لبنان واجه 3 اجتياحات إسرائيلية مدمّرة... والرابع على الأبواب

الوصايات المتلاحقة أضعفت الدولة وغيّبت قرارها

دبابة إسرائيلية على الحدود مع جنوب لبنان (أ.ف.ب)
دبابة إسرائيلية على الحدود مع جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

لبنان واجه 3 اجتياحات إسرائيلية مدمّرة... والرابع على الأبواب

دبابة إسرائيلية على الحدود مع جنوب لبنان (أ.ف.ب)
دبابة إسرائيلية على الحدود مع جنوب لبنان (أ.ف.ب)

لا يمرّ عقدان من الزمن، إلّا ولبنان على موعد مع اجتياح إسرائيلي برّي لأراضيه، وتحديداً منطقتي الجنوب والبقاع الغربي، تحت أعذار أمنية متعددة، يذهب ضحيتها البلد وشعبه. وحتى فترة الهدوء النسبي التي ينعم بها، لا تعدو كونها هدنة بين حربين.

ويكاد يكون لبنان البلد العربي الثاني بعد فلسطين الذي دفع أثمان العدوان الإسرائيلي على أرضه وسيادته وشعبه، وعاش اجتياحات متتالية كلّها تصبّ تحت عنوان «توفير الأمن والاستقرار لسكان المستوطنات الشمالية المتاخمة للحدود مع لبنان». لكنّ هذا الأمن لم يتحقق لكونه يتم فرضه بالقوّة.

سلامة الجليل

وعاش لبنان 3 اجتياحات إسرائيلية قاسية: أولها في عام 1978، وصل خلالها الجيش الإسرائيلي إلى مجرى نهر الليطاني، ولم يمكث أكثر من 3 أشهر، أقام خلالها ما يُسمّى «الحزام الأمني» أو «الشريط المحتل»، وسلّم الأمن في تلك المنطقة إلى ميليشيات لبنانية موالية له، بقيادة الضابط السابق في الجيش اللبناني، سعد حداد، وقوات الطوارئ الدولية. ثم جاء الاجتياح الواسع في عام 1982، تحت عنوان «القضاء على مقاتلي (منظمة التحرير الفلسطينية) في الجنوب»، رداً على عملية اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، لكنّ ذلك الاجتياح وصل إلى العاصمة بيروت.

وذكّر الخبير العسكري والاستراتيجي العميد هشام جابر، بأن «كل الحروب التي شنتها إسرائيل على لبنان والاجتياحات البرّية، حملت عنواناً واحداً اسمه سلامة الجليل»، مشيراً إلى أنه «رغم التفوّق العسكري التاريخي لدولة الاحتلال والاستفادة من الدعم الدولي لها، لم تفلح بتوفير الأمن والحماية للجليل الأعلى والأوسط، ولم ينعم سكان هذه المناطق بالاستقرار».

وشدد جابر، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن «الاجتياح الذي حصل في 1978 خاض خلاله جيش الاحتلال قتالاً محدوداً مع مجموعات فلسطينية مسلّحة، تراجعت أمام التوغّل الإسرائيلي، واستغنت عن مواقعها وسلاحها. أما في اجتياح 1982، فكان الاجتياح مقرراً إلى حدود جغرافية محددة للقضاء على عناصر منظمة (فتح) في الجنوب، لكن سرعان ما انسحب هؤلاء بسرعة، وفُتحِت الطريق أمام الجيش الإسرائيلي الذي وصل إلى العاصمة بيروت».

دمار تسبب به القصف الإسرائيلي على بلدة السكسكية جنوب لبنان في 26 سبتمبر 2024 (وكالة الأنباء الألمانية)

مساندة لا مجابهة

أسباب هذه الاجتياحات لا تقف عند السلوك العدواني لإسرائيل وأطماعها في لبنان، بل تكمن أيضاً في إضعاف الدولة إلى حدّ تغييبها.

واعتبر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس، الدكتور خطّار أبو دياب، أنه «عندما كان لبنان جزءاً من النظام العربي، جرى التعامل معه كدولة مستقلّة لها كيانها وسيادتها»، مذكِّراً بالاجتماع الذي عُقِد بين الرئيس اللبناني فؤاد شهاب والرئيس المصري جمال عبد الناصر في خيمة عند الحدود اللبنانية - السورية، وتم حينها الاتفاق على أن «لبنان دولة مساندة للقضية الفلسطينية وليست دولة مجابهة، وهذا ما حمى لبنان من احتلال أرضه، وأبقى اتفاقية الهدنة صامدة». وقال أبو دياب لـ«الشرق الأوسط»: «منذ اتفاق القاهرة وتحويل جنوب لبنان مسرحاً للمقاتلين الفلسطينيين وإعطاء منظمة التحرير دوراً مركزياً في لبنان وقعنا في المحظور، وحصل اجتياح عام 1978، ثم اجتياح عام 1982 الذي وصل خلاله الجيش الإسرائيلي إلى بيروت».

وعزا أبو دياب الأمر إلى «عدم قدرة الدولة على بسط سيادتها على أراضيها»، مشيراً إلى أن إسرائيل «استفادت من ضعف الدولة، وفكرت في تحقيق أطماعها بلبنان، من المياه إلى الدور المركزي لمؤسساته، مثل مرفأ بيروت والمصارف وغيرها».

قدرات «حزب الله»

صحيح أن إسرائيل لا تخفي أطماعها بلبنان، لكنّ ثمّة حوادث خلقت لها أعذاراً؛ فالاجتياح البرّي للجنوب في عام 2006 جاء رداً على عملية نفذها «حزب الله» عند الخطّ الأزرق أسفرت عن مقتل جنود إسرائيليين وأسر اثنين آخرين. وكانت الغاية من أسر الجنديين إرغام إسرائيل على صفقة تبادل تفرج من خلالها عن الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، بينهم سمير القنطار الذي لُقّب بـ«عميد الأسرى»، وعلى أثرها شنّت إسرائيل اجتياحاً واسعاً للبنان واستمرت الحرب 33 يوماً.

وشرح العميد هشام جابر أن «ظروف عام 2006 وقدرات المقاومة (حزب الله) اختلفت عمّا كان عليه الوضع في اجتياحَي 1978 و1982، لأن القدرات القتالية لدى (حزب الله) أقوى بكثير مما كان عليها المقاتلون الفلسطينيون، بالإضافة إلى الخبرات العسكرية التي راكمها الحزب في عملياته ضدّ إسرائيل حتى تحرير الجنوب اللبناني في شهر مايو (أيار) 2000».

النفوذ الإيراني

ويبدو أنه لم يُكتَب للبنان أن يتحرر من سيطرة القوى الخارجية على قراره؛ فبعد إخراج «منظمة التحرير الفلسطينية»، ورئيسها ياسر عرفات من بيروت، على يد الإسرائيليين، في عام 1982، ومن طرابلس (شمال لبنان) على يد الجيش السوري، ونقلها إلى تونس، لم يتغيّر الواقع الأمني؛ حيث أطبق النظام السوري سيطرته على لبنان. وبعد خروج الأخير في عام 2005 جاء النفوذ الإيراني الذي أحكم قبضته بشكل مطلق.

ورأى الدكتور خطار أبو دياب أن «الإمعان في إضعاف الدولة وسيطرة (حزب الله) ومِن خلفه إيران على قرارها تسبب بحرب يوليو (تموز) 2006، وتنفيذ عملية بريّة واسعة». وأضاف: «الآن نشهد على لعبة خطرة تهدد مستقبل لبنان وكيانه».

وحذّر أبو دياب من «تجاهل التهديد الإسرائيلي بالتدخّل البري، وقد حشد 6 فرق عسكرية مدرّبة، وحاول أن يقنع الحليف الأميركي بأن عمليته ستكون محدودة، لكن ثمة خطورة كبيرة بألا يكتفي الإسرائيليون بالتقدّم عبر الجبهة الجنوبية، فقد يتجهون بقاعاً لقطع طرق الإمداد من سوريا إلى لبنان».

وعبَّر أبو دياب عن أسفه لأن «هناك مَن يضحّي بلبنان (في إشارة إلى إيران) كما ضحّى بغزة، ولذلك لا يمكن أن ننقذ بلدنا إلّا عبر استعادة الدولة لتأخذ دورها وقرارها».


مقالات ذات صلة

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

المشرق العربي لبنانيون يشاهدون من جانب الطريق الدخان يتصاعد نتيجة قصف إسرائيلي على ضاحية بيروت الجنوبية (رويترز)

تقرير: إسرائيل تطالب بإبعاد فرنسا عن اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

نشرت القناة 12 الإسرائيلية تفاصيل عما وصفته بأنه «النقاط العالقة» بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني للوصول إلى وقف لإطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي خلال زيارته وزارة الدفاع (حسابه عبر منصة إكس)

ميقاتي: اللبنانيون مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم

أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن «اللبنانيين مصرون رغم كل الظروف على إحياء ذكرى استقلالهم لإيمانهم بما تحمل لهم من معاني الحرية والسيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والملك عبد الله الثاني بن الحسين ويظهر الشيخ عبد الله بن زايد وأيمن الصفدي وعدد من المسؤولين خلال اللقاء (وام)

تأكيد إماراتي أردني على أهمية تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، بحث مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني بن الحسين، قضايا المنطقة والعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي مسيّرة إسرائيليّة من نوع (هرمز 450)

«حزب الله» يعلن إسقاط مسيّرة إسرائيلية من طراز «هرمز 450» فوق الطيبة

أعلنت جماعة حزب الله اللبنانية، في ساعة مبكرة من صباح اليوم الثلاثاء، أنها أسقطت مسيرة إسرائيلية بصاروخ أرض-جو في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (هرمز 450)
المشرق العربي عناصر من خدمة الطوارئ الإسرائيلية في مكان سقوط مقذوف في حيفا أطلق من لبنان (رويترز)

الجيش الإسرائيلي: سقوط صواريخ أطلقها «حزب الله» على حيفا وتضرر كنيس

أعلن الجيش الإسرائيلي تضرر كنيس في «هجوم صاروخي كبير» شنه «حزب الله» اللبناني على مدينة حيفا (شمال غرب)؛ ما أسفر عن إصابة شخصين.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

أنقرة: الأسد لا يريد عودة السلام إلى بلاده

قصف مدفعي تركي على ريف منبج (المرصد السوري)
قصف مدفعي تركي على ريف منبج (المرصد السوري)
TT

أنقرة: الأسد لا يريد عودة السلام إلى بلاده

قصف مدفعي تركي على ريف منبج (المرصد السوري)
قصف مدفعي تركي على ريف منبج (المرصد السوري)

رأت أنقرة أنَّ الرئيس السوري، بشار الأسد، لا يريد السلام في بلاده، وحذرت من أن محاولات إسرائيل لنشر الحرب في الشرق الأوسط بدأت تهدد البيئة التي خلقتها «عملية آستانة»، التي أوقفت إراقة الدماء في سوريا. وأكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أنَّ جهود روسيا وإيران، في إطار «مسار آستانة» للحل السياسي مهمة للحفاظ على الهدوء الميداني، لافتاً إلى استمرار المشاورات التي بدأت مع أميركا بشأن الأزمة السورية.

وقال فيدان، خلال كلمة في البرلمان، إنَّ تركيا لا يمكنها مناقشة الانسحاب من سوريا إلا بعد قبول دستور جديد وإجراء انتخابات وتأمين الحدود، مضيفاً أن موقف إدارة الأسد يجعلنا نتصور الأمر على أنه «لا أريد العودة إلى السلام».