أسئلة حول حصر تكليف قاسم لـ«الأخ الأكبر» بوقف النار؟

«المقاومة الإسلامية» تفاجئ «حزب الله» بمواصلة إسنادها لغزة

نعيم قاسم في إطلالته الأخيرة: ندعم الحراك السياسي لـ«الأخ الأكبر» نبيه برّي (الشرق الأوسط)
نعيم قاسم في إطلالته الأخيرة: ندعم الحراك السياسي لـ«الأخ الأكبر» نبيه برّي (الشرق الأوسط)
TT

أسئلة حول حصر تكليف قاسم لـ«الأخ الأكبر» بوقف النار؟

نعيم قاسم في إطلالته الأخيرة: ندعم الحراك السياسي لـ«الأخ الأكبر» نبيه برّي (الشرق الأوسط)
نعيم قاسم في إطلالته الأخيرة: ندعم الحراك السياسي لـ«الأخ الأكبر» نبيه برّي (الشرق الأوسط)

يسجّل عدد من أصدقاء «حزب الله» عتبه على نائب أمينه العام، الشيخ نعيم قاسم، لتأييده «الأخ الأكبر»، رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، في حراكه الذي يقوده بعنوانه الأساسي «وقف النار»، وأن «لا محل، قبل وقفه، لأي نقاش بالنسبة إلينا»، من دون أن يتبنّى حَرفية الموقف الذي توصّل إليه برّي في اجتماعه برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، والرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، الذي أرفقه بطلب نشر الجيش اللبناني في جنوب الليطاني، وتطبيق القرار 1701؛ كونه يشكّل الآلية المطلوبة دولياً لعودة الهدوء إلى الجنوب.

فقاسم لم يكن مضطراً لحصر تأييده لبرّي بوقف النار، ولم يكن ليلقى إحراجاً داخل الحزب ما دام أن أمينه العام حسن نصر الله، قبل اغتياله بساعات، كان وافق على هذه الآلية لعودة الاستقرار إلى الجنوب، والتي شكّلت الضوء الأخضر الذي شجّع ميقاتي للسفر إلى نيويورك، وأن يتلاقى في خطابه مع النداء الأميركي - الفرنسي المدعوم دولياً لوقف النار، برغم أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو هو من أردى هذا النداء أرضاً، مستعصياً على إرادة المجتمع الدولي، بانقلابه على موافقته، بعد أن قطع وعداً للرئيس الأميركي جو بايدن بتأييده.

بين موقف قاسم وبيان «المقاومة الإسلامية»

وبرغم أن نتنياهو هو من تصدى للنداء، ولم يسمح له بأن يرى النور، فلا مجال، كما يقول هؤلاء الأصدقاء، لترف الوقت، وكان الأفضل لنعيم قاسم تدعيم الموقف اللبناني بتأييده - بلا شروط - ثلاثيةَ: وقف النار، ونشر الجيش، وتطبيق القرار 1701، في ضوء ما يُنقَل على لسان السفيرة الأميركية لدى لبنان، ليزا جونسون، بأن النداء لم يَمُت ولا يزال مطروحاً على الطاولة، وأن الرئيس بايدن يواصل ضغطه على نتنياهو؛ للعودة عن تعطيل تطبيقه، الذي يحظى بتأييد لبناني كان موضع إشادة من قِبلها، حسبما أبلغته إلى كبار المسؤولين الذين التقتهم في الساعات الأخيرة.

ومع أن قاسم تجنّب استحضار إسناد الحزب حركة «حماس» في غزة، في إطلالته الثانية على جمهور المقاومة وبيئته، مكتفياً بالقول إن جبهة لبنان مسانِدة لغزة، واستنزفت العدو 11 شهراً، مدافعاً عن إيران في دعمها للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية، فإنه في المقابل أغفل الإشارة إلى الربط بين جبهتَي غزة والجنوب، بخلاف البيان الصادر عن غرفة عمليات «المقاومة الإسلامية»، الذي جاء بعد انقضاء ساعات على خطاب قاسم، وورد فيه حرفياً: «أمّا لغزة الحبيبة فنقول: نحن على العهد والوعد، ولن نتخلى عن دعمنا وإسنادنا لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة ومقاومته الباسلة والشريفة، وهذه وصية سيد شهداء طريق القدس، وهي أمانة في أعناقنا ونحن أهل الأمانة».

موقف بلا مفاعيل على الأرض

فهل جاء البيان في سياق الحرص على تسجيل موقف مبدئي تحت عنوان أن لا خيار للمقاومة الإسلامية سوى مُضيّها في إسناد «حماس»؛ التزاماً بموقفها المبدئي الداعم لها، وأنه لن يترتب على هذا الموقف مفاعيل على الأرض، في حال أن الجنوب بدأ يستعيد هدوءه بضغط من واشنطن على نتنياهو لوقف عدوانه وتَماديه في تدمير القرى وإحراقها، وهذا ما يقطع الطريق على من يراهن بأن المقاومة تتمايز - في موقفها بعدم الفصل بين الجبهتين - عن قاسم، ويحاول أن يؤسّس عليه سياسياً إلى أن يكتشف أن رهانه في غير محله، وأن التنسيق قائم، ولا مجال لاستحضار خلاف لا أساس له من الصحة.

لذلك، تبقى الكلمة للميدان في الجنوب، وإسناد «المقاومة الإسلامية» لـ«حماس» ما هو إلا ورقة سياسية لم يَعُد لها دور في ظل التراجع الملحوظ لـ«حماس» في تصدّيها لإسرائيل، ولا يمكن للحزب التفريط بها ما لم تُصرَف في وضع حدّ للعدوان الإسرائيلي، في ظل ارتفاع المخاوف من طول أمد الحرب إلى ما بعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأميركية، تحت ضغط الابتزاز الذي يمارسه نتنياهو لتغيير الوضع في الجنوب، على نحو يؤدي إلى تبدُّل ميزان القوى في الشرق الأوسط.

عراقجي والذراع العسكرية للحزب

وعليه، فإن تجنّب قاسم الإشارة إلى الربط بين الجبهتين يأتي ترجمةً لانسجامه مع المداولات التي دارت بين برّي وميقاتي وجنبلاط، وانتهت إلى صرف النظر عن التلازم بين غزة والجنوب، بينما لا تستبعد مصادر مواكِبة أن الدوافع التي أمْلت على وزير خارجية إيران عباس عراقجي في زيارته لبيروت، التمسكَ بالتلازم بين الجبهتين، هي اعتقاده بأن القرار يعود للذراع العسكرية لـ«حزب الله» الذي هو على صلة وثيقة بـ«الحرس الثوري»، ما يُملي عليه إيداع قرار وقف النار في عهدة طهران التي تتحضر لرد إسرائيل على قصفها عدداً من منشآتها؛ ثأراً منها لاغتيالها رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية في عقر دار «الحرس الثوري»، واغتيال الأمين العام لـ«حزب الله».

وبكلام آخر، هل تتريث «المقاومة الإسلامية» في حسم أمرها حيال الفصل بين الجبهتين إلى ما بعد قيام إسرائيل بالرد على إيران، ليكون في وسع الأخيرة تحديد المسار العام للمواجهة التي يمكن أن تتوسّع من الجنوب نحو الإقليم، في حال أن واشنطن لم تتمكّن من ضبط إيقاع الرد الإسرائيلي بشكل لا يجعله يخرج عن طابع السيطرة، أسوةً بضبط إيقاع الردود التي حصلت بين طهران وتل أبيب في أعقاب قيام الأخيرة باستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق؟

تبادل أدوار؟

لكن هناك من يدعو إلى عدم الذهاب بعيداً في الاجتهاد بتقديم التباين بين قاسم و«المقاومة الإسلامية»، حول الربط بين الجبهتين وكأنه قائم حُكماً، ويتعامل معه على أنه مجرد تبادل لوجهات النظر على قاعدة توزيع الأدوار، وبالتالي لن يكون حاضراً في حسابات الحزب الذي قطع شوطاً على طريق استيعابه للصدمة التي هزّته باغتيال نصر الله، وهو يكاد الآن يستعيد عافيته بملء الشواغر في الميدان التي نجمت عن اغتيال أبرز قياداته وكوادره العسكرية.

وفي هذا السياق تُبدي المصادر تفاؤلها بديمومة العلاقة بين الحزب وبرّي، وتقول إن تفويضه لم يكن عابراً ومرحلياً لتقطيع الوقت، وإنما ينم عن رغبة الحزب في تعزيز تحالُفه مع «أمل»، وأن مقاربتهما للملف الرئاسي تشكّل محطة لاختبار عمق تعاونهما، وتفهّم برّي لوجهة نظر الحزب بإصراره على ترحيل انتخاب الرئيس إلى ما بعد تبيان الوجهة النهائية للحرب في الجنوب، وبالتالي فإن الحراك الرئاسي يبقى تحت سقف ملء الفراغ إلى حين توافر الشروط لانتخابه.


مقالات ذات صلة

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال زيارته وزارة الدفاع (حسابه عبر منصة إكس)

ميقاتي: اللبنانيون مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي مسيّرة إسرائيليّة من نوع (هرمز 450)

«حزب الله» يعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450» فوق الطيبة

أعلنت جماعة حزب الله اللبنانية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، أنها أسقطت مسيرة إسرائيلية بصاروخ أرض-جو في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (هرمز 450)
المشرق العربي عناصر من خدمة الطوارئ الإسرائيلية في مكان سقوط مقذوف في حيفا أطلق من لبنان (رويترز)

الجيش الإسرائيلي: سقوط صواريخ أطلقها «حزب الله» على حيفا وتضرر كنيس

أعلن الجيش الإسرائيلي تضرر كنيس في «هجوم صاروخي كبير» شنه «حزب الله» اللبناني على مدينة حيفا (شمال غرب)؛ ما أسفر عن إصابة شخصين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

ماذا يعني إعلان «حزب الله» العودة للعمل السياسي تحت سقف «الطائف»؟

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم يتحدث عبر الشاشة (رويترز)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم يتحدث عبر الشاشة (رويترز)
TT

ماذا يعني إعلان «حزب الله» العودة للعمل السياسي تحت سقف «الطائف»؟

أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم يتحدث عبر الشاشة (رويترز)
أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم يتحدث عبر الشاشة (رويترز)

كان لافتاً أن يخرج أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، أخيراً، للحديث عن مرحلة ما بعد وقف النار وانتهاء الحرب الإسرائيلية، ليعلن أن خطوات الحزب السياسيّة وشؤون الدولة ستكون «تحت سقف الطائف»، ويتحدث عن «مساهمة فعالة» لانتخاب رئيس للجمهورية، مع إشارة واضحة إلى ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة»، التي عدّها «الرصيد المتبقّي الذي نستطيع من خلاله أن نبني وطننا». وهذه الثلاثية هي عبارة ترد في البيان الوزاري للحكومات اللبنانية منذ أعوام، وفيها تشريع مبطن لعمل الحزب العسكري.

واختلفت قراءة مواقف الحزب تلك. ففيما عدَّ البعض أنه يمهّد من خلالها لتنازلات في المرحلة المقبلة مرتبطة بسلاحه، رأى آخرون أنها تنحصر بـ«المشروع السياسي»، إذ إن آخر ما قد يُقدم عليه «حزب الله» اليوم طالما الحرب مستمرة وفي أوجها الحديث عن سلاحه ومصيره.

ما الذي نص عليه «الطائف»؟

وقسّم «اتفاق الطائف»، الذي يُعرف بـ«وثيقة الوفاق الوطني اللبناني»، التي صادق عليها مجلس النواب في عام 1989، المراكز والمناصب على الطوائف، وحدد صلاحيات السلطات الأساسية. ونصّ على «حلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية»، لكنه في الوقت عينه أشار إلى «اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها».

ولطالما حاول «حزب الله» إبداء تمسكه بـ«اتفاق الطائف». وفي يوليو (تموز) 2023، أكد الأمين العام السابق للحزب حسن نصر الله أن «الحديث عن أن (حزب الله) يريد إلغاء (اتفاق الطائف) والمناصفة بين المسلمين والمسيحيين هو كذب وتضليل مقصود».

المشروع السياسي

ووصف الكاتب والباحث السياسي قاسم قصير، المطلع عن كثب على شؤون «حزب الله»، موقف قاسم، بـ«المهم»، معتبراً أنه «يؤكد التزام الحزب بالاتفاق، وأنه لن يكون له مشروع سياسي داخلي مختلف». وشدد قاسم، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أنه «ليس لهذا الموقف علاقة بالسلاح باعتبار أن (اتفاق الطائف) له علاقة بالمشروع السياسي».

مصلحة شيعية

من جهته، رأى عضو كتلة «تحالف التغيير» النائب ميشال دويهي أن «مفهوم (اتفاق الطائف) عند عدد كبير من القوى السياسية يتخطى (الطائف) والصلاحيات الدستورية. فنرى هذه القوى، وعلى رأسها (الثنائي الشيعي)، أي (حزب الله) وحركة «أمل»، تنتقي ما تريد من هذا الاتفاق وتطبقه»، متسائلاً: «ألم ينص الاتفاق على حل كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة وهو أمر لم يحصل؟».

وعدَّ دويهي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «كل السلوك السياسي والدستوري والقانوني لـ(الثنائي)، هو تعدّ على (الطائف)»، مضيفاً: «آخر ملامح خرق (الطائف) تولي الرئيس بري مفاوضات وقف النار بدلاً عن رئيس الجمهورية»، ولافتاً إلى أنه «بعد الحرب الكبيرة والمؤلمة لجميع اللبنانيين، نرى أنه لدينا فرصة لتطبيق (الطائف)، واستعادة الدولة وبناء المؤسسات، ونعتقد أن للطائفة الشيعية مصلحة وجودية وكيانية بالعودة إلى الدولة والمساهمة في بناء دولة قوية».

لا شيء مضمون

أما رئيس مؤسسة «جوستيسيا» الحقوقية المحامي بول مرقص، فعدَّ أن الشيخ قاسم، وبحديثه في هذا التوقيت عن «الطائف»، إنما «غمز باتجاه أن الحزب سيكون من الآن وصاعداً حزباً سياسياً يعمل وفق أطر اللعبة السياسية التي أرسى قواعدها (اتفاق الطائف) لا ميليشيا مسلحة»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «قصد أيضاً أن الحزب لن يذهب باتجاه (العد)، أي اعتبار أن أكثرية طائفية معينة يمكنها أن تحتل مركز طائفة أخرى. لكن الأمرين أشار إليهما من باب الغمز، لا من باب الضمانة أو التأكيد، لأن لا شيء يمنع أن يستمر الحزب بحمل سلاحه طالما العبارة لم تأت واضحة وصريحة».

وأضاف مرقص: «(الطائف) نصّ على حل جميع الميليشيات إلا أنه أبقى على مفهوم المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية، لذلك يفسره (حزب الله) على النحو الذي يريده، بحيث يبقي على سلاحه تحت هذا الشعار، من هنا لا يمكن اعتبار عبارة (تحت سقف الطائف) عبارة ضامنة إنما تحتمل الكثير من الالتباس والتأويل».