإنهائه.

في المقابل يسعى «حزب الله» إلى كسب الوقت، واستنزاف الجيش الإسرائيلي، من هنا أتت كلمة نائب أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم، لتؤسس لمرحلة ترميم الردع بحدّه الأدنى، حيث طالَب بوقف للنار من دون ذكر جبهة غزة، لكن الحزب بدأ بقصف العمق الإسرائيلي مباشرةً بعد الكلمة. واستكمل وزير الخارجية الإيراني كلمة قاسم، ليقول إن وقف النار مطلب في غزة ولبنان، مع أفضلية للجبهة اللبنانية. والمشترك بين التصريحين هو وقف النار، وفكّ ارتباط جبهة لبنان بجبهة قطاع غزة.

أكثر من استطلاع وأقل من هجوم

عند الحدود اللبنانية يعمل الجيش الإسرائيلي بـ4 فِرق عسكرية مباشرة (91، 36، 146، 98)، منها من قوى المشاة، ومنها المدرعات، وإحداها من المظلليّين والقوات الخاصة؛ الفرقة 98.

وتعمل هذه الفِرق بالتعاون مع قوى البحر، والجو، والسيبر، وغيرها، ضمن شبكة عنكبوتية متواصلة تنقل ديناميكية سير المعركة آنياً وبكل الأبعاد.

ولم تَعُد العمليات العسكرية التي بدأت منذ أكثر من 10 أيام توصف بأنها عملية استطلاع وجس نبض، فهي تُعدّ اليوم عملية أكبر من الاستطلاع، لكنها حتماً أقل من عملية هجوم كبيرة.

وإذ تسعى إسرائيل إلى استنزاف قدرات «حزب الله»، وخصوصاً الصاروخية منها، تعمد إلى استهداف مراكز الثقل لديه جنوب الليطاني، لا سيما القيادات العملانية ومراكز القيادة والسيطرة.

وتعمد إسرائيل إلى عزل منطقة جنوب الليطاني عن الداخل اللبناني، ومن هنا تقدّم الجيش الإسرائيلي في أصبع الجليل باتجاه الداخل اللبناني، وذلك بهدف قطع الطريق الممتدة من بوابة فاطمة إلى دير ميماس.

مروحية إسرائيلية تطلق صاروخاً باتجاه هدف في جنوب لبنان (أ.ب)

جنوب الليطاني ليس غزة

لكن جنوب لبنان يختلف عن قطاع غزة في أمور كثيرة؛ أهمها العمق الجغرافي الاستراتيجي، فإذا كان العمق الاستراتيجي الأفقي في غزة غير متوفّر بسبب صغر مساحة القطاع، فإن العمق الاستراتيجي العمودي عبر الأنفاق كان البديل، فهل يملك «حزب الله» هذا العمق الاستراتيجي العمودي؟ وإذا ما أضفنا منظومة الأسلحة الخاصة به، كما تحضيره المسبق لساحة المعركة منذ أكثر من 18 سنة، فكيف ستكون خطط الجيش الإسرائيلي؟ وهل سيقع في نفس أخطاء حرب «تموز» 2006؟

وأخيراً وليس آخراً، وبعد استعادة «حزب الله» بعضاً من توازنه، بدأ الحزب يرسم نمطاً جديداً من الرد على الداخل الإسرائيلي، وكأنه يسعى للتموضع ضمن معادلة الرد الإسرائيلي على إيران، والرد الإيراني على الرد.


مقالات ذات صلة

إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

شؤون إقليمية بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)

إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

ما يجب أن نعرفه عن النطاق القانوني للمحكمة الجنائية الدولية، حيث تسعى إلى اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي جنازة فلسطينيين قُتلوا في غارة إسرائيلية في مدينة غزة (رويترز)

مستشفيات غزة مهددة بالتوقف عن العمل... و19 قتيلاً في القصف الإسرائيلي

حذرت وزارة الصحة التابعة لحركة «حماس» في قطاع غزة أمس (الجمعة)، من توقف كل مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

انتزع ترمب الفوز من منافسته الديمقراطية، معتمداً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية.

رنا أبتر (واشنطن)
المشرق العربي دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)

إسرائيل تملأ غياب هوكستين بالغارات والتوغلات

تملأ إسرائيل غياب الموفد الرئاسي الاميركي آموس هوكستين الذي يحمل مبادرة أميركية لوقف إطلاق النار، بالغارات العنيفة، وتوسعة رقعة التوغل البري الذي وصل إلى مشارف

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي إسرائيل تخشى أن تتم ملاحقة ضباطها أيضاً بعد إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (مكتب الإعلام الحكومي في إسرائيل - أ.ف.ب)

«نتنياهو المطلوب» يقلق إسرائيل على ضباطها

في ظلّ معلومات عن اتجاه دول أجنبية إلى تقليص اتصالاتها مع الحكومة الإسرائيلية غداة صدور مذكرة توقيف دولية بحق رئيسها، بنيامين نتنياهو، وأخرى بحق وزير دفاعه

نظير مجلي (تل أبيب)

بغداد تلقّت «تهديداً واضحاً» من إسرائيل

رئيس البرلمان العراقي خلال «منتدى السلام» في دهوك (إكس)
رئيس البرلمان العراقي خلال «منتدى السلام» في دهوك (إكس)
TT

بغداد تلقّت «تهديداً واضحاً» من إسرائيل

رئيس البرلمان العراقي خلال «منتدى السلام» في دهوك (إكس)
رئيس البرلمان العراقي خلال «منتدى السلام» في دهوك (إكس)

قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، أمس، إنَّ بغداد تلقّت «تهديداً واضحاً» من إسرائيل.

وأكد حسين، في كلمة خلال «منتدى الجامعة الأميركية» بدهوك في إقليم كردستان، أنَّ «القوات المسلحة تلقّت أوامر من رئيس الحكومة بمنع أي هجمات تنطلق من الأراضي العراقية»، وشدد على أن بلاده «لا تريد الحرب، وتسعى لإبعاد خطرها»، وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية.

من جهته، قال رئيس البرلمان محمود المشهداني، إنَّ «ما يحدث اليوم في منطقة الشرق الأوسط يمكن تسميته المجالَ الحيوي للنكبة الثانية».

بدوره، حثّ الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، الدول الكبرى على بذل «جهود جادة لحل هذه القضايا وإنهاء الحروب». ودعا رئيس «الحزب الديمقراطي الكردستاني» مسعود بارزاني، إلى «إبعاد العراق عن الحرب».