دعم نفسي ولمحة من الحياة العادية... مصفِّفا شعر يُقدمان تسريحات مجانية للنازحين اللبنانيين (صور)

بين القص وتغيير التسريحات... كريستي و«أبولو» يزرعان الفرح في قلوب هاربة من القصف

الشابة كريستي رحّال وزميلها «أبولو» يقدمان خدمة تصفيف الشعر المجانية للبنانيين النازحين بسبب الحرب في بيروت (الشرق الأوسط)
الشابة كريستي رحّال وزميلها «أبولو» يقدمان خدمة تصفيف الشعر المجانية للبنانيين النازحين بسبب الحرب في بيروت (الشرق الأوسط)
TT

دعم نفسي ولمحة من الحياة العادية... مصفِّفا شعر يُقدمان تسريحات مجانية للنازحين اللبنانيين (صور)

الشابة كريستي رحّال وزميلها «أبولو» يقدمان خدمة تصفيف الشعر المجانية للبنانيين النازحين بسبب الحرب في بيروت (الشرق الأوسط)
الشابة كريستي رحّال وزميلها «أبولو» يقدمان خدمة تصفيف الشعر المجانية للبنانيين النازحين بسبب الحرب في بيروت (الشرق الأوسط)

تضع الشابة اللبنانية العشرينية كريستي رحّال معدات الحلاقة داخل سترة سوداء ترتديها، وتحمل كرسياً متحركاً معها خلال تجولها في شوارع العاصمة بيروت، لتقديم خدمات قصّ الشعر للنازحين من الحرب الذين يتخذون من مراكز الإيواء منازل جديدة لهم، بعد تصاعد حدة القصف الإسرائيلي على مناطق لبنانية عدة، من جنوب البلاد والبقاع إلى ضاحية بيروت الجنوبية.

«أشعر بالسعادة لمجرد إدخال الفرح إلى قلوبهم، ولو للحظات»... بهذه الكلمات تصف رحّال مبادرتها الإنسانية التي بدأت يوم السبت الماضي، بعدما لبّت نداءً أطلقه صاحب أحد المطاعم في بيروت، يدعو فيه جميع الأشخاص لمساعدة النازحين، بشتى الطرق.

كريستي رحّال تجول على مراكز إيواء في بيروت لتقديم خدمات الحلاقة المجانية للنازحين (الشرق الأوسط)

ومن الجدير بالذكر أن رحّال مصففة شعر متخصصة للرجال، وهو أمر يلفت انتباه النازحين، خصوصاً الأطفال منهم، ويثير إعجابهم.

وتقول الشابة لـ«الشرق الأوسط»: «حملت الكرسي المتحرك وأغراضي المخصصة لحلاقة الشعر والذقن، وتوجهت إلى المطعم، وبدأت بقص شعر النازحين هناك... الأمر الذي لاقى ترحيباً بينهم».

مصففة الشعر كريستي رحّال تقدم خدماتها مجاناً لأحد النازحين من الحرب في بيروت (الشرق الأوسط)

وبدأت رحّال منذ ذلك الحين بالتنقل من مركز إيواء إلى آخر، في محاولة لدعم النازحين الذين شردتهم الحرب نفسياً قدر الإمكان، وتشرح: «يتجمع الأطفال من حولي وتعجبهم فكرة أنني مصففة شعر مخصصة للرجال. وعندما أنتهي من تسريحة لأحدهم وتنال إعجابهم يشكرونني بكل صدق لأنني أساعدهم في التأقلم مع الأماكن التي يُضطرون إلى تقبُّلها كبيوت جديدة لهم».

«الآن أشعر بأنني جميل»

تتحدث رحّال عن جملة محددة سمعَتْها من أحد الأطفال وأثّرت فيها كثيراً: «(الآن أشعر بأنني جميل)، هكذا وصف طفل نفسه عندما رأى تسريحته الجديدة بالمرآة، وتلك الجملة أدخلت الطمأنينة إلى قلبي... السعادة التي أشعر بها بعد مساعدتهم هي كل ما أطلبه مقابل عملي».

الشابة اللبنانية كريستي رحّال تقص شعر أحد الأطفال النازحين في بيروت (الشرق الأوسط)

وتستنكر كريستي محاولة بعض الأشخاص استغلال الأزمة أو عدم إظهار تعاطف مع النازحين، وتقول: «أخبرني رجل مسنّ أنه لجأ إلى أحد الصالونات المجاورة لقص شعره، وطلب الموظف منه مبلغاً وقدره 15 دولاراً، دون أي رأفة بوضعه».

وكريستي شابة لبنانية تبلغ من العمر 28 عاماً، وتنحدر من منطقة جزين في جنوب البلاد، وكانت تعمل في مختبر للأسنان قبل اتخاذها قرار ترك وظيفتها وملاحقة حلمها مصففةً لشعر الرجال في العاصمة بيروت.

الشابة كريستي رحّال تحلق شعر أحد النازحين في شارع ببيروت (الشرق الأوسط)

وبعد انطلاقها في حملتها، جذبت المبادرة الشاب غابرييل سالطاوي، المعروف بـ«أبولو»، وهو اسم صالون تصفيف الشعر الذي يمتلكه في بيروت.

وينضم «أبولو» لرحّال في جولاتها ضمن بيروت، ويشرح لـ«الشرق الأوسط»: «كنت جالساً في المنزل منذ بداية الحرب وموجة النزوح مع دافع قوي للمساعدة... ولكنني مصفف شعر... لستُ جيداً في الطبخ كي أساعد في تأمين وجبات كما يفعل الكثيرون، لكنني ماهر في الحلاقة وتصفيف الشعر وتغيير الألوان للنساء، فعندما سمعتُ عن مبادرة كريستي، تواصلت معها، وبدأنا بالتجول على مراكز الإيواء معاً».

ويقول الشاب البالغ من العمر 25 عاماً إنه لاقى كثيراً من ردود الفعل الإيجابية بين النازحين على مبادرته، ويضيف: «يتجمع مِن حولي الأطفال لأنني خبير في تسريحات الشعر اللطيفة الخاصة بهم، ويبدأون بالتدافع للوصول إليّ... أحاول طبعاً تلبية طلبات الجميع».

نازحة تحصل على خدمة تغيير لون شعرها من قبل مصفف الشعر «أبولو» في بيروت (الشرق الأوسط)

«استرجاع روتين سُلب منهم»

وعن الهدف وراء عمله المجاني، يقول: «كثير من النازحات هُنّ من النساء اللواتي يهتممن بأنفسهن قبل الحرب... حُرمن الآن حتى من الاستحمام وتنظيف الشعر جيداً وتصفيفه بطريقة لائقة وسط الأزمة... أحاول مساعدتهن على استرجاع روتين يومي سُلب منهن وجزء صغير من حياتهن العادية ما قبل التهجير».

ويتابع «أبولو»: «الإنسان ابن عاداته، ويرتبط روتينه اليومي براحته النفسية، لذلك تُعتبر هذه المبادرة مهمة، حيث إنها تساهم في استرجاع عوامل أساسية فقدها النازحون. المظهر الخارجي يؤثر كثيراً على معنوياتنا».

مصفف الشعر أبولو يظهر برفقة أطفال نازحين في بيروت (الشرق الأوسط)

تصفيف شعر وسط الحرب؟

يرفض «أبولو» الاستسلام، في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب اللبناني، تحت وطأة القصف الإسرائيلي المتصاعد والأزمة الاقتصادية الخانقة التي لا يزال يعاني منها منذ أكثر من 5 سنوات، ويشرح: «تلقيت بعض الانتقادات التي تهزأ من المبادرة وتستغرب قيامنا بتصفيف شعر النازحين وسط القصف وأصوات الطيران الحربي في بيروت».

ويضيف: «يريدون منا الجلوس؛ كلّ في مكانه، والاستسلام لليأس والواقع المرير... لكننا شعب لا يستسلم، ولن نوقف روتين حياتنا، ما دامت العزيمة موجودة للعيش والاستمرارية... أحاول رسم الابتسامة على وجوه النازحين، خصوصاً الأطفال منهم، وهذا ما يهم».

الشاب المعروف بـ«أبولو» يقوم بتغيير لون شعر إحدى النازحات في شارع ببيروت (الشرق الأوسط)

ولا يتوقف عمل «أبولو» على تغيير الألوان أو التسريحات فحسب، بل يعطي أيضاً الأهل في مراكز الإيواء نصائح للاهتمام بالشعر وسط الظروف التي تمنعهم من الاستحمام يومياً أو استخدام المستحضرات التي كانوا معتادين عليها قبل النزوح.

ويقول: «أحاول، بمبادرة شخصية، توزيع بعض منتجات الاهتمام بالشعر على الأمهات، ولكنني لا أجمع التبرعات، ولا يمكنني تلبية طلبات كثيفة».

ويؤكد كل من «أبولو» وكريستي رحّال على ضرورة أن يساعد الأشخاص بعضهم بعضاً في ظل هذه الأوضاع الأليمة، مهما كانت قدرات كل فرد أو إمكاناته المادية.


مقالات ذات صلة

رحيل الشاعر شوقي أبي شقرا... صائغ الغرائبيات الطفولية

يوميات الشرق من اليمين... أدونيس وشوقي أبي شقرا وأنسي الحاج ويوسف الخال

رحيل الشاعر شوقي أبي شقرا... صائغ الغرائبيات الطفولية

شاعر سوريالي بامتياز، عُرف بتراكيبه الفريدة، وعشقه للّعب بالصور، وكأنها «بازل» (Puzzle) في يد طفل لا يملّ التجريب. بقي كذلك حتى سنواته الأخيرة.

سوسن الأبطح (بيروت)
المشرق العربي طائرة تقلع من مطار بيروت في 7 أكتوبر 2024 (رويترز)

بحث عن مكاتب «حزب الله»... ترحيل مواطن إسرائيلي من لبنان بعد توقيفه في الضاحية

أوقفت السلطات اللبنانية شخصاً يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية في بيروت، الأسبوع الماضي، ورحّلته، وفق ما أفاد مصدران أمني وقضائي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عَلم «حزب الله» مرفوع على أحد الأعمدة في ضاحية بيروت الجنوبية حيث الأبنية المُدمَّرة نتيجة القصف الإسرائيلي (رويترز)

الدبلوماسية تتراجع لصالح الميدان والكلمة الفصل للنتائج

يكاد الحديث عن مبادرات جدية لوقف إطلاق النار يغيب في لبنان الذي يعيش حرباً مفتوحة على كل الاحتمالات.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي آليات تابعة لقوات «يونيفيل» خلال دورية في مرجعيون بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

«يونيفيل»: دبابة «ميركافا» إسرائيلية أطلقت النار باتجاه مقرنا في الناقورة

قالت قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان (يونيفيل)، في بيان، اليوم (الخميس)، إن مقراتها ومواقع قريبة في جنوب لبنان تتعرّض لقصف متكرر.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي (رويترز)

ميقاتي يؤكد «تكثيف» الاتصالات الدبلوماسية سعياً لوقف إطلاق النار

قال رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، الخميس، إن الاتصالات الدبلوماسية تكثفت قبيل انعقاد جلسة لمجلس الأمن بهدف السعي مجدداً إلى وقف إطلاق نار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

بحث عن مكاتب «حزب الله»... ترحيل مواطن إسرائيلي من لبنان بعد توقيفه في الضاحية

طائرة تقلع من مطار بيروت في 7 أكتوبر 2024 (رويترز)
طائرة تقلع من مطار بيروت في 7 أكتوبر 2024 (رويترز)
TT

بحث عن مكاتب «حزب الله»... ترحيل مواطن إسرائيلي من لبنان بعد توقيفه في الضاحية

طائرة تقلع من مطار بيروت في 7 أكتوبر 2024 (رويترز)
طائرة تقلع من مطار بيروت في 7 أكتوبر 2024 (رويترز)

أوقفت السلطات اللبنانية شخصاً يحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية في بيروت، الأسبوع الماضي، ورحّلته، وفق ما أفاد مصدران أمني وقضائي، «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس.

وقال مصدر قضائي، طلب عدم الكشف عن هويته: «جرى توقيف جوشوا صامويل تارتاكوفسكي، وهو صحافي يحمل جوازات سفر إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، في 5 أكتوبر (تشرين الأول)، وترحيله في اليوم التالي».

وكثّفت إسرائيل غاراتها الجوية في لبنان، منذ أكثر من أسبوعين، مستهدفة ما تقول إنها بنى تحتية ومنشآت تابعة لجماعة «حزب الله» في مناطق متفرقة من البلاد.

ويجرّم القانون اللبناني أي تواصل مع إسرائيل، وهي تهمة تقتضي عقوبة بالسجن، كما يُحظر على المواطنين اللبنانيين السفر إلى إسرائيل.

وأفاد مسؤول أمني، طلب أيضاً عدم الإفصاح عن هويته، بأنّ عناصر «حزب الله» اعتقلوا رجلاً يدعى جوشوا صامويل تارتاكوفسكي يحمل جوازيْ سفر أميركي وإسرائيلي، وسلّمته إلى مخابرات الجيش اللبناني.

وقال المصدر إنّ الرجل «ليس صحافياً». وأوضح أنّ تارتاكوفسكي «توجه إلى الضاحية» الجنوبية لبيروت؛ «بحثا عن مكاتب (حزب الله) لإطلاعهم على تكتيكات الجيش الإسرائيلي». وعرّف نفسه على أنه «داعم لغزة و(حزب الله)».

وأفادت ناطقة باسم السفارة الأميركية في بيروت، «وكالة الصحافة الفرنسية»، قائلة: «نحن على علم بأمر التوقيف، ولأسباب متعلقة بالخصوصية، لا يمكننا تقديم مزيد من المعلومات».

وبعد تبادل إطلاق النار عبر الحدود اللبنانية الإسرائيلية بين «حزب الله» وإسرائيل لمدة عام، كثّفت الدولة العبرية، منذ 23 سبتمبر (أيلول) الماضي، غاراتها على مناطق تُعدّ معاقل للحزب في جنوب لبنان وشرقه وضاحية بيروت الجنوبية.

وأدى التصعيد الأخير إلى مقتل أكثر من 1200 شخص، ونزوح أكثر من 1.2 مليون آخرين.