نازحو الجنوب تحت وقع صدمة النجاة: كل شيء يعوّض إلا الأرواح

20 ألف شخص هربوا إلى إقليم الخروب توزعوا على المنازل والمدارس

حافلة صغيرة تقلّ نازحين من الجنوب على طريق صيدا - بيروت (د.ب.أ)
حافلة صغيرة تقلّ نازحين من الجنوب على طريق صيدا - بيروت (د.ب.أ)
TT

نازحو الجنوب تحت وقع صدمة النجاة: كل شيء يعوّض إلا الأرواح

حافلة صغيرة تقلّ نازحين من الجنوب على طريق صيدا - بيروت (د.ب.أ)
حافلة صغيرة تقلّ نازحين من الجنوب على طريق صيدا - بيروت (د.ب.أ)

يروي النازحون في إقليم الخروب (جبل لبنان) حكايات نزوحهم والدموع في عيونهم. يأسفون على منازلهم وأملاكهم، لكنهم يتمسّكون بمقولة «كل شيء يعوّض إلا الأرواح».

بعضهم ينزح للمرة الثانية بعدما كان قد هرب في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) من القرى الحدودية إلى مناطق أكثر أمناً، والبعض الآخر لم يكن يتوقع أن تطول الحرب كل هذه المدة ويضطر إلى أن يترك منزله. وهذا ما تعبّر عنه أم إبراهيم عز الدين، النازحة من بلدة باريش في قضاء صور، وهي تشتري حاجياتها الأساسية من المحلات المكتظة بنازحي الجنوب في الإقليم. وتقول باكية: «يوم الاثنين، سقطت قذيفة على منزل جيراننا وقتلت العائلة بأكملها»، قررنا المغادرة، في اللحظة نفسها، وتوجهنا إلى الإقليم؛ حيث كانت وجهتنا في حرب يوليو (تموز) 2006. لكن لم تكن مهمّة إيجاد منزل سهلة، وأمضينا يوماً قبل أن نجد بيتاً في بلدة غريفة مقابل ألف دولار في الشهر الواحد.

وإذا كانت بعض العائلات قادرة على استئجار منازل فإن هناك مئات العائلات التي لم تجد أمامها إلا المدارس التي فُتحت واستُخدمت مراكز إيواء في المنطقة التي استقبلت حتى اليوم نحو 20 ألف شخص، منهم 5 آلاف في المراكز والآخرون في المنازل. وهذا العدد الكبير يجعل تأمين الحاجيات ليس بالأمر السهل حتى الآن، بحيث إن هناك معاناة تأمين العدد الكافي من البطانيات والحرامات، إضافة إلى الطعام، على أمل أن يتم تنظيم الأمور بشكل أفضل في الأيام المقبلة، بحسب ما يقول أحد المنظمين. ويؤكد: «المساعدات التي تصل حتى الآن كلها مبادرات شخصية، ونؤمّن وجبات الطعام كل يوم بيومه».

ويضيف: «يبقى دور (حزب الله) واضحاً في هذه المراكز، إضافة إلى بعض أحزاب المنطقة، وعلى رأسها (الحزب التقدمي الاشتراكي) وفق الخطة التي كانت قد وضعتها الحكومة اللبنانية. وإدارة عناصر الحزب هنا لا تقتصر فقط على توزيع المساعدات والغرف، إنما أيضاً على منع الدخول إلى المراكز والحديث مع النازحين أو التصوير»، مؤكداً: «تريدون معلومات عامة حول عدد النازحين وغير ذلك، نحن نفيدكم بها، أما غير ذلك فممنوع».

في ملعب مدرسة عانوت الرسمية، التي استقبلت حتى الآن 233 شخصاً، يجلس عدد من النساء والرجال في الخارج. الجميع لا يزال تحت صدمة المعاناة التي تكبدوها للنجاة بحياتهم، بينما وجد بعض الأولاد مساحة لهم للعب والترفيه في ملعب المدرسة؛ حيث يتولى «كشافة التربية» مهمة تنظيم بعض النشاطات لهم.

أطفال يلعبون في ملعب مدرسة عانوت التي تستقبل عائلات نازحة من الجنوب (الشرق الأوسط)

غالبية العائلات التي وصلت منذ وقت قصير أمضت ساعات طويلة في الطريق لتجد سقفاً آمناً في «منطقة استقبلنا أهلها الذين لهم دين علينا حتى مماتنا»، بحسب ما يقول فايز رضا الذي كان قد نزح من بلدة مروحين إلى صور، ومن ثم اليوم إلى بلدة عانوت. يتحسّر رضا الستيني، على بيته ومنازل أبنائه، قائلاً: «منذ نحو 3 أشهر كان قد تبقى 15 منزلاً في مروحين، أما اليوم من المؤكد أنها باتت كلّها مدمّرة». ويضيف في حرب تموز 2006 خسرت أمي وأولاد أخي، واليوم مات أقرباؤنا أمام أعيننا في القصف الإسرائيلي.

وفي زاوية أخرى من الملعب يجلس محمد الخضر وعائلته الهاربة من بلدة مروحين التي غادروها في 8 أكتوبر إلى بلدة القليلة، لكن الاثنين الماضي حين اشتد القصف على البلدة وجدوا أنفسهم نازحين مرة ثانية باتجاه صيدا في الجنوب، ومن ثم إلى إقليم الخروب. وهنا حيث باتت المدرسة بيتاً جامعاً لكل العائلات، شاءت الصدف أن تجتمع عائلة الخضر مع الحاجة (م)، التي لا تذكر إلا اسمها ولم تعد تذكر كيف وصلت إلى هذه المدرسة. تجلس الحاجة وحيدة وتنظر إلى كل مَن حولها مبتسمة، وعند سؤالها كيف وصلتِ إلى هنا تصمت قليلاً، وتقول «لم أعد أذكر».

أطفال يلهون في أحد مراكز النزوح (أ.ف.ب)

وعلى بُعد مئات الأمتار، تحوّلت أيضاً مدرسة داريا الرسمية إلى مركز إيواء صغير يجمع حتى الآن نحو 9 عائلات من بلدة الدوير، إضافة إلى عائلات أخرى أتت من بلدات أخرى من الجنوب. تخرج أم محمد وأحفادها وشقيقها وزوجته من أحد صفوف الطابق الأول والدموع في عيونهم ليحكوا حكاية نزوحهم. وتقول: «لولا الأطفال لما قررنا مغادرة منازلنا، لكن لا يمكن أن نبقيهم تحت القصف والخطر... طيلة 11 شهراً كنا قادرين على الصمود ما دمنا قادرين على تأمين الخبز والطعام، لكن بعد التصعيد غير المسبوق، كنا سنموت تحت القصف أو من الجوع بعدما أقفلت المحال كلها وغادر الناس كلهم المنطقة». وتضيف: «استفقنا يوم الاثنين كالعادة وكنت وإخوتي على موعد أن نلتقي جميعاً، خرجت من المنزل وفجأة بدأ القصف بشكل غير مسبوق، اتصلنا ببعضنا بعضاً وقررنا المغادرة». تردّ زوجة أخيها لتقول: «خرجنا كما نحن، ولا نذكر إذا كنا قد أغلقنا باب بيتنا جيداً، أم لا» لتعود وتقول ضاحكة: «معنا جرّة الغاز التي كانت بالصدفة بالسيارة»، وهنا يردّ شاب من خلفها قائلاً: «هربت من العمل وها أنا بثياب الشغل منذ 3 أيام، لكن لا مشكلة، الحمد لله على كل شيء».

زحمة سير خانقة شهدتها طريق الجنوب - بيروت بين يومي الاثنين والثلاثاء نتيجة نزوح العائلات من قرى الجنوب (أ.ف.ب)


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي: سنقصف الليلة مصالح مالية لـ«حزب الله»

شؤون إقليمية تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت فجر اليوم (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي: سنقصف الليلة مصالح مالية لـ«حزب الله»

قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، الأحد، إن قوات بلاده «ستبدأ مهاجمة بنى تحتية تابعة لجمعية القرض الحسن التابعة لـ(حزب الله)».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي غارات إسرائيلية على منشآت لـ«حزب الله» في ضاحية بيروت الجنوبية الأحد (أ.ب) play-circle 00:18

إسرائيل تعلن اغتيال 3 قادة من «حزب الله»

أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، أن مقاتلاته قتلت 3 من قادة «حزب الله».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي اللبناني حسين حمزة محاطاً بالكلاب التي يهتم بها (الشرق الأوسط)

لبناني يرفض مغادرة الجنوب لمساعدة الحيوانات: أشعر بالسعادة عند إطعامها

يرفض اللبناني حسين حمزة ترك الجنوب الذي يرزح تحت القصف منذ أكثر من سنة. يرى أن مسؤوليته هي الاهتمام بالحيوانات التي تركت لمصيرها.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي الدفاع الجوي الإسرائيلي يعترض صواريخ أُطلقت من جنوب لبنان فوق الجليل (إ.ب.أ)

«حزب الله» يعلن قصف قاعدة عسكرية بصفد... وإسرائيل ترصد إطلاق 70 مقذوفاً

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (الأحد)، أنه رصد نحو 70 مقذوفاً أُطلِقت من لبنان نحو الدولة العبرية خلال دقائق، مؤكداً أن منظومة الدفاع الجوي اعترضت بعضها.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي عصافير في سماء الضاحية الجنوبية لبيروت إثر استهدافها بالغارات الإسرائيلية (رويترز)

«حزب الله» يكثف إطلاق الصواريخ نحو مدن ومستعمرات شمال إسرائيل

شهدت المواجهات بين «حزب الله» وإسرائيل تصعيداً نوعياً مع محاولة اغتيال «حزب الله» رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو

«الشرق الأوسط» (بيروت)

كردستان ينتخب البرلمان السادس... ومحاولات لتغيير «ميزان القوى»

ناخبون كرديون يُدلون بأصواتهم في سادس انتخابات تشريعية بكردستان العراق (أ.ف.ب)
ناخبون كرديون يُدلون بأصواتهم في سادس انتخابات تشريعية بكردستان العراق (أ.ف.ب)
TT

كردستان ينتخب البرلمان السادس... ومحاولات لتغيير «ميزان القوى»

ناخبون كرديون يُدلون بأصواتهم في سادس انتخابات تشريعية بكردستان العراق (أ.ف.ب)
ناخبون كرديون يُدلون بأصواتهم في سادس انتخابات تشريعية بكردستان العراق (أ.ف.ب)

في سادس انتخابات يشهدها إقليم كردستان، صوَّت الناخبون الكرد لاختيار ممثليهم في البرلمان الجديد، بعد تأجيل وتأخير لموعد الاقتراع منذ العام الماضي، بينما تقول أحزاب ناشئة إنها تعمل على تغيير ميزان القوى.

ومِن شأن النتائج التي قد تعلَن بشكل أولي، غداً الاثنين، أن تفضي إلى حكومة جديدة، بعد مفاوضات بين القوى الفائزة، دون توقعات بتغيير جذري في ميزان القوى.

وخلال الدورات الانتخابية السابقة، سيطر الحزبان الرئيسيان على المناصب الحكومية، وهما «الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، و«الاتحاد الوطني الكردستاني» بزعامة بافل طالباني.

وتقول أحزاب ناشئة إنها تعمل لكسر هذه الثنائية، لكن ليس من الواضح إن كانت ستشارك في الحكومة الجديدة، أم تلتزم مقاعد المعارضة في البرلمان.

البرلمان السادس

ومنذ صباح الأحد، توجّه آلاف الناخبين إلى صناديق الاقتراع، دون تسجيل مخالفات كبيرة، وفقاً لمسؤولي مفوضية الانتخابات.

ويحقّ لأكثر من مليونين ونصف المليون ناخب في الانتخابات اختيار 100 نائب في البرلمان السادس. ووفقاً للمفوضية، فإن 16 قنصلية، و15 منظمة، و22 وسيلة إعلامية دولية، تتولى المراقبة والرصد.

وأغلقت مراكز الاقتراع، التي يزيد عددها على 1200، أبوابها عند الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي، لانتخاب 100 عضو في البرلمان، ما لا يقلّ عن 30 في المائة منهم نساء.

وقال رئيس الحكومة الاتحادية، محمد شياع السوداني، إن إجراء الانتخابات في إقليم كردستان «ترسيخ للخيار الديمقراطي».

ووفق تقدير وسائل إعلام محلية، فإن نسبة التصويت في عموم الدوائر الأربع قد تتجاوز 50 في المائة. وقال عمر أحمد، رئيس مجلس المفوضين: «التصويت العام جرى على نحو جيد وسلس»، وأضاف: «النتائج الأولية ستعلَن بعد 24 ساعة».

ومع ذلك، أفاد صحافيون ومراقبون بأن عملية التصويت شهدت إشكاليات في عدد من المراكز، أبرزها عدم ظهور بصمة ناخبين، ولا سيما كبار السن.

وبلغت النسبة في انتخابات الأخيرة عام 2018 نحو 59 في المائة، وفقاً لموقع البرلمان الكردي.

رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني أبرز مرشحي «الحزب الديمقراطي» (أ.ف.ب)

رقابة دولية

وهذا أول اقتراع في كردستان تشرف عليه «المفوضية العليا المستقلة في الانتخابات»، التي تعمل تحت سلطة بغداد، في حين سجلت منظمات دولية حضورها للمراقبة.

وأكدت السفيرة الأميركية لدى العراق، إلينا رومانسكي، أن واشنطن تُراقب انتخابات إقليم كردستان. وقالت، في منشور على «إكس»، إن «متطوعين من البعثة الأميركية في العراق حضروا في مراكز الاقتراع بإقليم كردستان، برفقة خبراء دوليين في شؤون الانتخابات، وممثلين عن البعثات الدبلوماسية الأخرى؛ لمراقبة سير العملية الانتخابية».

وأعربت بعثة الأمم المتحدة في العراق عن أملها بأن تسير عملية الاقتراع في كردستان «بشكل سلمي». وقال ممثل البعثة محمد الحسان، في تصريح متلفز، إن «اليوم تاريخي في إقليم كردستان، ونأمل أن تجري العملية بشكلٍ سلمي ومنظم، بشكلٍ يعكس حضارة شعب كردستان».

وأعلنت وزارة الداخلية في الإقليم أنها شددت إجراءات التفتيش للناخبين قبل دخولهم مراكز الاقتراع، وسمحت للصحافيين المُجازين فقط بإدخال الهواتف الخلوية مراكز الاقتراع.

وقالت الوزارة إنها «منعت المرشحين من الاقتراب لأكثر من 150 متراً من مراكز الاقتراع، ووفق المسافة نفسها أُزيلت جميع صور وإعلانات القوائم والمرشحين».

قباد طالباني أبرز مرشحي «الاتحاد الوطني الكردستاني» (رويترز)

ميزان القوى

بعد الإدلاء بصوته، قال رئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، وهو أحد المرشحين في الانتخابات، إنه «يأمل أن يعاقب الناخبون من يحاول التلاعب بمصيرهم وحقوقهم».

وقال المنافس عن «الاتحاد الوطني الكردستاني»، قباد طالباني، إن «هذه الانتخابات يمكن أن تكون بداية التغيير الحقيقي في الإقليم الكردي، الذي يتمتع بالحكم الذاتي حتى قبل سقوط نظام صدام حسين عام 2003 بنحو عقد كامل». وتابع: «سنتمكن من تصحيح مسار الحكم، وبعد الانتخابات ستبدأ عملية تشكيل الحكومة الجديدة».

من جانبه، رأى الناطق الرسمي باسم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» محمود محمد أن تشكيل الحكومة المقبلة يتوقف على رؤية الأطراف الفائزة، بعد إعلان النتائج النهائية لهذه الانتخابات.

ودعا محمود محمد جميع القوى السياسية إلى «التعامل بحساسية ومسؤولية مع الانتخابات»، وقال: «لا يجوز النظر من خلال المصلحة الحزبية الضيقة فحسب». ومع ذلك شدَّد المتحدث الكردي على أن «الحزب الديمقراطي سيكون الأول بلا منافس».

التصويت الخاص بالعسكريين أُجري يوم 18 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

من جهتها، أكدت رئيسة كتلة حزب «الجيل الجديد» في البرلمان العراقي، سروة عبد الواحد، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، أن «انتخابات إقليم كردستان ستُنهي احتكار السلطة من قِبل الحزب الديمقراطي الكردستاني».

وأضافت عبد الواحد، التي تشير التوقعات إلى أن حزبها «الجيل الجديد» سوف يحتل المرتبة الثالثة في الانتخابات، أن هناك «احتمالات بتغيير في الخريطة السياسية بالإقليم». وتابعت: «لن يكون هناك حزب يحصل على (نصف زائد واحد)، وهذا ما يجعله مرناً في تعامله السياسي».

وأكدت أن «الانتخابات هي الأهم منذ عام 1992، ولن تتكرر الفرصة للقوى المعارضة».

وأوضحت أن «الحزب الديمقراطي لن يستطيع، بعد اليوم، التحكم بالمناصب المهمة، خاصة رئاستي الإقليم والحكومة، بالإضافة إلى خمس مناصب أخرى في الإقليم».

من جانبه، قال شالاو كوسرت، رئيس قائمة الاتحاد الوطني الكردستاني في أربيل، إنه يُعوّل على إجراء تغيير جذري في السلطة، عقب الانتخابات، بينما شدد رئیس جماعة العدل الكردستانية علي بابير، على «منع أي محاولة لتزوير النتائج»، على حد تعبيره.